الأربعاء, 24 أبريل/نيسان 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 148 زائر على الخط
أمكنة منسية في عراء الأرض عن ديوانه الأخير ( صلاة الوثني) طباعة البريد الإلكترونى

(العراق)
Imageتفصح مجموعة سعدي يوسف الجديدة (صلاة الوثني) عن ميزات عدة، فهي ابتداء، تمثل أول مجموعة شعرية يجمع فيها سعدي ما كتبه من أشعار كتبها بعد احتلال العراق، ولعلها أول مجموعة شعرية عربية تصدر في هذا الموضوع!
وهي لم تصدر عن دار المدى التي اعتاد نشر أعماله من خلالها طيلة العقد الماضي، فالمجموعة الجديدة صادرة عن دار نينوى بدمشق، وعدا عما تفصح عنه، في ما حولها، وتضمره في محتواها، فهي تشي من خلال عنوانها نفسه بطبيعة نوعية لمستوي اللغة التي ينحتها سعدي في قصائد هذه المجموعة.

فمفردة الصلاة هنا، هي من تلك الألفاظ التي تهجر معناها لتذهب إلي نقيضه، وليس مرد ذلك إلي التصاقها أو نسبتها للوثني، بل لأن الصلاة في مجمل القصائد، تخرج عن كونها دعاء واستغفارا وتوسلا، إلي رفض صريح، رفض يبدو كصرخة ممتدة عبر خريطة المنفي، وضجيج الوطن تحت الذبح!
إنها سيل من المشاعر يجتاح الشاعر في عزلته! لكن هذه المشاعر، تبدو قسرية إذ كان الشاعر يأمل أن يعمق عزلته بدونها، أن يطيل التأمل في زخات الربيع الأخير، أن يأنس لشتاء ينعكس بياضه شيئا فشيئا علي الشاعر، وهو لا يضيق بمقدمه، بل يتهيأ له، بيد أنه في هذه اللحظة بالذات تنقلب دورة الفصول علي قرن الزمن المترنح فتفسد العزلة وليس ثمة من مناص سوي التهيؤ لاستقبال ريح من نوع آخر، ليست ريح شتاء الطبيعة، التي تدرع لها الشاعر وأعد لعصفها، بل ريح المتغيرات التي أحدثها التاريخ علي الأرض، وما بين حركة الطبيعة وحركة التاريخ يفترش سعدي يوسف سجادة عزلته في العراء المتبقي، ويؤدي صلاته الوثنية، وهذه الصلاة التي حملت عنوان مجموعته الأخيرة هي عنوان لقصيدة مهداة إلي عبد الرحمن منيف في رحيله!
تبدو الصلاة بمعناها الضدي، هي الانتماء الأخير، لسعدي وهو يغرق في مونولوج طويل، يأخذه صوب الأفكار الأولية التي يفرزها تكوّن الأشياء في صيغتها الأولي، ويري كل ما عداها وكأنه باطل وقبض ريح، وليس هاملت المصنوع هنا من حكمة الكتاب المقدس هذه، سوي ممر لعبور نحو ضفة بعيدة يمنحها التأمل في الخلق والخليقة! وليس ثمة أمام الشاعر سوي الخروج من زلزال العقائد، إلي عراء الوثنية حيث لا جديد تحت الشمس!
فتبدأ مجموعة القصائد بهذا الحس التأملي ذي النبرة التي تحاول مقاربة السكون وتقريبها من اللغة الباطنة، وهو ما طبع المجموعات الشعرية التي أصدرها سعدي يوسف خلال عقد التسعينات،ابتداء بقصائد باريس، مرورا بالوحيد يستيقظ، وجنة المنسيات، وإيروتيكا، ويوميات أسير القلعة، وربما انتهاء بحياة صريحة 2001، لكن سرعان ما تبدأ المجموعة بجنوح واضح يتناسب مع جنوح الأحداث في العراق، لتبدأ منذ القصيدة الرابعة (تحقق) بالانعطاف نحو مكان آخر، ليس غريبا علي سعدي يوسف علي كل حال، فهو استعادة فنية حية لتجارب أخري له، أقربها كما يبدو لي (إعلان سياحي عن حاج عمران) ذات البناء الملحمي متعدد الأصوات، والتي نشرها خلال الحرب العراقية الإيرانية عند دخول الإيرانيين لتلك القرية العراقية الحدودية.
لكن العراق اليوم أصبح كله رهن الإعلان السياحي! ربما لهذا يكتفي سعدي بالملصقات السريعة هذه المرة، متخليا عن النفس الملحمي، فبينما كان المنفي قبل عقدين مسافة، يلوح عبرها الوعد، أصبح اليوم مصيرا، ومستقرا.
استحضار متعدد..
الشواطئ والرعيان والبحيرات والكوانين، الفصول والجبل والفراشات، وصوت البحر، تختلط مع مشهد تحرك فيه دبابات إبرامز الأمريكية في ساحة التحرير(يعرب سعدي اسم الدبابة ويجعله إبراهيم) وشيخ العشيرة الذي يطرح أرضا تحت جزمة المحتل، ليتسمع أصوات الخيل التي لا تأتي، سجن أبي غريب، وقصف الفلوجة والنجف والثورة والكوفة! سامراء، وسرداب الغيبة، نخيل العراق، الجواهري والمتنبي، اللذان يحضران بقوة ليجسدا تماهيا في حالة العزلة التي لا يحضر فيها الكثيرون، ربما سوي الأموات بقصائدهم الحية!
فيجرب سعدي تنويعا صعبا علي مقصورة الجواهري، لكنه سرعان ما يجنح نحو بحر آخر، إيقاع آخر ومورد آخر وإن بدا مرا.
تتبدل صورة لندن عاصمة الكولونيالية القديمة، وكانون العزلة التي لجأ إليها، لتصبح (أرض نخلة) التي أنشد فيها أبو الطيب، أشهر أبيات اغترابه متعدد الطبقات، فيدوٌِر الجملة في بحر الخفيف، ويستعيد رؤية ليل العراق الطويل، من هناك، لكن ليس ثمة من تبقي في الضفة الأخرى بين النخل سوي وجه الأب!
يأتي الحدث إذن ليطيح بعزلة هشة طلبها الشاعر، فلم يطلها!
فيعمد سعدي في هذا الديوان، إلي تجسير صلة لا تخفي مع شعره في السبعينات بل إنه يستعيد في قصيدة القطار الايرلندي، البناء التحاوري والتجاوري للمقطع الشعري:
(يا ليل أين الصفا؟ أين انطفا المأمول!
أرض السواد انتهت للشوك والعاقول
كل الجيوش اقتضت منها وحال الحول
يا حسرتي للضمير المشتري المقتول!)
ليس هذا المقطع وحده من يعيد إلي الذاكرة قصيدته (في الأول من أيار) في أواسط السبعينات، بل يكاد المبني العام للقصيدة يلتصق فنيا وروحيا بتجربة السبعينات تلك.
بيد أن ثمة نبرة صوفية غير معهودة في تجربة سعدي تكاد تختفي في ظلال المستوي اللغوي الخاص لشعره، ولأن الصلاة وثنية، فإن الصوفية هنا ليست دينية عرفانية، والقصيدة ليست إنشادية، وبلاغية، بل تعتمد علي تهييج الأرواح الثاوية للأسلاف في الطبيعة تلك التي تمر عليها حادثات التاريخ وأحداثه، لتزيح عنها جلدها المستعار، وتكشفها مرة واحدة عارية!
فهو الباحث عن (سعدي) في قطارات الأنفاق، وهو السائل نفسه عن أسرار ما جري منذ ألفي سنة قبل الميلاد وما يرتكبه الشعراء اليوم من مديح (للتجار وضباط الحامية الأكدية!) وهو اللائذ باسمه من بئر الخوف.
لكأن سعدي يستشعر هذه النبرة المثنية في بعض جمله فيسارع في قصيدة (الليلة أقلد بازوليني) إلي تأويلها:
(لست المتصوف
لست السريالي
ولست النادم عما أحببت:
النخل ورايتك الحمراء.)
ولعل فكرة بازوليني في فيلمه الشهير (إنجيل متي) تندفع هنا كمعادل لتلاصق فكرة ابن السماء، الواعظ والفادي بطبقة المهمشين والمقهورين، وأهل القاع المحرومين، البروليتاريا الاجتماعية بأحلام الشعراء والأنبياء، العقيدة بالأسطورة، والثورة برموزها، ويبدو سعدي عنيدا في هذا الحلم، فيؤكده في صوت جماعي بدا نادرا ونافرا وسط موج من المونولوج الداخلي المعتمد في عموم المجموعة:
(لن نرفع أيدينا في الساحة
حتي لو كانت أيدينا لا تحمل أسلحة
نحن سلالة أفعى الماء الأول
نحن سلالة من عبدوا ثيرانا تحمل أجنحة
وسلالة من عبدوا نارا في قنن الثلج)
وإذ يحقق سعدي يوسف مفهوم قصيدته داخل الشعر، فليس من خلال البناء النسيجي المتماسك الذي عرف عنه فحسب، لكن أيضا من خلال ارتباط كل قصيدة بحدثها، وملازمتها له، مشهدا علي الشاشة أو خبرا في جريدة، أو ترجيعا في الذاكرة (والذاكرة لديه مختبر ساخن) ويأتي حجم القصيدة التي لا تتجاوز في الغالب مساحة الورقة التي كتبت عليها! ويوميتها (أعني إنجازها في اليوم ذاته كما تشير تذييلات تاريخ القصائد) ليلخص طبيعة القصيدة التي يكتبها سعدي في هذه المرحلة!
لكنه في (لزوم ما لا يلزم) يوغل أكثر في الحوار الداخلي، واستحضار الموتى، فيلتزم البدايات ويترك نهايات الأشطر مفتوحة، وعبر قراءة عمودية تذكر بالتعزيمات السومرية القديمة، وبشعر ما اصطلح عليه ( الفترة المظلمة ) وربما لهذا دلالة أيضا، ليلم حروف اسمه بالتدريج من عزلة المعري، ومن تعازيم السومريين، ومن شكليات شعر ما قبل النهضة! تعويذة في العراء الزمني الفاضح.
العودة إلي الأرض!
يواصل الحدث استدراج الشاعر من عزلته، من انشغاله بالطبيعة ومراقبة ثلج الشتاء في الخارج والباطن! ووسط نيران العراق يزدهر شعر سعدي مرة أخري! ليكون مستوي الاستجابة قيامة متعددة العناصر، فتستيقظ في عالمه عوالم خرافية شتي.
ومع هذا يقارب الشعر من الشعار، فليس من المناسب لصاحب إيروتيكا وحانات كل العالم وقصائد باريس، في هذا الوقت إلا أن يلتفت إلي (الليالي كلها) و (جدارية فائق حسن) و(نهايات الشمال الأفريقي) والواقع أن شعر سعدي في تلك المجموعات كان شعارا ولافتات مضمرة تقرأ في ظلام القمع والدكتاتورية.
بيد أن المكان الذي أنشد له سعدي في تلك المجموعات كان مكانا مرتبطا بذاكرة شخصية، وذات شأن يومي، متمثلا بمقهى وبار وسجن، وجدارية، تتجمع تحتها أذرع العمال والحمامات، وامرأة تبيع أكباد الأبقار، لكنه هنا يتجلي ببعده الكلي، وبذاكرة جمعية، لتأخذ الأرض شكلا نهائيا وخلاصة للمكان وخميرة لكل الذاكرة وشتي الأحداث، ومع هذا يبدو سعدي كمن يمتلك حكاية قديمة في زمن لم يعد معنيا كثيرا بكل أنواع الحكايات، لذلك يتسمع نصيحة غامضة لسرد حكايته( أذهب وقلها للجبل):
(هذه الأرض لنا
نحن برأناها من الماء
وأعلينا علي مضطرب من طينها سقف المساء
النخلَ
والذاكرة الأولي..
وكنا أول الأسلاف والموتى بها
والقادمين!)
ويعدو في برية قديمة مستعينا بحكمة (الرعيان) أول السارحين في الأرض بمواشيهم، وطواطمهم وأحلامهم، ليسرد الحكاية من موضع آخر، من الأثر البدائي بوصفها أول مكان تركه الإنسان علي الأرض:
(قد تعني الأرض لمن ينبتها البقل كثيرا
أما نحن فإن الأرض لدينا متطايرة
وهشيم
أخضر أحيانا
أصفر أحيانا
ورماد في الريح)
وحالما يعود التاريخ لينشب مخالبه في الطبيعة تتغير المعادلة وينهض السؤال القديم مرة أخري:
قيل لنا الأرض لمن يفتحها...
(عجبا
نحن هنا منذ قرون:
لم نَمْلك/ لم نجمْلك.
أحسسنا اليومَ، بان الأرضَ لها معني)
لا يضاهي تكرار مفردة الأرض وحضورها كهيولي أولي، في قصائد سعدي، سوي تكرار أليجوري جلي، لمفردة النخل، ليعيد صياغة العراق، من مادته الأولي: الفكرة وليس الدولة، المسمي وليس التسمية، الطبيعة وليس التاريخ! وواقع الحال في العراق اليوم، يشير إلي إن الصدمة كانت قوية بحيث كان من شانها أن تعيد سؤال صغيرا إلي هذا العراء الواسع من الأسئلة!
(وسلام علي هضَباتِ العراقِ ...
الذبيحة في العيدِ، بغداد في العيدِ،
تلك المقاهي: لها الشاي مرٌا،
وتلك الفنادق: سكانها الأبعدونَ.
الصلاة أقيمتْ
صحون الحساءِ بها مرَق من عظامي
ومن لحمِ سحْليٌة ...
والمساجد مغصوبة الأرضِ
أبوابها للجنودِ، مشاة، وبحٌارة
وملائكة طائرينَ)
ليست الصلاة هنا صلة مع عقيدة أو رمز، إنها قطيعة نحو مبتدأ قديم! فلا صلاة للحرية في غيابها! كأن صلاته هنا تنحاز بوضوح إلي فكرة الخوارج عنها بوصفها معادلا للرفض، عندما وضعها أحدهم في ميزان الأرض بسؤال مرير وأجاب عنه بمرارة أشد:
أصلي ولا شبر من الأرض يحتوي
عليه يميني؟ إنني لمنافق!
أخبار الأدب - البستان
10/10/2004
****

 
Baghdad Cafe.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث