"خواطر في البار الإيرلندي" |
|
|
سعدي يوسف
صيحاتُ طيرِ البحر توقظني، فأفتحُ مقلتيَّ على الكنيسةِ. شارعٌ خالٍ. نهارَ السبت. لن أسقي نباتات الحديقةِ، فالسماءُ تغيمُ. ماذا يحملُ المطرُ المؤجَّلُ لي؟ أغمغمةَ اسمِها؟ قسَماً بمائكَ أيها النهرُ البعيدُ لأُحْسنَنَّ قراءةَ الأنواء و الأهواء... لي كونٌ أراه الآن في كفّي.
أقَلِّبُه. أُرقِّصُه كحرزة عاشقٍ زرقاءَ. أقذفُه قليلاً في الهواءِ و ألتقيهِ. الطفلُ يلعبُ. غير أن طفولة الفقراءِ تطوينا بلا لُعَبٍ. من الصلصالِ نَبْرأُ سلحفاةً، ثمَّ نأكُلها. جياعٌ نحن. هذا العالمُ القاسي سيُصبحُ في غدٍ، أقسى. ضبابٌ في الصباح. و عبر مسالكِ الكورنيش كان الأغنياءُ المتخَمون يهرولون. هياكلاً منخورةَ الغُضروف كانوا.لَلّصوصِ كتيبةٌ أيضاً... لماذا لا أُقلًّبُ في الهواءِ العالَمَ المنحطَّ؟ أَقْلبهُ إذاً! لأرى على باب الكنيسةِ جسْمَهُ يهتزُّ مقلوبِا... ............................................. ............................................. ............................................. صيحاتُ طيرِ البحرِ توقظني ، فأفتحُ مقلتيَّ على الفنادقِ، ثمَّتَ الغُرفاتُ عاليةٌ و غاليةٌ. وفي الأَبهاءِ، في خَبْتِ المساءِ، تهفُّ أرديةُ الحرير، ويصطفي الساقي نبيذاً نادراً، أوصى به إثنانِ يعتنقانِ. طاولةُ بعمق الرُّكنِ مُزهرةٌ. عشاءٌ من غِلالِ البحرِ. تمضي ساعتان، و ينهضُ الإثنان معتنقينِ... تبدو البنتُ سكرى في تَرنُّحها. سيُفتح مصعدٌ. ستكوم أغطيةُ الفراشِ نظيفةً جداً. هي الغُرفاتُ عاليةٌ و غاليةٌ... سأدخلُ قاعةً في "نقرة السلمانِ"أبحثُ عن مكاني! ....................................... ....................................... ....................................... صيحاتُ طير البحر توقظني، فأفتحُ مقلتيَّ على رفاقي. راحوا، و ما ارتاحوا. و لا تركوا على زند الحبيبةِ مِيسَماً. اخذتهمو الشركاتُ و الشبكاتُ و الدولُ الحقيرةُ. بعضُهم ما زال يسلخ جلْدَه المسلوخَ حتى استغربتْ من شأنه الأفعى، و بعضهمو تعمَّدَ سَمْلَ باصِرتَيه. آخرُ قد تكسَّرت السلالمُ و هو يجهدُ في تسلُّقها... سأذكرُ أنهم كانوا و أذكرُ أنهم راحوا و ما ارتاحوا و أذكرُ أنهم ظلُّلوا، و إن رحلوا رفاقي!!
ديوان "حياة صريحة 2001
|
اخر تحديث الأحد, 26 يونيو/حزيران 2022 07:16 |