سعدي يوسف الـثّـالث من آب 2002 … والآنْ تبدأُ أيّـامُ الآحادِ تطولُ كأيامِ الأعيادِ وراءَ القضبــان؛ الأشجارُ مُثَـبّـتةٌ بمساميرَ إلىالأفقِ الرّطْبِ وأبوابُ الشارعِ مُـؤْصَـدةٌ حتى الحانةُ في المنعطفِ انكفأتْ تحتَ رذاذٍ من مطرٍ في ذاكرةِ القطِّ . الدكّــانُ الهنديّ هو الباقي .لن أُوقِــدَ مِـجْـمرةً . سـأعودُ إلى الأوراقِ الأولى.سـأقَـلِّـبُ ما اكتنـزَتْـه العينانِ. غريبٌ أن أشعرَ بالرجفةِ تحتَ عظامِ ذراعَـيَّ .عشــاءُ الناسِ أُعِـدَّ ، موائدهُ صُـحفُ الصبحِ الكبرى: سَـمَكٌ وبطاطا. سَـمَكٌ وبطاطا .أحياناً أسـمعُ بوقاً . هل أزِفَـتْ سـاعـتُـنا ؟ هل نرجعُ في منتصفِ الليـلِ ؟ أنا لا أحملُ ( لا أملكُ ) إلاّ الأوراقَ الأولى ، وخفـيفاً سـأكونُ ، خفيفاً ونظيفاً … أنا أنسى أحياناً أنسى ، مثلاً ، أنّ اليوم هو السبت ، وليس الأحدَ… - الأمرُ بســيطٌ – فالأيـامُ تطولُ الأيامُ ، جميعاً ، كالآحادِ ، تطولُ ولكنّ الشُّــرفـةَ حتى في المطرِ الصامتِ ، ظلّـتْ مفتوحةْ … لندن 3 / 8 / 2002 تـبـدأُ الحــــربُ… من عواصـمَ باردةٍ ، تبدأُ الحربُ من غرُفاتٍ بلا مَـعْـلَـمٍ من شــوارعَ لم تستضفْ شــجراً من مَـخابيءَ تعرفُـها الذبذباتُ التي لن تُــرى من جهازٍ يضيءْ لحظةً ثم أخرى … من مقالٍ رديءْ . هكذا تبدأُ الحربُ : يســتَـبِـقُ الحربَ مَـن لم يَـذُقْ طَـعْمَـها هو مَـن يَـعْـلَـمُ : الحربُ أصلٌ … …………… …………… …………… هنا ، ظلَّ شِـبْـهُ الرذاذِ يُـرطِّـبُ أزهارَ آبَ ، ولم تزلِ الشرفةُ اليومَ شــرفةَ أمسِ . الشوارعُ تلك الشوارعُ . مَسْـمَـكةُ الحيّ تُفتحُ في التاسعةْ . ربّـما سَـبّـبَ الطّـلْـعُ ضِـيقَ التنفّـسِ . أُحْ...أُحْ... غداً سوف تغلق كلُ الـمَـصارفِ أبوابَـها . أنتِ لن تُـغلـقي. فَـلْـنَـقُـلْ: ذاهبانِ إذاً نشهدُ الأوبرا . لا! أنتِ فضّــلْـتِ أنْ نَـصحبَ الكلبَ . والحربُ تبدأُ … لندن 20 / 8 / 2002 الفصــــول (1) مثل قشــرةِ تفّــاحةٍ غيرِ صالحةٍ للتناولِ ، غادَرنا الصيفُ والآنَ تبدو ســماءُ الصباحِ أشــدَّ رماديّـةً وأقلَّ امتلاءً … كأنّ على العشبِ منها ، الســوادَ ؛ النوافذُ مغلقةٌ ، شــأنَها أبداً والرذاذُ الذي لا يُــرى يستحيل بصدري هــواءً ، …………... ………….. ………….. أ تأتي الفصولُ ،إذاً ، وتغادرُ ، كالصيفِ ؟ إنْ كان أمْــرُكَ هذا ، ففيـمَ السـؤالُ عن الوقتِ ؟ فيمَ التساؤلُ عمّــا يجيءُ … انتهيتَ ؟ أم الليلُ ، ذاكَ الذي قد بلغتَ نهايةَ أوهامِـهِ بَــلَـغَ الإنتهاء ؟ لندن 30 / 8 / 2002 الفصــــول (2) لَـكأنني في صَــرِّ موسكو ، أكســحُ الثلــجَ الذي غطّـى مَـمـرَّ البابِ ؛ لكني هنا ، في لندنَ الكبرى، أُقَـطِّـرُ ما تبَـقّـى من رمـاد الصيفِ في قـنِّـينـةٍ . لَـمّـا يزلْ أيلولُ في كُـتبِ الأغاني ناعسـاً . عيناي متعَـبتانِ مِـمّـا اشتَـطّتِ امرأةٌ طـوالَ الليلِ. قُـلْـتُ : أُلامِـسُ الأوراقَ في النبْـتِ الذي ذاقَ النـــدى وتَســلَّـقَ الأعماقَ . قـلتُ: سـأهتدي من نبْـضِ أُنـمُـلةٍ ونُـسْـــغٍ . قلتُ : ألتجيءُ الصباحَ إلى قـميص الخِـضْرِ ، أو خضــراءِ " لورْكـا"، أو إلـى هذا النباتِ الـمُـعتَـلي بابي … فتحتُ البابَ : ضَـوعٌ من رذاذٍ في حدائقِ مَـن أحاطوا بي ، وذكرى من شـموسٍ في دفاتـــرَ مَـدرسيّـاتٍ ،و عَـرْفٌ لا يزال مُعلَّـقاً بي من غصــونِ الليلــةِ البيضاءِ … كان نباتُ بابي مثلَ ما كان ؛ التمَـسْتُ وُرَيقــةً أولى … تهاوتْ ، ثم ثـــانيةً، تهاوتْ … وأخرى إثرَ أخرى . أصبحَ الـمَـمْـشى خريفاً ، بغتـةً . من أيــنَ جاءت صُـفر ةُ الأوراقِ ؟ كيفَ اسّــاقَـطَ المعنى؟ تُـرى ، ما نفْـعُ أن ألقـي على ما في الأعالي نظرةً ؟ إني أردتُ ، فلم أجدْ بابي … لندن 30 / 8 / 2002 الفصـــول (3)
مـن أين هذي الرجفةُ ؟ انسَــلَـتَ اللحافُ الصوفُ ريشــاً مثلَ ريشِ البطِّ مبْـتَـلاًّ وغَـلـغَـلَ في عظامي الثلجَ … عبْـرَ زجاجِ نافذتي أرى شـمســاً وأشـجاراً وشُـبّـاناً وشـابّـاتٍ عراةً في الحديقةِ ؛ غرفتي ، كالحصنِ ، مغلقـةٌ وكالزنزانةِ انطبقَـتْ عليَّ … فأيُّ عاصفةٍ أتتْ بالثلجِ ؟ أيُّ ثعالبٍ قطبيّــةٍ دخلتْ مبللةَ الفِــراءِ علَـيَّ ؟ وأيُّ زوبعةٍ تُــدَوِّرُنــي ، أنا ، الخذروفَ … …………. ………… ………… كنتُ أغوصُ ، أعمقَ ، في فــراشي دائخاً ، متصـبِّــباً عَــرَقاً ومُــثـلَّـجَ الأعضــاءِ … كنتُ أغوصُ بين المـــاءِ والنارِ . لندن 31 / 8 / 2002 فصــــول (4) الأزهــارُ البيضُ من النبتِ المتسـلِّـقِ تَسـّــاقَـطُ ، طولَ اليومِ ، على الممشــى ، في طابــقيَ الثاني ؛ هذي الأزهارُ البيضُ مكوّمــةٌ تلمعُ ذابلةً مثل ترابِ نجومٍ ظلّـتْ تتهاوى طولَ الليلِ … أحاولُ أن أتفادى الوطءَ أخففَ من أعبائي حين أســيرُ على الممشـــى ، لكنْ … عبَـثاً فالأزهارُ البيضُ تدورُ ، وإنْ كانتْ ذابلــةً تُمسِــكُ بي تأخذني من شِــسْــعِ حذائي كي تبلغَ شَـــعري … متناثرةً ، متألقةً فوقَ قميصي الصوفِ . …………. …………. …………. الليلةَ جاءتني الأزهارُ مع الحلــمِ لتــأخذني معها … سـأكونُ ســعيــداً ! لندن 2 / 9 / 2002 ثلاثُ محاولاتٍ لعلاقة أنا أقدرُ أن أفتحَ جَـفنَيَّ دقائقَ لكني لا أقدرُ أن افتحَ عينيّ…مســاءَ البارحــةِ التفّـتْ كلُّ وشــائعِ أيامي حولَ عروقي. ظلّـتْ تلتـفّ وتضغطُ ، تلتــفُّ وتضغطُ ، حــتى سالتْ شمسٌ بين يدَيَّ . على أُصُصِ الأزهارِ بدا الطُّـحْـلُبُ أخــضرَ في لونٍ مائيٍّ. مــاذا سـيُـغَـنِّـي صُــعلوكُ الحَـيّ؟ ستــندفعُ الزيناتُ مُـفـرقِـعةً من جهـةِ الغــربِ . الشّــمسُ تســيلُ . وآخِـرُ قنّـينةِ خمـرٍ شِـيلِـيٍّ رحَــلتْ. أنـا أقدرُ أن أفتحَ جَفنيَّ دقائقَ لكني لا أقدرُ أن أفتحَ ســمعيْ …الشارعُ مكتومٌ ، لَـكأنّ السيّـاراتِ علــى عشبٍ تَـدْرُجُ . والموسيقى من بئرٍ تخــرجُ . أهجِـسُ صلصلةً في الحنفيّــةِ ... سـلسـلةً من ذهبٍ تسقطُ من رفٍّ كي تتكوّمَ في طرفِ السجّــادةِ . هل يتكلـمُ هذا المصباحُ ؟ البابُ المؤصَــدُ صَــرَّ صـريراً … أعرفُ أنّ ينابيعَ ، ينابيـــعَ مُـغَـلْـغَـلةً ، تترقرقُ بين السبّــابةِ والإبهامِ ؛ تُرى … هل أســمعُـها ؟ أنـا أقدرُ أن أفتحَ جَفنَـيَّ دقائقَ لكني لا أقدرُ أن أســتافَ …و في بستانِ البيتِ ، قديماً وبعيداً ، في البصـــرةِ ، كانت أزهارُ الخشخاشِ . وعندَ مُـسَـنّـاةِ الماءِ تفوحُ روائحُ من سَـمكٍ وطحالبَ. كنا أحياناً ننهلُ من ماءِ الطَّـلْـعِ .أتعرفُ كيف تكونُ القيلولةُ تحتَ غصونِ التينِ ؟ وكيف تكونُ بَــواري الـمَـدْبسـةِ ؟ الليلُ سيهبطُ مثلَ ضبابٍ أزرقَ في "حمدانَ". سـيمتـدُّ اللبلابُ الـمُـزْهِــرُ في الدمِ … سـوف يكونُ شــــميمـاً . لندن 26 / 8 / 2002 مــُـعــايَــنــة ينســجُ العنكبوتُ على بابِ بيتـيَ أثــوابَـهُ العاريـةْ ، لِـيَـمُـرَّ الهواءْ وتَــمُــرَّ الروائحُ والصيفُ والضــوءُ حتى كأنّ الســماءَ ابتــداءْ ........... ........... ........... ينســجُ العنكبوتُ على الباب ما غاب ؛ ينســجُ معنى الرداءْ ... لندن 28 / 7 / 2002 رُبـــاعيّــةٌ أيضــــاً... سعدي المتوحدُ و الأفعى لا يعرف أن يأكلَ في المطعمِ والمطعمُ مكتظٌّ بزبائنهِ . المطعمُ يَـبـعُـدُ أمتاراً حَـسـبُ عن النهـرِ . به سَـمَـكٌ ، ومُـخَـلّـلُ مانـجـو الهندِ ، وأرغفةُ التنّـــورِ ، وكان الناسُ سكارى بالعَـرقِ المسمومِ ورائحةِ البارودِ الباردِ في الجيـبِ الخلفيّ . وفي هذا الغسَــقِ ارتعشَ الضَّـوعُ قليلاً . هل نادى اللبلابُ زهورَ البوقِ؟ وهل تَـخْـطُـرُ في الأبـخـرةِ امرأةٌ ؟ سوف يكون الناسُ سعيدينَ … يموتُ الناسُ سعيدينَ : العَـرَقُ الطافحُ ، والبــارود… سعدي المتوحدُ و السيف لا يعرف أن يجلسَ في بـَــهوِ سياسـيِّـيـن كم حاولتُ ، طويلاً ، أن أدخلَ في البهوِ المفتوحِ ! لقد أمضيتُ العُـمْـرَ بهذي اللعبةِ . يُغريني المشــهدُ عن بُـعدٍ : أبواقٌ ، وســماســرةٌ ، وحقائبُ . أحياناً تأتي امرأةٌ بالويســكي في أكوابِ الشاي . وقد يُمسِكُ قردٌ بـمُكبِّــرِ صوتٍ . يَـصّـاعَـدُ في الليلِ رصاصٌ أعمى. حُـجِـزتْ كلُّ مقاعدِ هذا البهوِ ، وعندَ البابِ اصطفَّ المنتظرونَ . لماذا؟ هل تســألني؟ أنا لا أعرفُ كُــوعي من بُـوعي . أنا لا أعرفُ حتى سـترةَ من يسألُني . سعدي المتوحدُ و الحلزون لا يعرف أن يتقدمَ ( حتى بين رفاقِ العمر ِ) مُظاهرةً خيرٌ لكَ أن تجلسَ ملتصقاً بالمصطبةِ الخشبيـةِ . ماذا ســتقولُ لو استعجلْـتَ وراء القومِ ؟ فأنتَ هنا ، ملتصقاً بالمصطبة الخشبيةِ ، سوف ترى المشهدَ مكتملاً . لن تدفعَ بالـمـنْـكبِ جاراً . لن تتدافعَ كي تحظى بالصورِ الفوتوغرافيةِ … قد يجلسُ لِـصقَـكَ مَـن أنـهكَـهُ السـيرُ . وقد تتحدثُ عن قــاراتٍ أخرى. هل تُـنْـكـرُ أن العالمَ يبدو أجملَ حين تراقـبُـه من مصطبـــةِ الحانةِ ؟ إنّ رفاقكَ يندفعون خِـفافاً في الشارعِ. أنت تراهمْ . هذا يكــفي . سعدي المتوحدُ والمِــرآةَ يحاولُ أن يتصوّرَ ما هو أبعدُ منها… أنتَ رأيتَ … فماذا بعدُ ؟ الأشجارُ وفوضى الشارعِ والمرأةُ والطيرُ جميعــاً في المِـرآةِ . ووجهُكَ أيضاً في المــرآةِ . إذاً ، ماذا بَـعدُ ؟ ألمْ تســأمْ هذا؟ لكنكَ لن تغلقَ نافذةَ الـمَـرأى طبعاً … أوَلَـمْ تتفَــكَّـرْ في ما خَـلَـقَ المَــرءُ ؟ إذاً ، فَـلْـتَـبْـرأْ من هذا الصّـلصالِ طيوراً ! إنكَ لم تأتِ لكي تتملّـى المِـرآةَ ، ولم تأتِ لكي تكســرَها . هل أتعَـبَـكَ الدربُ ؟ وهل خذلتْـكَ خُـطاكَ ؟ انظُــرْ تحتَ غطائكَ ، وانتظـــرِ الصّــبَـواتْ . لندن 2 / 10/ 2002 ذبـذبـات للخريف الذي ظلَّ يمضي ، لآخِــرِ أوراقهِ ، تهمسُ الريحُ في مــطرٍ ناعمٍ. أنا أســمعُ ما تَـنطقُ الريحُ . ألْـمُـسُ ما تَـحمــلُ الريحُ . أغْـمسُ هُــدبي بأمواجها . القـريةُ ارتحلتْ منذُ قَـرنٍ ، وهاأنت ذا لا ترى غيـرَ مقعدها الخشبيّ الوحيدِ ، وســاحتِـها الخاويةْ . قد كنتُ هيّـأتُ الشعاراتِ العشيّــةَ . سوف يأتي أحمدُ النجديُّ حتماً بالعِـصِـيّ . وسوف تنطلقُ المظاهرةُ الظهيرةَ حينَ تزدحمُ الأزقّــــةُ في محيط السُّـوقِ .أيُّ منازلٍ ستقول : أهلاً ، حينَ ينطلقُ الرصـــاصُ؟ كأنّ ضَــوعاً من حدائقَ في الغيومِ يسيلُ من كفِّــي . كأني في الغمامْ . ترحلُ الريحُ أيضاً ، ويرحلُ عن شجرِ الســاحةِ المطــرُ الناعمُ . الليـلُ لن ينتهي . هو لم يبدأ . الليلُ لن يبدأ . الليلُ حقٌّ كما الموتُ حقٌّ . كما اللهُ. أنت هو المترحلُ . أنت الذي لم يجدْ عبرَ كلِّ المفازاتِ إلاّ مصاطبَ في قريـةٍ. وهي حجّـتكَ اليومَ . قُــلْ لي ، إذاً ، ما أوانُ الرحيــلِ إلى الهاويـةْ ؟ أتظلُّ تسألُ : هل أظلُّ ضجيعَــها منذ انتــصـاف نهارِ هذا الســبتِ حتى مَــوْهِـنِ الأحدِ ؟ المدينةُ في ضواحيـــها … كأنكَ صرتَ تجهلُ أنّ ماريتـا تحبّ السوقَ مكشــــوفاً ومؤتلقاً ، وتجهلُ أنّ ماريتا ستشوي الـجَـدْيَ . ماريتا ستُـحضرُ خُــبزَها البيتيّ. فَلْـتقرأْ على الأحدِ السلامْ الستــائرُ شــفّتْ ، وغامَ الزجاجُ . أنا الآنَ أُبصِــرُ في الداخلِ، المَشهدَ. الغرفةُ ابتعدتْ عن تفاصيلها ؛ والأريكةُ صارتْ مَـمَــرّاً ، وهذا البساطُ الذي كنتُ أحسِــبُ وِحداتِـهِ صارَ نهراً ، ولم تَـعُـدِ اللوحةُ امرأةً عاريــةْ . ………............. ….…………… ………………. بغتةً … أسـمعُ الخطـوَ ! هل جاءني من سيصحبني في طريقِ الظلامْ ؟ لندن 2 / 11 / 2002 الطيفُ ذو البيريّــه قبلَ أربعين عاماً كان حســن ســريع مرشَّحاً لأحدِ منصبين: وزير الدفاع في جمهورية العراق الديمقراطية أو العريف الأول ( مثل ما كان شكري القوتلي مواطناً أول ). الآن ، وقد مرت أربعة عقود تظل بيريّـةُ حسن ســريع المطويةُ مثل مسدس حادّةً ، خفيّــةً ، كأنها في طيّـتها الأولى ذلك الصباحَ بمعسكر الرشيد... ومن يدري؟ ربما انتبه أحدُهم إلى قولة أوريانا فالاتشي : المسدس ليس سلاحَ دفاعٍ ولأنّ هذا المنتـبِـه لايملكُ مسدساً فلسوف يستعير من حسن ســريع بيريّـتَـه ، ولو لدقائقَ ( أنت تعرف ... التفتيش ، وأجهزة كشف المعدن المتطورة ... إلخ ) وأنت تعرف أيضاً أن بضع دقائقَ ستكفي حتماً ( حكّــامُنا جبناء كالعادة ) آنَـها لن ينافسَ أحدٌ حســن سريع على منصب وزير الدفاع في جمهورية العراق الديمقراطية ... إذ ليس من الواقعية أن تتوجّــه في دبابةٍ حديثةٍ لـتُسقطَ طيفاً هالـتُـهُ بيريّــةٌ مطويّــةٌ ! لندن 6 / 11 / 2002 القطُّ تحت المـطــــر كأنـيَ الليلةَ في الهنـــدِ … أهذا الموســميُّ ، المطـــرُ ؟ امتدّتْ يدي أفتحُ سنتيمترينِ زجاجَ شُــبّـاكي أُزيحُ شــيئاً من ســتارةِ الشُّـبّـاكِ ، فكّــرتُ : تُـرى ، أين يبيتُ الليلةَ ، الســنجابُ والطيرُ وتلك النحلةُ ؟ المصطبةُ الوحيدةُ اسـترجعتِ الليلةَ عِــرْقَ الغابةِ ، العالَــمُ يبدو لي غســيلاً هائلاً لن ينشفَ ، البتّـةَ ، في الشمس التي ليستْ ســوى ذكرى من الهنــدِ وممّـا دوّنَ النخلُ عن الهنــدِ ... وفي اللحظةِ هذي انطفأتْ ســجارتي ……………… ……………… …………….. الأســماكُ في بحيرةِ الغابةِ قد غُـصْنَ إلى الأعماقِ حتماً ؛ وحدَه ، القطُّ ، سيلقى الصبحَ طيراً صادحاً في ساعة الحائطِ في رطوبة السُّـلّـمِ ……………… ……………… ……………… ما أبـهى المطرْ ! لندن 12 / 11 / 2002 محــاولةٌ أولــى في الضّــباب أنـْـهَــرَ الصبحُ… جاوزتِ الساعةُ العاشـــرةْ غيرَ أن الضبابَ الذي رَقَّ ، ينسجُ أثوابَــه الآنَ ، يجعلُ حتى أعـالي الشجــرْ بِــضعةً منهُ ، يجعلُ حتى الستائرَ لوناً خفيّــاً ويمضي بها نحوَ أمواجهِ الثابتةْ . ………………. ………………. ………………. أيَّ لونٍ أرى؟ أيُّ مســطرةٍ للتدرُّجِ أرقى بها أو أُتابعُــها ؟ أيَّ ثلجٍ ألامِــسُــهُ ؟ أيَّ مِـلْـحٍ أذوقْ؟ ……………… ……………… ……………… سوف أغمضُ عيني وأفتحُــها : ايها العشبُ يا أيها العشبُ يا ايها العشبُ كُــنْ ثابتاً ، يا حليفي ، ثباتَ السّــرابْ ! ـــــــــ * أنـهَـرَ ، فعلٌ منحوتٌ قياساً ، معناه : صار الصبحُ نهاراً . لندن 10 / 11 / 2002 محاولــةٌ ثانيةٌ في الضباب تغيبُ الخيولُ عن العشبِ ؛ لم يَـعُـدِ العشبُ مرأىً … بياضٌ من الأرضِ مُـصّـاعدٌ وبياضٌ من الماء مُـصّــاعدٌ ، والمراكبُ ( تلك التي تصلُ النهرَ بالبحرِ ) غابتْ عن النهرِ قبلَ الخيول ، وأســيِـجةُ الحقلِ غابتْ ولم يبقَ في اللوحةِ المستفيضةِ إلا أعالي الشــجرْ … إذاً ، كيف نمضي؟ المســافةُ بين الطريقِ ومنعطفِ القريةِ الآنَ مثلُ المسافاتِ بين الســماءِ وأوراقِـنا … والنهارُ الذي نحن فيهِ ، يكون النهارَ الذي لم نَـعُـدْ نحن فيهِ ، ……………. …………… …………… الخيولُ تغيبُ عن العشبِ هادئةً في الضّــباب … لندن 19 / 11 / 2002 محاولةٌ ثالثةٌ في الضّبـــاب لم يَـعُـدْ لدخانِ السجائرِ لونٌ … من النافذةْ يدخلُ الأبيضُ المستســرُّ من النافذةْ تدخلُ الطّـلَـقاتُ البعيدةُ إذْ تمتطي موجَ أصدائها : أهي بضعُ ســرايا جنودٍ تُـواصلُ تدريبَها؟ أهيَ مدرسةُ الصيدِ في الـمَــرْجِ ؟ أهي البلادُ البعيدةُ ؟ كان الضبابُ ، الظهيرةَ ، ينْـحَـلُّ في قُـزَعٍ ومرايا؛ وكان الهواءُ الذي ظلَّ ملتصقاً بالرطوبةِ يخســرُ أغلالَـــهُ… بغتةً ، مـرَقَ الطيرُ …………… …………… …………… مَـن قال لي : "ستموتُ العشيّــةَ "؟ إني رفيقُ الضباب … لندن 19 / 11 / 2002 نَــبْـتـةُ الآس إذاً ، كيف تمضي إلى آخرِ الدربِ ؟ ( أعني إلى حانةِ الشــاطيءِ ) اليومَ كان المطــرْ والضبابْ يُـغِـيْـمانِ حتى تهـاويلَ ســاحَـتِـكَ : السّــهمُ ( وهــو المؤشِّــرُ ) غابَ ، السبيــلُ الذي كنتَ تسلـكُــهُ بين بابكَ والسّــاحةِ اندلقَ الآنَ بين السيولِ (الحقيقةُ : كان السحابُ كثيفاً ) وأدركتَ ، في بغتةٍ ، أنّ كلّ المســاءِ الذي كنتَ ترتابُـهُ هابطٌ ( لا كما كنتَ عُـوِّدتَــهُ ) إنهُ هابطٌ كالحجــرْ ألشــجرْ غائمٌ والمطرْ عائمٌ في الذهول ... الخرائطُ ( تلك التي كنتَ تنأى بها ، وتســافرُ في نورِها ) انتقعتْ مثلَ صَـنْـدَلكَ ؛ ( الآسُ نبتٌ غريبٌ ) .................. .................. .................. إذاً ، ســوف تمضي إلى آخرِ الدربِ تمضي ورائحةَ الآسِ تمضي ... لندن / 28 / 11 / 2002 الإحــتـــلال 1943 نحن الصبيانُ حُــفاةُ الحــيّ نحن الصبيان عُـراةُ الحــيّ نحن الصبيان ذوو الـمِـعَـدِ المنفوخةِ من أكلِ الطين نحن الصبيان ذوو الأســنانِ المنخورةِ مـن أكلِ التمرِ وقِـشـرِ اليقطين نحن الصبيان سنصطفُّ ، صباحاً ، نستقبلكم بالسعفِ الأخضرِ من قبرِ الحَـسـنِ البِـصريِّ إلـى أولِ نهـرِ العَـشّـار ... سنهتفُ : عـشــتُـمْ ! وسنهتفُ : دُمـتُـمْ ! وسـنســمعُ موسيقى الـقِـرَبِ الأسـكتلنديّـةِ مبتهجين ... أحياناً نضحكُ من لِـحيةِ جنديٍّ هنديٍّ ؛ لكنّ الخوفَ يُـخالطُ ضحكتَـنـا ، ويخـالِـفُـها ... نهتفُ : عشــتمْ ! نهتفُ : دمتُـمْ ! ونـمـدُّ لكم أيديـنا : أعـطُــونا خبزاً ، نحن جياعٌ منذ وُلِــدنا في هذي القريةِ ... اعطُــونا لحماً ، عِـلكاً ، عُـلَـباً ، سَـمَـكاً أعطــونا كي لا تطردَ أُمٌّ إبــناً ، كي لا نأكلَ طيــنـاً ونـنــام ... نحن الصبيان حُــفاة الحـيّ لا نعرفُ من أين أتـيـتُـم ولماذا جئــتُـم ولماذا نهتفُ : عشــتُـم ... ......................... ......................... ......................... والآنَ ســنســألُكم : هل ســتظلـون طويلاً ونظلّ نـمـدُّ لكم أيـديـنا ؟ لندن 3 / 12 / 2002 مشــهدٌ مشـوّشٌ ريحٌ ... كأنّ الطائراتِ تُـغِــيرُ عن بُـعدٍ ؛ كأنّ عزيفَ جِــنٍّ في محيط الغابةِ الأشــجارُ ترتطمُ ارتداداً وارتعاداً وابتعاداً عبرَ ما كان البحيرةَ في زجاج الشــرفةِ . الآنَ ... المســاءُ يجيءُ مقروراً ، رصــاصــيّـاً . طيورُ البحرِ غابتْ في الأساطيرِ. السقوفُ تنـوءُ بالقرميدِ ، توشكُ أن تطيــرَ طليقةً والريحَ . آخِــرُ ما تساقـــطَ من وريقاتِ الخريفِ مضى ودوْرتَــهُ . أ ســاحةُ قريةٍ أم مشـهدٌ في السينما للصمتِ؟ حلّــقَ طائرٌ من آخر البستان منعطِـفاً ومنخفضاً كمقذوفٍ من الفَــخّـارِ ... أروقةُ المســاءِ تغيبُ ..................... ..................... ..................... ريحٌ والسّــماءُ بلا ســماءٍ والـمَـمَـرُّ إلى الطريقِ بلا ضياء ... لندن 10 / 12 / 2002 عُـرسُ بـنـاتِ آوى أ مُـظَـفّـرُ النـوّاب ماذا سوف نفعلُ ، يا رفيقَ العُــمْـرِ ؟ عرسُ بناتِ آوى ... أنتَ تعرفُــهُ قديمــاً : نحن نجلسُ في المســاءِ الرّطبِ تحتَ سقيفة القصبِ ؛ الوسائدُ والحشايا من نَديفِ الصوفِ والشايُ الذي ما ذقتُ طعماً ، مثله ، من بعدُ ، والناسُ ... الظلامُ يجيءُ ، مثل كلامنا ، متمهِّـلاً والنخلُ أزرقُ والدخانُ من المواقدِ كالشــميمِ ، كأنّ هذا الكونَ يبدأُ ... ................... ................... ................... فجأةً ، تتناثرُ الضحكاتُ ، بين النخلِ والحَــلْـفاءِ : عرسُ بناتِ آوى ! * * * أ مظفّـر النوّاب ليس اليوم كالأمسِ ( الحقيقةُ مثل حُـلمِ الطفل ) نحن اليومَ ندخلُ فندقاً للعرسِ ( عرسِ بناتِ آوى ) أنتَ تقرأُ في صحائفهم قوائمَــهم فتقرأ : يمرّونَ بالدَّهنا خفافاً عِـيابُــهُـم ويخرجْـنَ من دارِيـنَ بُـجْـرَ الحقائبِ على حينِ ألهى الناسَ جُـلُّ أمورِهم فَـنَـدْلاً زُرَيقُ المالَ نــدْلَ الثـعالبِ * * * أ مظفّـرُ النوّاب دعنا نتّــفقْ ... أنا ســوف أذهبُ نائباً عنكَ ( الشـآمُ بعيدةٌ ) والفندقُ الســرِّيُّ أبعَــدُ ... سوف أبصقُ في وجوه بناتِ آوى سوف أبصقُ في صحائفهم وأبصقُ في قوائمـــهم وأُعلِــنُ أننا أهلُ العراقِ ودوحةُ النَّسَــبِ وأُعلِـنُ أننا الأعـلَـونَ تحتَ ســقيفةِ القصبِ ... لندن 11 / 12 / 2002 إصـــغـــاءُ الأصَــمّ شــجـرٌ لستُ أعرفُ ماذا أُسَـــمِّــيهِ يَــطرقُ ما تَــجْــمعُ النافذةْ من فضــاءٍ ... كأنّ الغصونَ التي عَـرِيَـتْ صارت المعْــدِنَ المستحيلَ ، الأصابعَ في مَـرسـمٍ لصديقي الذي جُــنَّ ... .................... .................... .................... كان الضــبابُ يَـشِــفُّ قليلاً قليلاً عن النبتةِ- النقشِ في ما يقالُ الســتائرُ ؛ أُصغي إلى نفَــسي في البيانو المعطّــل ِ هل آنَ أن أرتدي ما يقيني وأخــرجَ ؟ ( إني أحسُّ صلاصلَ في الصُّدغِ ) لكنما الغابةُ الآنَ تدخلُ مَـنأى الضبابِ ... إذاً ، لن أغادرَ زاويتي ؛ سوف أتْــبَــعُ ( أســمعُ ؟ )ما يصنعُ الكونُ ما تفعلُ النغَــماتُ الخَــفِــيّــةُ بي ... سوف أُغْــمضُ خطوي وأُرهِـفُ هجْـســاً تلاشَــى لأمضي إلى ما يريدُ الضـــباب . لندن 19 / 12 / 2002 قَـــرنفـــلٌ من أين رائحةُ القرنفلِ ؟ شَــعرُها ؟ أم إبطُــها ؟ أم ثوبُــها الملقى على ســجّــادةِ البوشــناقِ ؟ ليلى منذُ ثالثِ خطوةٍ في البيتِ تجعلُ كلَّ ما في البيتِ ضَــوعَ قرنفلٍ ؛ ليلى هي البستانُ رَطْــباً وهي ما يتنفّـسُ البستانُ مَسْــقيّــاً وليلـيّـاً ، وليلى الآنَ تعرفُ أنني ثَــمِــلٌ برائحةِ القرنفلِ فهي تَـرتقُ ما تناثرَ من غيومي ثم تنشــرُها ســماءً كالـمُــلاءةِ ... إن ليلى ، وهي مطْــبِــقةٌ ، تحـسُّ بأن أناملي خدِرَتْ على الكُثبانِ تعرفُ أنّ نبضي نبضُــها وصَـبيبَ مائي ماؤها ... ......................... ......................... ......................... ليلى ستتركني أنامُ مهــدهَــداً بين القرنفلِ والغمام ! لندن 20/ 12 / 2002 مُنــتبِـذاً في عطلة الميلاد
للخرافِ التي ترتعي كلأَ الـمَـرْجِ ضامرةً كالظِّــبـاءْ للطريق الذي يلتوي صاعداً مـرةً هابطاً مــرّةً ، للخيول التي تتأمّــلُ عبرَ الســياجْ للبيوت التي تصلُ الأرضَ ، من دَعــةٍ ، بالســماءْ للبحيرات تَــخْـفى وتبـزُغُ للطيرِ ... أسْــلَـمْـتُ كَـفّـينِ مفتوحتينِ : أما لَـهُـما ، اليومَ ، من مــاليءٍ ؟ .......................... .......................... .......................... فجأةً ثَـمَّ نجـمٌ هوى ... سقطتْ قطرةٌ ، دونما دِيـمةٍ للمطرْ ؛ أتُـرى كنتُ أرحلُ في الراحتَــين ؟ لندن 27 / 12 / 2002 موســـيقى غرفـةٍ من غرفة النومِ التي تعلو علـى شــجر الحديقةِ وهــو يَـقْـطرُ كنتُ أسـمعُ قُـرصَ موســيقى ... لقد كان الصباحُ مبطَّـناً بالماءِ مخضـرّاً وســرِّياً وكنت أرى الرذاذَ ولا أرى وأحسُّ بالبرد الخفيفِ ولا أحسُّ ... كأنّ طيراً يختفي ، مترنِّـحاً ، في الأفقِ ؛ ......................... ......................... ......................... سوف أتابعُ الإصغاءَ ، ملتحفاً بـجِـلْـدي أو أحاولُ أن أقول . لندن 29 / 12 / 2002 الــهُــدوء في الضواحي عندما تلمسُ أولى قطراتِ المطرِ ، الأشــجارَ والقرميدُ يغدو ، فجأةً ، أســودَ جوزيّــاً وتبْــتـلُّ قليلاً ســاحةُ القرية ... يجري جدولٌ من آخرِ الدنيا ويســري في الأصابـيـعِ ؛ ( الضحى ليلٌ ؟ ) وهل في الغفلـةِ الكبرى تَـمَـشّـى في العروقِ النخلُ ؟ ................. ................. ................. كم بئرٍ ســتُـطوى آنَ ما ينْـقَـضُّ ، كالصّـخـرِ ، المســاء ! لندن 31 / 12 / 2002 نصيحةٌ متأخــرةٌ قالَ : إنْ ضاقتْ بكَ الغرفةُ ، فلْـتنظرْ عميقاً في السماءْ أنتَ لن تخســرَ شيئاً ؛ فالخساراتُ التي حدّثـتَـني عنها ( وكنّـا نقطعُ الغابةَ ) صارتْ عَـجـنـةَ الصلصالِ في كـفّـيكَ ... صارتْ خطوةً تاليةً . ما نـفْـعُ أن تجلسَ في الغرفةِ مقروراً ؟ وما نفعُ الأغاني آنَ ما تسمعُـها وحدَكَ ؟ أنصِـتْ لأعالي الشجرِ الأجردِ أيّـانَ تهبُّ الريحُ ، أنصتْ للشبابيكِ التي توصَــدُ يوميّـاً ولا توصَــدُ أنصِــتْ للسكون ... ............. ............. ............. أنتَ من عـلّــمَـني هذي الأحابيلَ فما طَـعْـمُ الكلام ؟ لندن 10 / 1 / 2003 نارُ الحطّـابين منذُ ثلاثةِ أيامٍ ، يَـتَـنـزّلُ هذا المطرُ … الشجرُ الأجردُ يلبسُ ثوباً أســودَ / أخضــرَ ، حتى اســمُ الشارعِ في اللوحةِ يمحوهُ الطحلبُ ؛ ماءٌ في القرميدِ وشمسٌ في المخطوطاتِ وفي كتبِ اللغةِ … الليلةَ زارتني أرواحٌ إغريقيّـاتٌ : قُــمْ ! وانفضْ عنكَ دثارَكَ … واحملْ في التيهِ المائيّ ، عصاكَ اركضْ ! ......... ......... ......... ثمّـتَ ، في ذاك الـمَـرْجِ ، مرايا ذائبةٌ وفِـراءٌ وخيولٌ ترعى أعشــابَ القاعِ ؛ اركضْ ! سوف ترى يوماً ما ـ حتى لو كانت رَجْـما ـ نارَ الحطّــابينَ ... اركضْ ! لندن 20/ 1 / 2003 رقصـــةُ الفالاشـــا نحن فالاشــا والقرنُ الواحدُ والعشــرونْ سيكونُ لنا نحن ، ذوي الصّــلعةِ والـعُـثْـنونْ نحن فالاشــا نضربُ في الأرضِ : نغـنِّــي حينـاً نفتحُ دكاناً حيناً ونبيعُ النفسَ وأوراقَ التينْ ... نحن فالاشـا والكونُ بضائعُ نحن بضائعُ لا فرقَ لدينا إنْ بِـعنا بلداً أو صرنا في منزلِ ضاحيةٍ قَـوّادينْ نحن فالاشــا لا أرضَ لنا ، لا عِـرضَ ولكنّـا نسمعُ عن أجدادٍ وتماثيلَ وعن بلدٍ بين النهرينْ ... نحن فالاشـا والأيامُ الآنَ لنا : الريحُ مواتيةٌ ... من أرصفة نيويورك إلى الأشجار بشـرقيّ الصينْ الريحُ مواتيةٌ سنكون قباطنةً أو غسّــالي خِــرَقٍ ودفاترَ في ســفنِ النـخّـاسينْ نحن فالاشــا نســكرُ في حانِ الأمواتِ ونسكنُ فـي خانِ السُّـعلاةِ ولا نعرفُ عَـكّـةَ من مـكّــةَ ... لكنّــا سنصيرُ عـراقيين ! لندن 23 / 1 / 2003 طبيــعةٌ صامتـــةٌ الشجرُ الأجردُ صارَ تماثيلَ شــجرْ حَـجـراً يتشكّـلُ تحتَ ســماواتٍ هابطةٍ يهتــزُّ ، وئيداً ، في الريحِ ليعلنَ عن أغصانٍ كانتْ أغصاناً … أو يعلنَ عن أنفُــسنا في الغرف العليا . ثمّـتَ موسيقى ؛ في الموسيقى يســـري الـنُّـســغُ وئيداً ســريّـاً منســرباً من ركن الغرفةِ ، نحو زجاجِ النافذةِ … الموسيقى تتشبّـثُ بالقرميدِ وبالسقفِ وبالغيمِ الهابطِ … ........... ........... ........... مَـن منحَ الأرضَ فُـجاءتَـها ؟ من منحَ الأحجارَ غصوناً خضراً ؟ من زيّــنَ نافذتي بالنبتِ المتسـلِّـقِ في لحظةْ ؟ لندن 26 / 1 / 2003 الأســماك منذ يومينِ ، وهذا الثلجُ يهوي ، هادئاً ، منتفشاً كالريشِ لم أعرفْ لماذا هبطَ الطيرُ من الأغصانِ كي ينْـقرَ في ثلج الطريقِ ... اللوحةُ ؟ الأســودُ والأبيضُ ... أمْ أنّ نثيرَ الـحَبِّ تحت الثلجِ ؟ ........... ........... ........... أيّـانَ تطلُّ الشمسُ ؟ كانت نبتةُ المنزلِ في الركنِ تُــدَنِّــي رأسَــها نحوَ الزجاجِ ؛ الغابةُ الســوداءُ في الـبُـعدِ ، وفي البعدِ البحيراتُ التي تَـزْرَقُّ تحت البردِ أيضاً ... كلُ شـيءٍ ســاكنٌ لكنّ في مضطرَبِ القاعِ وفي الأعماقِ أســماكَ الذهبْ ! لندن 1 / 2 / 2003 واقعيّـــة الخيولْ ترتعي في الثلجِ ... أحياناً تطلُّ الشمسُ لوناً بارداً يدْفأُ في الثلجِ ، وأحياناً ترى أبعدَ من منفسَـحِ الغابِ ، البحيراتِ وسِـربَ الوزِّ والسنجابَ والطيرَ كأنّ الكونَ قد رُتِّبَ كوناً هذه اللحظةَ ... .......... .......... .......... أنتَ ، الآنَ ، لن تسمعَ ما تسمعُـهُ إذ يُطْـبِقُ الليلُ وتأوي الخيلُ ، أنت الآنَ في الصورةِ ؛ فاهدأْ قبلَ أن تنْـقضَّ في كابوسكَ الليليّ تلك الطائرات . لندن 4 / 2 / 2003 نبضٌ أبيض جاءنا ، في غفلةٍ من قطرات المطر الأولى ، نديفُ الثلجِ ... قرصٌ أشهبُ استخفى وما كان سحاباً صار صحراءَ من الماءِ ولوناً للســـماءِ، الريحُ هبّتْ فجأةً والثلجُ في الريحِ يُـذَرِّيها هنا ، أو ههنا حلَّـقَ طيرٌ واحدٌ من آخر المبنى خفيفاً عجِـلاً ضخمَ الجناحَـينِ ... لماذا أقفرتْ ســاحتُـنا ؟ كانت زهورُ الثلجِ قطناً ، ياسميناً ، نعمةً ســابغةً تصبغُ هذي الأرضَ باللونِ الذي ليس له لونٌ ؛ لماذا أقفرتْ ســاحتُـنا ؟ ............. ............. ............ لكنْ ، سـأبقى أنا في الساحةِ : شَــعري الثلجُ والسترةُ ثلجٌ والممرّاتُ هي الثلجُ ... سلاماً ، أيها الثابتُ في الساحةِ يا ظلَّ الغريبْ ... لندن 4 / 2 / 2003
|