بعد أن طردتْنا دروعُ آرييل شارون من بيروت 1982 ، غادرْنا إلى منافينا الجديدة .
كنتُ في " شمس المتوسِّط " السفينة اليونانية التي أوصلتْنا إلى طرطوس السوريّة .
كانت آخر سفينة تغادر بيروت .
ربما في الحادي عشر من أيلول ذاك العام .
سلّمتُ سلاحي الفرديّ ( غدّارة باريتّا إيطاليّة ) ...
على السفينة كان أبو إياد . ليلى خالد . سعد صايل .
*
على أي حال .
قال لي عبد الله الحنَكي ( كان هو نائب السفيرلجمهورية اليمن الديمقراطية في بيروت ) ، وكنا معاً في خطوط التماسّ ، حيث أسرَ جنود اليمن الثورية ، " أسير الضاحية " الإسرائيلي ...
قال لي عبد الله الحنَكي تعالَ إلى عدن !
وقد ذهبتُ ، لأعيش هناك ، فترةً من أبهى ما عشتُ في حياتي المرتبكة .
*
لكن القصّة التي أرويها الآن مختلفة !
ربما كان ذلك في 1983 أو العام التالي.
بعد أن فقدت الثقافة العربية الحرة ، قاعدتَها الثورية ، في بيروت ، جرى البحثُ عن بديلٍ ما .
وفي مصادفةٍ عجَبٍ ، كان في عدن ، معاً ، أربعةُ أشخاص :
حسين مروّة
محمود أمين العالِم
محمود درويش
سعدي يوسف
*
فكّرْنا في حالنا ، وفي ثقافتنا العربية ، في ما نحنُ فيه ، وفي ما نطمح إليه .
وأصدرْنا بيان عدن الذي دعونا فيه إلى " الجبهة الثقافية الديمقراطية " .
صحيفة " الثوري " نشرت البيان .
وقد تبعتْ ذلك دعوةٌ لعقد اجتماعٍ أوّل ، في العاصمة الثورية ، عدن .
جرى اختيار الأسماء
وبدأَ توجيه الدعوات .
*
في الضحى العالي ، وأنا في مسكني بـ" المدرسة الحزبية " في عدن تلقّيتُ هاتفاً من الصديق الكريم سالم صالح ، وزير خارجية اليمن الديموقراطية ، يرجوني فيه أن ألقاه في مكتبه بوزارة الخارجية .
ذهبتُ إليه . قال لي بالحرف الواحد : نحن بدأنا نرسل الدعوات ، لكن أمراً حصلَ . قال لي إن فخري كريم جاء من دمشق ، ومعه ضغطٌ من دمشق لإلغاء الاجتماع ، أي إلغاء فكرة " الجبهة الثقافية الديمقراطية " .
قلتُ له : ما الأمر ؟
قال إن رئيس اتحاد الكتّاب العرب ، علي عقلة عرسان ، يرى أن هذه الجبهة المقترَحة تهديدٌ لاتحاد الكتّاب العرب.
فهمتُ الأمر.
لكني لم أقلْ لطيّب الذِّكْر سالم صالح ، ما دار في ذهني .
لم أقُلْ له إن الداعر فخري كريم زنكَنه ، كان في خدمة علي دوبه ، عميد الجلاّدين في أمن القصر الدمشقي . إن زنكَنه عميلٌ لألف جهاز مخابرات ...
*
المضحك في الأمر أن الإرهابي الدولي زنكَنه ، زارني في منزلي العدنيّ ، آنَها .
لم يقُلْ كلمةً واحدةً عمّا فعلَ .
دخلَ
وخرجَ
و " براءةُ الأطفال في عينيه " !
لندن في 23.04.2019
|