الأحد, 10 نونبر/تشرين ثان 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 232 زائر على الخط
عــرَبـةٌ ذاتُ ثلاثةِ جِــيادٍ طباعة البريد الإلكترونى

 ســعدي يوســـف
قد كنتُ أوردتُ في كلمةٍ ســابقةٍ نُشِرتْ لمناسبة مرور ثلاثةِ أعوامٍ على انطلاقة " الحوار المتمدن " ، أننـي
أكتبُ باللغة العربية ، لكني لا أقرأُ فيها ، وبَـيّـنتُ أسبابي الخاصة  ، غيرَ القابلـةِ لإغراء التعميم من جانبي .
والـحَــقُّ أنني أشعرُ منذ اتخذتُ القرارَ بأنني أزدادُ غِـنىً روحياً ( طبعاً )  ، وغبــطةً بما حولي ومَن حولي مِن أهل الأدب والفن .
للـمبدعِ الحقُّ في أن يصون نفسَــه وفضاءَه الـمحـيطَ من كل تدخُّـلٍ خارجيٍّ غيرِ مُـعِـينٍ  في المسعى

 الإبداعي . بلوغُ تخومِ الفنّ يحتاجُ إلى أكثرَ من حياةٍ واحدةٍ ملأى ، فكيف إذاً إنْ كانت هذه الحياةُ الـمتاحـةُ
مبدَّدةً في ما لا يعِــينُ ولا ينفعُ ؟
حين تصون نفسَكَ وفضاءكَ تجد أنك في جنةٍ دانية القطوف  ، وتشعرُ بشــهيّــةٍ نادرةٍ لالتهام كل تلك الثمار العجيبة …
أنت – مثلاً – لن تكتفي بقراءة كتابٍ واحدٍ في الوقت الواحدِ .
قد تســألني : ألا تحدِّثُـني قليلاً عمّـا أنت قاريءٌ ؟
*
أنا أقرأُ الآنَ في ثلاثةِ كتبٍ :
1-    ماندولين النقيب كوريلِّـي ( رواية ) لويس دي بيرنييرCaptain Corelli’s Mandolin – Louis de Bernieres

2-    أرضُـنا ( رواية) كارلوس فوينتِس Terra Nostra – Carlos Fuentis
3-    في قلب البحر ( سرد ) ناثانييل فِـلْـبْـرِك In the Heart of the Sea – Nathaniel Philbrick
*
أمسِ ، أتممتُ قراءةَ  " ماندولين النقيب كوريلِّـي " ، ربما لأنّــها رواية ، وربما لأنها  أُخرِجتْ شـريطاً في السينما معروفاً .
أحداث الرواية تدور في جزيرة من الجزر اليونانية احتلّــها الإيطاليون في الحرب العالمية الثانية  ، والألمان كذلك ، ثم حرّرَها الحلفاءُ بمساعدةٍ من السكّـان المحليين  . آلةُ الماندولين الموسيقية تواكِبُ شخصيةَ ضابطٍ إيطاليّ برتبة نقيب كان مع قوّة الإحتلال الإيطالية ، وأحبَّ شابّـةً يونانية هي بيلاجيا ، ابنةُ طبيب الجزيرة …
القصة طويلة ، تتمتّــع بقاعدةٍ راسخة من البحث في جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية في اليونان وإيطاليا ، كما تغتني بتفاصيلَ
عن الحرب تمنحها طابعاً وثائقياً ما .
أحببتُ في الرواية جانب البحث الشاقّ ، والروحَ الرومانسية التي تشِـفُّ بالرغم من كل تعقيدات الواقع الذي كهربتْـه الحربُ .
لكني لم أُحبِبْ الموقفَ شـــبْـهَ الـمُـسْـبَقِ  ، موقفَ العداءِ ، إزاءَ الشيوعيين اليونانيين ودورِهم في تحرير بلادهم . أحياناً يتّخذُ هذا الموقفُ شكلاً غيرَ مبرَّرٍ  ، في السياق ، أو في المقتضيات الفنية البسيطة . وأتَـمَثَّـلُ هنا مشهدَ النصيرِ الشيوعي العائد إلى الجزيرة ، حيث يضعه الكاتبُ في موضعٍ كاريكاتيريّ ، موضعٍ  يحاولُ فيه النصيرُ اغتصابَ خطيبته ، بيلاجيا  ، صديقة النقيب الإيطاليّ  بل يجعل بيلاجيا تطلق النارَ على خطيبها !
وثمّتَ تعميماتٌ سخيفةٌ عن موقف الحزب الشيوعي اليوناني .
نالت الرواية سنة 1995 جائزة كتّـاب الكومونويلث لأفضل كتابٍ .
عدد الصفحات : أربعمائة وخمسون من القَطع المتوسط .
*
لا مقارنةَ ، بإطلاقٍ ، بين " ماندولين النقيب كوريلِّـي "  ، وهذا العمل الهائل لكارلوس فوينتِس ، كاتب المكسيك العـظيم .
إنّ  Terra Nostra لا يمكن أن يحيطَ بها تعبيرُ كتابٍ . صفحاتُها التسعمائة هي دليلٌ في العمقِ ،  إلى كل ما هو مستغلَــقٌ .
أقولُ كل ما هو مستغلَـقٌ بدون أن أترددَ لحظةً !
هذا العمل ُ باختصارٍ غيرِ لائقٍ ،  يدور حول فيليب الثاني ، ملك إسبانيا ،  باني الأسكوريال ، وزوج الإنجليزية إليزابث التيودوريّـة  وشــاهِـدُ اكتشافِ العالم الجديد .
لكنّ البانوراما الخطيرة التي يشكِّلُها الكتاب تمتدُّ إلى جميع الأسئلة التي راودت الإنسانَ على هذه البسيطةِ ، وما وراء هذه البسيطة .
أقول : جميع الأسئلة  ، بلا أيّ تراجُعٍ أو إعادةِ نظرٍ في التعبير .
كارلوس فوينتِس يضع الحضارة الغربية موضعَ تســاؤلٍ قاسٍ ، تساؤلٍ لا يرحم ، ربما لأن الأمرَ يستحقُّ هذا  .
إنْ لم يكشف الكاتبُ الحقيقيُّ عوراتِ قومــه ، فمن سيكشفـها يا تُرى؟
في رحلتي عبر الصفحات التسعمائة ، بلغتُ ، اليومَ ، صباحاً ، الساعة العاشرة ، الصفحة الستمائة والخمسين !
أقدِّمُ هنا ترجمةً أمينةً لـموردٍ من الرواية :
 
القصْـبة في الإسكندرية
وَدَّعَ لودوفيكو فقيهَ الكنيسِ ، ورحلَ بعيداً ، بعيداً جداً ، مع الأطفال الثلاثة .
قد كان قرأَ في النصوص بِـطُـلَـيطِـلةَ ، مخطوطةً يتحدث فيها بـليني عن قومٍ بلا نساءٍ ، بلا حُبٍّ ، وبلا نقود – مجتمعٍ بأسرهِ ،
لا يولَــدُ فيه أحدٌ إطلاقاً .
هؤلاء القوم يسكنون قريةً على ضفاف البحر الميت ، هاربينَ من المدن الكبرى ، بُـغْـيةَ أن يعيشوا حياتهم البسيطة ، الصامتة ، المتقشـفة .
هناك ، رغبَ لودوفيكو ، في أن يترعرعَ الأطفالُ الثلاثةُ  الذين بعُـهدته  ، حتى يغدوا رجالاً .
أبحروا من بَـلَـنسِــيةَ  ، في سفينةٍ مسيحيةٍ ، بَـلَّـغَـتهمُ ، في إحدى الليالي ،  ميناءَ الإسكندرية .
وسـرعان ما  تاهوا في الأزقّة المتلوية لتلك المدينة . أرملُ الآلهةِ والناس ، بأسمال الشحّـاذِ ، وبالرغم من قوّته ،  وهو يجهدُ
في حملِ أطفاله الثلاثة بين ذراعَـيه ، لفتَ انتباهَ الناسِ إليهِ . لكنه استُـقبِـلَ بحفاوةٍ . تحدّثَ باللغة العربية  ، ودفعَ مأواهُ ومَطْـعمَـه  ؛ والأولادُ الثلاثةُ كانوا  وديعينَ .
