واحدةٌ من قصائد الفترة الجزائرية الطويلة النبيلة ، حملتْ عنوان " مزرعة الزاهي محمد " . الحقُّ أن المزرعة كانت فعليّةً . الزاهي محمد شخصٌ حقيقيٌّ وإن حملَ اسماً ليس فيه من مبالغةِ الزهوِ شــيء. قد كنتُ أسلفتُ القولَ إني أقمتُ في " سيدي بلعباس "، أدرِّسُ اللغة العربيةَ في " ثانوية الجلاء " هناك. إلاّ أنني صرتُ أدرِّسُ في " ثانوية الحوّاس " الجديدة ، بعد عامٍ أو نحوِه. سيدي بلعباس ، تقع في السهل الوهرانيّ الخصيب ، حيث مزارعُ الكروم ، والنبيذُ الممتازُ.هذه المنطقة تصدِّرُ نبيذَها الفاخرَ إلى فرنسا ، حيث سيضعه الفرنسيون في زجاجاتٍ تحمل صور قصورٍ ، ويصدِّرونه باعتباره فرنسيّاً طاهرَ النسَب. في موسم النبيذ الجديد ، ترسو في مرفأ وهرانَ ، ناقلاتُ نبيذٍ ذواتُ صهاريجَ ، وكان النبيذُ يُضَخُّ عبرَ أنبوبٍ ضخمٍ . طرقاتُ المرفأ رطبةٌ ، سوداءُ ، تتضوّع برائحة هذا النبيذ المغادرِ ! كنت أذهب بين حينٍ وآخرَ إلى واحدةٍ من المزارعِ منتِجةِ النبيذ ، لأشتري نبيذ سيدي بلعباس الوردي الشهير " كينوري " . لستُ أدري إنْ كان هذا النبيذُ لا يزالُ يُنتَجُ هناك. * بعد أن عادتْ مزارعُ الـمُـعَمِّرين الفرنسيين إلى أصحابِها الشرعيين ، أهلِ البلد ، بدأ التخلّي تدريجاً عن الاهتمام الفائق بالكروم ومتطَلَّباتِها ، وقلَّ بالتالي إنتاجُ النبيذ . ربما ذهبَ " الكينوري " الشهيرُ إلى الذاكرة التي لا تهمُّ أحداً ، ســواي ! * الزاهي محمد العربي محمد ( أحد قدماء المجاهدين ) كان يديرُ واحدةً من تلك المزارع. دخلتُ المزرعة مصادفةً ، فرحّبَ بي وبزوجتي ، ومـلأَ السيارة خضرواتٍ وفواكهَ . رفضَ بإصرارٍ أن يتقاضى ثمناً. صار العربي محمد صديقَ العائلة . يزورنا حيث نسكنُ في بناية " الفرساي " فوقَ السينما التي ساعدتُ صاحبَها في أن أخطّ اســمَها على امتداد أنبوب النيون المضيء . سيدي بلعباس ، المدينة التي لا تُنسى.المدينةُ التي صار كاتب ياسين مديراً لمسرحها البلديّ يوماًما.
|