يأتي الربيعُ متأخراً . ليس لأن الشتاءَ طـــويلٌ. الربيع يأتي متأخراً لأنه سيكون ثلاثةَ فصولٍ . ثلوجُ نيسان لن تذوبَ كالآيس كْرِيم . البحرُ الأسودُ يُـلَـوِّحُ لها من بعيدٍ : اذكُـريني . الدانوبُ سيظلّ مترقرقَ الحصا . والفتياتُ يَغْدونَ أجملَ . الصنوبرُ في الوادي سوف يصعد إلى السفح. أسـمعُ في الليلِ المطرَ المتناوِبَ والثلجَ وأسمعُ في الليلِ الريحَ تئِنُّ على الشُّبّاكِ وأسمعُ في الليلِ الصمتَ . الساحةُ أصغرُ مِن أن نُبصرَها . والقِمّةُ أقربُ والفندقٌ أحمرُ حتى الأذُنَين !
الجســرُ الذي يحــفَظُ وحشيةَ الصخورِ والغابة من إنسِـبْروك إلى فورتَـيـسّا كيلومتراً بـــعدَ آخرَ ، هذا الجســرُ يُتابِعُ القطارَ الـمٌـجهَدَ ، الجسرُ يشهقُ لامِعاً مثلَ سِــوارٍ فضّـةٍ اســتقامَ في يدِ السـاحرةِ . الجسرُ ألقى شِباكَه على الجبل ، واصطادهُ كما يصطادُ يابانيٌّ نحيلٌ حوتاً في البحار الجنوبية . أٌبصِــرُ ، أحياناً ، ما لا تبصرهُ القطّةُ . هل أنّ محطَّة فورْتَـيسّا كانت آخرَ ما أبصرَهُ موسوليني الهاربُ؟ هل أن محطةَ فورتَـيسّا آخـرُ هذا الكونِ ... لتأتي بملائكةٍ ومجانينَ وتُلقي من عرباتِ السفرِ الضيّقةِ القرنَ الحادي والعشرين ؟ القطارُ يمضي شمالاً . فيرونا تشتطُّ بنا إلى قارةٍ أخرى. القطارُ يسعل مثل راكضٍ شيخٍ في ماراثون . النبيذ المحلّـيّ خفيفٌ ، صافٍ . سنملأ كؤوسَنا ونتأمّلُ في الزجاجِ المُـضَـبَّب . القطارُ يمضي شمالاً . والذين يقرأون عن الأديِرةِ ، مسافرينَ ، لن تخدشَ خدودَهم المتورِّدةَ سـعْـفةُ نخلٍ جفّـفَها يورانيومُ القذائفِ . أُحِسُّ بالعصافيِرِ في الرابعة ( صباحاً بالطبع ) . احسُّ بالقطار الأولِ في الخامسة ورُبْعٍ . أُحِسُّ بأني أرتعشُ... 12.04.2008 فورتيـــسّـا
|