مقدمة الديوان بقلم مارتا كولينز ترجمة و أعداد : د. إقبال محمدعلي ألتقيت ب نغوين كوانغ ثيو عام 1993 عندما كنت أٌدَرِسُ مادة الترجمة في أحدى الحلقات الدراسية في" مركز وليم جونيير للكتاب " في جامعة ماساشوستس , بوسطن . هنا , و منذ عام 1989 , يأتي الشعراء و الكتاب الذين كانوا في غالبيتهم من الجنود السابقين في فيتنام , للدراسة أو للتعلم لمدة اسبوعين كل صيف, برفقة بعض الكتاب الزائرين من فيتنام . كان ثيو احد الزائرين لهذا العام . في أحد الأيام جاءني و معه مسودة ترجمته الشخصية لثلاث من قصائده باللغة الأنكليزية . ولد ثيو عام 1957 في قرية جوا, تقع في محافظة ها تي , و التي تبعد قرابة الخمسين ميلا غربي مدينة هانوي . درس في مدرسة القرية و من ثم ألتحق بجامعة هانوي عام 1975 . من عام 1984 و حتى عام 1989 درس اللغة الاسبانية و الانكليزية في كوبا .
بدأ بالكتابة عام 1982 و نشر اربعة من كتبه في فيتنام : البيت ذو الحافة الخضراء( 1990) , الأرق المحترق ( 1992) , جنود القرية , كتاب - قصائد طويلة (1995) , نساء يستقين الماء من النهر ( 1995 ) . كما قام كذلك بنشر أربع روايات , مجموعتين من القصص القصيرة , و كتاب قصص للأطفال . حصل على جوائز في الشعر و الرواية . عام 1993 منحه " أتحاد الكتاب " جائزة عن ديوانه الشعري " الأرق المحترق " و التي تعتبر من أهم الجوائز الأدبية في فيتنام . بالرغم من ان قصائده التي جلبها لي كانت بمسودتها المترجمة الى الانكليزية , إلا انها أثرت علي و بقوة منذ الوهلة الاولى لقراءتها , كونها توليفة نادرة في طريقة مطابقتها للحقيقة و سرياليتها الى حد ما , و لكنها تبقى ذات معنى في انتقالاتها الحادة . يصف ثيو نفسه بالشاعر " الحالم " . ومن الواضح أن مهمةا الحلم - حلم اليقظة - ضرورية في اعماله . العمق السايكولجي لأحلامه لم يمنعه في أن ينقل لنا و بأحساس رائع , عادات الناس , تقاليدهم و معتقداتهم . ولتجربة مدى الخيال في شعر ثيو , علينا ان نتعلم الشئ الكثير عن الحياة اليومية في شمالي فيتنام , كي نرى ما تحت السطح في الصور التي يوصلها لنا .علينا ان نكشف شيئاً ممّا مضي و من الحاضر ، و لربما من مستقبل هذا البلد و ناسه . كان ثيو ما زال في المدرسة عندما أنتهت الحرب , صنف نفسه كواحد من " الجيل الجديد" من الكتاب الفيتناميين . هذا التصنيف له دلالته المهمة : فقد كان له الشرف في الحصول على جائزة الدولة في الشعر , ولقد أثارت أعماله قدرا كبيرا من الجدل و النقاش في داخل الصحافة و خارجها وقد أثر ذلك في تأكيد أهميته كشاعر على صعيد الادب الفيتنامي المعاصر . أن الأحساس العميق الذي نقله ثيو عن ثقافتهم جاء متلازما مع ما حصل من خراب و تدمير فرضته الحرب على هذه الثقافة التي منحت قصائده الكثير من الحدة . مرت عملية الترجمة بمراحل متعددة : كان رد فعلي الأول بعد قراءة ترجمة مسودات ثيو , أن أسأله عن الابيات الشعرية التي لم أفهمها, الدلالات ذات الطابع المحلي المحيرة , الأشارة , الترابط بين الأبيات لم يكن واضحاً بالنسبة لي . و لفترة من الوقت أشتغلت على الترجمة في محاولة مني جعلها , أكثر بساطة و أكثر متانة ووضوحاً . ترجم ثيو أشعاراً و بحوثاً ومقالات للكثير من الشعراء الامريكان ضمنها : كتاب لأعمال جارلس سيميك علاوة على مجلد قصص قصيرة أسترالية . لقد سهلت عليّ ، قراءةُ هذه التراجم علاوة على مسودة ترجمته لأشعاره ، فهم طريقة تفكير ثيو كشاعر ، و الأعتماد كليا على مسوداته . عند نقطة معينة من قراءاتي و من خلال تفحصي القصائد نفسها باللغة الفيتنامية و مقارنتها بالترجمة الانكليزية , أكتشفت أن مظهرها على الصفحة هناك يختلف كليا بعض الاحيان عن مظهرها في الترجمة الانكليزية . هذا التعارض قاد عملية الترجمة الى مرحلة ثانية مهمة : استخدام القاموس الفيتنامي/ الانكليزي لربط الترجمات مع أصولها .. ولذا بدأت بأستكشاف هذه القصائد بحذر تام . ساعدني في ذلك أستخدامي للقاموس .ما فعلته اعطاني فكرة أفضل في كيفية أستخدام ثيو للأبيات الشعرية و التكرار الذي بدأت أدركه كتقليد شعري له في بعض القصائد , مما قادني مجددا الى البدء بسلسلة جديدة من الأسئلة الأكثر تفصيلية . المرحلة التالية : أستلزمت أحيانا , الدخول في مناقشة القصيدة بيتاً بيتاً و التعامل المباشر مع النص الفيتنامي و ترجمته , إضافة الى ترجمتي . هذا العمل دفعني الى ان أنضَم الى صفوف المرحلة الاولى لدراسة اللغة الفيتنامية التي سمحت لي بالتعرف على الأشكال , الصور , و الأصوات في قصائده . كان هدفي الاساسي من كل ذلك , خلق ترجمة تبدو كقصائد انكليزية ولكن أبياتها تظهر أصالتها الفيتنامية .ومما جعل هذا ممكنا , أهمية صورها التي لم تكن صوراً تزينية بقدر ماهي مرتكز عضوي في بناء القصيدة . حذفت القليل فقط لبعض الحالات التي تصبح فيها الصورة المفردة أو الفكرة اكثر أتساعا مما هي عليه في البيت الشعري الانكليزي أو عندما يصبح التكرار لا يخدم الوظيفة الشعرية للترجمة . لم أقم بأضافات من عندي فيما عدا ما كان يخدم توضيح الفكرة و كان هذا نادرا . الحقيقة : ان القوة الكاملة الكامنة في بعض الصور و الأشارات ذات الطابع المحلي لا يمكن أن تكون مفهومة من قبل القارئ الذي يتكلم الأنكليزية , فبقدر ما تكون الصور و التعابير مألوفة و عادية عند الفيتنامي إلا انها تبدو متسمة بالغرابة عند القارئ الأمريكي مثل " سمك القوبيون يحفر أعشاشه في تجاويف طمى ضفاف النهر " .. من قصيدته " النهر" . كما تبدو بعض هذه الأشارات المحلية التي يستخدمها أكثر سريالية لنا مما هي عليه لدى القارئ الفيتنامي , ومثال على ذلك : الكحول المُصنعْ من الأفاعي ... من قصيدة "نُزْل كُحولِ الأفاعي " أو ترك الطعام للموتى على قبورهم في قصيدته " أغنية ". قمت و بحالات قليلة جدا بالحفاظ على المعنى الحرفي للكلمة من أجل الحفاظ على الغرض الاعمق للبيت الشعري كما حدث في قصيدته " أحدى عشرةَ بِضعَةً من إحساس " . أن سمو المتعة التي أستشعرتها بدخولي إلى عوالم من الصور أللامتناهية بقوتها في هذه " الثقافة " , دفعني الى الاستغناء عن الهوامش التوضيحية لدمج القارئ معي في هذه التجربة. كنت على صلة دائمة بثيو طوال مراحل الترجمة . معظم القصائد المترجمة في هذا الكتاب أ‘خذت من أثنين من مختاراته " الأرق المحترق" و " نساء يستقين الماء من النهر " . كل من عمل في هذا الكتاب كان أكثر من سعيد لتقديم هذا العمل للقارئ الامريكي . ونحن نامل لهذا التعاون مع ثيو أن يكون جزءً من نمو للتعاون الثقافي و الانفتاح بين بلدينا , ونتمنى ان يسهم قراؤنا في هذه العملية . وكما قال ثيو في نهاية قصيدته " إحدى عشرَة بِضعةً من أحساسْ " الألمُ أقل‘ مِن .. أقل‘ من الألم‘ يقِفُ مترددا في النورِ الضاحِك للسكين الحادةِ و للقصائد مارثا كولينز • مقدمة ديوان " النساء يستقين الماءَ من النهر " للشاعر الفيتنامي نغوين كوانغ ثيو ، الذي يصدر قريباً عن ( دار الجَمل ) بترجمة سعدي يوسف
|