الأربعاء, 04 دجنبر/كانون أول 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 91 زائر على الخط
حـكاياتُ البحّــارةِ الغُرَبــاءِ طباعة البريد الإلكترونى

1-

بحّارةٌ غرباءُ نحنُ ، بمرفـأٍ يعلوهُ بُركانٌ ...
هبطْنا منذُ عهدٍ لم نَـعُــدْ نتذكّرُ الأيامَ فيهِ ، ولا تفاصيلَ النزولِ برملِ هذا الشاطئ المملوءِ صخراً ناتئاً تعلوهُ أشواكُ القنافذِ ، والطحالبُ ...
ربّما كان النزولُ
الفجرَ ...
والتأريخُ ؟
قبلَ كتابةِ التاريخِ ؟
قبلَ الكهفِ ، والحيوانِ مرســوماً ؟
أنحنُ خرافةٌ  ، أمْ أننا ، فِعلاً ، أُناسٌ مثل كلِّ الناسِ ؟
..........................
..........................
..........................
نعرفُ أننا ، فعلاً ، هنا
بحّارةٌ غرباءُ
جاؤوا مرفأً في ظلِّ بُركانٍ ...
ونعرفُ أن هذا المرفأَ المشؤومَ يشبهُ ما تَناقَـلَـهُ  الربابنةُ القدامى عن مرافئ تختفي في البحرِ أزماناً ، لتَطْـلُـعَ مرةً أخرى ، قذيفةَ فُوّهاتٍ من وحوشِ البحرِ ، أو حِـمَـمِ البراكينِ ...
المرافئ ؟
هل نسمِّـيها مرافئ ؟
فَـلْـيَـكُـنْ !
ولْـنَمْـضِ فيها ، مثلَ ما نمضي ، سكارى بالذهولِ
مُـدَوَّخينَ بِما طَـعِـمْـنـا من قـواقعَ
أو شـرِبـنـا من نقيعِ الزعترِ البرّيّ والموزِ ...
المساءُ مساؤنا :
فَـلْـنوقِــدِ الحانات !

2-

في برلين
أذهبُ إلى 77 شارع تي تي زِي شتراسّــه
77 titisee STR.
الحافلةُ في الموقف ( الأخير ) تطْلِقُ موسيقى عاليةً ، ويرتفعُ صوتُ سيّدةٍ بالألمانيّةِ ثمّ بالإنجليزيةِ :
الرجاء مغادرة الحافلة!
قبل أن أستقلّ الحافلةَ رقم 122 ، كنتُ وصلتُ محطةَ مترو فِيتيناو ، الخطّ 8
Wittenau
فيتيناو هي المحطة الأخيرة على الخطّ 8.
هنا أيضاً ، كنتُ سمعتُ موسيقى عاليةً ، وصوتاً عذباً يأمرني بمغادرةِ القطار.
النهاياتُ دائماً.
دائماً في الأقاصي .
*
في لندن ، أعودُ من ساحة " الطرف الأغرّ " وسطَ العاصمةِ الإمبراطوريةِ إلى منزلي ( ؟ ) بالضواحي.
أنا أسكنُ هيرفيلد التي بأعلى التلّ .
Harefield
سآخذ خطّ" البيكاديللي " الأزرق ، إلى محطّته الأخيرةِ ، إلى أكسبْرِجْ
Uxbridge
من محطةِ المترو الأخيرةِ على خطّ " البيكاديللي " الأزرق ، أستقلُّ الحافلةَ رقم
U9
التي تُـبْـلِـغُـني هيرفيلد ...
حيثُ مستشفى القلب الشهيرُ ، والسير مجدي يعقوب .
يقالُ إن ثمّتَ تمثالاً للطبيب المصريّ.
لم أرَ التمثالَ.
لا أدري أين وضعوه.
قالوا : التمثالُ على السقفِ !
*
الحافلةُ ، تتوقّف ، في موقفِها الأخير .
أهبطُ.
أذهبُ إلى المنزل ( منزلي ؟ )
النهاياتُ دائماً.
دائماً في الأقاصي!

3-

في الفجرِ
قبلَ الفجرِ ...
لاحتْ نجمةٌ. واليوم   بَدْرٌ قالَ:
إنّ قبلَ الصباحِ نجمَ الصباح ...
في الفجرِ
قبلَ الفجرِ ...
نتركُ عَتْمةَ الحاناتِ.آخرُ شمعةٍ في حانة " المستقبلِ " انطفأتْ ...
وعالَـمُـنـا يعودُ إلى عماهُ
إلى العماءِ الأوّلِ ...
ابتهِجوا ، جميعاً ، أيها الأنذالُ
هذا الكوكبُ المرتدُّ عادَ إلى طبيعتِهِ
ورأسُ المالِ عادَ ، متوَّجاً ، بنتيفِ كارل ماركس ...
لِـحـيتِهِ ...
وما تركَ الشيوعيُّ الأخيرُ من الغماغمِ
قِفْ ، ولو دهراً ...
وقِفْ
تسمعْ :
صحيحٌ أننا في مرفأِ البركانِ ...
لكنّا ... برابرةٌ
وأوباشٌ
قراصنةٌ ، وأجملُ ...
سوفَ نأخذُ عالمََ التجّارِ من أُذُنَـيـهِ
ثانيةً .
نُـمَـرِّغُـــهُ بأوحالِ الدراهمِ
والخراءِ المصرفيّ ...
وسوفَ نغرزُ حولَ تربتِهِ
رماحاً
أو نُباحاً من كلابِ قُرىً ...
سنكونُ : نحنُ !

