سعدي يوسف
في الرابع من حزيران ( يونيو ) 2003
كتبتُ تحت عنوان : مائة عام من الاستعمار
"الحضارة الغربية ( أوربا و أميركا ) الآن ، قائمةٌ على استهلاك الطاقة ، طاقة أمِّـنا الأرض : البترول .
ولأنّ البترول آيلٌ إلى الزوال ، بعد مائة عامٍ ، فإن إدامة الحضارة المتسيدة تقتضي السيطرة على الموارد البترولية سيطرةً كاملةً ، حتى التوصّـل إلى الطاقة البديلة .
من هنا ، سيدوم استعمار العراق ، تحت واجهاتٍ شتى ، قرناً كاملاً ، ينتهي بنضوب آخر قطرةٍ من هذا السائل المعتصَـر من كائناتٍ منقرضةٍ ، آخرُها نحن …"
*
نحن ، في هذه الأيام ، أسرى الفايروس .
الأسيرُ ، كما هو معروفٌ لدى مَن جرّبَ ، يفكرُ بمصيره ، ومصائر سواه ،كثيراً .
وباعتباري أسيراً سابقاً ، في " نقرة السلمان " وسجن بعقوبة ، وسجن البصرة ، وسجن بغداد ، والموقف العام ، وموقف شرطة السيبة ... إلخ
وأسيراً ، الآن، لدى محنة الفايروس
حُقّ لي أن أفكرَ.
لكنّ التفكُّرَ ، في شأن الأرض ، أشقُّ من التفكُّر في السماءِ .
ورُبّتَما أوصلني التفكُّرُ إلى ما تُحْمَدُ عُقباه !
*
مثلاً :
قرّرتُ ألاّ أكتب في السياسة !
أتسألُني : لماذا ؟
جوابي : ليس من سياسة في العراق الآن !
وتسألُني : كيف ؟
جوابي : السياسة ، في أصلها الإغريقي ، تعني التعدّد
Poly
أمّا الآن ، فثمّتَ أمرٌ واحدٌ متسيِّدٌ في ما كان عراقاً : الإحتلال.
هذا الاحتلال ، له أهلُه ، أعني : له عملاؤه المتسلطون ، نيابةً .
الاحتلال هو الواحدُ الأحد !
إذاً ... ليس من سياسة .
*
المعمّمون
والشيوعيون
هم مَن استدعوا الاحتلالَ ، ورحّبوا بالغُزاةِ .
ما كان ذلك في 2003 فقط .
في أوائل التسعينيات ، حين فُرِض حظر الطيران ، جنّدَ الشيوعيون أنصارَهم ليكونوا مرتزقةً ، في خدمة الاستعمار،
بينما كان البلدُ يدافع عن حدوده ، شرقاً وغرباً .
وفي فندق الهيلتون متروبوليتان اللندني ، اتّفقَ المعمّمون والشيوعيون على الإستنجاد بالاحتلال وجنوده .
بل لقد أفتى أحد الشيوعيّين بأنّ الجنود الأميركيين القتلى ، هم شهداء عراقيون ينبغي تخليدهم !
وثمّتَ أمرٌ عجَبٌ :
المعمّمون
والشيوعيون
ما زالوا متشبثين بالاحتلال !
وإنْ سالتَهم : كيف أيّدتُم استعمارَ البلد ؟
أجابوا : ما كنا بذلك عارفين ...
*
انتهى الأمرُ الذي كنتما فيه تستفتيان .
*
لن أكتب في السياسة ، إذْ لا سياسة .
*
سأدخلُ في جنّتي التي عُرضُها السماواتُ والأرض :
الفنّ
فنّ الشِعر !
وليظلّ المعمّمون والشيوعيون في جحيمهم ذي الدنانير الخُضْرِ .
لندن في 23.11.2020
|