سعدي يوسف
إيلافي رِحلتَي الشتاءِ والصيفِ ، بين لندن وتورنتو ، سِرٌّ من أسرارِ سعادتي الروحيّة .
أنا لا أستبدلُ بلداً ببلدٍ ، لكني أستدِلُّ ببلدٍ على بلدٍ ، مفارَقةً ومقارَنةً .
لا أقول ، مثلاً ، إن تورنتو خيرٌ من عاصمة المملكة البحرية ، حيث إليزابث الثانية .و لا أقول إن هذه الملكة الوَقورَ خيرٌ من الرئيس الكندي الشابّ ، ملاكِم الوزنِ الخفيف ، السيد جوستين ترودو.
أنا ضيفٌ خفيفٌ ، على أيّ حالٍ ، لا يشْغَلُني الشأنُ السياسيّ ، في أوتاوا ولندن ، لأنّ العبءَ العراقيّ كافٍ وحده ، ليُنْقِضَ ظهرَ فيلٍ ، فكيف بظَهر امريءٍ ضعيفٍ نحيفٍ ، مثلي .
كانت الرِحلةُ من مطار هيثرو اللندني ، على الناقلة الوطنية الكنَديّة ، إلى تورنتو ، التي استغرقت ساعاتٍ سبعاً ، وثلاث زجاجاتِ نبيذٍ لهنّ هديرٌ ، أقول كانت الرِحلة مريحةً . كما أن إجراءات الدخول كانت مثاليّةً في ظروفٍ غيرِ مثاليّةٍ يمرُّ بها كوكبُنا .
*
الإفاقة من تخدير قَطْعِ المحيط ، استغرقتْ يومَين من سُكْرٍ ليس بالسُّكْر .
وهاأنذا أسمعُ أصواتَ تورنتو ، المتروبوليس .
مسكني ، مع إقبال ، غير بعيدٍ عن مركز المدينةالعظيمة . العرباتُ Street cars ، والحافلاتُ ، والسيّارات ، استيقظتْ مع الغبَش المشوَّش ، كذلك النوارسُ الجائعة أبداً ( المسْكن لا يَبْعُدُ عن بحيرة أونتاريو الهائلة إلاّ بعشر دقائقَ من مشْيٍ خفيفٍ ) .
أفكِّرُ في أن نتناولَ فطورَ الصباح ، خفيفاً ، في مقهى تِمْ هورتِن القريب ، قهوة بالحليب مع خبز الأهِلّة ( كرواسان ) ، لكني أتكاسلُ .سنكتفي بما بين أيدينا ، ولن يكون خفيفاً .
*
ظُهرَ اليوم ، السابع عشر من مارس ( آذار ) 2016 ، سيعود الإنترنت إلى الشقّة .
لقد أخذْنا إجازة أربعة أيّام من كابوس العصر.
وهكذا سيعود العالَمُ ، بكل وطأتِه وقُبحِه .
ليس من مفرّ ، ٍإنْ كنتَ تفضِّلُ العيشَ في حاضرةٍ ، لا في كهفٍ كذلك الذي سكنَه فِتْيةُ أهلِ الكهف الطيّبون .
*
مرحباً بالعالَم !
مرحباً بالعالَم الذي حاولْنا ، قبل مائة عام أن نغيِّرَه ، في أكتوبر 1917 ، فلم يُطِقْنا هذا العالَمُ .
صباح الخير ، تورنتو !
تورنتو 17.03.2016
|