ســعدي يوســف الشيوعيّ الأخير يشــتري قميصاً ظلَّ الشيوعيّ الأخيرُ ، هو ، الفقيرَ ... فإنْ تدَبَّـرَ أمرَهُ يوماً ، وصارَ المالُ يملأُ جيبَــهُ ( تأتي مُصادفةً ) تأبَّطَ مالَهُ ومضى يبدده : المقاهي والمطاعمُ ، والصديقاتُ اللواتي صِرْنَ قد أحبَـبْــنَــهُ تَـوّاً ... ورُبّـتَـما تذَكّـرَ أمرَهُ - أن يشتري ، مثَلاً ، قميصاً ! .......................... .......................... ..........................
كم أحَبَّ السوقَ ! تلكَ الواجهاتِ ، وباعةَ السِّـلَعِ الـمزوَّرةِ الصبايا العاملاتِ وذلكَ الصعلوكَ عندَ المدخلِ الخلفيّ للبارِ العتيقِ ... وكم أحَبَّ مصاطبَ السوقِ ! العجائزُ ، والسكارى الصُّبْحَ ، والأطفال ... والشجرُ الذي ما زال يَعْبَقُ بالندى الليليّ ... ينتبهُ الشيوعيُّ الأخيرُ : ألَمْ أجيءْ كي أشتري شيئاً ؟ قميصاً رُبَّــما ؟ ........................ ........................ ........................ يدنو من البارِ العتيقِ يُمازِحُ الصعلوكَ ... يدعوهُ إلى كأسٍ ، وصحنِ فطائرٍ بالـجُـُبْنِ ينتبذانِ زاويةً . ومثلَ البرقِ يقتنعُ الشيوعيُّ الأخيرُ بأنّ لونَ قميصِهِ أبهى وأنّ تجارةَ القمصانِ ليستْ شــأنَـهُ ؛ أنّ الحياةَ تريدُهُ حُرّاً ، وأحمرَ أنّ لونَ قميصِهِ سيظلُّ أحمرَ قانياً ، ولْتسقط القمصانُ إنْ كانتْ ستَعْـرِضُ بَيعَــهُ ، هوَ ، في مَزادِ الســوقْ ... لندن 05.06.2006 الشيوعيّ الأخير ينتظرُ الحافلة أنا منذُ الفجرِ ، هنا ، في هذا الموقفِ ، أنتظِـرُ الباصَ الأحمرَ ... مرّتْ سيّاراتٌ وقطاراتٌ مرّتْ باصاتٌ بالعشــراتِ ولكنّ الباصَ الأحمرَ لم يأتِ ولم أسمعْ خبراً عنه ... حتى ابنُ رفيقي لم يُـعْــنَ بأنْ يَسْــمَـعَـني حين استفسرْتُ ! إذاً ... سأظلُّ هنا منتظِراً : مرّتْ بي السنواتُ ومرّتْ بي الباصاتُ ومرّتْ بي الفتَياتُ ... فلم ألْحَقْ واحدةً منهنّ ... ولم أستمتِعْ بالضحكاتِ وبالشهقاتِ ؛ الباصُ الأحمرُ لاحَ أخيراً في المنعطَفِ ! الباصُ الأحمرُ لم يتوقَّفْ ! لوَّحْتُ صرختُ ولكنّ الباصَ الأحمرَ لم يتوقّفْ ! ........................ ........................ ........................ جاءَ ابنُ رفيقي مرتبكاً : هل تَعْلَمُ أن السائقَ باعَ الباصَ الأحمرَ ؟ إنّ لديهِ الآنَ مواقفَ أخرى ودروباً لا نعرفُها ... ومقاعدَ قد حُجِزَتْ ســلَـفاً ، للصوصٍ معروفين ! ..................... ..................... ..................... ماذا نفعلُ ؟ سوف نسيرُ ونسألُ ... لندن 07.06.2006 الشيوعيّ الأخير يدخلُ في النفَق كان صباحاً صيفيّـاً حقّــاً ؛ جارتُهُ خرجتْ من بابِ الدارِ ، وقد كشفَتْ للشمسِ خميصَ البطْنِ بنصفِ قميصٍ ... والوردُ الإيرلنديُّ تَفَـتَّـحَ كالبرقِ ، وجاءَ النحلُ ليمتصَّ رحيقَ بنفسجةٍ وتَرَجَّحَ سنجابٌ من غصنِ صنوبرةٍ دانٍ وتَبَدَّتْ في الـمَرْجِ خيولٌ تلعبُ . ....................... ....................... ....................... كان صباحاً صيفيّاً حقّاً ... ويفكّـرُ " س " : لماذا أجلسُ وحدي ؟ فلأذهبْ صوبَ النهرِ ... أراقبُ موجاً يتطامَنُ بين نسائمَ هادئةٍ وزوارقَ من لوحٍ فضِّـيٍّ ، وأرى الفتَياتِ يُلاعِبْنَ الفِتيانَ على العشبِ وأسمعُ أغنيةَ الموسيقيّ الجوّال ، وأختارُ كتاباً من كتبٍ مستعمَلَةٍ وأسيرُ على مهلٍ أضحكُ للدنيا ! ...................... ...................... ...................... كان صباحاً صيفيّاً حقّــاً ... لم يتحرّكْ " س " ظلَّ على جلستِهِ بالشُّرْفةِ . لم يُتْـمِـمْ قهوتَــهُ لم يُنصِتْ للموسيقى . أمسِ ، تلَقّى ، عبرَ الإنترنَتْ ، الخبرَ : الأمريكيّونَ أقاموا حفلةَ قتْلٍ لعراقيّينَ شبابٍ . - أينَ ؟ - متى؟ * كارل ماركس تنبّــأَ : إنّ الـخُـلْـدَ الأحمرَ يحفرُ في النفقِ . لندن 09.06.2006 الشيوعيّ الأخير يُشعـلُ عودَ ثقّابٍ مقهى رصيفٍ في ضواحي لندنَ الغربيّةِ المقهى صغيرٌ فيه طاولتانِ : واحدةٌ بها شابّانِ وامرأةٌ وأخرى كان ينتظرُ الصديقةَ عندَها … قالت له ( ولْـنَفترِضْ أن اسمَها ليلى ) : أكونُ ، لديكَ ، في المقهى ، إذا انتصَفَ النهارُ ؛ فلم تجيءْ. مرّتْ دقائقُ عشــرٌ ، الشابّانِ راحا في سبيلِهِــما وتلكَ الـمرأةُ استلّـتْ كتاباً من حقيبتِها … وفَـكَّـرَ " س " : إنْ لم تأتِ ليلى بعدَ خمسِ دقائقَ … استغنَيتُ عنها ، عن ضفيرتِها ، وعن تلك المواعيدِ التي قد أخْـلَـفَـتْـها كلَّــها . ……………… ……………… ………………. لم تأتِ ليلى! المرأةُ الأخرى أشارتْ تطلبُ الثقّابَ. أدركَ " س " أنّ الأرضَ واسعةٌ وأنّ الخيرَ في ما اختارت الدنيا … تَحَــوَّلَ أشعلَ الثقّابَ أدنى وجهَهُ من وجهِ تلكَ المرأةِ الأخرى وقالَ : أتسمحين؟ لندن 13.06.2006
|