لقد وجدوا مأواهم في بُرجٍ للحــمامِ على سَــطيحةٍ يمكنُ للودوفيكو أن يرى منها  ، النهرَ ذا الأذرعةِ المائةِ  ، يُفرِغُ أمواهَـهُ في البحرِ غيرِ الـمَــرئيّ .
في إحدى الليالي ، وبسببٍ من الحرارةِ ، كان ينامُ  على حَـجَـرِ السطحِ الذي أبْـهَـقَــتْـهُ  الشمسُ ، وحَلمَ بأنه ينحدرُ
في قاربٍ صغيرٍ  ، مجــذِّفاً نحو منبع النيل . لم يكن ثمّتَ إلاّ ثلاثُ نجومٍ . لا نورَ ســواها  ، والصمتُ العميمُ  يُـطْــبِقُ على أرض مصرَ .
في تجذيفه ، صار يقتربُ من النجوم الثلاثِ  ، المنعكسةِ في المــاء ، حتى أمستْ في متناوَلِ يده .
غمسَ يده في النهرِ ، واصطادَ نجمةً .
للوهلةِ الأولى ، ارتجفت النجمةُ . ثمّ تكلّـمتْ .
نطقتْ : شمسٌ .
طلعت الشمس .
قالت: قمحٌ .
واكتست الضفافُ بالسنابل .
قالت: مدينةٌ .
فانتصبت مُرتَـبَــعَــةٌ  بيضاءُ من رمال الصحراء .
قالت: أطفالٌ .
فظهرَ ثلاثة شخوصٍ  ، شابّـانِ وفتاةٌ .
سبحوا نحو القارب ، واقتادوه إلى ضفة النهر .
قال أحدُ الفـتَـيَـينِ :  " هذا أخي ، وتلك أختي "  .
في اليوم الأول ، بذرَ المتكلِّـمُ الأولُ الأرضَ ، وجنى غَـلَّـتَـها ،  وحوَّلَ مياهَ النهرِ لتروي الصحراء ، وصبَّ طابوقاً من حمأِ الشاطيء ، وشــادَ منزلاً  ، مهيِّـئاً بذلكَ معاشاً ومأوىً لأخيه وأختــه .
تلك الليلة ، امتناناً ، اتّـخذتْــه أختُـهُ زوجاً ، وناما معاً في ذلك المنزل . الأخ الآخر نام في هواء الليل ، لكن رقاده كان قصيراً. نهضَ ، ومشــى عند النهر ، يقِـظاً ، مستاءً ، لا يكاد يخفي غضبــه وحســدَه .
فجرَ اليومِ التالي ، دخلَ الأخُ الحســودُ المنزلَ  ، حيث يرقد الزوجانِ ، وقتلَ أخاه النائم ، ثم سحبَ جـثّــتـه إلى النهر وألقاها في الماء . بكت الأختُ الزوجةُ ، وسارت على الضفة الموحلة باحثةً عن جسد أخيها وزوجها . الأخُ القاتلُ قال للودوفيكو . أنت تنام على السطح . أغلِقْ شفتيكَ ، وإنْ فضحتَ أمري قتلتُكَ أنت أيضاً في الحُـلم . لن تفيقَ  أبداً .
ومضى سائراً في الصحراء ، عارياً  حســيراً .
ذهب لودوفيكو يبحث عن المرأة . بعد بُـرهةٍ رآها عند الأسَــلِ الذي أمسكَ بجســدِ أخيها الميت . ضغطت المرأةُ شفتيها على شفتَـي الميتِ ، فأحيَـتْـهُ بأنفاســها ، ناقلةً الحياةَ من فمها إلى فمه . ثم قالت : الشفاه حياةٌ . الفمُ ذاكرةٌ . الكلمة خلقت كل شــيءٍ .
وعاد الميتُ إلى الحياة ، لكنه كان الميتَ الحيَّ  ، لا الرجلَ الذي كان  من قبلُ .
حين عاد إلى الحياة قال: أنا الأمس ، وأنا أعرفُ الغدَ . مثلي ، سـيحيا أبنائي موتَــهم ، وسيموتون حياتَــهم . لن نكون ثلاثةً البتةَ . سنكون وحيدينَ في العالَـم ، مكتفين بأنفسنا ، لا أبَ ينجِـبُـنا ، ولا أُمَّ تســمِّـينا .
وعمرت الأرض بالناس .
في اليوم الثالث للحلم ، وحد لودوفيكو نفسه يمشي بين أخلاط الناس في مدينة الإسكندرية . العمائم مفوّفة الألوان ،  والوجوه المنقَّـبة ،  والعباءات الخافقة ، والأقدام الحافية ،  والأيدي المتلصصة … لا أحدَ انتبَــهَ إليه ،  لكنه أحسَّ بأنه مهدَّدٌ  بالعجلـة والأصوات الخشنة والصيحات الـمُـعْـوِلة .
عند العتبة الحجرِ لبابٍ أبيضَ  تعرَّفَ القاتلَ . كان يجلسُ متربعاً إزاءَ بَـسْـطةٍ مترنِّـحةٍ  ، يكتبُ بلا توقُّفٍ  ، كأنه محكومٌ عليه بالكتابة ، وكأنّ عيشَــه معتمدٌ على ما يخطّــه من حروفٍ عربيةٍ على أوراق البرديّ . وكأنه بالكتابة يؤجِّـلُ لعنتَـه .
اقتربَ لودوفيكو من الكاتب . لم يتعرَّفْــه . كان الذباب يحطُّ على وجه المجرم  ، وهو يذبُّ بيدٍ واحدةٍ ، دونَ أن تَـطرُفَ عيناه . مرَّرَ لودوفيكو يده أمام عيني الكاتب ، فلم تَـطْــرُفا . وقرأَ لودوفيكو على كتف الكاتب الأعمى :
" في إحدى الليالي قتلتُ أخي . انتبهوا . اقرأوا وافهَـموا . سأخبركم  لِـمَ حدثَ ذلك ، وكيف ، ومتى ، والأسباب ؛ ما تراءى لي آنذاكَ ،  واليوم الذي أتذكّــرُ  ، وما الذي أخشاه غداً . انتبهوا . قفوا . ألا تثيرُ حكايتي فضولَـكم ؟ "
رأى لودوفيكو في الحلم أن الأخ القتيلَ وزوجته الأخت ينامان تلك الليلة في القبر . استيقظتْ وقالت : بمقدورنا أن نغادر الآن .
الآنَ ستعرفُ مصيرَ أولئك الذين يعيشون خارجَ القبر .
أجابَ القتيلُ : نعم . لكنْ ســرّاً . لا تدعي أحداً يرانا .
تملّـصا من أكفانهما الملتفّــة طِـباقاً  ، كأنهما ينزعانِ جِـلدَهما  . نفضت المرأةُ رداءَها ذا الألوانِ الألفِ فبزغَ النهارُ من طيّــاته ، وهبطَ الليلُ  ، شـعَّ النورُ ، واستطالَ الظلُّ  ، الرداءُ اندلعَ لهباً منهمراً على جســدها كالماءِ  ، ومع ملمســه  يموت الأحياءُ ، والموتى يُـبْـعَــثون . وطوالِ هذا الوقت كان الزوجانِ يسيران في الطرقات نفسها من الإسكندرية نحو الأفواه التي لا تُـعَـدُّ ولا تـحصى  للنهر العظيم .
أخيراً رآهما .
الأخُ القاتلُ يتمددُ ميتاً في زقاقٍ مهجورٍ ، وجهُــه ملطّـخٌ بالحبْـرِ الـمراقِ  ، ويدُه تـطْـبِقُ على قلمه ، والمخطوطاتُ الورقُ متناثرةٌ حول جســده ، بيضاء ، عذراء ، لا حرف عليها ولا كلمة .
أبحرَ الزوجان في أعالي النهر  ، في زورقٍ نـورانـيّ . الرجلُ يسـمِّـي الأشياءَ سـرّاً ،  ماءً ، رملاً ، قمحاً ، حجراً ، بيتاً ؛
و المرأةُ  تسألُ المياهَ  : لماذا استسلَـمَ أخونا إلى إغراءِ الكتابة عن جريمته هو ؟
أفاقَ على أصابعَ تفركُ أصابعــه . كانت امـرأةٌ تتمدد إلى جانبه ، غير محددة العُـمرِ  . وجهها مغطّـى وجسمُـها باستثناءِ فُرْجةٍ على شفتيها .  الفُرجةُ تتبعُ مَـعالـمَ شفتيها .  كان الفمُ مختوماً بألوانٍ عدّةٍ .. . نطقتْ قائلةً للودوفيكو :" اهربْ سـريعاً إلى المكان الذي سأخبرك عنه . هنالك غضارةُ عيشكَ . هنا سيكون أطفالُكَ في خطرٍ لو اكتُشِفت العلامة التي يحملونها .
ستنطبقُ عليهم نبوءةٌ  مقدّســةٌ . سـيُـفصَـلونَ عنكَ  ، وسيظلّـونَ أســرى ، ينتظرون بلوغَهم الرحولةَ فقط لكي يؤدّوا ، ثانيةً ، صراعَ الأخَـوَينِ اللدودَينِ …"
سألها لودوفيكو :  وما هذه النبوءةُ ؟
لكنّ المرأةَ التفّتْ بغلائلها الملوّنة – مثل شفتيها -  واختفتْ في العــتمـةِ .
*
علاقـتي بهِـرمان ملفيل ومؤلَّــفه " موبي دِك " قديمةٌ جداً . حاولتُ قراءته بالإنجليزية  ، قبل أن ينقله د. إحسان عباس إلى اللغة العربية  ، مسجِّـلاً مأثُـرةً في الترجمة  حافظتْ على بهاء معجزة الكتاب . أحياناً أقول مع نفسي إن هذه الترجمة هي أسـمى ما فعله أستاذُنا إحسان عبّــاس في مجهوده العلميّ .
على أي حالٍ …
قبل فترةٍ ، كنتُ أقرأُ  ، ربما للمرة الثالثة ، رواية غابرييل غارسيا ماركيز " الجنرال في متاهته "  ، لأكتشف أن ملفيل التقى صديقة سيمون بوليفار التي هجرت موطـنها  ، بعد وفاة بوليفار   ، لتسكن منتبَـذاً في مرفأٍ  صغيرٍ من مرافيء صيد الحيتان .  في هذا المرفأ الصغير  جاء ملفيل يزور السيدة .
لقد اشتغل ملفيل أشغالاً مختلفة ذات علاقة بصيد الحيتان ، ولسنواتٍ طويلةٍ ، كي يتمكن من تدوين معجزته  ، في سرعةٍ عجيبة .
كتاب ناثانيل فلبرِك " في قلب البحر "  ذو علاقةٍ بـ" موبي دِك " .
إن فلبرِك هو مدير معهدإيجان للدراسات البحرية بجزيرة نانتاكيت .
وكانت الجزيرة من أهم مراكز صيد الحيتان في القرن التاسع عشــر .
في تشرين ثاني 1820 أغرقَ حوتٌ هائجٌ سفينة صيد الحيتان " إيسِّـكْـسْ  Essex"  في الباسيفيك .
كانت السفينة هذه من نانتاكيت  عند شاطيء نيو إنجلند  _ وكانت الجزيرة لأكثر من قرنٍ عاصمةَ العالم لصيد الحيتان ، يومَها كان الباسفيك في مركز الشرق الأوسط الآن حيث احتياطيّ زيت العالم . لقد كانت الحيتان هي مصدر الزيت الذي ينير الشوارع ويُشِـحِّـم مكائن العصر الصناعي .
القصة الواقعية لغرق السفينة إيسّكْسْ  ألهمت هيرمان ملفيل معجزته الفنية .
أردتُ القول إن العمل الفني مهما كان غرائبياً  فإن أســاســه يظل واقعياً ، وليس علينا إلا اكتشاف الجذور .
ملحوظة : كتاب " في قلب البحر " يقع في ثلثمائة صفحة واثنتين .

                                                                 لندن 21/12/2004

 
without.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث