الشيوعي الأخير يقرأ أشعاراً في كندا |
|
|
سعدي يوسف ضاقت به الدنيا ، ولكنْ لم يَضِقْ ، هذا الشيوعيُّ الأخيرُ ، بها ... وكان يقول : للأشجارِ موعدُها ، وإنْ طالَ الخريفُ سنينَ أو دهراً ! وكان يقول أيضاً : خمسَ مرّاتٍ تَـلـَوتُ الشِّعرَ في وطني ، لأبتدِئ الرحيلَ ... وكانَ... لكني سمعتُ بأنه قد كان في كندا لأسبوعَينِ ؛ ماذا كان يفعلُ ؟ ليس في كندا ، شيوعيون بالمعنى القديمِ ، وليس في فانكوفرَ امرأةٌ معيّــنةٌ ليسبقَ ظِـلَّها أنّـى مضتْ ... بل ليس في " الروكي " نخيلٌ ، كي يقولَ اشتقتُ للشجرِ المقدّسِ ؛ قلتُ : خيرٌ أن أُسائلَ أصدقاءَ لهُ ... أجابوني : لقد كان الشيوعيُّ الأخيرُ ، هنا ، نقولُ الحقَّ ... بل إنّـا سهرنا ليلةً في مطعمٍ معهُ. وقد كنا نغَـنِّــي ، والنبيذُ القبرصيّ يشعشعُ الأقداحَ والوجَناتِ . ماذا ؟ نحن في فانكوفـــــرَ الخضــراءِ لا بغداد ... لكنّ الشيوعيّ الأخيرَ مضى ! إلى أينَ ؟ اشترى ، صبحاً ، بطاقــتَـه ، إلى عَبّــارةٍ تمضي به ، هُــوناً ، إلى جُزُرِ المحيطِ الهاديءِ ... * الأيامُ ، في أيّــامنا ، عجَبٌ ! وأقرأُ في رسالته الأخيرةِ : أيها المسجونُ في أوهامكَ السوداءِ ، والكتــــبِ التي ليست بلون قمـــيصِكَ ! اسمعْــني ... ولا تقطعْ عليَّ سرابَ أسفاري . لقد هبطتْ بيَ العَـبـــّارةُ البيضاءُ عند جزيرةٍ بالباسِفيكِ ... أقولُ : فِكتوريا ! فيندفعُ الشميمُ ، وتخرجُ الخـلجانُ سابحةً . ستأتي عندنا الحيتانُ فجراً ، أو أسُــودُ البحرِ . لا تتعجّـل الأنــباءَ .... فِكتوريا هي الأمُّ العجيبةُ ، جَـدّةُ الهنديّ والملهوفِ ، والأنثى المقدّسةُ . الطواطمُ عندها حرسٌ ، وروحُ الدبِّ . والأسماكُ هائلةً تَقافَـزُ بينَ كفَّــيها . .............................. .............................. .............................. وماذا كنتُ أفعلُ في الجزيرةِ ؟ أنت تعرفني . تماماً . كنتُ ، مثلَ نضالِ أمسِ ، أُحَرِّضُ الطلاّبَ ... كيفَ ؟ قرأتُ من أشعارِ سعدي يوسف ... البَـحّــار ، صاروخ توماهوك ، إعصار كاترينا ، وقتلى في بلاد الرافدَينِ . ولحيةُ القدّيس والْت وِيتمان . أشجار البحيرات العميقةِ . والبارات عــنــدَ إجازةِ الجنديّ . تبدو بغتــةً عَـوّامةٌ في النيلِ . يبدو النخلُ أزرقَ في البعيدِ . النسوةُ الغرثى يَـلُـبْنَ . عُواؤنا ؟ أمْ أنها تلك القطاراتُ التي تمضي إلـــــى ليلِ الـمَـدافنِ في الصحارى ... أيها الجنديّ دَعْ بلدي ، ودعْني في الجحيمِِ . قرأتُ من أشعارِ سعدي يوسف ... الأمرُ الغريبُ : كأنّ هذا الشاعرَ الضِـلِّيلَ يعرفُني ، ويعرفُ ما أريدُ .... كأنه أنا ! لستُ أفهمُ ما أقول ... لندن 31.10.2006
|