الجمعة
هو اليوم السادس من الأسبوع المتعارف عليه ، وفي روما القديمة كان هذا اليوم مكرّساً
لفينوس . تَعتبر الأقوامُ النورديّـة ( أقوامُ شماليّ أوربا ) الجمعةَ ، اليومَ الأكثر
مجلبةً للحظّ بين أيام الأسبوع ، لكن المسيحيين عموماً يعتبرونه أكثر الأيام مَـشأمةً
إذ صُلِـبَ فيه المسيحُ . المسلمون يعتقدون أن آدم خُـلِقَ الجمعةَ ، وأن آدم وحواء
أكلا الفاكهةَ المحرمة فيه ، وتُوُفِّـيا أيضاً في يوم جمعة . ويوم الجمعة هو يوم القيامة
. ووردَ في "لسان العرب " :
إنما سُـمِّيت الجمعة في الإسلام وذلك لاجتماعهم في المسجد. وقال ثعلب: إنما سُـمِّيَ
يوم الجمعة لأن قريشـاً
كانت تجتمع إلى قُـصيّ في دار الندوة . وفي الحديث : أول جمعةٍ جُـمِّـعَتْ بالمدينة
.
البوذيون والبراهمة لا يعتبرونه يومَ سـعدٍ . وفي بريطانيا يقول الناس مَـن يضحك
الجمعةَ فسوف يبكي الأحدَ : .He who laughs on Friday will weep on Sunday
كما لايُنصَـحُ ( في بريطانيا أيضاً ) بتقليم الأظافر يوم الجمعة إذ يرون أن من يفعل
ذلك سوف يقرض أظافره ندمـاً . والأقوام السكسونية تسمي الجمعةَ اليتيمةَ ، الجمعةَ
الطويلةَ كذلك ، وقد يكون مَـرَدُّ الأمرِ إلى الصيام.
* * *
رُبَّ قائلٍ يقول : وما شأنُـنا بهذا كله؟
والحقُّ أنني مع التساؤلِ وصاحبه ، فالأيام عجلى ، والأحداثُ كبرى ، والناسُ يعانون
ممّـا يرون ويسمعون
رهَــقاً ، حتى أمسى التثبّـتُ والتأني عصيّـينِ ، دعْ عنك خرافاتِ الأممِ وعوائدَها
…
لكنني أرى أن لأمّـتي في العراق حقاً عليّ ، وأن من واجبي أن أؤرِّخَ لأيّـامها ، ومن
هذه الأيام ، الجمعةُ اليتيمةُ
في الثامن عشر من نيسان 2003 .
ففي تلك الجمعة خرج عشراتُ الآلافِ من أبناء وطني ، في بغداد وكربلاء ، مثالاً لا حصراً
، يهتفون ضد الجيش
السوفييتي الذي احتلّ بغداد في التاسع من نيسان 2003 ، ونهب متاحفها ومصارفها ومكتباتها
، وأحرقَ الأخضرَ
واليابسَ ، وقتلَ الآلافَ من المدنيين ، رجالاً ونساءً ، شيوخاً وأطفالاً ، ونصّبَ
المارشال المتقاعدَ زوكوف حاكماً
على العراق …
ولأن الجنود السوفييت مَلاحدةٌ زنادقةٌ ، وجّـهوا مدافعَ دباباتهم إلى المساجد والجوامع
، ومن بينها جامع الإمام الأعظم ، كما رفعوا في الموصل رايتهم الحمراء ذات المطرقة
والمنجل …
والسوفييت هم الذين وضعوا يدهم على نفط العراق ، وتولّــوا إدارتـه وتسويقه ، معتبرين
النفطَ بين غنائم الحرب ، مثل ما يفعل أي جيشٍ استعماريّ .
السوفييت هم من قالوا : إن الشعب العراقي مصابٌ بمرضٍ مستعصٍ ، وعلينا أن نتولّـى علاجه
لفترةٍ طويلةٍ .
محنةٌ ليست كالمحن …
لندن 19 / 4 / 2003