مَـن يقرأُ إريك هوبسباوم؟ |
|
|
أزعُــمُ أني قرأتُ إريك هوبسباوم ، في غالب أعمالِه ، وأقولُ صدقاً إن الرجل اعادَ ثقتي بالتاريخِ عِلماً ، وبالمؤرّخِ عالِـماً ، بعد أن صار الـمَحْــوُ الأداةَ الفضلى في النظرِ ، والتنظير. هوبسباوم يقدِّمُ لك جرعةً شــافيةً كافيةً من الحقيقة والمعلوم ، تجعلُكَ على بَـيِّـنـةٍ من الظاهرة ، آنذاك يدخل ، هو ، حذِراً ، متوجِّـسـاً من القطعِ برأيٍ ، ويأخذ بيدِكَ ، أخذاً رفيقاً كي تصِلا ، معاً ، إلى نوعٍ من التثَـبُّتِ يسمحُ بإبداءِ رأيٍ. إريك هوبسباوم يساريّ ، كان منذ الخامسة عشــرة عضواً في الحزب الشيوعيّ الألمانيّ ، وظلَّ على مذهبِه ، ثابتاً . لكنه ، هنا ، أيضاً ، يظلّ مرتدِياً مسوحَ المؤرِّخِ ، لا بِزّةَ المحارِب . من شبه المؤكَّـدِ أن يحسبَ المرءُ ، هوبسباوم ، متفائلاً . التفاؤلَ التاريخيَّ المعروف. لكنّ الرجـلَ يُقْـنِـعُكَ ، بجرعةِ حقائقِه ، الشافية الكافية ، أن لا مكان أو معنى للتفاؤِلِ ، في عالَمٍ اختارَ السيرَ إلى الهاويةِ والإطلالَ عليها ، اختياراً . بل أن السقوطَ في الهاوية الماثلةِ ، واردٌ فعلاً ، مثل ما أن التراجُعَ عن السقوطِ واردٌ أيضاً . قال هيجل ، وهو يرى إلى نابوليون يدخل برلين ظافراً : التاريخ على صهوةِ جوادٍ ! ولسوف يغيِّـر هيجل اندفاعتَه الحماسيةَ ، كما فعل ألمانٌ عديدون. لكنّ إريك هوبسباوم ، لم يرَ التاريخَ على صهوة جوادٍ ، أو على ظهرِ دّبابةٍ . إنه يقرأ الصورةَ المعقّدةَ ، ويبسِطُها أمامَنا . ولسوفَ نشارِكُه مدخلَه. التفاؤلُ صفةُ السياســيّ الكاذب. وإريك هوبسباوم ، مؤرِّخٌ ، لاســياســيّ . إنه شــيوعيٌّ ، بالرنين الأوّلِ للكلمة! برلين 08.7.2010
|