4-

وأنتَ تقطعُ باديةَ السماوةِ ، حيثُ قُتِلَ المتنبي ، تبدو الباديةُ، حمادةً ، قاسيةً ، لا معالِــمَ  فيها. لا نبْتٌ ولا شجرٌ  نَـكَّبَ أبو محسَّدٍ ، السماوةَ والعراقَ يوماً :
تركْنا من وراءِ العيسِ نجداً    
ونَكَّـبْـنا السماوةَ والعراقا ...
فجأةً ، من وهدةٍما ، تلمحُ شجراً ، ربما كان أثَلاً .
ثم تنحدرُ الحمادةُ إلى قلعة الجنرال جلوب ، جلوب باشا ، الملقّب " أبو حنَيك " بسببِ تشوُّهٍ طفيفٍ في حِنكِه .
إنها نقرة السلمان ...
السجن الصحراويّ
والقلعةُ التي تصدُّ الجِمالَ الوهّابيّةَ الـمُغيرةَ .
هنا أيضاً ذوى مهزومو ثورة العشرين ، ومعارضو الهاشميين وحكوماتِ نوري السعيد.
هنا كان فهدٌ.
والناجون من قطار الموت في 1963.
هنا كان مظفّر النوّاب.
وهنا أقمتُ.
عشرون برج مراقَبةٍ ، تعلو السورَ .
الماءُ يأتي في صهاريج سيّاراتٍ ، تقطع صهدَ الباديةِ ، لتمنحنا ماءَ الحياةِ ، عبرَ أنبوبٍ يُدَسُّ في فتحةٍ أسفلَ السورِ.
كان وعدُ الله يحيى ، بجانبي ، لحظةَ وصولِ الماءِ...
في الصباحِ سوف يأخذون وعدَ الله يحيى إلى بغداد ، لـيُشــنَقَ .
مديرُ السجن، التركمانيّ ، سيأتي في جولة تفتيشٍ.
علينا أن نلزمَ رَدهاتِنا.
قال لنا رفاقُنا : نستقبلُه واقفينَ.
*
أحياناً أذهبُ إلى القلعةِ القديمةِ ، المهجورةِ الآنَ.
إنها النزهةُ الوحيدةُ.
في المساء ، تبدو النجومُ أشدَّ سطوعاً من مصابيح السجن.
*
أتذكّــرُ أنني كتبتُ في أواخر الستينيات قصيدةً بعنوان " قصيدة وفاءٍ إلى نقرة السلمان " بعد أن قيل إن السجن أُغلِقَ نهائياً .
الأمرُ لم يحدُث البتّةَ .
كانت " نقرة السلمان " مثل استراحةِ المحارِب.
نبلُغـها كما نبْلغ واحةً بعد رحلة العذاب والتعذيب .

5-

قالوا لنا :
البحّارةُ السوفييت ، سوفَ يخيِّمونَ ، الليلَ ، في الدامورِ .
ثمّ  يحَصّـنونَ مداخلَ الدامورِ ، فجراً ، والسلالِـمَ ...
نحن صدّقْنا .
وقد أمضَيتُ ، في أملي ، أنا ، نفسي ، أصيلاً دابقاً ، في غرفةٍ نزعتْ نوافذَها القذائفُ . كنتُ ُأنتظرُ الزوارقَ.
كان حيدر صالح ، والتوأمانِ ، وزوجةٌ عمياءُ ينتظرونَ مثلي ...
كان شيء كالندى ، رطْبٌ ، يُزَلِّقُ خطوتي أعلى السلالـمِ .
كنتُ أقولُ : كُنْ أعلى ، لتبصِرَ أوضحَ.
البحّارةُ السوفييت !
*
في عدَنٍ
وفي رملٍ بساحلِ أبْيَنَ ...
انفعَ الحديدُ مزمجراً. رتْلٌ يداهمُنا ، ودبّاباتُه ُتختضُّ هادرةً .
وفوقَ رؤوسِنا صلياتُ رشّاشٍ تؤزئِزُ ...
تِتْ- تِـتِـتْ –تِتْ-تِتْ- تِتْ-تِـتِتْ- تِتْ- تِتْ
ونقفزُ في زوارقَ ضحلةٍ.
قد أرسلَ السوفييتُ ، يا ولدي ، سفينتَهم ، أخيراً.
كنّا بقاعِ سفينةِ الشحنِ.
الحبالُ دبيقةٌ، سوداءُ ، بالزيتِ.
الحبالُ أريكةُ الغرباءِ.
نحن ، إذاً ، هنا،  البحّارةُ !
البحّارةُ الغرباءُ نحنُ ...
وسوف نسألُ في الطريقِ إلى رصيفِ اللاذقيةِ
عن مبادئنا،
عن الخبزِ البريءِ
ومَوثِبِ الأسماكِ في الليلِ المبكِّــرِ ...
*
إننا البحّارةُ الغرباء

 
alaan.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث