الخميس, 03 أكتوبر/تشرين أول 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 209 زائر على الخط
الحصـــانُ والـجَـنِــيْـبَـةُ طباعة البريد الإلكترونى

Horse and barge
شعر :    ســـعدي يوســـف
يتعيّـنُ عليَّ إيضاحُ أنّ الجنيبةَ ( الدُّوبة بالدارجة العراقية ) هي واسطة نقلٍ نهرية مسطّحة من الحديد ، وقد اتخذت اسمها لكونها تنتقل جنبَ الضفة ، وفي العراق كان الرجال الكادحون ،  وهم على الضفة  ، يسحبونها   موثقينَ  إلى الجنيبةِ بحبالٍ  ، قبل أن تأتي المحرِّكاتُ مع الحرب العالمية الثانية .  في إنجلترا  العتيقة  قامت الخيل  مقامَ البشر في جَـرِّ  الجنائب  على امتداد  شـبكة القنوات العظمى  The union canal.

 أعتقدُ أن عبد الكريم قاسم  كان أرادَ  أن تكون ( قناة الجيش )  بدايةً لما يشبه القنواتِ العظمى . ( كان في دورةٍ  بريطانيّـةٍ  ، بلندن ، للضبّـاط الأقدَمين العراقيين ، والتقى محمد مهدي الجواهري ) النصّ يهتمّ بحانةٍ كبرى على القناة  اللندنية ، تحمل اسـمَ " الحصان والجنيبـة "   ، Horse and barge ،  اعتدتُ ارتيادها ،  وهي ليست ذات خصوصيةٍ  معيّنة ، بل أنها أقربُ  إلى الرثاثة ، إنْ أردتَ الحقَّ ، لكنها ذاتُ حديقةٍ  كريمةِ الإتّـساع تُذَكِّــرني بالبارات الصيفية في بغداد ،  قبل  حملة صدّام حسين الإيمانية  ، وهذا التاريخِ الأميركــيّ العجيبِ الذي جعلَـنا أقربَ إلى مكةَ  من واشنطن .
وثـمّتَ جنائبُ ضـيِّــقةٌ  تُـتَّـخَــذُ مساكنَ دائمــةً .
سـكَـنةُ الجنائب الضيّــقة Narrow boats  يؤمّـون المكانَ لأنه ملتصقٌ  بمرســىً  لهم  يُدعى بالإنجليزية الفصيحة غيرِ المعتبرةِ  كثيراً لدى  السكَـنةِ :  Marina ، وهؤلاء يشكلون شريحةً اجتماعيةً حقاً. هذه الشريحة تُعتبَــرُ  خارجَ السائد عموماً في الطبع والـمَـلبس واللهجـةِ ..
وللمناسـبةِ  ، بمقدورنا ، بعد هذا الشــرحِ كله ،  أن نقرأ قراءةً  واقعيّـةً  قولةَ سان جون بيرس  : ضيِّـقةٌ هي المراكبُ ، ضيِّـقٌ ســريرُنا .
وعلى أيّ حالٍ  ، ســوفَ أبتاعُ  جنيبةً  ضيِّـقةً  ، ولسوف تكون ذاتَ ســريرٍ ضيِّـقٍ حُـكماً !
لكنْ ، في هذا المطر الدائم ، المطر غير المرئيّ ، المطر الذي يشــبهُ زجاج المـطارات …
أقولُ : في مثل هذا المطر ، يكون الكلام عن الماء والقنوات والمراكب الضيِّــقة  ، سخيفاً تماماً  ؛  لِــمَ لا أتكلّــمُ  عن مزارع تربية الخنازير  مثلاً ؟
كنتُ أتابعُــها من نافذة القطار  المنطلق من لندن إلى أدنبرة في الشمال .  وفي العودة لم أرَ المزارعَ . سألتُ رفيقَ
الرِّحلةِ : أين ذهبت الخنازيرُ ؟ قال : لا أدري ، لكن من الممكن جداً أنهم أكلوها !  حســناً  … تقصدُ أن البشــر أكلوا كل تلك الخنازير ؟  خذ الكوسج ( سمك القرش )  … كم إنساناً تأكلُ  الكواسجُ كلَّ عامٍ ؟ ثلاثةً ؟ أربعةً ؟ قُلْ خمسةً  . وهناك سينما  وفَـكٌّ مفترسٌ … إلخ . حسناً … اذهبْ إلى الـمَـسْـمكة  ، لا تذهبْ بعيداً جداً  ؛ اذهبْ إلى سوق الأسماك  في " مَـسْـقَـط "  فقط . ألا ترى الكواسجَ الصغيرةَ ؟
 Baby sharks ? … لكن أسماك القرش ليس لديها ســينما  ، أي أن الكواسج لم تنجب مخرجين مـثل مخرج الفكّ المفترس  … لكي نرى فكَّ الإنسان  والتهامَ الفريســة .
