سعدي يوسف في أوائل التسعينيّات ، دخلتُ بهوىً سرّيَ ، كردستان . عبرتُ بالزورق الأسطوريّ من سوريّا ، لأكون في زاخو ( من زاخو لحدّ الكويت) كما غنّى سعود الناصريّ ذات يوم مجيد. من زاخو بلغتُ شقلاوة. هناك مقرّ الحزب الشيوعيّ العراقيّ. الجميع ارتدى البزّة العسكرية للبيشمركة : الشروال الكرديّ بالخاكي. حميد مجيد موسى ، أراه ، للمرة الأولى ، وكان يرتدي الشروال. لا مشكل في الأمر :
إن كنتَ في روما فافعلْ ما يفعله الرومانيّون. في كردستان مررتُ على مقرّ"اتنا ( الشيوعيّة ) والتقيتُ مقاتلين ، وجنوداً عرباً التحقوا بالثورة المنتظرة. وبلغتُ دهوك لأرى الطريق الدوليّ يصيحُ بي : بغداد ! كان شيركو بيكه س وزيراً للثقافة . زرته في مكتبه. يبدو لي الآن ، أن لدى شيركو ، زوّارأً من نمط آخر. * رفاقٌ أعزّاء كانوا مع أطروحة حزب شيوعيّ كردستانيّ . ومن جولتي السريعة أدركتُ أن الأمر ضروري ّ . في كردستان شغفٌ قوميٌّ مقدّس. والقوميةُ رديفُ الفاشيّة إنْ لم تغتنِ بمحتوىً ديمقراطيّ . هذا المحتوى غائبٌ . قلتُ في نفسي : من أجل أن تظل كلمة الشيوعية باقيةً في كردستان لابدّ من حزب شيوعيّ كردستانيّ. ولأنني كنت أقدِّرُ أن العراق ذاهبٌ إلى التشظّي ( نحن في الحالة الآن ) ، فالخير أن نستبق الأمور. * زرت أبو سعود ( الرفيق عزيز محمد ) أكثر من مرّة في بيته المتواضع ، لألحّ على مقترح حزب شيوعيّ كردستانيّ . قلت للرفيق : حتى في الاتحاد السوفييتي هناك حزب شيوعيّ أرمني ، و آخر أوكرانيّ ... إلخ والعراق مقبلٌ على التشظّي. ( الأميركيون كانوا فرضوا منطقة الحظر الجوي ). والساحة للقوميّين الأكراد. يوماً بعد يوم ، بدأت معارضة الرفيق عزيز محمد لأطروحة حزب شيوعيّ كردستانيّ تخِفُّ قليلاً . في المساء كان الرفاق المتحمسون للأطروحة يغرقونني بالعرَق والكباب ، مع أني مُقِلٌّ في الإثنين . * صار خير ! الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ آلَ إلى ما آلَ إليه. الآن يقال إنه تابعٌ . ويقال إن قادته صاروا مرتشين وذوي مالٍ . لا أدري. * المشكل الآن مع الحزب الشيوعيّ العراقيّ . المفترَض بعد تأسيس الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ أن يهتمّ الحزب الشيوعيّ العراقيّ ، بالعرب ، القومية الرئيسة ، وبالعراق العربيّ . لكني ، في متابعتي الشأن العراقيّ ، أرى أن الحزب الشيوعيّ العراقيّ ، هو نسخة من الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ. زعماؤه يقيمون في كردستان . بعضهم ( مثل كاظم حبيب ) تذكّر فجأةً أنه كرديّ. أنصاره يقبضون معاشاتهم من كردستان. صحافته تابعة. حتى كأن العراق العربيّ لم يعُدْ قائماً . لكن العرب باقون. العراق العربيّ حقيقة. ومن الانتحار السياسيّ ، ألاّ تؤخذ هذه الحقيقة مأخذَ اعتبارٍ واحترامٍ . * في تقديري أنْ لا مستقبل للحزب الشيوعيّ العراقيّ بدون العراق العربيّ . الأكراد يَنْعَمون بالحماية الأجنبيّة. أمّا العربُ فليس لهم إلا الله الذي خذلهم . العربُ هم التربة الحقيقيّةُ لأيّ بؤرةٍ نضاليّةٍ . هل الحزب الشيوعيّ العراقيّ بؤرةٌ نضاليّةٌ تقرأُ الأرضَ العربية في العراق؟ * السؤالُ نفسه ظلَّ بدون حلٍّ على امتداد ناريخ الحزب الشيوعيّ العراقيّ. لندن 01.12.2012
|