|
جَــبْــلــة |
|
|
قد نذكرُ أنّ السلطانَ ابراهيمَ الـممـلوكيَّ بنى مسجدَهُ الجامعَ ذا القببِ الخمسِ ، هنا … ليس البحرُ بعيداً ليس البحرُ قريباً لكنّ الأسماكَ الحُــمْــرَ ، الحُـرّةَ ، قد طُـمِـغَـتْ باسمِ السلطانِ السلطانِ ابراهيمَ ؛ كذلك أهلُ الساحلِ والنسوةُ تحت غطاءِ الرأسِ التركيّ وأسواقُ البلدةِ والمـحتسبُ … الليلُ على هذا الشاطيءِ من أحجار المتوسِّــطِ يهبطُ مثلَ مُـلاءاتٍ ليس لها لونٌ أو رفرفــةٌ . قد يصلُ الصيّــادونَ الآنَ إلى الـمرفأِ بينَ شِــباكٍ وقناديلَ وألواحٍ كانت تَــخْــضَــلُّ ؛ وقد تنبعثُ الـجَــرّةُ كاللوتسِ من قاعِ البحرِ الرومانيّ … السلطانُ الـممـلوكيُّ ( أنا في الـمقهى أكتبُ . لا أدري كيفَ أُقيمُ اللحظةَ حاجزَ صوتٍ ! كنتُ تعلّـمتُ كتابةَ أشعارٍ في مقهىً باريســيٍّ ) وأُتابِــعُ : إنّ السلطانَ الـمملوكيَّ تَـعَـمّـدَ أن يجعلَ حاجزَهُ بين الجامعِ والرومانِ ، رمالاً … ( شــرَعَ المقهى يكتظُّ ، وأقربُ طاولةٍ تتأجّــجُ بالضحكاتِ ، ونارِ الأرجيـــلةِ ) إن العشبَ قويٌّ العشبُ قويٌّ والعشبُ يُـغَـلْــغِــلُ في الحَــجَـــرِ الدمَ أخضــرَ والــماءَ وما يجعلُ ما يَـفْــصِــلُ ، يَـتَّــصِــلُ … ( اشتقتُ إلى بيتي بالضاحيةِ البيضاءِ تماماً ، أعني بيتي في لندنَ واشتقتُ إلى رُكني في بارِ الـبَــحّــارةِ ؛ ) طبعاً ، ســأُخَــفَّـفُ وَطْءً في البرزخِ بين الجامعِ والصَّــرْحِ الرومانيّ … وسوف أُتَــمْــتِــمُ في السِّــرِّ صلاةً غامضةً … …..…………….. ………………… ………………… أَشــياخي في الخلوةِ ؛ هذا الليلُ طويلٌ ، مكتـنِــزُ الأســرار ومنتــظِــرٌ آياتِ الســـامرِ والـبَــحّــار … دمشق 31/3/2005 ــــــــــ * جَـبْـلة : مرفأٌ فينيقيّ على الساحل السوريّ بين طرطوس واللاذقية . |
|
ولــماذا لا أكتبُ عن كارل ماركس؟ |
|
|
حقاً : لِـمَ لا أكتبُ عن كارل ماركس؟ فالأيامُ الإثنا عشرَ الثلجيةُ قد رحلتْ مثل غيومٍ بِيضٍ في بحرٍ أســودَ ، والسنجابُ يعودُ ونقّــارُ الخشبِ ؛ البطُّ الوحشــيُّ يواصلُ هِجــرتَــهُ وحَـمامُ الدَّغْــلِ يعود لينقرَ في البستان … هواءُ ربيعٍ أوّلُ والخيلُ ســترمي عن صهواتِ الخيلِ دثارَ الصوفِ ، وأسمعُ في الفجرِ أغاريدَ لطيرٍ منفردٍ … ………… ………… ………… ستقولُ : وما شأنُ الألــمانيّ ، طريدِ العالَــمِ ، في هذا؟ عجبــاً ! أ وَلَـمْ تعلمْ كيف أحَبَّ الشِّـعرَ ؟ وهل تعرفُ مَـن شـاعرُهُ ؟ ثمّ هنالك أمرٌ : نحن ، الإثـنَـينِ ، هبطْـنا لندنَ في أيّـامٍ تتماثلُ … نحن طريدا حرسٍ ( زُرقِ العيونِ عليها أوجُــهٌ سُــودُ ) . …………….. ……………. ……………. ولماذا لا أكتبُ عن كارل ماركس ؟ قرأتُ بمكتبة المتحف أشعاري ( حيث تكَـوَّنَ رأسُ المالِ ) وبحثتُ طويلاً في لِـسْــتَـرْ سْـكْـوَير Leicester Square لعلِّــي ألقى مـنـزلَــهُ ، وفي ســوهو Soho أيضاً ... وأخيراً أخبرني يوجين كامينكا Eugene Kaminka عن آخر عنوانٍ للثوريّ الألمانيّ ، بلندنَ : 9 Grafton Terrace Maitland Park Hampstead Road Haverstock Hill ( كامينكا ، هو أستاذٌ في تاريخ الأفكار بكانْـبَـيْـرّا ) * لكني لستُ ذكيّـاً مثل وكيل البوليس السريّ الألمانيّ ، ولهذا حتى بعد سنينٍ خمسٍ من أسئلةٍ وطوافٍ لم أعرف أين يقيمُ … ولكنك تسألُـني : أ وَلَـمْ يُدفَنْ في هايجيت Highgate ( أو في المتحفِ ، حسبَ الليدي ثاتشــر ؟ ) فأقولُ : صديقي حَـيٌّ لم يُدفَنْ في هايجيت ، ولا في المتحفِ لكني لم ألْـقَ له أتباعاً ومُـريدينَ هنا ، إني أنتظرُ الآتينَ من الـحَـجَـرِ الأولِ … قُلتُ إذاً سـأُلخِّصُ تقريرَ وكيلِ البوليس السرّيّ الألمانيّ . ملحوظة : A Prussian Police Agent’s Report, Published in G.Mayer, “ Neue Beitrage zur Biographie von Karl Marx" , In Grunberg’s Archiv, Vol.10, pp.56-63. التقـــرير الذي لم يُكتَبْ في الأصل باللغة العربية ماركس متوسط القامة ، عمره 34 سنة ، أخذ شعره يشيب بالرغم من أنه في ريعانه . قويّ البِنية ، تشبه ملامحُـه زيمير Szemere ] رئيس وزراء الحكومة الثورية الهنغارية قصيرة العمر في 1848 ، الذي كان صديقاً لـماركس[ ، لكنّ سحنته أغمق ، كما أن شعره ولحيته أسـودان . الأخير لا يحلق شعره ؛ وفي عينيه الواسعتين النفّاذتين شــيءٌ شيطانيٌّ . لكن المرء يستطيع القول منذ الوهلة الأولى إن هذا الرجل ذو عبقرية وقوّة . إن ذكاءه المتفوق يمارس تأثيراً لا يقاوَم في ما يحيط به . في حياته الخاصة ، لا يحبّ النظام ، مريرٌ ، وسيّء المزاج . إنه يحيا حياة الغجريّ ، حياة مثقفٍ بوهيميّ ، أمّـا الإغتسال والـمَشط وتبديل الثياب فلا يكاد يعرفها إلا نادراً . يستمتع بالشراب . وهو في الغالب لا يفعل شيئاً أياماً وأيّـاماً ، لكن إن كان لديه عملٌ يؤدِّيه اشتغلَ ليلَ نهارَ في مثابرةٍ لا تكِـلُّ . ليس لديه وقتٌ محددٌ للمنام والإستيقاظ . وغالباً ما يسهر الليلَ كلَّـه ، ثم يتمدد على الأريكة بكامل ملابسه حوالَي الظهيرة ، وينام حتى المســاء ، غير عابيءٍ بحقيقة أن العالَـمَ يتحركُ جيئةً وذهاباً في غرفته . زوجته هي أختُ الوزير البروسيّ ، فون ويستفالِـنْ ، وهي امرأةٌ مهذّبةٌ لطيفةُ المعشر ، عوّدتْ نفسَها على هذه العِيشة البوهيمية ، حبّـاً بزوجها ، وهي مرتاحةٌ الآنَ تماماً في هذا البؤس . لديها ابنتان وولدٌ ، والثلاثة حسنو الهندام حقاً ، وعيونهم ذكيةٌ مثل عيني أبيهم . ماركس ، زوجاً وأباً ، أفضل الرجال وأرقُّهم ، بالرغم من شخصيته القلِـقة . يعيش ماركس في حيٍّ من أسوأ أحياء لندن أي من أرخصها . لديه غرفتان . إحداهما تطلّ على الشارع وهي الصالون ، غرفة النوم في الخلف . وليس في الشقّة كلها قطعة أثاث ثابتة نظيفة . كل شيءٍ مكسورٌ ، مهتريءٌ وممزّقٌ ؛ وثمّتَ طبقةٌ ثخينةٌ من الغبار في كل مكانٍ . وفي كل مكانٍ أيضاً الفوضى العظمى. وسط الصالون طاولةٌ ذات طرازٍ عتيقٍ مغطّـاةٌ بمشمَّـعٍ . على هذه الطاولة مخطوطاته ، وكتبه وصحفه ، ثم دُمى الأطفال ، وأدوات زوجته للترقيع والخياطة ، مع عددٍ من الأكواب مثلومة الحافات ، والملاعق القذرة ، والسكاكين والشوكات والمصابيح ، وهناك محبرةٌ ، وكؤوسٌ ، وغلايين فخّار هولندية ، ورماد تبِغٍ – أي أن كل شيء على أسوأ حالٍ ، وعلى الطاولة إيّـاها . إن أدنى الناس سيرتدُّ خجِلاً من هذه المجموعة المرموقة . حين تدخل غرفة ماركس ، يدهمك الدخان وأدخنة التبغ حتى لتدمع عيناك كأنك تتلمّس طريقك في كهف . وبالتدريج ، تعتاد عيناك على الضباب ، وتبدآنِ تميِّـزان أشياءَ قليلةً . كل شيءٍ قذرٌ مغطّى بالغبار . والجلوسُ خطِــرٌ . أحد الكراسي له ثلاث أرجلٍ فقط . وعلى كرسيّ آخر صادفَ أنه متماسكٌ يلعب الأطفال لعبة الطهي . هذا الكرسيّ يقَـدَّمُ إلى الزائر ، لكن طهي الأطفال يظل في مكانه . إنْ جلستَ ضحّيتَ بسروالك. لا شــيء من هذا يضايق ماركس أو زوجته . أنتَ تُستَقبَلُ خيرَ استقبالٍ . ويقَدّمُ لك الغليون والتبِغُ وما سوى ذلك بكل كرمٍ ، كما أن الحديث اللطيف المفعَم بالروح كفيلٌ بالترميم الجزئي للنواقص . بل أن المرء ليعتاد العِشــرةَ ، ويرى هذه الحلْـقةَ مثيرةً للاهتمام وأصيلةً . ها هي ذي الصورة الحقيقية للحياة العائلية للزعيم الشيوعيّ ، ماركس … * هَـــــيْ ! هَـــــــيْ ! هَـــــــــيْ ! أ وَما قلتُ لكم : إنّــا لم نعرفْ كارل ماركس ؟ لندن 7/3/2005 |
رسالــةٌ أخـيرةٌ من الأخضر بن يوســف |
|
|
عزيزي : أنا الآنَ لا أتردَّدُ في أن أُحَـيِّـــــــــــيكَ . ( في أنْ أُصَـبِّحَ يومَكَ بالخيرِ ) مَـرَّ زمانٌ عـلينا ، ولم نَلْتـقِ . الصبحَ فـكّرتُ … قلتُ البــــــــــريدُ الـذي كان منقطعــاً في الحــروبِ ، وفي مَـهْـمَــهِ الثورةِ المستـحيلةِ ، قد بـدأَ . الأصــدقاءُ الذين غـدَوا جُزُراً في محيطٍ من الـمـعدِنِ الذائــبِ الـــتفتوا ، فجأةً ، نحو أنـفُـسِهِـم واستراحوا على فحمةِ الليلِ كي يكتبوا . هل يقولون شيئاً ؟ أتحسَــبهم قائلينَ ؟ انتظرتُ ، فـلـم أسْــتَـرِقْ نأْمةً . واســتَرَقتُ ، فلم أعـتَـبِــرْ نَـغْمـةً . حِـيْـنَها ، وأُصارِحُكَ القولَ فـكّــرْتُ فيكَ …السلامُ عليكَ ! السلامُ على دارةٍ أنتَ فيها ! السلامُ على حَـيرةٍ أنتَ فيها ! أتعرفُ أنيَ طوَّفتُ أبعدَ ممّـا تظنُّ ؟ لقد كنتَ تسْــخَـرُ بي ، كنتَ تحسَـبُني وادِعاً أو جـباناً . أتذكرُ ؟ يومَ انبطَـحْـنا على رملِ ساحلِ " أَبْـيَـنَ " ظلَّ الرصاصُ يَـئِـزُّ . ولم أرتجِفْ … وفي صيفِ بيروتَ ، صيفِ الضواحي ، تطلَّعتُ في الموقعِ الـمتـقدِّمِ . كانت على مـدخلِ الـحَيّ دبّــابةٌ . كانت الطائراتُ الـمُـغِــيراتُ تُـلقـي صواريخَـها . غيرَ أنكَ كنتَ الدِينامِيتَ في عُـلْـبةِ الخشبِ . اليومَ حاولتُ أنْ أتَـبَـيَّـنَ ما كنتَ تكـنِـزُهُ آنذاكَ … تُرى ، كنتَ تأمُـلُ في أن ترى الـمَوجتَـينِ وقد غَــدَتا موجةً ؟ ربَّــما ! لستُ أدري … وهاأنتذا تتلقّى الرسالةَ هاأنتذا تتقرّى الرسالةَ ها أنتذا ، آ … وهاأنذا … ……………………… ……………………… ……………………… نضربُ الصّــنجَ ، ثانيةً ، في العــراءْ . لندن 27/5/2005 |
|
هَـلْـوَســةٌ خَــفـيفــةٌ |
|
|
ولأنّ الــمـطـرْ منذُ أن جئتَ تسكنُ في تَــلّــةِ الضاحيةْ - خامِلٌ دائمٌ ماثلٌ مثلَ بابِ الحديقةِ أو مَـدخَـلِ البيتِ ، مثلَ جذوعِ الشــجــرْ … صِـرْتَ تحلمُ ، مستيقِظاً ، بالــمــطــرْ … مطرٍ يتكوّنُ من وردةٍ متناثرةٍ في الرذاذ ْ مطرِ القطَــراتِ الكبيــرةْ مطرِ الموجِ يغمرُ قمصانَ بَـحّـارةٍ تـائهين مطرِ الرحمةِ الإستوائيّ في الـزوبعــةْ مطرٍ لستَ تَـمْـلِكُ أنْ تســمعَــهْ : مطرٍ من جرادْ مطرٍ في عروقِ البلادْ مطرٍ من رمــادْ … لندن 1/6/2005 |
الإصـــغــاءُ |
|
|
بينَ حينٍ وآخرَ (واقرأْ هنا : بينَ عامٍ وآخرَ ) أُصغِــي إلى نبضِ قلبي … ( أتحسَـبُ ما قـلـتُــهُ لعبةً أو مَجازاً ؟ ) أقولُ : أُحاولُ أن أتَـثَـبّـتَ من نبضِ قلبي وأن أُرهفَ السَّــمعَ ؛ أجلسُ مسترخِـياً والنوافذُ مُـحْــكَــمَـةٌ لا هديرَ محرِّكِ سيّــارةٍ لا رياحَ ولا مطرٌ يتــمــرَّغُ فوقَ الزجاجِ الـمـضاعَفِ … أُسْــبِــلُ جـَفـنَــيَّ أُرْخِـي ذراعَــيَّ أُرهِفُ ســمعي : أدَقَّ . أدَقَّ . أدَقَّ … وأخفِضُ رأسي يساراً ، فيلمُسُ حَــنْكِــي قميصي الطريَّ الذي ابتعتُــهُ أمسِ . يا قلبُ يا قلبُ أيُّ الرفيقَــينِ نحنُ ؟ أ في كلِ عامٍ تحدَّثُـني مرّةً ، فأردُّ عيكَ السلامَ ؟ الكلامَ الحياةَ الـمؤجَّــلةَ … الآنَ أســمَعُ صوتَكَ نبضَــكَ كالبوقِ … أهيَ ســرايا الخيول التي تتقدَّمُ في السَّـهْـبِ ؟ أَمْ هو بوقُ الـنُّـشُــور … لندن 19/4/2005 |
|
|
|
<< البداية < السابق 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 التالى > النهاية >>
|
Page 5 of 11 |