الانحطاطُ السياســيّ الذي يَسِـم المشهدَ العامّ في منطقتنا العربية ( الشرق الأوسط بخاصّـةٍ )، أنتجَ تجـــلّياته " الثقافية " التي لابدّ منها .
لكنّ عليّ القول إن هذا الانحطاط لم يكنْ عمليةً طبيعيةً ناتجة عن ظروفٍ ذاتيةٍ في هذا المجتمع العربي أو ذاك.
هذا الانحطاطُ ، فُرِضَ فرضاً ، وبالقوة، بل بالتدخل العسكريّ.
ليس ثمّتَ من أُمّـةٍ تختارُ انحطاطَها.
لكن الأمم قد تطرأ عليها ظروفٌ عســيرةٌ، تَصْعُبُ مغالبتُها، وربما استدامت تلك الظروف حتى لقد تبدو دائمةً أو كالدائمة. آنذاك ينشأ الخلْطُ بين الأصيل المتأصِّلِ والدخيلِ المتدخِّلِ. وهذا الخلطُ الذي قد يبلغ حدَّ التماهي بين الأصيل والدخيل هو نتيجُ زمنٍ متّصلٍ من محاولةِ إلغاء الهوية الوطنية، زمنٍ قد يبلغ قرناً أو نحوَه، كما جرى في الجزائرِ( بعد الاحتلال الفرنسيّ )، وكما جرى في منطقتنا (منذ الحرب العالمية الأولى 1914- 1918) .
الآنَ ، وقد استتبَّ التحكُّمُ حتى صار حُكْـماً ، لم يَعُد المستعمِرون يستعمـلون الأساليبَ العتيقةَ ذاتـها التي طالَ ما استعملوها في السابق.
لم يعُد المستعمِر يحتاج إلى ضبّاط اتّصاله ، وعلمائه ( ماسينيون في الجزائر ) .
هؤلاء سيظلون في عاصمة المتروبول ، يراقبون المشهدَ ، ويوجِّهون .
المستعمِر، الآن ، يعتمدُ عناصرَ محلّـيةً . هؤلاء هم قوّادوه وعواهرُه.
ولم يَعُد المستعمِر ينفق من ميزانيّته على برامج الاستحواذ الثقافيّ .
المستعمِر، الآن، يستعملُ المواردَ المحليةَ للإنفاقِ على برامجه تلك. والذين عُيِّنوا حرّاساً على مناطق البترول، بصفة حُكّامٍ وأمراءَ وشـيوخٍ ومَشايخ ، هم الذين يدفعون للقوّادين والقحاب.
يستولي هؤلاء القوادون والقحاب، على تسعين بالمائة من الأموال المدفوعة ( كُلْفةَ إدارةٍ ، وفنادقَ ، ومطاعمَ ، وجــــيوبٍ مثقوبةٍ ، ومكافأةَ احتيالٍ متَّفَقٍ عليه ) ،ويدفعون العشرةَ بالمائة الباقية للفقراء والمساكين من مبدعي هذه الأمّة المخذولة، المؤلَّـفةِ قلوبُهم، في هيأةِ "جوائز". ولسوفَ تدورُ معارِكُ، متّفَقٌ عليها، تضليلاً وعَمىً . السوقُ ؟ نعم . سوق النِّخاســةِ ؟ نعم !
ولأننا أُفقِرْنا، لأنّ المستعمِرَ أنهكَنا، ولأننا ضعافٌ ... نرانا نقول: نعم ! نعم للقحابِ والقوّادين ... مرحباً بهم في بيوتِنا الفقيرة !
لندن 22.12.2009
|