" في رحيل كامل شياع " القــتــلُ مَـــرّتــينِ |
|
|
ســعدي يوســف التقيتُ كامل شياع ، للمرة الأولى ، في بلدةٍ هولنديةٍ على الحدود الألمانية ، حيث عُقِدَ ملتقىً للإعلاميين الشيوعيين ، ثم في العاصمة لاهاي ، حيث أقيمَ مَنْشَطٌ ثقافيّ عامٌّ . كان الرجل ، في منتهى الدماثة والذوق ، قدّمني في الأمسية الشعرية ، وغادر المكان بعد التقديم مباشرةً ، ليلحقَ بالقطار المتجه إلى بلجيكا ، مقامه حتى عودته المشؤومة إلى العراق المحتلّ . ما كنتُ قرأتُ لكامل شياع شيئاً حتى ذلك الوقت ، لكني تتبّعتُ محاضرته عن " الإمبراطورية " بإعجاب . ولم أقرأ له شيئاً بعد ذلك . كامل شياع لم يطبع كتاباً . هو نفسه ، كان كتاباً متنقلاً .
* زار لندن قبل أشهر . لم أره . اتّصلتُ بأخيه فيصل ، رجاء أن يخبره بتحيتي ، وبنصيحتي له ألاّ يعود إلى المستعمَرة . كنتُ خائفاً عليه حقاً . * ماذا كان يفعل في " بغداد الجديدة" ؟ أكان يكتب افتتاحياتِ صحيفةٍ ، مُرتجَــعُــها أكثرُ من مطبوعِها ؟ أكان يكتب خطاباتٍ لا معنىً لها ، لأناسٍ لا معنى لهم ؟ أكان يحاولُ أن يرممَ صورةً شائنةً عصيّةً على الترميم ، صورةَ العراقِ المستعبَدِ المحتلّ ؟ في زورته لندنَ ، ألقى محاضرةً عن الوضع الثقافيّ في العراق . حاولَ أن يتفادى ، بلباقةٍ ، اسئلةً ظـنَّها محرجةً . كان يدافعُ عمّا لايمكنُ الدفاعُ عنه . * لقد قُتِل كامل شياع ، بمسدّسٍ قديمٍ ذي ماسورتَينِ ، ماسورتَينِ لهما توقيتٌ مختلف : انطلقت الماسورةُ الأولى في العام 2003 ، حين حُشِرَ الرجلُ حشراً ظالماً مع الخونة والعملاء واللصوص في وزارة بول بريمر الأولى . وكان من الأفضل تجنيبه تلك الكأس . أيّامَها اتّصلَ بي من بغداد ، يدعوني إلى هناك . قلتُ له : يا كامل ! لندعْ واحداً منا ، في الأقل ، خارج الكرنفال ... قال : سأكتب عنك قصيدةً ، أُضَـمِّـنُها قولتَكَ ! * الماســورة الثانية ، الأخيرة ، أتمّتْ ما بدأ في 2003 . لندن 27.08.2008
|