سعدي يوسف زخّـــةٌ ربيعيّـــة عشـرات الآلافِ من الأليافِ المائيةِ تَـعْـقدُ سُــلّـمَـها بين أعالي الشجر المتطاولِ والممشــى ، والريحُ مواتيةٌ والأزهارُ البيضُ تطير مع الريحِ : سأجمعُ ثلجاً في كفّـيَّ وأدخلُ بيتي كي أنثرَ هذا الثلجَ المنسوجَ على صمتِ مُـلاءاتي ووسادةِ زاويتي… لن يتحوّلَ ماءُ الثلجِ دموعاً ؛ أنا أعرفُ – طبعاً – أن الأزهار البيضَ ستذبل بعد قليلٍ أعرفُ أن الريح ستهدأُ أنّ الشمس ستُـصبحُ شمسَ الصيفِ وأني سـأسافرُ نحو بلادٍ لا أعرفُـها … لكنْ ، ما شأني والعالَـمَ ؟ تكفيني اللحظةُ بيضاءُ هي اللحظةُ بيضاء … لندن 30 / 4 / 2003 أغنية الصَـــرّار ربّـما ساءلتُ نفسي الآنَ ، عمّـا أكتبُ الآنَ … لماذا أكتبُ الآنَ ؟ وفي أيّ مكانٍ أكتبُ الآنَ ؟ ............. ............. ............. ألـمْ يُتعبْـكَ نصفُ القرنِ من ألعابِـكَ : الصخرةُ والنبعُ وهذي اللغةُ … الألوانُ والغيمُ …إلخ ؟ إنك لا تبدو دؤوباً مثلَ نجّــارٍ ولا منتبهَ المَـلْـمسِ كالخزّافِ ؛ أنت الغافلُ الناحلُ والتأتاءُ … ما شأنُكَ والدنيا ؟ دع العالَـمَ يمضي مثلَ ما علّـمَـنا العالَـمُ أن يمضي ، فما للّـهِ ، لِـلّـهِ وما قد كان للقيصرِ ، للقيصـرِ … قُـمْ ، فاذهبْ إلى مقهىً على الشاطيءِ وانعَــمْ بنبيذ الشمسِ إذ تغربُ والمرأةِ إذ تلعبُ والسنجاب … ............... ............... ............... كم سـاءلْـتُ نفسي ! نصفَ قرنٍ ، وأنا أسـألُ نفسي : لِـمَ لا تخذلُـني أغنيةُ الصّــرّارِ ، كي أغفو قليلا ؟ لندن 6 / 5 / 2003 الرجل الذي ينظِّف زجاجَ النوافذ هو يأتي ، مرّةً في كل شهرَينِ ويرقى سُـلّـماً من خشبٍ أزرقَ حتى منتهى النافذة العليا وبـالـخِـرقـةِ والـمحلولِ يجلو غائمَ البلّـورِ والمنظرِ ؛ هذا الزائرُ النادرُ لا ينظر في وجهكَ إنْ صادفتَــهُ ، وهو لا يهمس حتى بصباح الخيرِ … يأتي هادئاً ، غُـفْـلاً ويمضي هادئاً ، لكنه يتركُ للصورةِ أن تنصعَ للمرآةِ أن تلمعَ كالمرآةِ للمرأةِ أن يبصرها العاشقُ من خلفِ الزجاجِ .............. .............. .............. اليومَ كان الكونُ مبتلاًّ ولكنك لا تبصرُ أمواهَ السماءِ ؛ المطرُ الناعمُ في ساحتنا أنعمُ من أن تجتليهِ العينُ . والزائرُ ؟ حقّـاً ، ترك الزائرُ لي أن أرقبَ العشبَ الذي يضحكُ للماء السماويّ وأن أستنشقَ الأشجارَ من أغصانها العليا التي تبتلُّ ، أن أستافَ ضوعاً طالعاً من جنّـةِ الأعماقِ حيثُ الجذرُ … والبغتةُ : هذا قُـزَحٌ قد علّـقَ القوسَ على باب السماء ! لندن 20 / 5 / 2003 تَـحَــقُّـقٌ قد كنتُ … يا ما كنت آمُـلُ والخريفُ يلوِّنُ الغاباتِ بالذهبِ وبالجوزيّ أو بالقرمزِ المكتومِ … يا ما كنتُ آمُـلُ أن أرى وجه العراقِ ضحىً وأنْ أُرخي ضفائرَه المياهَ عليّ ، أنْ أُرضي عرائسَ مائهِ بالدمع مِـلْـحاً أنْ أُطَـوِّفَ في شطوط أبي الخصيبِ ، لأسأل الأشجارَ : هل تعرفْـنَ يا أشجارُ أنّـى كان قبرُ أبي ؟ .............. .............. .............. ويا ما كنتُ آمُــلُ ! خَــلِّـها … خَــلِّ الخريفَ يُـتِـمُّ دورتَــهُ فأشجارُ العراقِ تظلّ عاريةً وأشجارُ العراقِ تظلُّ عاليةً وأشجارُ العراقِ ، أنيسُــها في السـرِّ وجهُ أبي … لندن 21 / 5 / 2003 إذهَبْ وقُـلْـها للجبل كيف؟ أنت الساحةُ الآن ، ولا تدري بما يَـحدُثُ في الساحةِ ؟ ما أسهلَ أنْ تغمضَ عينيكَ … ولكنّ الرصاصَ انطلقَ ؛ الدبابةُ " ابراهيمُ " في المفترَقِ الأولِ والرشّــاشُ لا يهدأُ … ما كنتَ بعيداً ، حين كانت " ساحة التحرير " تلتَـمُّ على أشلائها : الدبابةُ " ابراهيم " في المفترق الأولِ والسمْـتيّـةُ السوداءُ ، آباشي ، على رأسكَ والبرجُ يدورُ … انتبه العصفورُ والمقتولُ والحائطُ ، لكنك لم تنتبهِ الشمسُ على رأسكَ تحــمــرُّ ، ولم تنتبهِ الساحةُ بارودٌ من الأعلى دمٌ إهْــرِيقَ في الأسفلِ طابورٌ من النملِ ولم تنتبهِ … الليلةَ ، يأتي طائفٌ من آخرِ الـقَـصْـباء . يأتينا الشِـقِـرّاقُ بما فاهت به جنّـيةُ الهورِ وتأتي عبرَ مجرى المــاءِ أفراسُ النبـــيّ . الطينُ من زقّــورةِ الـمَـنأى سيــأتي والخُلاسيّـونَ والجرحى ، وما تحمله الفاختةُ الأولى ، وما ينفثه الثورُ الســـماويُّ ، ويأتينا عليُّ بنُ محمد … هذه الأرضُ لنا نحن ، بَـرأْناها من الماءِ وأعلَـيْـنا على مضطـرَبٍ من طينها ، سقفَ السماءِ النخلَ والذاكرةَ الأولى… وكنّـا أولَ الأسلافِ ، والموتى بها والقادمين ؛ الأرضُ لن تتركنا حتى وإنْ كنّــا تركناها … سـتُـرخي هذه الأرضُ ، لنا ، الـمَـنْـجاةَ ، مَـرْساً من حريرِ الشَّـعرِ مجدولاً ، ستعطينا ، أخيراً ، إسـمَـها : ويْــلِـي على الشطآنْ ويلي على أهلِ الحِـمى والشانْ ويلي على أهلي ويلي على جسر المسيّـبِ والزبيرِ وقريتي حمدان ويلي على ظلِّـي الذي يمحوه أمريكانْ كيف؟ أنت الساحةُ الآنَ فكُـنْ أدرى بمن أنتَ وكنْ أدرى بما تفعلُ فالساحةُ ـ حتى لو تناستْ إسـمَـها أو غفلتْ عنه ـ هي الساحةُ أنت الآنَ معنىً ؛ لا تحاورْ ولْـتَـدَعْ مَـن خاننا يأكلْ طويلاً شـجرَ الزقّــومِ واثبُـتْ … لا تحاورْ : هذه الأرضُ لنا هذه الأرضُ لنا هذه الأرضُ لنا منذُ بَـرأْناها من الماءِ وأعلَـينا ، على مضطرَبٍ من طينِـها ، سقفَ السماء … 21 / 6 / 2003 Medellin - Colombia تـنــويعٌ صعبٌ ســلامٌ على هضَـباتِ العراق وشَـطَّـيهِ ، والـجُـرفِ ، والمنحنى على النخلِ... والقريةُ الإنجليزيةُ الآنَ صارت تجرجرُ ، هُـوْناً ، ســحائـبَـها والمساءُ ادَّنى فهي تدفأُ ، كالقطِّ ، في نومـها وتذودُ الكوابيسَ عن شــجرٍ أغرقـتْــه البحيراتُ ... يأتي المساء بطيئاً ومنتظماً ( سوف تحصي ثوانيَـــهُ مرّةً ) هل ستغمضُ عينيكَ ؟ عند نهايةِ ذاك الـمَـمَـرِّ ومن مُـرْتـبى النافذةْ نهضتْ دوحةُ الجــوزِ ... يأتي المساء بطيئاً ويزحفُ حتى يهدهدَ جفنيكَ : هل تبصرُ السعفةَ المستحيلةْ ؟ ســلامٌ على هضباتِ العراق وشـطَّـيهِ ، والجرفِ ، والمنحنى ... هل كنتُ أدري أنّ وجهي ، بـعدكَ ، الطــرقاتُ ؟ ابواباً مغلّـقةً تـركتُ ، ومنزلاً للـريحِ . لم تــكنِ البلادَ ، ولم تكنْ أمواهُكَ الخضراءُ جابيتي . لـقــد خلّـفْـتَـني في قــلعةِ الصحراءِ . مـاذا أرتجـي منكَ ، العشيّـةَ ؟ في الصباحِ خذلـتَـني ، ودخـلتَ في الـثُّكُناتِ . قـلتَ :" الحربُ أجملُ " . لن تـرى قدمَـيَّ بعد اليوم . إني منْـشِـدُ الطرقاتِ والحاناتِ ، إني الشاعرُ الأعمــى . لـديّ من الخريفِ الجَـهْـمِ موسيقى لألوانٍ . ومن مرأى الغروبِ غـضارةُ الوردِ . وأسألُ عنكَ ، أسألُ عنكَ ، لكنْ مثل ما يتساءلُ الملدوغُ عمّـا حلَّ في دمهِ . سلاماً ... لا أريدكَ أن تردّ ... اقرأْ على الوشَـــلِ السلام ! وســلامٌ على هضَـباتِ العراقِ ... الذبيحةُ في العيدِ ، بغدادُ في العيدِ ؛ تلك المقاهي: لها الشايُ مُـرّاً ، وتلك الفنادقُ : سكّــانُـها الأبعدونَ. الصلاةُ أقيمتْ صحونُ الحساءِ بها مرَقٌ من عظامٍ ومن لحمِ سُـحْـليّـةٍ ... والمساجدُ مغصوبةُ الأرضِ أبـوابُـها للجنودِ ، مشاةً ، وبحّــارةً وملائكةً طائرينَ ............. .... ........ ............ ســلامٌ على... لندن 31 / 8 / 2003 صـــوتُ البحـــرِ يا صوتَ البحرِ الخافتَ يا وشوشةً ، وهسيساً ، وحشائشَ فيروزاً وأغانيَ بَـحّـارٍ أعمى يا آخرَ آهاتِ الـحُــمّـى يا بوّابةَ بُـرْدِيٍّ وحصيراً من سعفٍ ضفرتْـهُ يدا طفلٍ في الليلِ ويا ريشاً وسلاحفَ يا مبتدأَ الرِّحلةِ من قرطِ امرأةٍ يا أرَجاً يلمع ُ في أشجارٍ دائمةِ الخضرةِ ، شـرقيَّ الصين ويا صوتي المتعَبَ يا صوتَ البحرِ الخافتَ : هل أخطأَنا التكوينُ ، لننتظرَ التكوين ؟ ............... ............... ............... يا صوتَ البحرِ الهاديءَ يا صوتاً أسمعُـهُ يتسللُ من قصب الكوخٍ سلالاً ملأى بالسمكِ المتواثبِ والأعشابِ ... وأسمـعُـهُ صلْـداً ، وجهيراً ، كالقيظِ المتدلِّـي من سقفِ الأعنابِ أقولُ : لماذا صرتَ المسموعَ ؟ تُرى ، هل ضقتَ بشكلِ القوقعةِ؟ البحرُ محيطٌ ... لكنّ الصوتَ من القوقعةِ ارتدَّ إلى القوقعةِ ! الآنَ سنبحثُ عن أرضٍ أخرى عن صوتٍ أعلى يا صوتَ البحـــرِ الهاديءْ ... .................. .................. .................. يا صوتَ البحرِ الحاضر يا صوتَ البحرِ الهادر يا الـمُـصّـاعِـدَ من وديانِ الأعماقِ إلى تيجانِ الآفاقِ ويا صوتَ البحرِ الهادرَ خَـلِّ القمصانَ تطيرُ مع الريحِ القبضاتِ المضمومةَ والراياتِ تطيرُ مع الريحِ وخَـلِّ ضفائرَ مَـن أحببناهنّ ، ومَـنْ أحببنَ ، تطيرُ مع الريحِ تطيرُ مع الصوتِ الهادرِ أعلى من هذي الدنيا أعلى حتى من مَـأتى الرؤيا يا صوتَ البحرِ الهادر ! لندن 24 / 8 / 2003
منتظراً الزوبعةَ المطرَ في الأغصان العليا من اربعِ أشجارٍ أعلى من سقف بنايتنا ( أعني مبنىً كان يقابلني حتى هذي اللحظةِ ) كان الـبُـنِّـيُّ جوارَ الأخضرِ ... أحسستُ بأنّ اللونَ الـبُـنِّـيَّ تحرّكَ أنّ نقيعاً من أزرقَ ، شِـبْهَ رماديٍّ ، يدخلُ في الـبُـنِّـيِّ ، وأحسستُ بأني سأموتُ ( إذا ما مُـتُّ ) على شاطيء بحرٍ ؛ أحسستُ بأني سأموتُ سعيداً ... لندن 6/9/2003 قطراتٌ أولى تلك القطراتُ الأولى تختبيءُ الآنَ ولكنْ ، أينَ ؟ تُـرى ، أهيَ بذيلِ الغيمةِ؟ أو تحتَ وُريقاتِ البلّــوطِ ؟ وهل ستقولُ : سلاماً ؛ إنْ نزلتْ في عينيَّ مباغِـتةً ؟ أنا في ركن الساحةِ ، منتظِـرٌ … فلَـئِـنْ جئنَ فأهلاً ! ولَـئِـنْ غِـبْـن فأهلاً ! يكفيني أني في الساحةِ أنتظرُ القطَــرات … لندن 8/9/2003 الســنجاب شـرَعَ السنجابُ يـخَـبِّـيءُ تحتَ الأرضِ مؤونـتَـهُ مقترباً حتى من بابي ؛ ما أجملَ هذي الدنيا قبلَ المطرِ ! السنجابُ يـمُـرُّ على السنجــابِ … لندن 8/9/2003 مُــفاعَـلَــتُـنْ مفاعلتُــنْ فَـعولُ لماذا الكستناءُ تظلُّ مثلَ النساءِ الجالساتِ على رصيفٍ ؟ هو العُـمْـرُ الذي وهَـبَ ارتفاعَ الأغاني ، ثمَّ أوشكَ ... أيُّ معنىً سأسـألُـهُ ؟ كأنّ يداً تهاوتْ على شفتي وقالتْ : أيّ معنىً ؟ وفي حانات لندنَ ، كان شخصٌ يتابعُ خطوتي ؛ وأنا بريءٌ : أقولُ لأيِّــما سببٍ أراهُ وراءَ خُطايَ ؟ لم أعرفْــهُ يوماً ولم ألْـمَـحهُ في بارٍ قديماً ... إذاً ، سـأخافُ ؛ إنّ الخوفَ مثل الحياةِ أردتُ : مثل الموتِ حقٌّ . وأخرجُ ( من وراء البارِ ) ... أمضي لأجلسَ ، دونَ مصطبةٍ ، وأُلْـقي على النهرِ الذي جمعَ الغروبَ المشعشعَ نظرةً ... ما كنتُ وحدي بمرآةِ المياهِ ... .............. .............. .............. أكنتُ وحدي ؟ لندن 11 / 9 / 2003 إلى شيخ عشائر الـ … سيكون الأمرُ ـ كما تعرفُ ـ معروفاً لا ســرّ لديكَ ولا ســرَّ لديّ الدنيا ، الآنَ ، غدتْ أضيقَ من جُـحْـرِ الضّبِّ ... ـ الخيلُ تخِـبُّ بعيداً ـ والمرأةُ ( أعني آخرَ زوجاتكَ ) تعرف هذا والمارّةُ والمرآةُ وآلافُ الناسِ على شاشات التلفزيون ... أنا أيضاً أعرفُ هذا ( حتى وأنا في الريفِ بأقصى لندنَ ) أعرفُ أنكَ ملقىً : وجهُكَ للأرضِ وجزمةُ جنديٍّ أمريكيٍّ تسحقُ فِـقْـراتِكَ حتى الأرضِ ؛ زمانٌ مختلفٌ ؟ لا بأسَ ... إذاً ، ألصِـقْ إحدى أذنيكَ بأرضكَ ! ألصِـقْـها كي تسمعَ ألصِـقْـها كي تسمعَ ، مثلَ الخيلِ ، مُـغارَ الخيلِ وألصِـقْـها كي تسمعَـني ( أرجوكَ ) أتسمعُـني ؟ لا تحزنْ إحزَنْ فالخيلُ ، الآنَ ، تخبُّ بعيداً وتخبُّ بعيداً لكنْ أقربَ من نبضكَ ... لا تحزنْ إحزَنْ لا تحزنْ ! لندن 29/11/2003 ســـامرّاء " أرى العراقَ طويلَ الليلِ ، مُـذْ … " مطرٌ على النوافذِ والأشجارُ هابطةٌ ، والغيمَ كان المساءُ الجَهْـمُ يدخلُ في لوحِ السلالمِ مقروراً ويدخلُ في أناملي ؛ كيف لاحتْ ، بغتةً ، وبلا معنىً ، مَـدارجُ ســامرّاءَ ؟ كيف نمتْ مَـلْـويّـةٌ في يدي ؟ كيف صار البئرُ مرتشَــفي في اللحظةِ الصِّـفْـرِ ؟ أمواهٌ مُـعَـجَّـلةٌ كالخيلِ تتبعُ سِــحرَ البحتريّ … تقولُ : ســامرّاءُ ســــــامرّاءُ حمحمة وبلوى ؛ يا بساطاً من مهفّــاتٍ وخِـضْـرِمَـةٍ ويا درباً إلى المهديّ … يا بلدي سلاماً ! لندن 2/12/2003 تحت المطر الموحِــل ها نحن أولاءِ نقرفصُ تحت سقيفتنا السعْفِ قريبينَ من الموقدِ ؛ كان دخانُ الورقِ المبتلِّ يبللُ أعينَــنا بالدمعِ ويَحجبُ عنّـا المرأى حتى لكأنّ أصابعَـنا بُتِـرتْ … نحن نحسُّ بها لكنْ نعجزُ عن أن نطْــبِـقَـها أو نفتحَــها . ما أغربَ ما تفعلُـهُ العينُ إذا عـشِـيَـتْ ! ما أغربَ ما تفعله أوراقُ التينْ ... ها نحن أولاءِ نراقبُ عند البابِ ، الساحةَ ( أعني ساحةَ قريتنا ) نمسحُ عن أعيننا دمعاً وسخاماً ونحاولُ أن نبصرَ ما يجري … لكنّ المطرَ الموحلَ كان كثيفاً ؛ أكثفَ من لَـبِـنٍ منقوعٍ منذ ســنينَ ، نقولُ : إذاً ، ما جدوى أن ننظرَ ؟ فـلْـنطْـبِـقْ أعيُـنَـنـا دهراً منتظِــرينْ ها نحن أولاءِ ، أخيراً ، في الساحةِ ؛ لا ندري كيف تشجّــعْـنا أن نتحرّكَ … لكنّ المطرَ الموحلَ كان كثيفاً وغزيراً غُصْـنـا حتى الرُّكَـبِ المقرورةِ في الوحلِ وما زالَ المطر‘ الموحلُ يهطلُ … قلنا : العودةُ أســلمُ ، فـلْـنتحصّـنْ ، ثانيةً ، بسقيفتنا ولْـنجلسْ حول الموقدِ نُـطـعمُـهُ ، أكثرَ ، أكثرَ ، أوراقَ التينْ . لندن 8/12/2003 فنُّ الشِّــعر وتقولُ لي : " عيناي واسعتانِ تدخلُ فيهما الأشياءُ كي تمسي إذا حلَّ المساءُ شــريطَ ألوانٍ " ، أقولُ : " إذاً ، أرفّـةُ هُدبكِ الزرُّ الذي يصلُ الشجيرةَ بالتصوّرِ ؟ هل إذا أغمضتِ جفنَـكِ سوف ينفتحُ التّـفَـكُّـرُ ؟ أمْ هما العينانِ واسعتانِ دوماً ؟… " ……………… ……………… ……………… يا فتاةً حرّةً إني أجرِّبُ ما تقولينَ … الضَّـبابُ يشوِّشُ المرآةَ لا الأشجارُ تبدو في البعيدِ كما هي الأشجارُ نعرفها ولا تلك البنايةُ ؛ إن لي عينينِ واسعتينِ أيضاً … غير أن الزرَّ مفقودٌ ، هنا ، في اللحظةِ الصمّـاءِ هذي . …………….. ……………. …………… يا فتاةً حرةً مَـن لي بعينيكِ ؟ التفكُّــرُ سوف يدخلُ سوف يقتلني ؛ وداعاً… لندن 10/12/2003 أيُّـهذا الحنينُ ، يا عدوِّي لي ثلاثون عاماً معكْ نلتقي مثل لصّينِ في رحلةٍ لم يُـلِـمّـا بكل تفاصيلها ؛ عرباتُ القطار تتناقصُ عبرَ المحطاتِ والضوءُ يشحبُ ، لكنّ مقعدك الخشبيّ الذي ظلَّ يَشغلُ كلَّ القطارات ما زال محتفظاً بثوابتهِ بـحزوزِ السنين بالرسوم الطباشيرِ بالكامرات التي لم يعد أحدٌ يتذكر أسماءَها بالوجوهِ وبالشجر النائم الآنَ تحت الترابِ… استرقْـتُ إليك النظرْ لحظةً ثم أسرعتُ ألهثُ نحو المقاعدِ في العرباتِ الأخيرةِ ، مبتعداً عنكَ … …………… …………… …………… قلتُ : الطريقُ طويلٌ ؛ وأخرجتُ من كيسيَ الخيشِ خبزاً وقطعةَ جبنٍ … وإذْ بي أراك تقاسمني الخبزَ والجبنَ ! كيفَ انتهيتَ إليَّ ؟ وكيف انقضضْتَ عليَّ كما يفعلُ الصقرُ ؟ فاسمعْ : أنا لم أقطعْ عشراتِ الآلافِ من الأميالِ ولم أطَّـوَّفْ في عشراتِ البلدانِ ولم أتعرَّفْ آلافَ الأغصانِ لكي تسلبني أنتَ … الكنــزَ وتحبسني في زاويةٍ ! فاترك المقعدَ الآنَ ، واهبطْ ! قطاري سيســرعُ بي ، بعد هذي المحطةِ فاهبِـطْ ودعنيَ أمضي إلى حيثُ لن يتوقّفَ يوماً قطارْ … لندن 11/12/2003 الرعْــيــانُ قد تعني الأرضُ ، لمن يُنْـبتُـها البقلَ ، كثيـراً أمّـا نحنُ فإنّ الأرضَ لدينا متطايرةٌ وهشــيمٌ أخضرُ حيناً ، أصفرُ حيناً ورمادٌ في الريحِ… صحيحٌ ، نحن وُلِـدنا في مُـرْتـبَـعٍ ما في يومٍ ما، لكنا ســربُ جرادٍ والأرضُ كذلك ســربُ جرادٍ ؛ نبلغُـها فتطير … لكنّا أبصرْنا ، اليومَ ، قوافلَ فولاذٍ تبحرُ في الرملِ فلا تغرقُ أبصرْنا في الجوِّ نسورَ حديدٍ وصواعقَ ، قيلَ لنا : الأرضُ لمن يفتحُـها … عجباً ! نحن هنا منذ قرونٍ : لم نملِكْ لم نُـمْـلَـكْ . أحسسنا ، اليومَ ، بأنّ الأرضَ لها معنى … لا يملكُ واحدُنا غيرَ عباءتهِ الصوفِ يُـفضـفضُـها صيفاً كي يلتفَّ بها ، مثلَ الكبشِ ، شــتاءً ؛ ومع السنواتِ مع الريحِ مع المطرِ المتبدلِ والمرعى سوف يكون اللونُ أخفَّ يكون الصوف أخفَّ تكون خيوطُ الصوفِ ملائكةً … إذّاكَ يفارقُ واحدُنا عُـمْـرَ عباءتهِ ، ليموت… لندن 13/12/2003 كــانون أوّل لن أفتحَ نافذتي … الريحُ البحريةُ تُغرِقُ حتى سيقانَ العشبِ ، وتهتزُّ الأشجارُ معَ المطرِ ؛ الغرفةُ ســاكنةٌ ( مزدوجٌ كلُّ زجاجِ المنزلِ ) أسمعُ دقّـاتِ الساعةِ : تكْ تكْ تكْ تكْ تكْ أســمعُ في الـبُعدِ مُـوَيجاتِ الـبُرْكةِ ، في القُـرْبِ ، مويجاتِ أناملَ … هل عادتْ ، بعدَ سِـفارٍ ، مَن أحببتُ ؟ أَم اللوحةُ تنتظرُ ؟ الأزهارُ الصُّـفْـر‘ مبكِّــرةٌ جدّاً عندَ مَـمَــرِّ البيتِ و لا زائرَ يطرقُ بابي … حتى الطيرُ تَــدَبَّــرَ مُـلتَـجَأً ؛ لكنّــا ، أنا والسنجاب ، نحاولُ أن نمسكَ شيئاً ! لندن 20/12/2003 مسْــكن البحيرة تتناوحُ الريحُ التي تأتي من البحرِ ، المســاءُ يقـيمُ والزانُ المرنَّـحُ في البعيد يغـيْــمُ … حتى الخيلُ لن تجدَ الصباحَ على المروجِ كأنّ شــميمَ ثلجٍ في الهواءِ ؛ كأنـما نبتتْ على الريحِ الأصابعُ … أيَّ بابٍ سوف أفتحُ ؟ أيَّ نافذةٍ … وايَّ الطيرِ أُطْـلِـقُ في مهبِّ الريحِ أُطْــلِـقُـهُ لأسكنَ في الفضــاء ؟ لندن 21/12/2003 شــاطيءٌ مهجورٌ
قاربٌ ، ثـلُـثاهُ على اليابسةْ ظلَّ ينضحُ ، والبحرُ منكمشٌ لائذٌ بكثافتهِ من حبالِ المطرْ … قاربٌ لن يقومَ ، ليبدأَ عند السَّـحَــرْ رِحلةَ الصيدِ مثلي … لندن 21/12/2003 القطار الإيرلندي