فيكتور هيجو في " كادحو البحر " وصفَ أخطبوطاً هائلاً  ، وصراعَ الإنسانِ للتخلّــصِ  منه . اذهبْ إلى
بيروس  ، مرفأ أثينا  … اذهبْ إلى المطاعم في تلك البلاد ،  وعلى انتشار اليونان الكبرى  في إيجة والمتوسط … هل بمقدورك أن تحصي عـديدَ الأخطبوطات التي يلتهمها اليونانيون كلَّ يومٍ ؟  لِــنَــعُـدْ إلى المراكب الضيِّــقة! أمسِ  في " الحصان والجنيبة "   … لا ، لا ، لا ، الآنَ  في الساعة الثالثة عشرة والدقيقة العشرين تماماً  ، يومَ الخامس عشر من كانون أوّل 2004 ، نظرتُ من نافذة المطبخ ( المضبّــبة قليلاً ) ، إلى الحديقة المشتركةِ  ، و البَــرِّيةِ الوحشيةِ بعدَها ، والبحيرةِ المتلألئةِ في البُعدِ القريبِ … على الأرضية الخضراء ، كان ما خلّـفه الخريفُ المنقضي من ورقٍ بُــنِّــيٍّ ، يتحركُ كالزرازيرِ . الـبطُّ المهاجِــرُ عبَـرَ منذ الصباح غيرِ الباكرِ . تذكّــرتُ قصيدةً لبدرٍ ( السياب )  لا يتذكّــرها أحدٌ : صيحاتُ البطِّ الوحشــيّ  . كانت أيضاً طيورٌ ســودٌ متوسطة الحجم . هي ليست الطيورَ السودَ الصغيرةَ . ليست الغربانَ . قالت لي صديقتي إنها تُدعى  Starling ... لم تقُلْ ذلكَ اليومَ . قالت ذلك منذ أيّــامٍ . كنا في مطعمٍ _ حانةٍ  ، على ضفة النهر العظيم  تماماً  ( أقصدُ نهرَ التيمس ) . كنتُ أرى الجسورَ ، الواحدَ يتلو الآخرَ  ... قيلَ إن بغداد ستسقطُ بعد الجســرِ السابعِ  ! لماذا ؟ ليس في بغداد سحرٌ ولا ساحرٌ  … بغداد مدينةٌ  ( ؟ ) متربِّــعةٌ على مَزبلتها مثل دجاجةٍ غـبيّـةٍ . الأتراكُ فقط حاولوا أن يصنعوا منها عاصمةً  ، مثل ما حاولوا مع دمشــقَ  … الأميركيون ليسوا بُــناةَ حواضرَ  . الأميركيون هادمو حواضرَ  . وعلى امتداد قارّتهِــم لن تجدَ حتى مدينةً واحدةً ذاتَ معنى متّــصلٍ  . لِــنَـعُدْ إلى الـمِـراكب الضيِّــقة  ! أمسِ ، مساءً ، في " الحصان والجَــنيبة " ، وتماماً عند البار  ، رأيتُ شخصاً لـم أكن أتوقّــعُ أن أراه  ، شخصاً طالَـما مررتُ به ، وهو في جنيبته  ، على القناة ؛ أحيِّــيه فلا يجيب . أبتســمُ لِـمَـرآهُ فلا يردُّ  . هل أتذكّــرُ الفرزدق؟
فما رَدَّ السلامَ شــيوخُ قومٍ         مررتُ بهم على سككِ البــريدِ
ولا سِـيْـما الذي كانت عليهِ        قطيفةُ أُرجوانٍ في القُــعــودِ
في هذا الشاهد من شرح ابن عقيلٍ ، يحكي الفرزدقُ عن كلابٍ مرَّ  بهم  . حيّـاهم فلم يردّوا  … إنهم شيوخُ القوم ! على أيّ حالٍ ؛ هذا الذي لم يكن ليردَّ ، رأيته جليسي . أنا أيضاً أحبُّ الجلوسَ إلى البار ِ ، لا على كرسيّ
عند طاولةٍ … قلتُ له : أنا أراكَ دائماً . أجابَ : أنا أراكَ دائماً أيضاً . قلتُ له : وأراكَ ساهماً دوماً ! أجابَ : وأراكَ ساهماً دوماً … قلتُ : عجيبٌ ! قالَ : عجيبٌ !
سيكون المســاءُ ثقيلاً ، مثقَلاً . أُفـكِّــرُ في شــراء جَــنيبةٍ  . سيكون لي ســريرٌ ضيِّــقٌ فيها ،
كذلك الذي ذكَــرَه سان جون بيرس . وسـأُوصي الـمرأةَ التي أُحبُّ بأن تقتصد في تناول الطعام …

                                                              لندن 15/12/2004

 
muchtaraty.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث