أنت تمضي ، متمهلاً ، على امتداد ضفةِ الدانوب. الدالية تُعَرِّشُ ، مثقلةً بالعناقيدِ. والمزارعُ الصغيرةُ تعلِن عن النبيذ الجديد.وأنت تبحث ، مع صديقتِكَ ، عن غرفةٍ في بيتٍ ريفيّ ، غرفةٍ تأويانِ إليها آنَ الليل. من الضفةِ المقابلة ، ترى صرحاً عتيقاً . النمسا ملأى بالصروح العتيقة . لكنّك تحسّ بأن في هذا الصرح ســرّاً يشدّك، أو ما يشبه الســرّ . تقول لصديقتك : أريد أن أرى المكان. وهي تسألك : أتريد الذهابَ إلى " الـمَـلْـكْ " ؟ الدَّير ؟ تعبرانِ جسراً ، هو ناظـمُ مياهٍ أيضاً. ثم تدخلان الدّيرَ. عن هذا الديرِ ، وفيه ، رواية أمبرتو إيكو " اسم الوردة ". تقول لها متلهفاً: أريدُ أن أرى الخزانةَ ، خزانةَ الكتب ... نعم... خزانة الكتب. تصعد الدرْجاتِ وثباً. الكتب ، مُذْهَبةُ الجِلدِ ، وراء الزجاج . كتبُ ثقيلةٌ ، مثقَلةٌ بأســرارِها وأزمانِها .كتبٌ للحياة، كتبٌ للموت. كتبٌ للوعي . كتبٌ للعمى.تتذكّرُ النسّاخين والخطّاطين.الثورة الصامتة في ليلِ الديرِ المطِلّ على الدانوب. ثم تأتي المعجزةُ: صورةٌ لموتسارت الطفل ، جالساً على برميل ، يعلو كرسيّاً ، كي يبلغَ مفاتيح الأرغن الهائل... لقد جاء به أبوه ، في سفينةٍ على الدانوب ، ليقومَ بجولةٍ موسيقيةٍ مبكرةٍ جداً . كان في سنّ السادسة. هل عانى موتسارت( موزارت. موزار ) من أبيه ، معاناة مايكل جاكسون من أبيه؟ أواصلُ جولتي الذاهلة. الأسوار العالية. النهر الذي أخفَتْ أمواهُهُ ، الأســرارَ. وأعودُ إلى أمبرتو إيكو. قرأتُ له ، مؤخراً ، مقالاً عن جماليات اللغة في " البيان الشيوعيّ ". رواية " اسم الوردة " ليست سردَ أحداثٍ وحوادث. إنها احتجاجٌ كاملٌ. شهادةٌ على عصرٍ منقرضٍ. أهو عصرُنا ؟
|