في دَبْــلِـن كان قطارُ الليلِ ، الحانةَ حانةَ فيتزجيرالد وأنت تغمغمُ في إحدى عربات المطعمِ : يا ليلُ ، يا صاحبي ، راحَ الفتى وارتـــاحْ وامتدَّ ثوبُ الدُّجى ، واسـوَدّت الأقــداحْ حتى المجاذيفُ ملّــتْ حيـرةَ المَـــلاّحْ يا ليلُ ، يا صاحبي … سُـمُّ الأفاعي فـاحْ حانةُ فيتزجيرالد مَـمَــرٌّ ضاقَ بأنفاسِ زبائنهِ ونـوافذُ مُـصْـمَـتَـةٌ مثل قطارِ الهندِ ، ولكنكَ حتى لو كنتَ مسافرَ ليلٍ بقطارِ الهندِ ستبحثُ عن مأوى تبحثُ عـمّـا سيكونُ سـؤالاً أو سـلوى تبحثُ عن " سعدي " الـمُـتَـلَـبِّـثِ في الظلمات تبحثُ عـمّـا ماتَ وعـمّـن مات ؛ أأخطأتَ طريقَكَ حينَ بلغتَ أخيراً إحدى عرباتِ المطعمِ ؟ هل كانت دَبْـلِـنُ في اللوحِ ؟ إذاً ، أين فُـجاءتُـها ؟ أينَ الدهشةُ في أنْ تلقى ما قُــدِّرَ أن تلقى ؟ في أن تقرأَ ما في اللوحِ ، وأنت اللوح . ؟ . يا ليلُ ، أين الصّـفا ؟ أين انطفا الــمأمولْ أرضُ الســوادِ انتهتْ للشـوكِ والعاقـولْ كلُّ الجيوشِ اقتضتْ منها ، وحالَ الـحَـولْ يا حسـرتي للضميرِ المشترى المقتــــولْ UK troops in Iraq indefinitely, says Straw .The Irish Times – 06.01.04 واقعُ الأمرِ أنني لستُ قاريءَ صحفٍ مـدمناً ؛ لكني كنتُ في طائرة الخطوط الجوية الإيرلندية عائداً إلى لندن مع صديقتي . هذه الصديـقةُ أطبقتْ جفنيها فجأةً لتعودَ إلى الحـانةِ الـتي شربتْ فيها الموسيقى ، البارحةَ ، حتى الفجر. صحيفـة The Irish Times كانت بين يدَي الشخصِ الثالث الذي لا أعـرفُـه . لا أدري كيف لـمحتُ الخبرَ … وكيف سجّـلـتُه على التذكرةِ المستنفَـــدة . عُـــذراً ! اسـمَـعْـني الآن ! ألسـتَ تغمغمُ في آخرِ أيامِ السنةِ ؟ _ الحانةُ تنطلق الليلةَ مثلَ قطارٍ في الهندِ _ ابحَـثْ في إحدى عرباتِ المطعمِ عن كرســيٍّ أو صورةِ كرسـيٍّ … فالليلُ طويلٌ بل سيكونُ الأطولَ من أنفاسِ مَـمَـرِّ الحانةِ إذْ تبحثُ عـمّـا ماتَ وعـمّـن مات … اسـمَـعْـني الآن … يا ليلُ ، يا صاحبي ، ما أوحشَ الـــوحدةْ ! أطـبَـقْـتَ يا ليلُ ، حتى ماتت الــوردةْ وارتَـدَّ مَـن كـان مجبولاً على الـــرِّدّةْ لكنّ صـوتي سـيبقى للصــدى ، وحـدهْ ســتدقُّ الساعةُ معلنةً عن ضــوءٍ في آخِـرِ هذا النفقِ المظلمِ … ………….. …………. …………. ايّــانَ تدقُّ الساعةُ ؟ أيّــانَ سـتأتيكَ ملائكةٌ ؟ أيّــانَ ستهدأُ أنفاسُــكَ بين ملائكةٍ وشــموع … Dublin – Gogarty’s 06.01.04 هذا المســاءَ سـأكونُ ســعيداً شمسُ الضحى تملأُ العشبَ الفتيَّ ، وفي القواربِ اصّاعَدَتْ تلكَ الوشائعُ أشتاتاً وأبخرةً من المـواقدِ ؛ كان الكونُ يغسلُ بالشمسِ الرطوبةَ … أيّـاماً تَــهَـدّدَنا ثلجٌ وأغرقَ أعشابَ الحديقةِ غيثٌ ســابغٌ . رئتي نقيّــةٌ ، ودخانُ الموقدِ احتفلتْ به الرياحُ وأكوابي مهـيّـأةٌ مع النبيذِ الـمُـصَـفّى الـمُـصـطـفى … وعلى زجاجِ نافذتي بُـقْـيا ندىً ؛ أيُّ نُـعْـمى حينَ تَـطْـرقُ بابَ البيتِ أغنـيـةٌ مع المســاءِ ؟ …………... …………… …………… أهذي ليلــتي العَـجَـبُ ؟ لندن 9/1/2004 لُـزومُ ما لا يَـلْـزَم ســاعِــدْني ، يا ربَّ الفَـلَـواتِ ، على نفسي ســاءَ الماءُ فلا أشــربُــهُ ، ســاءَ هواءُ الحانِ فلا أتنفّـسُــهُ ســافرتُ ، ولكنْ كي أدخلَ في الليلِ على داري … عَــمَّ أُســائِـلُ ؟ عــن أيِّ زهورٍ تحتَ الثلجِ سـأبحثُ ، أو تحتَ الرملِ ؟ عــناويني انتثرتْ في الريحِ ، وصرتُ أخافُ عـــلى نفسي … صرتُ أخاف ! داري نائيــةٌ عن داري دِرعي يتدرّعُ خوفاً من دِرعي دارَ الكونُ على مَـن صَدّقَ دورتَــهُ … دعْــني أُطْـبِـقْ فُـوَّهةَ البئر ، إذاً ، دَعني ! يـاما كان الإغفـاءُ على عشبِ النهرِ جميلاً يـا ما كانت أوراقُ رسائلِـنا حمــراء ! يُـداعبُ شَــعري الآنَ نســيــمٌ … يَـضْـفِــرُ لي باقةَ زهرٍ صفراءَ ، ويَـهربُ منِّــي . لندن 17/1/2004 صــلاةُ الوثــنِــيّ " إلى عبد الرحمن منيف " يا رَبَّ النهــرِ ، لكَ الحمدُ : امْـنَـحْــني نِــعْـمةَ أن أدخلَ في المــاءِ … لقد جفَّ دمي ونشِــفتُ ؛ قميصي رملٌ ، وشفاهي خشبٌ حتى حُلمي صار طوافاً في مَـذأبةٍ صفراءَ … امنَحْـني ، ياربَّ النهرِ كِـســاءَ النهرِ ، لكَ الشكرُ لكَ الحمدُ فـمَـنْ لي غيرُكَ ، يا عارفَ سِــرِّ الماءْ ؟ …………... …………… …………… يا ربَّ الطيرِ ، لكَ الحمدُ : امنَـحْـني أنْ أتَـقـرّى بين يديكَ جناحَ الطيرِ امنحْـني نِـعمـةَ أن أعرفَ نبضَ قوادمِـهِ وخوافيــهِ وأنْ أدخلَ فيهِ … لقد أُوثِقْـتُ ، سنينَ ، إلى هذي الصخرةِ ، يا ربَّ الطيــرِ : أدِبُّ دبيباً وأرى كلَّ خلائقِـكَ ارتفعتْ نحوَكَ تحملُـها أجنحةٌ إلآّيَ … امنَـحْـني ، يا ربَّ الطيرِ ، جناحينِ ! لكَ الشّــكر … …………… …………… …………… يا ربَّ النخلِ ، لكَ الحمدُ : امنَــحْــني ، يا ربَّ النخلِ ، رضاكَ ، وعفوَكَ : إني أُبصِـرُ حولي قاماتٍ تتقاصَــرُ أُبصرُ حولي أمْـطاءً تَحدودِبُ ، أُبصرُ من كانوا يمشونَ على قدمينِ انقلبوا حـيّـاتٍ تســعى … يا ربَّ النخلِ ، رضاكَ وعفوَكَ لا تتركْـني في هذي المحنةِ أرجوكَ ! امنَـحْـني ، يا ربَّ النخلةِ قامةَ نخلةْ … لندن 26/1/2004 ـــــــــــــــــــــــــ * أمطاء : جمعُ مَـطا ، وهو الظَّــهر . الليلةَ … لن أنتظرَ شـيـئاً أنا لن أنتظرَ الليلةَ شيئاً : هو ذا القطنُ الشتائيُّ يغطي ساحةَ القريةِ والطيرُ الذي ظلَّ يزورُ الكستناءَ ارتحلَ… الأشجارُ لا تهتــزُّ ، والنافذةُ الوسطى التي تمنحُـني إطلالةَ الـبُــرجِ ، تغــيمُ ………..... ………….. ………….. الآنَ تأتي عدنٌ بالبحرِ تأتي عدنٌ بالـسَّـيـسَـبانِ الـحُـرِّ والأسماكِ تأتي بالأفاويــهِ … وتأتيني بما يجعلُ هذا الكونَ ملتـفّـاً على جمــرتــهِ ؛ أنـظـرُ في المـرآةِ : كانَ الشخصُ يدعوني إلى شــاطئهِ مثلَ الغريــق … لندن 31/1/2004 حــياةٌ جـــامدةٌ تنحني النبتةُ المنـزلـيّـةُ تحت الهواءِ الثقيل ... على الطاولةْ بين منفضةٍ للسجائرِ ملأى وكيــسِ دخانٍ قوائمُ للغاز والكهرباءِ ، السفينةُ تبحرُ في الحائطِ الطيرُ ينقرُ رأسَ الـمُـغَـنِّـي ( غلاف اسطوانةْ ) . غرفـتي تتضايقُ مني تضيقُ … الســفينةُ غابت عن المـشـهدِ الليلُ يجلسُ في الركنِ مُـلـتَـحِـفاً بالهواء الـثّـخين . لــندن 1/2/ 2004 طبيعةٌ غيرُ مـيِّـتةٍ يـمُـرُّ " أبو الخصيبِ " كما يـمُــرُّ الضَّـبابُ ، الصبحَ ، أزرقَ كان جســرٌ من الأخشابِ ينضحُ بالرطوبةِ … كانَ نخلٌ ولبلابٌ وكانت في الســماءِ نعومةُ الـنُّــعمى ؛ سـأسـألُ عنكَ ياولدي إذا ما غامت الأشــياءُ ، أسـألُ عنكَ أســألُ عنكَ … لكني أراكَ الآنَ : يوماً بعدَ يومٍ ، ليلةً في إثْــرِ أخرى فانتظِــرْني ، يا بُــنَـيَّ ، سنلتقي ، حيثُ الضَّـبابُ ، الصبحَ ، أزرق … لندن 1/2/2004 لو كان الصبحُ جميلاً
لو كان الصبح جميلاً ، مثلَ حذاءِ الـ Marks & Spencer أو مثلَ قميصكِ ليلةَ أمسِ الأوّلِ لو كان الصبحُ جميلاً … لمضيتُ عميقاً في ممشى الغابةِ أبحثُ في الورقِ الـمُـسّـاقِـطِ عن أزهارٍ نادرةٍ وبُـحيراتٍ وعرائسِ ماءٍ ، وأيائلَ … ( يسخرُ مني جاك كيرواك حتماً !) لكني سأُكرِّرُ : لو كان الصبحُ جميلاً … …………… …………… …………… ما أيســرَ ما تطلبه من هذا العالَــمِ ! ما أصعبَ ما تطلبه من هذا العالَـمْ ! لندن 25/2/2004 ذَبـــذَبـــــةٌ لستُ مَـعْـنِـيّـاً بما يفعله الساسةُ في المستنقعِ الآنَ… ليَ الـحُـلمُ : وفي مُنفَـسَـحٍ بالغابةِ الريحُ تُـذَرِّي ، بغتةً ، شــبْـهَ رذاذٍ من غبار الطَّـلْـعِ شَـعري ابْـيَـضَّ ثمّ اصفَـرَّ ، كالهالةِ ، أحسستُ بأني ذو جناحَــينِ … وأحسستُ بأني في دمٍ من فضّـةٍ سائلةٍ ( أعني دمي ) ســوف أطيــــــر … *** لستُ مَـعـنـيّـاً بما يفعله الساسةُ في المستنقع الآنَ … ليَ الـحُلمُ : ومن مرتفِـعٍ بالشاطيءِ الريحُ تُـذَرِّي ، بغتةً ، شــبهَ رذاذٍ من أعالي الموجِ قلتُ " الخيرُ أن يأخذني البحرُ… " سلاماً ، أيها الماءُ الذي يمنحُ روحي في مَـهاوِيـهِ الســلامَ النورَ والأسماكَ والـمُـرجانَ كان الماءُ مثلي دافـئاً أحسستُ أني أبلغُ الأعماقَ أحسستُ بأني ، فجأةً ، ســوف أطير … *** لستُ مَـعْـنـيّـاً بما قد كنتُ أعني … أنا في الـحُــلمِ : فتاتي أمسكتْ بي من يدي ؛ قالت : لماذا أنتَ حتى الآن في هذا الرصيفِ ؟ العرباتُ ابتعدتْ منذُ ســنينَ … انتبهِ ، الساعةَ ، ولْـنُـسرِعْ إلى حانة سِــيدُورِي لِـنُـسرِعْ ربما ، في لحظةٍ ، ســوف نطـيـــــــــر …. لندن 26/2/2004 _____________________ * سيدوري ، هي امرأةُ الحانة ، التي ودّعتْ جلجامش ثم استقبلته ، في رحلته الخائبة إلى عشبة الخلود . مســتعـمَــرةٌ رومانـيّــةٌ كنّـا يونانيينَ ، منازلُـنا عند تخومِ الصحراءِ العربيةِ ؛ لكنّ لنا نهرينِ وبضعَ قرىً ، ومزارعَ نسقيها من أمواهِ النهرَينِ … وكان لنا أيضاً شعراءُ يُـقِـيمونَ الأوزانَ ويحكون عن المرأةِ والأزهارِ ، وفي قِـنّـسْـرِينَ بنينا مدرسةً للفلسفةِ ( الأمرُ الأغربُ أنّ تلاميذَ أرسطو يأتون إلينا أحياناً ليقولوا شيئاً عن آخِـرِ مخطوطات أثينا ) لكنّـا يونانيونَ وفلاّحونَ فلم نصنع أسلحةً لم نعرف كيف نُـعِــدُّ الفتيانَ جنوداً ( ما قال تلاميذُ أرسطو إن مُـعلِّـمهم كان يدرِّبُ ابنَ فيليب المـقَـدونيّ على غزو المدنِ ! ) الدنيا تتغيّــرُ قالوا حتى الشمسُ ستشرقُ من جهة الغربِ … …………… …………… …………… أنا أهذي الآنَ ، وحيداً ، في حانة كِـرياكوسَ بـ " صَـيدا " كوبُ نبيذي الفخّــارُ اسْــوَدَّ وشَــعري ابْـيَــضَّ … ولا أعرفُ مَـن أُخبرُهُ – حتى سِــرّاً – أنّ الرومان نفَــوني حين غدَونا مستعمرةً ؛ لكني لا أستبعدُ أن يعرفَ كرياكوسُ الأمرَ . الدنيا تتغيّــرُ قالوا … لندن 7/3/2004 رائحــة ليست رائحةً تلك الآتيةُ ، الفجرَ ، من العشْـبِ المنقوعِ بأمطار البارحةِ … الكـفّـانِ اصطفتا قفّـازَينِ من الضوعِ الممزوج بصمغٍ أخضرَ والعينُ اليمنى رفّـتْ رفّـةَ قطرةِ ثلجٍ أولى ؛ ليست رائحةً … ثـمّتَ صوتٌ ، وتَـوَقَّفَ . صمتٌ ، وتَـجَـلّــــــى … وخيوطُ حريرٍ تتماوجُ ، دانيةً ، من أعلى الشُّــرُفاتِ فهل أحسستَ بهذا الآتي ؟ هذا … هذا المجهولِ ، كنبضكَ حين تحبُّ المعقولِ كإغماضةِ هُـدْبٍ والضائعِ بين هواءٍ تتنفّـسُــهُ وهَـباءاتٍ في الريح ْ ؟ لندن 17/3/2004 الإســتباحــــةُ السمتيّــاتُ الأميريكيّــةُ تقصفُ أحياءَ الفقراءْ والصحفُ المأجورةُ في بغدادَ تُـحَـدِّثُ قُـرّاءً أشباحاً عن أرضٍ سوف تكونُ ســماءْ … *** هذا الطاعونُ هذا الوحشُ المملوءُ دماملَ هذا الخِـرْتيتُ الفولاذُ وهذا الشاربُ كأسَ دمٍ طافحـةً مـمّـنْ فُصِـدوا ، هذا المتدرِّعُ بالقتلى هذا المتذرِّعُ باللاشــيءْ … القاتلُ والماثلُ في الساحات هذا المنتقم ، الليلةَ والليلةَ ، من بغداد هذا الراحلُ حتماً سنشيِّــعُـهُ يوماً بقناديل البصَــقات . *** السمتيّاتُ الأميريكيةُ تقصف أحياءَ الفقراء والصحفُ المأجورةُ في بغدادَ تُـحَـدِّثُ قُـرّاءً أشباحاً عن أرضٍ سوف تكونُ ســماءْ . لندن 5/4/2004 الجبــل الأزرق جبلاً رأيتُ : أنجمةٌ ، في سفحهِ ، زرقاءُ واسعةٌ أَمِ الماءُ الـمُـرَقرَقُ في أعالي الدّوحِ ؟ قلتُ سـأهتدي بروائح الأعشابِ ، حتى أبْـلَـغَ الـمَـرْقَى ورُبَّـتَـما انتهيتُ إلى قرارةِ ذلك النورِ … ………….. ………….. ………….. السماءُ خفيضةٌ والعشبُ مُـلْـتَـمٌّ على أندائهِ ؛ هل كنتُ أهجِسُ نأمةً ؟ في مِـثْـلِ ما تأتي الفُـجاءةُ … جاءني الأطفالُ : ما اسمُكِ ، يا بُـنَـيّـةُ ؟ - سَـمِّـني بُشرى . - وأختُكِ ؟ - سَـمِّـها ، يا عَـمُّ ، فاطمةً . - وتلكَ ؟ - سُـمَيّـةً … - والآخرونَ ؟ الأُخرياتُ ؟ - ستعرفُ الأسماءَ ، يا عَـمُّ … …………… …………… …………… الثيابُ مهفهفاتٌ والبناتُ يدُرْنَ ، يرقصنَ … السماءُ خفيضةٌ : يا عَـمُّ ، نحن بناتكَ ! انقَضّتْ علينا الطائراتُ … لندن 13/4/2004 عراقيّــون أحــرارٌ لن نرفعَ أيدِينا في الساحةِ حتى لو كانت أيدِينا لا تحملُ أســلحةً نحن سلالةُ أفعى الماءِ الأولِ نحن سلالةُ مَـن عبدوا ثيراناً تحملُ أجنحةً وسُـلالةُ مَـن عبدوا نيراناً في قُـنَـنِ الثلجِ ، ولم نرفعْ أيدينا إلاّ للأحَــدِ الواحدِ حينَ وهبْــناهُ نُـبُـوَّتَـنا … نحن سلالةُ مَـنْ رفضوا عرباتِ الرومانِ فما انقرَضوا . لن نرفعَ أيدِينا في الساحةِ لن نرفعَ أيدِينا في الساحةِ لن نرفعَ أيدِينا … لندن 15/4/2004 مَـشارفُ الرُّبْـعِ الخالـي " إلى عبد الله الحارثي ومحمد الحارثي " قد ترى البدويّاتِ يمشِـينَ ، مَـرَّ السحابةِ ( من أينَ جـاءَ السحابُ إلى الشاعرِ ؟ ) البدوياتُ يمشينَ ، بين البيوت التي قد أُقِـيمتْ على عـجلٍ ، والخيامِ الـمُـهلهَـلةِ ، الشمسُ قاسيةٌ ، والكلابُ الهــزيلةُ قد فارقَـتْـها خِـصالُ الكلابِ التي لن نرى . حَـجَــرٌ واحـــدٌ في مَـهَـبِّ الرمـالِ . تُرى … أهوَ النـــيــزكُ ؟ الأرضُ كانت هنا ، ربما قبل أن يعرفَ الـمَــرْءُ لونَ الســماءِ . السماءُ هــيَ الرملُ ، والأرضُ _ من قبلِ أن نعرفَ الأرضَ _ رملٌ . مَـضَـينا ( أمـامَ القـوافلِ ) ، لا نهتدي بالزمانِ ، ولكن بساعةِ رملٍ ونجمٍ … فهل سقطَ النجمُ ؟ هل صار نيـزكَــنا الماثلَ الآنَ بين البيوت التي قد أُقيمتْ على عجلٍ والخيامِ ؟ عظامُ الجِـمالِ التي قد ركبْـنا ، الجِـمالِ التي قد أكلْــنا ، غدتْ منذ أن بدأَ الكونُ رملاً … خرائطُـنا تَـمَّـحي في عروقٍ تَـمَـوَّجُ صفراءَ ، مُـذْهَــبةً ، وجبالٍ شــياطينَ . لكننا سوف نعبدُ هـذي الحماقةَ : نمضي لنلمُــسَــها ، أو نموتَ على خطوةٍ حسْـبُ منها . ولن نتأسّــى لأنّ الرميمَ اختفى كعظامِ الجِــمالِ . السحائبُ مرّتْ بنا حينَ كنا نفارِقُ أنفاسَـنا تحتَ شمسِ الإلهِ العجيبِ . فهل سمعَ الشاعرُ الحُــلـمَ ؟ هل أبصرَ الشاعـرُ الهلوساتِ الأخيرةَ للسائرين إلى حتفهم ؟ مَـن تُـرى أَبَــرَ النخلَ ؟ مَـنْ أمَــرَ النخلَ أن يتســـامقَ أعلى من الرملِ ؟ أعلى من القولِ ؟ كم قيلَ نحنُ الـبُــداةُ … وكم قيلَ ، نحن ، هنا ، البائدون … ………………. ………………. ………………. فإنْ كان ما قيلَ حقّــاً فـمَــنْ ابَــرَ النخلَ ؟ مَن ابصرَ البدويّــاتِ يمشِــينَ مَــرَّ السحابةِ ؟ مَــن أطلَــقَ الأغنيةْ ؟ لندن 20/4/2004 اســـتحضــارٌ
ما مُـقامي بأرضِ لندنَ إلاّ … يا هَــلا ، يا أبا مُـحَــسَّـدٍ ، الشّـهْـمَ ، رفيقي وقائدي في فلاةِ العُـمْـرِ يا طالعَ الثنايا ، ويا راكزَ أرماحهِ ليعلنَ عن ضوءِ المعسكرِ … الليلُ يلتزُّ بطيئاً ودابقاً ، مطرٌ في غير عاداتهِ ، وبردٌ تمشّــى في عروق النباتِ . ليس لنا في قرية الإنجليزِ غير ما تهَـبُ القريةُ : هذا السكونُ ، هذا الســـكونُ … ما مُقـامي بأرضِ لندنَ إلاّ … يا هَــلا ، يا مُـحَـيِّـري ، يا أبا تمّـامٍ : الإستعارةُ انتـزعتْ أثـوابـَها عـندنا ، وصار المغَـنِّـي لا يغنِّـي إلاّ على ليلاهُ …لا بأسَ ؛ لكنّ ليلــى لم تـعُــدْ كالتي عرفْـنا زماناً . إن ليلى تُـطَـوِّفُ الليلَ ، مَـسْعىً بين خمّـارةٍ وأخرى ، ومَـلهىً بيـنَ حِـلْسٍ وآخرَ . الليلُ يمضي ، والإستعارةُ تمضي ، والسراويلُ أينعتْ لا الغصــونُ … ما مُـقامي بأرضِ لندنَ إلاّ … يا هَــلا ، أيـها الـنُـواسـِيُّ : هل جئتَ لتحيا القصيدةَ ؟ الليلَ والموكبَ المنادي ببابِ الدَّيرِ ، والراهبَ العجيبَ … ورَيحانَكَ ضِـغْـثاً من بعدِ ضِغْـثٍ ؛ لقد أسـرفتَ يا سيِّدي ! النهارُ هنا خمرٌ وأمرٌ ، والليلُ خمرٌ وأمرٌ . خَـلِّـنا من حديث رُهبانكَ ! الأحجارُ ما مَـسّـتْ سوى وابِلٍ ، فهل مَـسَّـتْكَ سَــرّاءُ ، أيّـهذا القـــرينُ ؟ ما مُـقامي بأرضِ لـندنَ إلاّ … يا هَـلا ، أيـها الـمُـطَـوَّبُ ، يا سـعدي ! سلاماً … لقد أتيتَ ، فـخُـذْني مـعـكَ ، اليومَ : سوف نمضي ســراعاً ، لنغَـنِّـي ؛ وسوف نـمضي بِـطاءً ، لنـرى أيَّ مَـذْأبةٍ كنا بها . الليلُ درعٌ ( لا تخفْ ) . والنهارُ حُـلْـمٌ طويلٌ ( لا تُفِـقْ ) . أيـها المطوَّبُ ، دعنا لا نكلِّـمْ في دربنا أحداً … دعْـنا نُـقِـمْ في الغناءِ ، حيثُ الجنونُ … لندن 21/4/2004 غارةٌ جويّـة في الضاحية القصوى ، حيث أُقيـمُ بعــيداً عن رئةِ الضَّـبُـعِ ، اهتَـزّتْ أشجارُ الدّغْـلِ وئيداً . أســرعَ طيرٌ يعــبرُ نافذةَ المطبخِ . قررتُ الليـلةَ أن أتركَ تدخيني . لكني ( شأنَ قراراتي الأخرى ) ســوف أدخِّـنُ حتماً . أشجارُ الدّغْـلِ تَـطَـوَّحُ أوراقاً وأماليدَ . البرقُ ( أراهُ الآنَ لـمَـرّتهِ الأولى ) هل كانَ حقيقةَ بَـرقٍ ؟لكنّ الرعدَ أتى . الريحُ تســوقُ غيوماً ســوداً ، وحبالاً من مــاءٍ ، وروائحَ ليستْ من هذي الأرضِ . أهرولُ ، أهبِـطُ درْجاتِ السُّـلَّـمِ ، ملدوغاً ، كي أفتحَ بابي للريحِ وللمطرِ … الساحةُ ( أعني موقفَ سياراتِ الضّـيعةِ ) تلمعُ تحتَ ســماءٍ مثقلةٍ بالـنُّـعمى . أهـتزُّ أنا ، وحدي، للرعدِ ... وأختَـضُّ وأختَـضُّ وأختَـضُّ …………… …………… …………… وفي وطني الآنَ ، الرعدُ : الطيَــرانُ الأميريكيُّ وبالحاويةِ العنقوديةِ ( كنّــا شاهدناها في بيروتَ زماناً ) يـنـقَضُّ على الكوفةِ والفلّـوجةِ والنجفِ … الطّـيَــرانُ الأميريكيُّ الليلةَ يـنـقَـضُّ عليَّ الآنَ … لندن 27/4/2004 من هواجسِ رجُلٍ ، ســنة20.. ق.م هبطَ الليلُ ، ســريعاً هذا اليومَ ، لأنّ الفصلَ تبدّلَ ، قالوا … ( يعرفُ هذا ، الكاهنُ ) لكني لا أعرفُ ماذا يعني هذا … لن تختلفَ الأشياءُ كثيراً : طسْـتُ الخبزِ السائلِ في الحانةِ ، والعسسُ الليليّ بأوّلِ منعطَفٍ بعد الحانةِ والبنتُ ستُدخلُني مخدعَها حينَ تُـلَـوِّحُ بالـقنديلِ الزّيتِ من الكُــوّةِ … لم اقصدْ أن أتحدّثَ عمّـا لم يختلف اليومَ عن الأمسِ ، فأرجو أن تعذرني كنتُ أحاولُ أن أسألَ ، سِــرّاً … ( أنتَ صديقي ) : الشعراءُ ، لماذا صمتوا ؟ وإلى أين التفتوا ؟ ما عدتُ أراهم في الحانةِ يرتجلونَ ويصطخبونَ … صحيحٌ أنّ غزاةً دخلوا ســومرَ ؛ أن المعبدَ يَستبدلُ بالتمثالِ تماثيلَ ، وأنّ بيوتَ الكُـتّـابِ أتاها كُـتّـابٌ جُدُدٌ … وإلخ … لكنْ ، أينَ الشعراءُ ؟ يقالُ ( ولستُ أُصَـدِّقُ ) إن كثيراً منهم يرتجلون الآنَ قصائدَ في مدحِ الـتّــجّـارِ الأشــرارِ وضُبّــاطِ الحاميةِ الأكديّــةِ… ( إنّ الليلَ عجيبٌ ! ) عذراً … قنديلُ الزيتِ يُـلَـوِّحُ في الكوّةِ ، عذراً … لندن 29/4/2004 الأشــياءُ تتــحـرّك الغيومُ الصَّــدفْ والغصونُ الزّمُــرّدُ ، والزنبقاتُ ، وأزهارُ " لا تنسَــني " والنوافذُ والمـُصطـلَـى والستائرُ والعـشْـبُ بين شــقوقِ الـمَـمَــرِّ وأعشاشُ نيســانَ حتى الـمحـطّــةُ في الـمُـنتأى _ كلُّـها ، الآنَ ، لا تتحرّكُ … ……………… ……………… ……………… لكنْ ( أتلمحُ أُذْنَــي حصانٍ على الـمَـرْجِ ؟ ) أَنـصِــتْ ! أ ترتشفُ الوشوشاتِ الشفيفةَ ؟ هل تسمعُ الــماءَ في القصبِ ؟ الريشَ ، في هَــبّــةٍ من طيورِ البُــحـيرةِ ؟ والنجــمَ حينَ الـخَـفاءُ ؟ الـمُـويجاتِ في القاعِ ، حيثُ الـمَـحارُ ؟ البحيرةُ موسوقةٌ بحقــائبها الآنَ تنتظرُ الليلَ … في الليلِ ، آنَ ننامُ جميعاً ، تســافرُ هذي البحيرةُ كي تبلغَ البحرَ في لحظةٍ وتفارقَــنا – بين جدراننا – نائمين … لندن 2/5/2004 أحــدُ أصدقــائي ظلَّ ، كما كان ، شــيوعـيّـاً يعملُ في قَـبوِ الـمَـبنى ، ســرّاً ويُـسَـمّـى ( أي يتسـمّـى ) … سـينْ . يقـرأُ ما في الصحفِ الأولـى يسـتقريءُ تاريخَ العالَـمِ ، والـعمّـالِ ويطلبُ ما يَـتـقَـرّاهُ ولو في الصينْ … أحياناً يتذكّـرُ من ظلّـوا معه في الدربِ فيفرحُ حين يُـعَـدِّدُهم : أفذاذاً وملائكةً من أعلى عِـلِّـيّـينْ وأحياناً يتذكرُ من خذلوه بمنعطفاتِ الدربِ فيأسـى حين يُـصَـنِّـفُـهم : موتى ومُـرابينَ ، وأعواناً للمحتلّـينْ … ويقولُ : الدربُ طويلٌ والليلُ رتيبٌ ، تسكنه الوحشةُ في قبو الـمبنى رطبٌ وطويلٌ لكني صرتُ ، أخيراً ، أعرفُ كيفَ أُعَـلِّـقُ في الساعاتِ ( لئلاّ يخنقَني خيطُ الساعاتِ ) نجوماً من ورقٍ ، ورياحينْ … لندن 7/5/2004 زاويةٌ لـلـنـظــر " إلى لــــويز وارِن Louise Warren" أَبـصِــرْ ما ترسُــمُــه أنتَ ! ودقِّــقْ في ما ترســمُــهُ … إنكَ لن تغتفرَ الخطأَ الخطَّ المتعثِّـــرَ واللونَ الأصــليَّ … وما يتبدّى حول إطارِ اللوحــةِ من خَــلَــلٍ ( لستَ مَن اختلقَ الخللَ ) المشهدُ كانَ ، كما كانَ ، وفــي أيّ مكانٍ لكنكَ منذورٌ كي تلعبَ بالأوراقِ ملاييـــنَ ( أتحسَــبُـها مَـحْـضَ ثلاثٍ ؟ ) سـتُـغَــيِّــرُ هذا المشــهدَ كي تبصرَ ما ترسمُــه أنتَ فيغدو ما ترســمُــهُ أنتَ : الحَقّ … لندن 7/5/2004 مســاءَ انتهت اللعبــةُ في صمتِ مســاءٍ ما ، آنَ الغابةُ ، أيضاً ، غائبــةٌ في الـعَـتْـمةِ ... سـوفَ تفارِقُ هذي اللعبةَ حتى الأبــدِ ! السنواتُ تـمـرُّ على ألواحِ زجاجِ الشبّـاكِ عقوداً وعقائدَ واستحضارَ مَـشــاهدَ ؛ سوف تكونُ سعيداً لحظاتٍ … سوف تكونُ خفيفاً ، محمولاً فوقَ بساطٍ من ريشِ البجعِ الأولِ سوف تكونُ الطفلَ الأوّلَ ملتحفاً بالغيمةِ ملتحقاً بالكونِ يفارِقُ هذي اللعبةَ حتى الأبــدِ ! لندن 9/5/2004 مُـعـذَّبو الســماء عراةً ســنمضي إلى اللهِ أكفــانُـنا دمُــنا ، ونيوبُ الكلابِ التي اسـتذأبتْ هي كافورُنا … الزنزانة التي كانت مغلقةً ، كهربائياً ، انفتحتْ فــجأةً ، لتجيءَ الـمُـجنّـدةُ . عيوننا المتورِّمةُ لم تتبيّـنها واضحةً . ربما لأنها من عالمٍ غامضٍ . لم تقل الـمجنّـدةُ شيئاً . كانت تسحبُ وراءها ، مثل حصيرٍ مهتريءٍ ، الجسدَ الـمـدمّى لشقيقي . وحفاةً ســنمشــي إلى اللهِ أقدامُــنا أنتنتْ بالقروحِ وأطرافُــنا أُثخِـنَتْ بالجــروحِ هل الأميركيون مسيحيون ؟ ليس لدينا في الزنزانة ما نمسحُ به الجسدَ المســجى . ليس في الزنزانة إلاّ دمُـنا المتخثِّـر في دمنا ، وهذه الرائحة الآتية من قارة المسالخ . لن تدخلَ الملائكةُ هنا . الهواءُ يضطربُ . إنها أجنحةُ خفافيشِ الجحيم . الهواءُ هامدٌ . انتظرناكَ ، يا رَبُّ … كانت زنازينُـنا أمسِ مفتوحةً - نحن كنّـا على أرضها هامدينَ – ولم تأتِ يا ربُّ … لكنـنا في الطريق إليك . سنعرفُ السبيلَ إليكَ حتى لو خذلـتَـنا . نحن أبناؤكَ الموتى أعْـلَـنّـا قيامتنا . قُلْ لأنبيائكَ أن يفتحوا لنا الأبوابَ ، أبوابَ الزنازينِ والفراديسِ . قُـلْ لهم إننا آتون . صعيداً طيِّـباً تيَـمَّـمْـنا . المـلائكةُ تعرفنا واحداً واحداً … لندن 10/5/2004 الأســماء ننســى أسماءَ الأشجارِ اللائي كنَّ ســماءَ طفولـتِـنـا ( حتى لو كانت بضعةَ أسماءٍ ) ننساها ( رِحلـتُـنا طالت … تعرفُ هذا أنتَ ! ) ولكنّــا لم نتعلَّــمْ أسماءَ الأشجارِ على طُرقِ الرِّحــلةِ … ( كان علينا أن نتعلّـمَ أسماءَ العجلاتِ على الطرقاتِ الـقَـفْـرِ وأســماءَ الخاناتِ بأرباضِ المدنِ ) ؛ القدماءُ يقولون ( وأحسَبُ ما قالوا حقّـاً ) : إنّ السِّــدرةَ روحٌ والنخلةَ روحٌ والصفصافةَ سبعةُ أرواحٍ ( كالقطّـةِ ) …………. …………. …………. ها نحن أُولاءِ الآنَ بلا شــجرٍ ؛ انكونُ ، إذاً ، قد فارقْـنا منذُ زمانٍ ، صبَـواتِ الروح؟ لندن 21/5/2004 لا جُـنـاحَ عليكَ مثلَ ما يحْدُثُ الأمرُ دوماً ، ضُحى الأحدِ : النوم في العسلِ الكسل الوشوشات وتلك الفتاة التي تتلذّذُ أنْ تتوسّــلَ بالأمرِ ، من دُبُــرٍ … سوف يحْدثُ هذا ؛ نَـعَـمْ ( لا جُـناحَ عليكَ ) الحديقةُ لن تتغَـيَّـرَ … لن يسقطَ الطيرُ عن " كستناءِ الحصانِ " * ولن تُخرجَ الأرضُ أثقالَــها ؛ ( لا جُـناحَ عليكَ ) اطْـمَـئِـنَّ : إن انكســرتْ جَـرّةٌ ، فالجِــرارُ التي سوف تؤتَـى كثار … لندن 23/5/2004 -------------------------------------------- * كستناء الحصان Horse chestnut : شجرٌ ذو زهرٍ ربيعيٍّ مُـعَـنْـقَـدٍ ، أبيض في الغالب . الليلةَ ، أُقَـــلِّـــدُ بازولــيني لستَ " المتصوِّفَ " … لستَ " الســرياليَّ " ولستَ النادمَ عمّــا أحببتَ : النخلَ ، ورايتَكَ الحمـــراءَ ؛ ولستَ المتوسِّــلَ بالصحفِ الصفراءِ ( أ كُلُّ الصحفِ الآنَ تسـمِّـيها صفراءَ ؟ ) إذاً … كيف ستمضي في هذي الـمَـذأبةِ الكبرى … ؟ مَن سيترجمُ أشعارَكَ عبرَ لغاتِ الســـوقِ الأوربــيّــةِ ؟ مَن سَـيُـرَشِّـحُكَ ، الليلةَ ، في الـمطعمِ ، للجائزةِ الألمانيةِ ، أو تلكَ الكَرواتيةِ ؟ مَن سيُســجِّــلُ عنوانَك والهاتفَ والإيميلَ ، عـلــى قائمةِ الـمدعوِّينَ إلى كل جهاتِ الأرضِ ؟ وأيّ امرأةٍ سوف تُـمَـسِّـدُ خُصـلةَ شَـعرِكَ ، هذا الأشيبِ ، من عينٍ في هاتفـها النــقّالِ ؟ و مُؤصدةً ، ســـتكـــــونُ البــــــــــابُ أمــــــــامَـكَ مُـؤصَـدةً ، وحديــداً ؛ ولَـسوفَ يكونُ الظُّهرُ – كما كان الليلُ – شـــــديداً يبدو أنكَ تعرفُ هذا من زمنٍ ! أ لهذا كانت دعوتُكَ اليومَ إلــى الحـــانـــةِ ؟ أرجوكَ ، اســمَــعْـني ! أنا مثلكَ ، أرتاحُ إلى البــارِ الإيــرلنـــديِّ ومثلكَ ، لا أعرفُ أن أتوقّفَ ... مثل قطارات تروتسكي في ثورة أكتوبــــرَ ، كم قلتُ لكَ : انتبـــه ! الدنيا ما عادت تُـقـرأُ مثلَ الكَــفِّ … ولكنكَ ، ما زلتَ المأخوذَ بما أتوهَّـمُ أنكَ لم تَعُدِ المأخوذَ بــه : مثلاً ، بعراقٍ مركونٍ في زاويةٍ من ميثولوجيا وشيوعييــنَ ! إذاً سأصدِّقُ : لســــتَ المتصــــــوِّفَ لستَ السّــــــــــــريالـيَّ ولستَ النادمَ عـمّـا أحببــتَ : النخلَ ، ورايتَكَ الحمراء … لندن 28/ 5/2004 عطلة الـمصارف 31/5/2004 قلتُ : لن أكتبَ حرفاً واحداً هذا الصباحَ … اليومَ عيدُ الـمَـصرفـيّـينَ فلا حافلةٌ تأتي ولا مصطبةٌ يحتلُّـها سكرانُ ؛ والناسُ ينامونَ إلى أن يظهرَ الحقُّ . البريدُ الـمَـلَــكيُّ انصاعَ أيضاً لسياط الـمصرفـيّـينَ . يَـمامُ الدغْـلِ لم يدخلْ إلى بستاننا يلتقطُ الديدانَ والـحَـبَّ . ومَن كانت ستأتي أخلفَتْ موعدَها ( الهاتفُ يكفي ! ) لستُ أدري كيف لا أنتحرُ ! العالَـمُ قد أغلـقَـهُ البنكُ وتحكي أنتَ عن فُـحْـشِ بروليتاريا ومـتراسٍ شــيوعيٍّ ببرلينَ وقَـرنٍ ســالفٍ ! ما أعجبَ الدنيا … كأني كنتُ مسؤولاً عن الثورةِ … لا بأسَ ، إذاً ؛ كم قلتُ : لن أكتبَ حرفاً واحداً هذا الصباح ْ ! لندن 31/5/2004 فَـراشاتُ الأنْــدِيز أنا منتظِــرٌ ما يمحوهُ الليلُ : اختفتِ الزُّرقةُ منذ الآن ولستُ أرى إلاّ طيراً ، مَـسْـكـنُـهُ ، أبداً ، سـقفي القـرميدُ … سـأوقِـدُ قنديلاً وأحاولُ أن أفتحَ لي مُـنْـفَسَـحاً في مُـلْـتـحَـمِ السُّـبُلِ - الـقُـنّـةُ بيضاءُ الشجرُ الأحمرُ ( عُـثْـنونُ الشيخِ ) على منحَدَرِ السّــفْحِ وكأسـي كوبا الـحُـرّةُ … Cuba Libre بـضعُ قُـطَـيراتٍ من مطرٍ صيفيٍّ لم يهطلْ بَعدُ تباغتُ أهدابي افتَحُ جَـفنَــيَّ على سَــعةِ العالَــمِ : ثَـمَّ فراشاتٌ ســودٌ هائلةٌ مثلَ طيورِ الدّغْــلِ ترفرفُ عبرَ فضاءِ الفندقِ نحوَ السّــفْـحِ … ……………… ……………… ……………… البيتُ الريفيُّ هنا في الضاحيةِ البيضاءِ تماماً يفقدُ كلَّ خرائطهِ ويـهـيــــــم … لندن 15/6/2004 ـــــــــــــــــــــ * كوبا الحرّة : كوكتيل من الروم والكوكاكولا والليمون الأخضر والعسل مع الثلج . الـمـتَـرَحِّـــلون " إلى حســـين الهنداوي" لم نَـعُـدْ تحتَ نجمِ الرعاةِ القَــدامــى لم نَـعُــدْ تحت نجمِ الرُّعاة لم نَـعُـدْ تحتَ نجمٍ لم نَـعُـدْ … نحنُ غِـبْـنا تماما مثل ما غابَ عن مريمَ النجمُ بعدَ مآبِ الحواسِّ … اسـتمَـعْـنا إلى كل ما في أناشيدِنا ومَـنـحْـنا النشيدَ الصِّــبا ، وانتظرْنا أغانيَ لم تأتِ حتى ولو كذِبــاً ؛ لم يكنْ ذاكَ عدلاً ! ……………. ……………. ……………. أتعرفُ ، كم كنتُ أرقبُ وجهكَ عند الجوازات أمسِ ؟ أتعرفُ ؟ ما كان " هِـيْـثْـرو " مطاراً ، ولا كنتَ أنتَ المســـافرَ … كان اللصوصُ يديرون أحلامهم في فراءِ المغارةِ ، أمّــا بنو الخائباتِ : أنا أنتَ يا صاحبي ، يا حسينُ … فإنّ لنا ، مثلَ أسـلافِـنا ، أن نكونَ ملوكَ الـهَـباء ! لندن 19/6/2004 ـــــــــــــــــــــ * مطار هـيثـرو London Heathrow Airport دمٌ فاســـدٌ دمٌ فاســدٌ Mauvais sang قال رامبــــــــوووووووووووو ؛ إذاً ، كيف جئتَ ، تحاسبُني ، في الصباحِ الـمـبكِّــرِ ؟ لـم تحترمْ قهوتــي الـمُـرّةَ ، الطيرَ في " كستناء الحصانِ " … و لا غفلَــتي ، - أنتَ تعرفُ أنيَ أســهو – ولـم تبتدرْني ، كما يفعلُ الناسُ ، ما قلتَ حتى : " صباحكَ خيرٌ … " وجئتَ تحاســبُـني … لأقُــلْ أوّلاً : مَن تكونْ ؟ ولأقُلْ ثانياً : هل لكَ الحقُّ في أن تكون جليسي على قهوةِ الصبحِ ؟ لا بأسَ فلْــنحترمْ ، مثلَ كلِ العبادِ ، الحقيقةَ : نحنُ ، هنا ، جالسانِ معاً … OK ? OK… هل ســتتركُني قبلَ أن تُكملَ الجملةَ المتعثِّــرةَ ؟ اصبِــرْ قليلاً وأتــمِـمْ … فما نفْــعُ أن تتزوّدَ من قهوتي الـمُــرّةِ ؟ الصبحُ ليسَ زمانَ الهروبِ المسدّسُ ليس سلاحَ دفاعٍ … أَقِــمْ وارتشِفْ ، رائقاً ، قهوتي مُـرّةً ؛ أرهِفِ السمعَ للطيرِ في الوُكُناتِ الرفيعةِ من " كستناء الحصانِ " ؛ دمي فاســدٌ أنتَ تعرفُ هذا … وتعرفُ أنّ الفسادَ مقيمٌ به ، أحمــرٌ ، كالـكُــرَيّاتِ حمراءَ لا تَــفْــزَعَـنَّ ! اطْــمَـئِــنَّ … فليس الذي بيَ مثلَ الذي بكَ … والثورةُ المستحيلةُ أبعدُ من أن تراك ! لندن 28/6/2004 ـــــــــــــــــــــــــــــ * كستناء الحصان Horse Chestnut : شجرٌ ذو عناقيد من الزهر الأبيض في الغالب .
|