ســـعدي يوســف يهبِطُ الغيمُ حتى أعالي الشــجرْ والجذوعُ الــمُعَــرّاةُ تلمعُ في الغبَشِ الورقُ الهشُّ يقطرُ مثل الغسيل الصِــقِـلِّـيِّ والكونُ يُقْـلِعُ … يا مَــرْكــباً في الأعالي : إلى شطِّ من يقْــرعُ الطبلَ خُــذني ! * فجأةً … بعدَ ساعةِ " سُــورَينَ " عندَ اقترابِكَ من سِــيفِ " شطِّ العربْ " ، تلمُسُ الماءَ مرتفعاً في الهواءِ الجدارُ الهُلامُ / الجدارُ الضّـبابُ / الجدارُ الذي يخنقُ النَفَـسَ النفْـسَ يصعدُ شيئاً فشيئاً ليبلغَ قاماتِـنا ثم يعلو علينا فنرتَـدُّ عن ســورِهِ لاهِـــثين . * يهبطُ الغيمُ حتى ترى الزانَ أسودَ في زُرقةٍ ، وترى ساحةَ القريةِ الإنجليزيةِ انكمشتْ عن تفاصيلِــها ، والميازيبَ معشوشباتٍ … كأنّ البذورَ ابتنتْ منزلاً في الســماءِ ؛ انتظرتُ التي ألِــفَتْ منذ شهرٍ تناسي مواعيدِها … وارتضيتُ ، وقد هجرتْ دوحةَ الكستناءِ العصافيرُ ، ذاكَ الغياب . * كنتُ ألهثُ في البصرةِ … الشارعُ الساحليّ اختفى عند ضفّــةِ " شطّ العربْ " … ليس إلاّ قلوعُ سفائنِ شــرقيّ إفريقيا والنوارسُ ، والنخلُ في الـــبُــعدِ … والطبلُ في الــبُعدِ : يا حبّــذا جبلُ النوبانِ من جبلٍ وحبّـذا ساكنُ النوبانِ مَن كانا وحبّـذا نفحاتٌ من يَـمانِـيةٍ تأتيكَ من جبل النوبانِ أحيانا … * ليس في البصرة جبل . جبل سنام ؟ لكننا نُلْــحِــقهُ بالبدو . بالكويت أو شبه الجزيرة . إلاّ أن أهل البصرة يبتدعون جبالَـهم . كلُّ ما ارتفع ذراعاً عن الماء سُــمِّـيَ جبلاً . إذاً في البـصرةِ جبالٌ ! جبل النوبان مثلاً …لكنه ليس جبلاً ، وليس مرتفعاً شبراً عن الماء . إنه الجبل مطلقاً : الأرض التي يرتفعُ بها قَرعُ الطبـولِ الإفريقية . أرضُ الزارِ والسحرِ . أرضُ سفينةِ النحاس التي ستكون ذاتَ ليـلةٍ سفينةَ لوحٍ . سفينةَ نُوحٍ . ولسوف تعود بزنــوج القــرن الثاني الهجريّ إلى إفريقيا … ……………………….. ………………………. ………………………. يهبطُ الغيمُ حتى أعالي الشـــجرْ ! لندن 1/12/2005
|