سلاماً ، أيُّها الولَدُ الطليقُ
سلاماً ، آنَ تنعقدُ البُروقُ!
يذكرالشاعرالعراقي فاضل العزاوي حقيقة لا يختلف حولها إثنان:
"إذا كان ثمة شاعر عربي حوّل كل حياته الى شعر فهو بامتياز سعدي يوسف الذي لا يمكن تصور وجوده أساسا في منطقة أخرى خارج دائرة الشعر".
"كم من احداثٍ مرت عليّ، بعضها جسيم ، وكم من اناس عرفت.
وكم من مطارات هبطت. وكم من بحار قطعت، ومدن رأيت
الا أنني لا ازال احتفظ بذلك الخجل شبه المرتبك الذي يمتاز به أهل البصرة".
الأماكن التي ولد و ترعرع فيها، كانت تتسم بجمال ساحر و طبيعة خلابة بنخيلها و ماءها، كانت أشبه بجنات الله على الأرض.
لم يكتب أو يُخلد أحد سحر هذهِ الأماكن قدر ما فعل سعدي في قصائده
حنين سعدي لبصرته و لأبي الخصيب و قريته حمدان لم يتوقف فقد كتب المئات من القصائد التي استوحاهما فيها برؤى جديدة و متجددة. كانت البصرة أغنية سعدي المفضلة التي نقشها في قلبه.
"نحن جميعا نتذكر و بشغف كلمة سعدي التي كان يرددها بإستمرار للجميع كلمة (خوية)، التي تعني أخي و تأتي هذه الكلمة على لسان سعدي لكأنها تصدر من الأعماق... صحيح ان لكل أهل البصرة هذه الصفة المشتركة و لكنها حين تصدر عن سعدي تشعر بملوحتها العذبة ازدانت على لسانه".(1)
"أعودُ إليكِ ، تورنتو ، لأحْيا
وأمضي ، مُترَفاً ، طلْقَ الـمُـحَيّا".
لم يضِع الوقت في زياراته المتكررة لتورنتو، كتب عن الحواضر و القرى المحيطة بها... و ترجم ثلاثة دواوين لشعراء من فيتنام ، الصين و البرتغال
سعدي كان الصادق الأمين و الوريث الشرعي لمن سبقه من شعراء بصرة العراق الكبار ، كبدر شاكر السياب و محمود البريكان و بتجربتهما التي وصفها بأنها حركة "التحديث الأعمق أثراً في الشعر العراقي فالعربيّ".
كان سعدي ساخراً كبيراً و صاحب نكتة
أطلق على نفسه الألقاب التي أثارت غضب مناؤيه حين سمى نفسه
بالشيوعي الأخير نكاية بالحزب الشيوعي العراقي الذي هلهل بل و شارك قوات التحالف في إحتلال العراق عام 2003
و من باب الأعتداد بنفسه وجد أنه آهلا ان يحمل لقب " حفيد أمرؤ القيس" لبلاغته الشعرية و قال في ذلك:
""اكتشفت أن الرجل جميل، مغامر، ميسَّر حتى في اللغة. و هو أبونا و حامل رايتنا إلى النار".
كان سعدي يحب الخروج عن المألوف فثقب أذنيه كعادة أهل الجاهلية و لبس القرط و قال في ذلك:" لا شاعرَ إلاّ سعدي يوسف الـمُـخَــلَّـد."
في سبعينات القرن الماضي عاش سعدي و عمل في الجزائر، فلبس " قناع الأخضر". وعندما وجد بحسه الإنساني والشاعري، إن إسم "الأخضر" المتداول هناك له جمالية خاصة، قرر ان يتسمى به، وسرعان ما وجد نفسه يطلق على ديوان كتبه في البقاع الجزائرية إسم "الأخضر بن يوسف ومشاغله".
رحيل سعدي يوسف خسارة كبيرة تلحق بالشعر العربي ولعل ممّا يخفف من وقع هذهِ الخسارة ذلك الموروث الهائل الضخم الذي تركه لنا في مجلداته الثمانية و ترجماته لشعراء عالميين علاوة على كتاباته في القصة و الرواية و النثر و المئات من البحوث و الأعمال النقدية
عشت حياة لم يعِشها الملوك يا سعدي
السلام على روحك الكريمة
إقبال
1- سلام مسافر
|