(2)
لِمَ الهجرةُ … إذاً ؟
عندما نشرتُ مادّتي عن " المثقف العراقيّ التابع " ، كنتُ أتوقّعُ أن أجدَ لها أصداءَ، حتى لو كانت تلك الأصداءُ مخالِفــةً، وهذا أمرٌ طبَعِــيٌّ أمّا أن تقابَلَ المادةُ بالصمت التام، بالرغم من عديد قرّائها الكبير ، فأمرٌ كنتُ ظننتُهُ مستبعَداً.
الآنَ أُسائِلُ نفسي عن الوهمِ الذي وقعتُ فيه.
المثقف التابعُ لم يَعُدْ قادراً على النظرِ إلى الداخل( داخلِه )، إذ لم يبقَ لديه من داخلٍ يشكِّلُ مصدراً للقلق والسؤال.
المتبوعُ، مالاً ومآلاً ، أكملَ دائرةَ التحكُّمِ ، وألغى الكيان المفترَضَ استقلالُه لدى فردٍ كان ينبغي، بالضرورة، أن يكون حسّاساً.
أجدُ، بالتأكيد ، ألفَ عذرٍ ، للمثقفين في العراق المحتلّ، حيث الموتُ العنيفُ ينتظرُ من يبدي رأياً يخالف السلطةَ المتحكمةَ نيابةً عن ضباط الاحتلال.
لكني، ما زلتُ أنتظرُ ممن يعيشون في الـمَهاجِرِ ، قولَ شــيءٍ.
هؤلاء ، على العموم ، يحملون جنسيةَ البلد المضيف، التي تمنحهم، فجأةً، وبجرّةِ قلمٍ، حقوقاً مدنيةً، ناضلَ أهلُ تلك البلدان المضيفةِ ربما قرناً وأكثرَ في سبيلِها.
لِمَ لا يستعملُ المثقفُ العراقيُّ تلكَ الحقوقَ، مفضِّلاً أن يظلَّ تابعاً ؟
هؤلاء المثقفون يشكّلون جمعياتٍ وتجمّعاتٍ تؤيدُ حكومة الاحتلال.
ويقيمون مع سفارات تلك الحكومة أنشطةً ثقافيةً وسياسيةً، بل ينظمون تظاهراتٍ لصالح الحكومة المذكورة، ويتلقّون مبالغَ لقاءَ جهودهم هذه، ويزوِّرون مجالسَ جاليةٍ بإشراف سفارات حكومة الاحتلال.
أحياناً يتّخذ تأييدُهم طابعاً حادّاً، بالاعتداء على مجتمِعين يخالفونهم في الرأي.
حتى كأن هؤلاء المثقفين التابعين، كاسرو اجتماعاتٍ أُصَلاءُ، بينما هم مهاجرون يحملون جنسياتٍ أخرى، وجوازات سفر أخرى.
المثقف التابع صار متماهياً مع صورته التالية، لا مع نفسه.
لقد اكتملت عمليةُ الـمَسْخِ.
صار الفردُ الـحُرُّ مِسْخا.
وهذا ، بالضبط ، مبتغَى الاحتلالِ وعملائه المسلَّطين على البلاد والعباد.
هنا ، ألا يحقُّ للمرءِ التساؤلُ:
لِـمَ الهجرةُ ، إذاً ؟
|