ديوانُ الأنهار الثلاثة طباعة

           سعدي يوسف
            2015

Image

إصرارٌ

وَلِيٌّ
لِمَنْ لا ولِيَّ لهُ ...
أنا .
في غابةٍ من برابرةٍ
وشيوخٍ
ومُغتصِبينَ ...
انتبهتُ ؛
فقرّرْتُ أني أميرٌ على كلِّ ما أهمَلَ اللهُ ،
أو كلِّ مَن أهملَ اللهُ :
أني ولِيٌّ لِمَنْ لا وَلِيَّ لهُ .
سوف أفتحُ دَسْكرةً للمَظالِمِ ...
يَحرسُها الطيرُ
والفقراءُ .
الذئابُ الفتيّةُ ، تلك التي استأنسَتْني ستأوي إلَيَّ
وتحرسُني  ...
والغزالُ المبارَكُ يأتي
ليحرسَني ،
والسناجبُ تأتي لتسكنَ بوّابتي ...
فلْتجيئوا إليّ !
أقِيموا ، لَدَيَّ  ...
لكي نرِثَ الأرضَ  .
إني وَلِيٌّ
لِمَنْ لا ولِيَّ لهُ ...

لندن  05.12.2014

نُـسْـكٌ

أنْ تُطعِمَ الطيرَ والسنجابَ ...
أنّ لدى شُجَيرةِ الزانِ من نُعماكَ ، مائدةً
حَبّاً
وحُبّاً ؛
أليسَ الصبحُ أجملَ ؟
يأتي الطيرُ مرتبكاً ، مُحاذراً ( شأنَكَ )
السنجابُ مندفعٌ
كأنه يخطفُ الخبزَ الهشيمَ ،
كأنّ الحِدْأةَ الآنَ تنْقَضُّ !
السماءُ هنا ، خفيضةٌ
فتَلَبّثْ ، وانتظِرْ نبأً  ...
لاتُسْرِعِ الخَطْوَ !
أمهِلْها ...
فـرُبَّـتَـما
أتاكَ صَوْبٌ من الفردوسِ ينهمرُ ...

لندن 26.11.2014

إلى مازن اليحيا

سوف تذكرُ حتى ولو غرّبتْكَ السنونُ
الـمُطَيْحةَ
رملَ الزبَيرِ
وقد تختفي الأرضُ
لكنّ سُرّتَها ستظلّ :
الـمُـطَيْحةَ
رملَ الزبَيرِ
إذاً
لك أن تحتفي
والِداً
ولَداً ...
إننا سُرّةُ الأرضِ

لندن 25.11.2014

أصواتٌ من ليل الغابة

أنا أسكنُ ضِمْنَ محيطِ الغابةِ ...
أعني أني أبعُدُ عشرةَ أمتارٍ عن أولى شجراتِ الغابةِ ؛
أعني ، أيضاً ، أنّ الورقَ الـمُـسّاقِطَ كل خريفٍ ، يبْلغُ بابي .
بل أنّ ثعالبَ ترقصُ في القَمْراءِ
أراها من نافذتي ...
أحياناً ، يَمْرُقُ ، في الفجرِ غزالٌ  .
وثمّتَ ، دوماً ، في لُعبتِنا الأبديّةِ ، في لعنتِنا :  حِدأٌ وأرانبُ .
لكنّ الليلَ ، مع الغابةِ ، مختلفٌ .
في ليلِ الغابةِ أصواتٌ لايسمعُها أحدٌ
أصواتٌ أعلى من أعلى الأصواتِ ، وإنْ لم يسمعْها أحدٌ ...
نغَمٌ من طيرٍ مجهولٍ
حشرجةٌ لغزالٍ مفترَسٍ
رفّةُ أغصانٍ من هَبّةِ ريحٍ ...
...........
...........
...........
لكنّ الوحشةَ تهبِطُ ، أقسى من مقصلةٍ
حينَ تمُرُّ ، الطائرةُ الحربيّةُ ، عبرَ الغابةِ ، نحوَ القاعدةِ الجوِّيّةِ ...
تلك الطائرةُ الحربيّةُ
من أين أتتْ ؟
و على مَن ألقَتْ ، في الفجرِ ، قنابلَها  ...
أتكونُ أتتْ من بغداد ؟

لندن  25.11.2014

هاجسٌ في مساءٍ رطْبٍ

نأتْ سمرقندُ في خيطِ الحريرِ
كما نأتْ بُخارى ،
كما تنأى دمشقُ ..
وتنأى قبلَها النجفُ  .
أليس دجلة بالراحاتِ يُغْترَفُ ؟
وأنّ ما قيل عن ماءِ الفراتِ
هو الخرافةُ ...
تعلو ، حينَ نختلفُ !
أقولُ : أحببْتُكِ :
الصوتَ الأجَشَّ
وما دغدغتُ من زغَبِ الدلْتا
بمُنعَقَدِ الساقَينِ ...
حاضرةٌ أنتِ العشيّةَ ؛
لكنّ الرسومَ مضتْ  ...
لا من سمرقندَ عندي
لا قِبابَ على بُخارى
ولا خمّارة ٌ في الضواحي من دمشقَ
لقد بلغْنا خراسانَ   الـمُـحالِ
أهكذا ؟
إننا الدكّانُ والتُّحَفُ !

لندن  16.11.2014

دعوةٌ إلى السُّباتِ

دوماً تنام بإحدى مُقلتَيكَ ...
ألم تتعبْ ؟
وتعرِفُ ... لستَ أنتَ الذئبَ
تعرفُ أنّ حقّكَ ، وهو أوّلُ ، أن تنامَ ،
تنامَ ملءَ جفونِكَ ؛
الأيّامُ ...
إنكَ في الثمانين !
الوسادةُ ، لم تَعُدْ صوفاً ...
ولِصْقَكَ ، دائماً ،  تتمدّدُ امرأةٌ
إذاً : نَمْ !
لا تَقُلْ  إن العراقَ يُجَرِّحُ الجفنَينِ .
..............
..............
..............
إن عراقكَ الأبديَّ غابَ
وصارت الورْكاءُ قاعدةً لطيّارينَ جاؤوا من أريزونا ...
لقد شُـفِيَ الصبيُّ من الخرافةِ ؛
لا تَقُلْ إني من الوركاءِ ...
إنكَ  في الثمانين !

لندن  14.11.2014

تَعِبْتُ يا عَمُّ ....

تعبتُ يا عمُّ  : شَيِّلْني !
ألستَ ترى أني أنوءُ ، وأني كِدْتُ أعترفُ
بأنّ ما  أنا ألقى  ، صارَ أفدحَ ممّا قد لقِيتُ ...
ألمْ ترَ ، لحظةً ، عبدَ السلامِ عيون السُّودِ ، قولَتَهُ :
أنا ، يا صديقةُ ، متعَبٌ
حتى العَياءِ ، فكيفَ أنتِ ؟
وحدي
أمامَ الموتِ
لا أحدٌ
سوى ألَمي ، وصمتي ...
*
تعِبْتُ ، يا عَمُّ !
كان الكونُ ، منتظَراً ...
وناعماً ، مثلَ خَدِّ المرأةِ الأولى ...
وكنتُ أقولُ إني والرفاق سنبْلغُ الأقصى ،
وكانَ
وكانَ  ؛
لكني تعِبْتُ ...
 رأيتُ خدَّ المرأةِ الأولى تحَوّلَ جِلْدَ أفعى
والعيونَ ... مَحاجِرَ
الأمطارَ سِجِّيلاً ،
ونهرَ أبي الخصيبِ خنادقَ .
لم يَعُدْ جسرٌ ليوصِلَني إلى " حمدانَ " حيثُ ترابُ أُمي ...
لم يَعُدْ لي من ترابٍ :
لا ولاءَ
ولا صليبةَ ...
أيُّ معنىً للبلادِ ؟
وأيُّ معنىً للعنادِ ...
تعِبْتُ يا عَمُّ !

لندن    12.11.2014

إلى حسين نعمة

لِمَنْ أؤَدِّي الحكايا
والعتابُ ... لِمَنْ ؟
ما كنتَ لي وطناً
والآنَ ... أنتَ لِمَنْ ؟
*
يأتي الجنودُ ، إلى طُوبَى ، وقد وشَموا صُلْبانَهم ، في العيونِ
الأرضُ هامدةٌ ،
والعشبُ رملٌ
وما تسفو الرياحُ دمٌ ...
كأنّ خولةَ لم تملأْ مواكبُها   ديارَ بَكْرٍ ، ولم تُكرِمْ ولم تهَبِ
كأنّ أرضَ العراقِ العارُ في العرَبِ !
*

لِمَنْ أؤَدِّي الحكايا
والعتابُ ... لِمَنْ ؟
ما كنتَ لي وطناً
والآنَ ... أنتَ لِمَنْ ؟
*
أقولُ : ما كانت الأيّامُ مُنْذِرةً بما لقِينا
وما نَلْقى
وما سنرى ...
لكننا قد أردْنا ما يُرادُ بنا  ؛
بل استرحْنا إلى الصُّلْبانِ نافرةً عند الزنادِ
وهيّأْنا منازلَنا
مع النساءِ اللواتي كُنَّ منزلَنا ...
*

لِمَنْ أؤَدِّي الحكايا
والعتابُ ... لِمَنْ ؟
ما كنتَ لي وطناً
والآنَ ... أنتَ لِمَنْ ؟
*
ستنتهي المائةُ الأولى ...
وسوف نرى أنهارَنا كالأخاديدِ ؛
الترابُ على جباهنا
والغرابُ الطيرُ ...
هل طللٌ يُطِلُّ في البُعْدِ ؟
لا ...
حتى الذي قد حسِبْناهُ ، عراقاً  ، غاب  ...

*
لِمَنْ أؤَدِّي الحكايا
والعتابُ ... لِمَنْ ؟
ما كنتَ لي وطناً
والآنَ ... أنتَ لِمَنْ ؟

لندن  11.11.2014

طبيعةٌ ناطقةٌ

في شُرفَتي ، أزهرَ الصُّبّيْرُ ...
نافذتي مفتوحةٌ :
في الهواءِ الرّطْبِ ألْمُسُ ما ...
ما ليسَ يُلْتَمَسُ ؛
التّطوافَ .
ثمّتَ ، عندي ، أربعٌ حِدَأٌ ، يَحُمْنَ تحتَ سماءٍ
مِن مَناجمَ
من فحْمٍ .
وعندي ، من الربّاتِ ، ماثلةً
تسعٌ وتسعون ...
لو أنكرْتُ واحدةً منهنَّ ، رُحْنَ جميعاً !
أيَّ أغنيةٍ غمغمْتُ ؟
أيُّ هواءٍ كان يدخلُ في متاهةِ الشُّرفةِ ؟
الصُّبّيْرُ أزهرَ ؛
فالربّاتُ تنتظرُ ...

لندن  10.11.2014

الــمَــحـْــوُ

إنها السابعةُ ، الصُّبْحَ
وفوقَ الشجرِ الناصلِ ، يبدو قمرٌ مكتملٌ ، بَدْرٌ
كأنّ  البدرَ شمسٌ
وكأنّ الشمسَ قُرْصٌ باردٌ من صمتِ سِيْبيرْيا ...
هي السابعةُ ، الصبحَ .
ومن رملِ الكوَيتِ الهشِّ ،
من بوّابةِ " الـمِطْلاعِ " ، يجتاحُ جنودٌ أميريكيّونَ
طِينَ البصرةِ ...
النخلُ الذي يُطْوى ، كما يُطْوى الثرى
يختلجُ الآنَ ،
ويذوي ، مثلَ ما نذوي ؛
وفي البصرةِ ، يجتاحُ جنودٌ أميريكيّونَ
ما كان عراقاً ضائعاً في كتُبِ التاريخِ
والرحّالةِ الإغريقِ  ...
ما كان مُحالاً !

لندن 08.11.2014

حارسِي الشخصيّ
My Bodyguard

السماءُ التي نحن نعرفُها ، مُذْ عرفْنا السماءَ ، وأسماءَها ، هي زرقاءُ ...
لكننا لم نَعُدْ نحنُ  ،
حتى السماءُ التي نحنُ نعرفُها لم تَعُدْ مثل ما كان يُبْصِرُها الطفلُ  ... زرقاءَ
نحنُ ابتعدْنا عن اللونِ ؛
لم تَعُد الزرقةُ ، المنتهى ...
ثَمَّ أصفرُ ، مستنفَدٌ  .
أصفرٌ يَدخلُ الخَيشَ ، من فتحةٍ في القميصِ
لِيُعْلِنَ : لا أخضرَ ...
الآن ، أجلِسُ  ملتصقاً بالزجاجِ الذي يَصِلُ النبْضَ بالغابةِ .
المطرُ المتخفِّي يظلُّ على عهدِهِ يتخفّى
ليهطلَ ...
ماذا تقولُ لهُ ؟
مطرٌ لا تراهُ
ولكنه ، بانتظامٍ ، وصمْتٍ ، يراكَ ...
أتشعرُ بالخوفِ ؟
في مِثْلِ ما قد يرى النائمُ  ، امتَدَّ غُصنٌ إليّ
ومن ذلك الغصنِ ، أبصرْتُ مَن يتدلّى ...
ليُعْلِنَ  لي : أنا حارسُكَ !
الله !
مَنْ أنتَ ؟
قالَ : اطمَئِنَّ ...
أنا الآن حارسُكَ
وأظلُّ إلى أبدِ الآبدينَ ، أحرسُكَ !
السيفُ
لا الخوفُ ...
لكنّ لي ، أن تؤكِّدَ أَجري  :
تُؤكِّدَ لي أن ترى ، مثلَ ما لا نرى
أن تظلَّ السماءُ بعينيكَ زرقاءَ ...
ولْتَطْمَئِنَّ !
أنا الآن حارسُكَ ...

لندن 04.11.2014

بيتُ السنجاب

كأنيَ أمسَيتُ ، في الوهمِ ...
 في السينِما :
كيفَ ؟
منذُ الصباحِ المبكِّرِ ، قرّرْتُ أن أبتني منزلاً !
وابتنَيتُ الذي شِئتُ أن أبتني ، في شحوبِ المساءِ
لقد كان أكثرَ من منزلٍ
كان بيتاً
ولكنه لم يكنْ لي ...
 لقد كان بيتاً لعائلةٍ من سناجبَ .
هذا شتاءٌ
وتلك السناجبُ ، كانت ، بلا خيمةٍ
أو بلادٍ ...

03.11.2014   لندن

مِن أهلِ الله ...

أنا من أهلِ اللهِ ...
يقولُ رفاقي عنّي !
أيْ أني الأبلهُ في العائلةِ ؛
الحِكمةُ
تأتي متأخرةً دوماً ، مثل الحافلةِ الإفريقيّةِ في الريفِ ...
لهذا
في ما يُشبِه معجزةً
أمسَيتُ ، أنا ، من أهلِ اللهِ !
مثَلاً :
لم أذهبْ لأُقَبِّلَ جزمةَ جنديٍّ أمريكيّ يعبرُ جسراً في بغدادَ ،
ولم أكتبْ حتى سطراً  في الصحُفِ المأجورةِ
من لُبنانَ إلى رملِ إماراتِسْتان ...
ولم تكن امرأتي فَرْشاً لسِواي ،
ولم ألبَسْ جُـبّةَ لَطّامٍ من طهران ،
ولا شِروالاً ليقولوا : كان يقاتلُ في كردستان ...
...................
...................
...................
كنتُ شيوعيّاً
وعضَضْتُ على إبهامي ، حتى نَزَّ دماً ، لأظلَّ شيوعيّاً !
والآن ...
أنا ، حقّاً
من أهلِ الله !
لندن 31.10.2014

مطرٌ في أواخر تشرين

في البلادِ التي كلُّ أيّامِها مطرٌ
 أنتَ تحسَبُ  ما ينْقرُ ، الآنَ ، لوحَ زجاجِكَ ، معجزةً .. .
أنتَ
عشرين عاماً أقمتَ هنا
بينَ مُحتشَدٍ لندنيٍّ
وبين الضواحي ؛
ولم يزل النّوءُ عندكَ معجزةً !
أيُّ رملٍ ، إذاً ، يسكنُ الدمَ ؟
أيُّ الـمَفازاتِ في الجسدِ  المتدرِّعِ بالجِيْنْزِ ...
أيُّ  الثِّمادِ !
البلادُ التي كلُّ أيّامِها مطرٌ ، لن تكونَ بلادَكَ
حتى ولو عِشْتَ ، في فَيئِها ، ألفَ عام ...

لندن 29.10.2014

عمر بن أبي ربيعة

" وُلِدَ عمر بن أبي ربيعةَ ، يومَ قضى عمر بن عبد العزيز ، فقيلَ :
أيُّ حقٍّ رُفِعَ
وأيُّ باطلٍ وُضِعَ "

*
وإذاً
فأنتَ الباطلُ الأبديُّ.
يا جَدّي !
*
كأنّ أولئكُنَّ ، القاصداتِ مِنىً  ،  أردْنَك... لحظةً قبلَ الرحيلِ ،
كأنّ أعناقَ الـمَطِيّ تسيلُ  ...
لكنْ ، ليسَ ما تبغي ، الأباطِحَ .
أنتَ تعرفُ ، يا أبي ، فتَياتِ مكّةَ  !
كمْ وكمْ  أحبَبْنَ همسَكَ .. .
كم ودِدْنَ لو انّ مِنىً  تظلُّ  ، كما هيَ ، موضعاً للرَّيبِ
والرَبَواتِ ...
أنتَ  ، لدى الفتَياتِ...
معنىً.
يا مُعَنّى.
أنتَ ، تَروي ، أنّ هنداً ، تُخْلِفُ الميعادَ
أنّ البنتَ ليستْ تستبِدُّ ...
كريمةٌ هندٌ ، إذاً .!
. في هذه الأيّامِ نُسْمِيها  كما يتكلّمُ الإغريقُ .
تُسْمى :

بَنِيلوب !
*
قد افتتحْنا ، في تِهامةَ ، فندقَ الشُّعراءِ
يا بنَ أبي ربيعةَ ...
خَلِّنا ، في بهجةِ الوادي !
أتعرِفُ ؟
إننا في سُـرّةِ الدنيــا ...
ستأتينا الصبايا ، راقصاتٍ ، بالشموعِ
وسوف نثمَلُ من رحيقِ فمٍ ودَنٍّ .
سوف نأتي بالسفائنِ
سوف نُبحِرُ ...
أيُّ معنىً للمَطِيّ ؟
وأيُّ  مَذأبةٍ ، مِنىً  ...
فلْنرتحِلْ يا جَدّيَ  ، الملعونَ ، عن أرضِ الذئاب ...

لندن.18.10.2014

35  دربُ لوفِيتْ
35 Lovett Road

إنني ساكنٌ في الأعالي ...
( لستُ في مستوى الأرضِ بيتاً )
ولي سُلّمٌ يصِلُ الأرضَ باللهِ .
في سُلّمي ، النبْتُ : صُبّيْرَةٌ تتعافى .
وفي سُلّمي
تتدلّى العناكبُ .
تنسِجُ معجزةً بعد أُخرى .
ودَعْسوقةٌ ، ثم أخرى ، تُؤانِسُني .
ثمّ ، في خطفةٍ ، ألمحُ الظبيَ عبرَ السياجِ .
المدائنُ ليستْ هُنا ؛
والمواكبُ ليستْ هُنا ...
والمعاركُ أبعدُ من أن أرى :
كُلُّنا ، قاتلٌ أو قتيلٌ .
.................
.................
.................
هنا سُلّمي ...
والطريقُ إلى مكّةَ ابتدأَ الآنَ :
من سُلّمي سوف أخطو إلى السِرِّ ،
من سُلّمي سوفَ أهبِطُ
حتى أرى القاعَ ...
أهبِطُ حتى يكونَ ليَ الحقُّ  في أنْ أُلامِسَ
ثلجَ الأعالي ...

لندن 17.10.2014

منزلُ الغيم

تقول : اثنتا عشرةَ امرأةً ، كُنَّ أنبَتْنَ مَتْنَ فراشِكَ ورداً ؟
أتهذي ؟
تقولُ : اثنتا عشرةَ امرأةً ؟
*
ما العجيبُ ؟
المسيحُ له 12 ... تابعاً !
وأنا لي اللواتي عَرِقْنَ
وأغرقْنَ متنَ فراشيَ طِيْباً ونُعْمى ...
وكُنَّ اثنتي عشرةَ امرأةً .
ما الغريبُ ؟
الحياةُ تُبارِكُ من يعرفُ العسلَ ...
الوردُ أجملُ آنَ تُنَـثِّرُهُ امرأةٌ تتقلّبُ عاريةً .
...............
...............
...............
ولكنهنّ اثنتا عشرةَ امرأةً ؟
كيف يَسْكُنَّ عندكَ ؟
هل أنتَ في منزلِ الغيمِ ؟
هل أنتَ تهذي ...
تقولُ : اثنتا عشرةَ امرأةً   !

لندن  16.09.2014

   أن تكونَ على التلّ ...

أرتقي في الصباحِ الـمُـبَكِّرِ ، تلّةَ هَيْرْفِيلْد
معتمِداً عَـصَـوَيَّ اللتينِ تُعِينانِ ساقَيَّ
( قد وهَنَ العظْمُ مني كما تعْلَمُ ) ...
العشبُ أخضرُ
والـمُرْتَقى ضيِّقٌ
( هو أصْلَحُ للماعزِ )
الشمسُ أوضَحُ في الـمرتقى آن أبْلغُ هضْبَتَهُ ؛
من هنا سأرى كونَ هَيْرفِيلدَ أوضحَ :
تلكَ البيوتَ التي جئتُها منذُ ألفَينِ ...
تلكَ البيوتَ المطابخَ
أو غُرَفَ النومِ ،
حيث الخنازيرُ ترعى نهاراً

لكي تتسافدَ في الليلِ .
ألْمحُ طائرةً تُشْبِهُ الحوْمَ
( مدرسةُ الطيَرانِ القريبةُ سوف تؤهِّلُها للقنابلِ )
كان ضبابٌ شفيفٌ على القريةِ .
الشارعُ انطَمَسَ ...
*
أنْ تكونَ على التلِّ
أفضلُ من أن تُخَوِّضَ في الوحْلِ  ...
*
ما هذه الحكمةُ المتأخرةُ ؟
*
الآنَ تهبطُ ،
لكنْ لتنتظرَ الصبحَ
والـمُرتقى !

لندن 07.09.2014

صفاء

الأغاني التي ليس بالعربيّة ...
والماءُ ،
ثَمَّ سحائبُ مثقلةٌ بهَيادبِها  ترحلُ الآن نحو الشمال .
الحديقةُ  ( أعني حديقةَ بيتي ) تُواصِلُ أسرارَها ،
والسناجبُ خبّأت الكستناءَ
ولم تزل الحِدْأةُ التي قد تَعَرَّفْــتُـها منذ عشرٍ ، تُحَوِّمُ ...
أ هوَ الخريفُ الـمبَكِّرُ ؟
بين الغصونِ التي شرعتْ تتعرّى ،
 صرتُ ألمحُ تلكَ البحيرةَ .
كم كنتُ أسعى ، هنالكَ ، بين السُّرى والمسرّةِ !
أيَّ الغزالاتِ أذكرُ ؟
أيّ الروائحِ ...
قد هدأَ الكونُ
فاهدأ ،
وقُلْ للمساءِ الذي سوف يُطْبِقُ : أهلاً !

لندن 06.09.2014

يا شطّ ... عسى أنّك !

لَكأنني ، في أوّل الدنيا ، أحاولُ أن أرى ...
حتى كأنّ الأربعاءَ بدايةُ الخَلْقِ
السماءُ تلَبّدَتْ كِسَفاً ،
وهذا الكونُ  أبيضُ / أسودُ .
الأشجارُ
أمسَتْ ( وهي من حَجَرٍ  تَخَثّرَ ) تشبهُ الأشجارَ .
أُصغي :
ثم يأتيني النداءُ ...
تجيءُ أغنيةٌ
وأُصغي
عَسَنّكْ
عَسَنّكْ
يا شطّ عسَنّك
الماءُ حَدْر الساق ...
يا شطّ عَسَنّك !
لو كنتُ أقوى اجتزْتُ منكَ مَخاضةً ، وعبرتُ نحو الضفّةِ الأخرى ...
لكنّ ماءَكَ ليس حدْرَ الساقِ
يا شطُّ ...
العبورُ مَخوْفةٌ
واللبْثُ عند الضفةِ الأولى أشَقُّ .
وأنتَ منتظِرٌ .
لكنّ ماءكَ ليس حدْرَ الساقِ
يا شطّ عسَنّكْ !
مَيّكْ لَحَدْرِ الساق ، يا شطّ عَسَنّكْ !

لندن 26.12.2013

شارع أوكسفورد
Oxford Street

الحافلاتُ الحُمْرُ ، حيتانٌ ، تحاصرُها مَخاليقٌ مُطَهّمةُ الملامحِ ، في زُقاقٍ ضيّقٍ ؛
ما أبعدَ البحرَ المحيطَ !
ملابسٌ
وملابسٌ
وملابسٌ ...
ما أبعدَ الغاباتِ !
ثَمَّ عمائرٌ من معدِنٍ وزُجاجِ فولاذٍ ،
وثَمَّ مآكلٌ من لحمِ قاراتٍ ستفنى بعدَ قَرْنٍ  ...
والمخاليقُ التي التبَسَتْ ملامحُها
كما التبسَتْ ملابسُها ...
تُحاصرُ ما تبَقّى من هواءٍ مُنْتِنٍ .
والحافلاتُ تئِنُّ كالخيلِ التي ستموتُ بعد دقائقَ ...
...............
...............
...............

انتبَهَ الـمُغَنّي
كان يسكرُ في جامايكا من رحيقِ السُكّرِ القصَبِ.
الجزيرةُ في البعيدِ
هناكَ عند البحرِ ...
عند البحرِ ،
حيثُ الخمرُ ، كالمرجانِ ، أحمرُ !
أين تمضي الحافلاتُ الحُمْرُ ؟
تندفعُ المخاليقُ المطهّمةُ الثيابِ ،كثيفةً ، لتُطارِدَ النفَسَ ...
الرصيفُ يضيقُ
والفولاذُ يُطْبِقُ
والزجاجُ يكادُ يذوبُ ...
ينتبهُ الـمُغَنّي :
Once Jamaican
Always Jamaican
*
ستبقى جنّةُ الحمقى
رِداءً
ومُعْتلَفاً
وشارعَ أكسفورد !

لندن 23.07.2014

ثلاثيّـــــةٌ

تخاطَفَ البرقُ ليلاً ...
كنتُ منتظِراً
لَصيقَ نافذتي ... هل يهطلُ المطرُ ؟
يا مرحباً بالرعودِ :
الدّوحةُ التمعَتْ أغصانُها ...
مطرٌ غَدْقٌ
تَقَصُّفُ غُصْنٍ ؛
أقبلَ المطرُ !

تَخاطَفَ البرقُ ليلاً ...
تحرسُ القنَواتُ ، الآنَ ، صامتةً
تلكَ القواربَ .
أشجارٌ تظلُّ بعُمْقِ الماءِ ، سيِّدةً
مقلوبةً ...
هكذا يستيقظُ النظرُ ؟

تَخاطفَ البرقُ ليلاً ...
في العراقِ أرى تلكَ الضواحي الصبيغاتِ
النخيلُ بها أعجازُ نخلٍ
وذاك الآسُ يُحتَطَبُ ...
كم مرةً قلتُ :
قومي أمّةٌ  عجَبُ !

لندن 18.07.2014

ماغْنوليــا أنْدْرِيـــــــا

شتلتْ أنْدْرِيا ، في حديقةِ بيتي ، شُجَيرةَ ماغْنوليــا ؛
كان ذلك من قبلِ عَشْرٍ ...
وقد مرّت السنواتُ البطيئةُ
مرّ بنا القرُّ
والحَرُّ
مرّتْ سحائبُ صيفٍ
ومرّتْ عواصفُ ثلجيّةٌ ...
والشُجَيرةُ مائلةٌ
الشُجَيرةُ ماثلةٌ في الحديقةِ قربَ الجدارِ .
الشُجيرةُ تَكْبُرُ ، في صمتِها ، مثلَ ما تَكْبُرُ البنتُ ...
أيُّ السماواتِ ماغنولِيا !
أتُراها ستُزْهِرُ  ، يوماً ، وفي بغتةٍ ، مثلَ ما تُزْهِرُ البنتُ ؟
.................
.................
.................
لكنني قد تعِبْتُ من الإنتظارِ
وفكّرْتُ أن أستجيرَ بأُخرى عسى أن أرى الزهــرَ .
*
فجراً أفقتُ
كأنّ مَلاكاً ينادي : أفِقْ أيها الراقدُ !
انظُرْ ترَ الزهرَ !
وانظُرْ طويلاً ، ومن بعدِ عشرٍ
إلى طُهْرِ ماغْنوليـــــا !

لندن  21.07.2014

منظر مع صفصافة باكيةٍ
Landscape with a Weeping Willow

صفصافةٌ في الماءِ ...
كم تبدو السماءُ بعيدةً ،
والأرضُ  أقربَ !
ثَمَّ عشرُ ذوائبٍ قد مشّطَتْها الريحُ
تنسدلُ ...
البُحيرةُ تسألُ الأسماكَ في القاعِ القريبِ :
أما سمِعْتُنَّ الذوائبَ وهي تهفو إذْ تَهِفُّ  ؟
أما سمِعْتُنَّ الـمُوَيجةَ ؟
والندى ...
صفصافةٌ في الماءِ !

لندن 20.07.2014

اللبلابُ

لا لِبْلابَ ببابِ اللهِ
اللبلابُ الّلُبُّ الفضّةُ ...
لبلابي البلَديُّ
يقولُ مَغاربتي الغرقى : اللبلابُ البِلْديُّ
أُلَبّي :
يا لُبّي
يا ربّي ...
 جسرٌ خشبٌ في " حمدانَ" بلا لبلابٍ
لا لبلابَ ببابِ اللهِ ...
بلى  !
سنُلَبّي من ينفخُ في الصوْرِ
ومن ينفخُ في صُوَرٍ لتكونَ لُباباً
أو لُـبّاً  ...
" حمدانُ " ستأتي ، باللبلابِ متوّجةً ؛
سنُلَبّي
سنُلَبّي لبلابَكِ ، يا  "حمدانُ "
نكونُ
تماماً عند الجسر !

لندن 14.07.2014

الشيوعيّون العراقيّون يتقاعدون

حين قلتُ : العراقُ انتهى  ...
ضحكَ القومُ ،
قالوا : لقد خرِفَ الأخضرُ  !
الآن
سوف يؤدّي مُحبّو التقاعدِ أبهى التحيّاتِ لي
لَكأني أنا نافخُ البوقِ
لكنكم يا رفاقي العجيبينَ لم تسمعوني ...
الرنينُ
الرنينُ
رنينُ الدراهمِ ...
لم تسمعوا أن لينين كان انتوى أن يزيل َ الدراهمَ ؟
والآنَ ؟
ماذا ؟
تعودون ، مثل الكلابِ ، إلى مدُنٍ أطعمتْكُم
وآوتكُمُ ...
الآن
سوف تقولون :
كم قالَ سيّدُنا ، سعدي يوسف ، الحقّ ...
لكنكم ستعودون
مثل الكلابِ إلى بيت جزّاركم .
ستقولون ثالثةً
ثم رابعةً
ثم خامسةً
وإلخ ...
نحن ، يا سيّدي ، نحن أتباعُكَ الطائعون :
تفضّلْ علينا
أحِلْنا ، نبوسُ نعالَكَ ، كي نتقاعدَ ...
يا رِفقتي
إن ذاك العراقَ  انتهى
فلمن أنتمو منتهون ؟

لندن    12.07.2014

هُوِيّات ...

Tim Hortons مقهى
+
دِبْس القَيقب
=
كنَدا ...
*
أحبُّ العيشَ في الخاناتِ حتى 
يظنّ الناسُ بي أقسى الظنونِ
ولكني أسيرُ، هُنا، وهَنّا ...
ونورُ النجمِ يلمعُ في جبيني،
أدورُ على الموائدِ ... ليتَ صوتي
يُنَبِّهُها لتُبصرَ في عيوني!
*
في المقهى
يجلسُ أهلُ التِبِتِ الأتْباعُ، غُواةُ دالاي لاما الهمَلايا
يجلسُ غرقى من باربادوس
وعُبّادُ اللهِ من الصومالِ
ومخبولٌ من هَرَرَ ...
*
المقهى في هذي الحارةِ من تورنتو
يُشْبِهُ أهلَ الحارةِ؛
إن بلاداً لا تُشْبِهُ أيَّ بلادٍ تتكوّنُ في المقهى ...
رايتُها:
Tim Hortons
*
بلادُ اللهِ واسعةٌ؛
ولكنْ يضيقُ العيشُ، حين تقولُ: كلاّ!
كأنّ نعومةَ الكلماتِ دربٌ
إلى النُّعْمى، وإنْ أمسَيتَ صِلاّ ...
تعالى الحقُّ، يا ولَدي...
فدعْنا
ندقُّ صنوجَنا، أعلى فأعلى

*
أحياناً تدخلُ في المقهى امرأةٌ بيضاءُ
تبدو متردِّدةً ...
تنظرُ في عمقِ المقهى، حيثُ يغِيمُ النورُ
ويَسْوَدُّ؛
ورُبّتَما ظنّتْ أنّ جزائرَ واق واق أو الكاريبيّ، هنا ...
لكنّ المرأةَ، بعد قليلٍ، تُدرِكُ أن المقهى، هو في كنَدا.
لا بأسَ ...
المرأةُ تبدو متردِّدةً
تتراجعُ
تلتفتُ
المرأةُ تفتحُ بابَ المقهى
وتَفِرُّ إلى الشارعِ ...
*
لماذا تنهضُ الأشجارُ ...
 حتى إذا رقدَ السناجبُ والجميعُ؟
كأنّ ذوائبَ الأغصانِ تُهدي أماناً للحياةِ، فلا تضِيـعُ
أقولُ اليومَ لامرأتي: سلاماً!
ألسْنا الوردَ إنْ رحلَ الربيعُ؟
*

Tim Hortonsمقهى
+
دِبْس القَيقب
=
كنَدا ...

تورنتو 11.05.2014

مطر الربيع

مطرُ الربيعِ
( تقولُ ليلى )
مثل بقّالٍ يبيع  ...
*
قد كنتُ يوماً في ذرى الأبَنين . كنتُ أُحِبُّ ساحرةً .
وقُلْتُ : فلْأصعدْ بها  حتى الأعالي ، حيثُ تنتظِرُ
النسورُ ، اللهَ . كنتُ أريدُ منها ( من فتاتي ) أن ترى
الأشياءَ ، مثلي ، مِنْ عَلُ .الأشياءُ ليستْ مثلَنا .
مطرٌ ربيعٌ كان في الأبَنين ...
*
مطرُ الربيع
( تقولُ ليلى )
مثلَ بقّالٍ يبيع ...
*
ونزلتُ عند جزيرةٍ في بحرِ إيجةَ ...
كنتُ محتدِماً ، وفرداً ، مثلَ حدِّ السيفِ.
كنتُ أريدُ أن ألقى التي ستقولُ لي :
"إني أُحِبُّكَ " .آنَها لم تُمطِر الدُّنيا !
*
مطرُ الربيع
( تقولُ ليلى )
مثل بقّالٍ يبيع ...
*
لكنني ، أحببتُ ، يوماً ، في دمشقَ ، أميرةً ...
كانت ، كمُنْهَلِّ الربيعِ ، كريمةً . وعلى ملامحِها
شفيفٌ من ندىً .كانت تُغَنّي . مرّةً خلعَتْ غلائلَها
لترقصَ لي . كأنّ الكونَ يُمطِرُ وردةً في إثْرِ وردةْ.
*
مطرُ الربيع
( تقولُ ليلى )
مثل بقّالٍ يبيع ...
*
والآنَ ... ماذا يفعلُ العصفورُ ؟
ثمَتَ نخلةٌ بأبي الخصيبِ أحَبَّها رُطَباً جَنِيّاً
جَنّةً
مأوى
وكان إذا تقاذفت الرياحُ الكونَ يأوي تحتَ سعفٍ سابغٍ منها ؛
لقد طُمِرَ النخيلُ ...
أبو الخصيبِ مضى ، كما تتضاءلُ الذكرى مع الأيّامِ ؛
ما ذا يفعلُ العصفورُ ؟
تورنتو التي لا تُنْبِتُ النخلَ ... الحديقةُ ؟
 أهي تورنتو ، إذاً ... يا سيّدي العصفور ؟
*
مطرُ الربيع
( يقولُ سعدي)
مثل بقّالٍ يضِيع ....

تورنتو 17.04.2014

ثلجُ نيسان في تورنتو

نيسانُ منتصِفٌ ... وهذا الثلجُ يسقطُ !
ليس من أمَلٍ بأن الشارعَ الخلفيَّ سوف يكونُ ، يوماً ، حانةً كبرى .
 ولم تَعُد النوارسُ تُطْلِقُ الصرَخاتِ قربَ السوقِ .
لم يأتِ الحَمامُ ليؤنسَ الشُّرُفاتِ في بُرْجِ الكنيسةِ .
كانَ شيءٌ من ربيعٍ في الحديقةِ أمسِ :
مَلْمَسُ خُضرةٍ أولى ، وعصفورٌ ...
أقولُ : الشمسُ قد تأتي غداً ، أو بَعدَ قَرنَينِ ؛
المدينةُ ، ترتدي ، في الثلجِ ، معطفَها العتيقَ ،
وتكتفي بالسَيرِ في طُرُقٍ مُبَلّلةٍ .
ستنسى ، مرّةً أخرى ، السكارى في شوارعِها ،
ستنسى ضِحكةَ الفتَياتِ
والمتسَوِّلينَ
وصلْعةَ البوذيِّ
والأحباشَ ...
أطفالَ الهنودِ
ومطعمَ التِبِتِ الذي لم يُفْتَتَحْ يوماً
وسوف تعودُ تورِنْتو كما كانت
مؤجّـجةَ البياضِ
مدينةً بيضــاءَ  ...

تورنتو 15.04.2014
 
 مـخزنٌ شعبيٌّ في الحارة الكَنَديّةِ

بينَ حانةِ مستضعَفينَ ، ومغسلةٍ للملابسِ مهجورةٍ من زبائنِها
يتمدّدُ حوتٌ عجوزٌ ،
وفي جوفِهِ كلُّ ما خَلَقَ اللهُ من عهدِ نوحٍ :
لِباسُ النساءِ الذي لا يُرى عادةً ،
ومعاطفُ من جِلْدِ مِعزى

وأحذيةٌ تتعفّنُ في نومِها
صحونٌ من الأمازونِ البعيدِ
ومُحتفَلٌ من كؤوسِ نبيذٍ ستُدْمي شِفاهاً ؛
قدورٌ على الكهرباء ، مرضرَضةٌ
وآلاتُ طبعٍ مضتْ منذُ قرنٍ ونصفٍ وأكثرَ ...
أوراقُ تقديمِ شكوى إلى الشرطةِ الكنَديّةِ
بِضْعُ أرائكَ ناصلةِ الجِلْدِ ،
قمصانُ صوفٍ مرَقّطةٌ ...
...........................
...........................
...........................
سوفَ تأتي القِحابُ الفقيراتُ كي يشترينَ سراويلَ جينزٍ
مرايا ،
وأقراطَ ليلٍ مزيّفةً ...
*
في الظهيرةِ تستقبلُ الحانةُ ، التائهينَ
ورائحةَ الثلجِ
والقهوةِ الـمُرّةِ ؛
الريحَ عبرَ صخورِ البحيرةِ .
.......................
.......................
.......................
يأتي المساءُ ، ثقيلاً ، كما كان يأتي .
القناديلُ تخفُتُ .
لن يمرقَ النورسُ .
.......................
.......................
.......................
الحوتُ يرقدُ .

تورنتو    04.04.2014

شارع الملِكة

شارعُ الملِكةْ
يتمدّدُ
من ملتقىً لجسورٍ معلّقةٍ
في حدود البحيرةِ
  
حتى المصارفِ في الساحةِ الأمِّ
قلبِ تورنتو
  المدينةُ ذاتُ سبيلَينِ من مَذْهبٍ بائدٍ
...شارعِ الملِكةْ
شارعِ الملِكِ
*
الناسُ في شارعِ الملِكةْ
يجهلون ، تماماً ، فداحةَ ما يجهلون
ورُبّتَما لم تكنْ كنَدا غيرَ ستِّ علائمَ
في صفحةٍ من جوازِ السفرْ
ستظلُّ الشوارعُ مُشْرَعةً
للرياحِ
وللثلجِ
للعابرين من الهملايا إلى نياغارا
وللراحلينَ إلى حيثُ لا عودةَ
القَرُّ والثلجُ قد مَسَحا منذُ دهرٍ ملامحَهم
وطِلاءَ البيوتِ التي أدمَنوها إلى أن أتى مَن يقول : سلاماً
لقد آنَ ليلُ الرحيلِ
ولكنْ : إلى أينَ ؟
..........................
…......................
…......................
في حانةٍ لم تُضأْ جيداً
كنتُ أجلسُ : كان في آخرِ النُّضْدِ مَن يقرأُ
الليلُ يهبِطُ
والضوءُ يشحبُ
أيُّ كتابٍ سيأخذُنا نحو أرضِ الخيولِ الطليقةِ؟
من أيّ عينٍ سنشربُ ؟
من أيّ بابٍ سندخلُ ؟
والدربُ ؟
طالَ بنا أم يطول؟

*

القبائلُ ، مثل الزجاجِ الهشيمِ ، مدوَّخةٌ في الأزقّةِ
في شارعِ الملِكةْ
ثَمَّ ، من كوكبِ التِبِتِ ، انتثرتْ في وحولِ الشتاءِ ، المسابحُ
وانتثرتْ من جامايكا روائحُ من قصبِ السّكَّرِ
الخمرِ والماريوانا
الثعالبُ قد تجدُ القوتَ في شارعِ الملِكةْ
وكذلك ،مَن تركوا عشبَ إفريقيا للذئابِ
أنا الآنَ أدخلُ في غرفةٍ قد تليقُ بِلِصٍّ
أنا الآنَ في شارعِ الملِكةْ
*
كيف لي ، يا أميرةُ ، أن أتمشّى ، هنا ، رافع الرأسِ ؟
كيف لي ، يا أميرةُ ،أن أحتسي قهوتي
دونَ أن أتلفّتَ
في شارع الملِكة ؟
كيف لي أن أرى الناسَ
في شارع الملِكةْ ؟
............................
............................
............................
كيف لي أن أُحَبَّكِ
في شارعِ الملِكةْ ؟

تورنتو  23.3.2014

تحتَ الصِفْر
 
إحدى عشرةَ تحتَ الصِفْرِ
نهارَ الأحدِ
الثلجُ سيغدو سوراً من حجَرٍ

أبيضَ
أسودَ
والطيرُ يلوذُ ببُرجِ الكاثدرائيّةِ
والسمَكُ الفضّةُ
في قاعِ بُحيرةِ أونتاريو
…..............
…..............
…..............
ماذا يفعلُ جَوّابُ الآفاقِ
هنا ؟

هل يكْفِرُ ، مقروراً ،بالمأوى ؟
أَمْ يدخلُ بين ذراعَي مَن يهوى ؟

 17.3.2014تورنتو

حــــدائــــق

 (1)

حديقةٌ في شيراز

هي جنّةٌ من تحتِها الأنهارُ تجري ...
هي في الضواحي
حيثُ شيرازُ المدينةُ سوف تُمْسي جنّةَ البستانِ .
كانت شمسُ شيرازَ العميقةُ تُحْرِقُ الأحداقَ .
قالَ فتى الـمُحَمّرةِ الذي يقتادُني في " فارِس " الأعماقِ :
سوفَ نكونُ في ظِلٍّ وماءٍ ...
سوف ندخلُ  ، مثلَ طَيرَينِ ، الحديقةَ !
قد دخلْناها !
وكانت جنّةً من تحتِها الأنهارُ تجري
جنّةً للدَّوْحِ والأفيونِ ...
" حافِظُ " عند حافةِ جدولٍ  ، متمدِّدٌ ، مستسلِمٌ للطيرِ ،
يُنْصِتُ :
هذه الأشعارُ من ديوانِهِ كانت تُغَنّى ؛
والهواءُ مُتَعتَعٌ من نفحةِ الأفيونِ
والشمسُ اختفَتْ بين الظِلال ...

          (2)
حديقة التجارب في الجزائر العاصمة
Jardin d'essai

كنتُ ملتجئاً في " حُسَين داي "  ، بالمنزلِ الجامعيّ ...
لقد كان ذلك في 1964
أهي خمسون عاماً ؟
أهي خمسون عاماً  من الهولِ والوَيلِ والمَرْكَباتِ الثقيلةِ ؟
تأتي " حسين داي " سامقةً مثلَ أُمٍّ
وتأتي وقد سبِقَتْها الحديقةُ
تلك التي عرفَتْني
وتلك التي منحَتْني مصاطبَها ، أتمَدَّدُ أيّان أرهَقَني السيرُ ...
كنتُ الطريدَ الذي يتساءلُ عن شجرٍ لا يُسَمّى
وكنتُ الشريدَ ...
الجزائرُ قد أطعمَتْني من الجوعِ
قد آمَنَتْني من الخوفِ ...
تلك الحديقةُ كانت بلاديَ
أيّامَ ضاقتْ بحالي البلاد !

       (3)

الحديقة ج ...

في الحديقةِ ج
زغَبٌ ذهبٌ
في الحديقةِج
عينُ ماءٍ بها فضّةٌ قد تسيل
في الحديقةِ ج
نعمةُ الرشفةِ السلسبيل
للحديقةِ ج
حارسانِ رُخامٌ
ودلْتا
وليلٌ طويل !
في الحديقةِ ج
يستوي الكونُ مُرتبَعاً للنعيم ...


(4)
حديقةُ روبِنْز    Rubens's Garden

ستكون السماءُ سماويّةً ، ثمّ بيضاءَ
خارجَ سقفِ الكنيسةِ
أو سُوْرِها ...
لم  يَكُنْ ليَ من مستحيلٍ ، ولا مُغْلَقٍ ، في محاولةِ اللونِ ؛
لكنني ضِقْتُ بالمَشْهَدِ :
النسوةِ المتْرَفاتِ
وأثدائهِنّ ...
الثيابِ العريضةِ ، والخدَمِ
العرَباتِ 
القساوسةِ ...
الآنَ ، لي أن أغادرَ ما كانَ يُسْمى " الحديقةَ " ...
لي أن أُخَطِّطَ :
سوف تكون الحديقةُ بيضاءَ ...
ساحةَ رقصٍ
وأغنيةً للقُرى  ...
كي أرى القرويّينَ ، آلهةً يرقصون !

           (5)
حديقة السّبكي

في دمشقَ التي تتناءى
وتخفتُ ،
تَثْبُتُ
هذي الحديقةُ ، شاخصةً ، بين أشجارِها الهرِماتِ
تُحاصرُها العجلاتُ السريعةُ ،
والأغنياءُ يرَونَ عمائرَهم في خرائطَ سِرِّيّةٍ للحديقةِ
محفوظةٍ في المَصارفِ  ...
لكنّ تلك الحديقةَ صامدةٌ ، لاتُعِيرُ اهتماما
إن طوطمَها ماثلٌ
إن طوطمَها  لا ينامُ إلى مطْلعِ الفجرِ إلاّ لُماما ...
إن طوطمَ تلكَ الحديقةِ
" نادي الجنودِ القدامى "
حيثُ تُتْرَعُ ، ريّا ، كؤوسُ الندامى !

لندن 29.01.2015

ســـينِمــا !

   (1)
عدن 1986

كان المطارُ بعيداً ...
كان أقربَ من خنجرٍ سيحزُّ الرقابَ التي عرفَتْ
كيفَ ترفعُ ، حتى المدى ، عدَناً ، كيف ترفعُ أسماءَنا
في سماءٍ شتائيّةٍ ، نحو ما كان أبعدَ حتى من البُعْدِ :
كيفَ تكونُ اشتراكيّةٌ ، في جزيرتِنا العربيّةِ ...
كيف تكونُ السماءُ جنوبيّةَ .
كيفَ يستقبلُ البحرُ دفءَ النســاءِ  وأجسادَهُنّ...
المطارُ بعيدٌ
ومِن مُرتبىً عند ساحلِ أبْيَنَ
جاءتْ ، تُقَعِقعُ ، خمسون دبّابةً  .
قالوا  : همُ الروسُ .
قالوا : همُ المسلمون الأُلى هبطوا من جبال الشمالِ ،
وقالوا : هم الجِنُّ ...
كان المطارُ بعيداً ...
لقد ذبحوا كلَّ مَن قادَ  طائرةً في سماءٍ جنوبيّةٍ .
ذبَحوا أن تكون اشتراكيّةٌ في جزيرتِنا العربيّةِ
حتى الأبدْ !

(2)
نُزْلُ إفريقيا

نُزْلُ إفريقيا التونسيُّ ، الـمُـطِلُّ على ما أريدَ لها أن تكونَ البُحيرةَ ،
يُشْبِهُ خارطةً من سِمَنْتٍ لإفريقيا .
ولكنّه  ليس يُشْبِهُ إفريقيا :
الغرُفاتُ تدورُ مع المتوسِّطِ
والشرُفاتُ فرنسيّةُ
والمآكلُ من صحنِه التونسيّ ...
ولكنّ لي غرفةً فيه ، أوسَعَ من نُزْلِ إفريقيا
غرفةً للعجائبِ
أو للمَثالِبِ
أحببْتُ فيها التي أدخلَتْني إلى كهفِها في مساءٍ نَدِيٍّ ،
( مَصعَدٌ نحوَ غرفتِها كان يبدو بطيئاً )
كنتُ منتظِراً أن يطولَ حديثُ الوسادةِ،
لكنها لم تُطِلْ في حديثِ الوسادةِ :
 أدخلَتْني إلى الكهفِ هادئةً ،
أدخلَتْني متاهتَهُ ...
كنتُ مسترخياً
قائماً
ناعماً بالرطوبةِ
والضِّيقِ
في كهفِها ...
وهي هادئةٌ  ، تتقلّبُ في نُزْلِ إفريقيا ...
.................
.................
.................
منزلَ الغُرُفاتِ الـمَتاهاتِ
يا منزلَ اللاتِ
يا نُزْلَ إفريقيا !

        (3)

بافوس   Paphos

عند مرفأِ بافوس
كان أغارِقةٌ في الرصيفِ الـمُنَدّى
يُغَنّونَ  في لَهفةٍ :
بَجَعٌ ! Pelican
بَجعٌ !Pelican
بَجَعٌ !Pelican
وعلى صخرةٍ  قربَ قاربِ صيدٍ
تَكَوَّمَ ضيفٌ ثقيلٌ
سيبقى هنا أبدَ الآبدين ...
بَجعٌ مضحِكٌ
وثقيلٌ .
لكَ الحمدُ ، مرفأَ بافوس ...
حمداً
وشكراً
لِما يهَبُ البحرُ والطيرُ
من أغنياتٍ وأجنحةٍ
للبشَر !

(4)

نانتاكِت  Nantucket

قال هِرمان مَلْفِلْ :
أراكَ تداعبُني ...
تعبرُ البحرَ من " كَيبْ كود " لتأتي إلى نانتاكِت !
هل ظننتَ مُقامي هناكَ ؟
أتحسَبُ تلك السفينةَ "إيْسَّكْس " كانت ؟
وهل " موبِي دِكْ " كان حوتاً ؟
مَطاعمُ هذي الجزيرةِ ، أسماؤها ، وسماواتُها  ، منهُ
مني ...
ولكننا ، أنا والحوتَ ، من كوكبٍ آخرَ .
الآنَ
أرجوكَ ، عُدْ  نحو " كَيبْ كود " من حيثُ جئتَ .
السفينةُ تأخذُ آخرِ رُكّابِها ...
اسْرِع الآن !
اسْرِعْ ...

                     (5)

حَيُّ السُّـلّم    في آب 1982

قد كان " حَيُّ السُّلّمِ " المهجورُ ، أقصى ما سنبْلغُهُ .

لقد بدتْ بالقربِ دبّاباتُ شارونَ القبيحةُ .
هكذا أبصرتُ واحدةً تَرَنَّحُ فوقَها أشجارُ رُمّانٍ .
لقد كانت هناكَ . وثَمَّ مدْرسةٌ لهندسةٍ.
 أنعرفُ  مقصداً ؟
خطواتُنا محدودةٌ  ، و الأفْقُ دربٌ ضيِّقٌ .
قد غادرَ الناسُ المنازلَ .
نحنُ بين عِضادَتَينِ ، ننوءُ من طينٍ وشوكٍ .
أين نمضي ؟ قال عبدُ الله : نمضي نحو مَوقِعِنا ...
ونمضي ؛
قال عبدُ الله : فلْنَهبِطْ ...
هبطْنا .
كان موقعُنا يواجِهُ شِبْهَ عارٍ  ، دِرْعَ شارونَ القريبَ .
يقولُ عبدُ الناصرِ الآتي من السودانِ :
لن أُخفي عليكُم  حالَنا في الموقعِ
الأحوالُ قاسيةٌ .
ونحنُ هنا ، لمجرَّدِ التعويقِ ...
لا تتطلّعوا !
إن العدوَّ أمامكم  ...
بالقُرْبِ ،
تحت شُجَيرةِ الرمّانِ  ...

لندن 19.01.2015

رسومُ حلَب

                                     (1)
المعرّة

كلّما جئتُها ، زرتُ شيخي الـمَعَرِّيَّ  ، أحملُ أوزارَ عُمْري
فأُلقي بها في محيطِ الضريحِ ،
وأَلْقى ، هناكَ ، الشميمَ الذي كنتُ أستافُهُ من بعيدٍ ...
لقد كان  "هادي " يُلَمْلِمُ ما قد تَناثَرَ من أُمّــــةٍ ،
كان " هادي " يُجاوِرُ شيخَ الـمعرّةِ
واليومَ ، لم يَبْقَ من شاخصٍ للمعرةِ  غير الـمَعَرّيِّ ...
مَن كان جاراً  ... ثوى بـدمشقَ ؛
بـ " مقبرة الغُرَباءِ " .
المعرّةُ بِنتُ المعرّيّ
هذا الذي ما جَنى ...
---------------
* هادي ، هو هادي العلويّ ، الثوريّ المفكِّرُ .

                               (2)
قلعةُ سِمعان

السماءُ الخفيضةُ كانت مُعَلَّقةً بغيومٍ رمادٍ
وكان الشجرْ
يترقرقُ ...
كانت غصونُ الشجرْ
مثل أوراقِهِ ، تترجّحُ تحت نسيمٍ خفيفٍ ،
وكان الحَجرْ
وهو يُنْبِتُ أعمدةً من غيابٍ
وأروقةً ...
يترقرَقُ .
ثمّتَ منحدَرٌ تتبيّنُ منه الجبالَ التي كان يسكنُها التُّرْكُ.
في بَغتةٍ ... تتعالى التهاليلُ ؛
سِمعانُ
سِمعانُ
سِمعانُ
هل تسمعُ الناسَ ؟
هل تسمعُ اللهَ ؟
سِمْعانُ
سِمعانُ
سِمعان ...

(3 )

خيّاطُ المطران

مطرانُ حلبْ
كان له خيّاطٌ في السوقِ
وكان لخيّاطِ المطرانِ صديقٌ من طائفةِ الأرمنِ
كان طبيباً ...
آنَ ضُحىً أقنعَني أن ندخلَ في السوقِ
وأن ندخل في دكّانِ الخيّاطِ :
سيُلْبِسُكَ الخيّاطُ قميصاً كان سيلبسُه المطرانُ غداً ...
أنت  ، اليومَ ستدفعُ
أمّا المطرانُ فقد لا يدفعُ حتى يومِ الدِّين !
*
أنا ، حتى الآن ، لَدَيَّ قميصُ حريرٍ ، أسوَدُ
كان سيلبسُهُ مَطرانُ حلب ْ ...

             (4 )

نادي نقابات العمّال
  
تَدخلُ في النادي ، مرتبكاً ...
تتساءلُ : هل هذا النادي للعمّالِ ؟
لكنّ النادي للعمّالِ
وتقرأُ فوق البابِ المفتوحِ ، وإنْ كان حديداً :
نادي نقابات العمّال
إذاً !
في النادي تجلسُ عند البرْكةِ ،
تشربُ كأساً من " عَرَقِ البطّةِ " ...
ثَمَّ مآكلُ قد لا تأكلُها حتى في  " فندق بارون" .
ولكنك بعد الكأسِ
سيأتيكَ سؤالُ الرأسِ :
تُرى ... أين العمّال ؟

( 5 )

القلعة

لم تكن مغرَماً بالقلاعِ ...
وفي أيّ أرضٍ حللْتَ رأيتَ القلاعَ محاصَرةً  ؛
لا تَقُلْ  : حلَبٌ !
كلُّ تلكَ القلاعِ ، ومن بينِها ، حلَبٌ ...
أقلَعَتْ  !
قد نُغَنِّي بها
قد نُغَنِّي لَها
قد ننامُ على مُخْمَلٍ من وسائدِها ،
لِنُفِيقَ وقد مسَّنا الضُّرُّ
والقهرُ ...
هذا زمانٌ تُدَوِّنُهُ الطائراتُ الـمُغِيرةُ ،
هذا زمانُ الطُّغاة ...

لندن 15.01.2015

مُسْبَقـةُ الصُّنْعِ

أنت تسكنُ مُسْبَقةَ الصُّنْعِ
بين مساكنِ بَرْزَةَ
وابنِ النفيسِ ...
وقد تتمشّى من البيتِ ، صبحاً ، لكي تَبْلُغَ " الـمَرْجـةَ " .
الصبحُ يَعْبَقُ بالياسمينِ ...
المدينةُ تستيقظُ .
*
لم تكن في دمشقَ ، الغريبَ  ...
لقد كنتَ فيها ، كما كنتَ في يومِ مولدِكَ ؛
اخترتَها  ، آنَ نادتْكَ أُمُّكَ باسمِكَ . أنتَ المسَمّى بها ،
وهيَ ( أعني دمشقَ ) عروقُكَ
تَخْفَى ، وتحفِرُ ، تحتَ الأديمِ ...
وتمتدُّ بين الجبالِ وجَبْلةَ ،
بين الخليجِ الملَوَّثِ والمتوسِّطِ :
تمتدُّ بين الحياةِ وبين الممات .
*
أنت تَسكنُ مُسْبَقةَ الصُّنْعِ ...
*
هل كنتَ تحرِسُ آنِيةً للتهاويلِ والنأيِ
أم كنتَ تهجِسُ : آنَ الأوان ؟

*

أنتَ تسكنُ مُسْبَقةَ الصُّنْعِ .
تلك الحديقةُ تلْتَفُّ فيها العرائشُ ، والوردُ يفتحُ أزرارَهُ.
العشْبُ يَنْدى ، وتأتي الحمائمُ من جهةِ " الشيخِ " ،
لن تقطعَ الشارعَ . الخيرُ أن تنثني صاعداً . ستكون
السلالمُ دربَكَ نحوَ الخفايا .السماءُ ادَّنَتْ . أنتَ فيها.
*
لم تكُنْ ، في دمشقَ ، الغريبَ الذي يـــــــــتساءلُ أو يُســــــألُ.
النارُ كانت تأجَّجُ في الموقدِ . الخـــــــــــبزُ ينضَجُ . واللـــبَنُ الحُرُّ
لا يتخثّرُ إلاّ على شفتَيكَ . الموائدُ تمــــــــــــــــتدُّ من " بابِ توما"
إلى الجامعِ الأمويّ .الحدائقُ تمتدُّ تحتَ الحدائقِ. تحت الذهول.
*
ويمضي بكَ الطيرُ أبعدَ ممّا ألِفْتَ ، وأبعدَ ممّا يُطيقُ جناحاكَ.
 " غادةُ " تمضي بــــقُـــطْنِ الفراشِ إلى أن يطيرَ ، مع الفجــرِ  .
كانت تجيءُ بسيّارةٍ وُلِدِتْ قبلَ قرنٍ . وتسمعُ قعقعةَ الرعــــدِ.
" غادةُ " جاءتْ إلى الدربِ . " مُسْبَقةُ الصُّنعِ " كادتْ تطيرّ!
*

سلامٌ عليكِ
سلامٌ على شجرٍ في شوارعِكِ الجانبيّةِ ،
ألف سلامٍ على باعةِ الخضرواتِ
وأهلِ الفلافلِ
والخبزِ ...
ألف سلامٍ : دمشق !

*
لكنّ يومَكِ ، يا دمشقُ ، أشَقُّ من يومِ القيامةِ.
قد غاضَ نبعٌ ؛
واسترَدَّ الرملُ شوكتَهُ :
بُداةٌ يحملون نِياقَهم في الطائراتِ أتَوا ليستلِبوكِ ...
إنْ تاهتْ بأُغنيةٍ ، وماءٍ دافقٍ ، حلَبٌ
فقد تاهوا بما يأباهُ خالِقُهم ...
لقد تاهوا بمَقتَلةٍ
وأطلالٍ دوارسَ ،
علّقوا من رأسِ مِئذنةٍ مُعَفّرةٍ
ضفيرةَ "غادةَ " التي ما غادرَتْكَ
وعلّقوا
طفلاً قتيلاً ،
ثمَّ صلَّـوا ...
*
جار الزمانُ وأهداني الأذى جاري
 ولم يَعُدْ بــَرَدى  تنويمةَ الســــاري ...
والوحْلُ صارَ بديلَ السَّلْسَلِ الجاري
ما كان وجهُ دمشقَ العابسَ الضاري
هل من سبيلٍ إلى كأسٍ وأوتارِ ...
هلْ مِن سبيلٍ إلى بوَابةِ البستانْ ؟

*
لو كنتُ أعلمُ أنّ " غادةَ " غايةٌ
لَلَزِمْتُ أرضَ الشامِ ؛
لم أبْرَحْ
ولم أسرَحْ بعيداً ...
كنتُ ، أحياناً ، أُطالِعُ وجهَ " غادةَ " في العواصمِ
في مرايا العالَمِ القاسي ،
فأنسى أنني غادرتُ أرضَ الشامِ ...
ما أقسى الحياةْ !
*
أنتَ تسكنُ " مُسْبَقةَ الصُّنْعِ "
ما زلتَ تسكنُ " مُسْبَقةَ الصُّنْعِ " ...
ما زلتَ منتظِراً ، في دمشقَ التي لن تغادرَ
صوتاً لسيّارةٍ وُلِدَتْ قبل قرنٍ ...
سلاماً
دمشقُ !

لندن 12.01.2015

سمفونيّة النهار الناقصة

ليس من طيرٍ على قائمةِ الجوقةِ ...
صُبحُ القاهرةْ
يعلِنُ الأصواتَ تدريجاً :
نُباحٌ لكلابٍ سائباتٍ
قد أتى مفتتَحاً
تتبعُهُ
مجموعةُ الأبواقِ في سيّارةٍ من أوّلِ الكونِ .
هدوءٌ ؛
رجفةٌ ...
ثمّ الأذانُ .
الصبحُ لا يبدأُ .
ليلٌ ينتهي ، كي ننتهي في قُطْنِ أن ننتظرَ الليلَ.
نهارُ القاهرةْ
ليلُها الـمُضْمَرُ ...
ليلُ القاهرةْ
قطّةٌ تُشعِلُ بُرْجَ الساحرةْ .

القاهرة  22.01.2008 

أُوبـَرْفِـيلْـيَيْــه
Aubervilliers

تَسكنُ في أوبَرفيليَيْه
كأنك تسكنُ في قسطنطينةَ
أو في سوقِ بَراغيثَ ...
وأحياناً
تشعرُ أنك في جُرْفٍ عالٍ
قد ينهارُ لِـمَـهْبِطِ عصفورٍ
فتموتُ ...
الشارعُ بين محطة مترو أوبرفيلييه ، وبيتِكَ
تقطعُه ، حذِراً
تتلفّتُ .
إنك لا تعرفُ في الـمَبْنى أحداً .
لا يعرفُ وجهَكَ ، في المبنى ، أحدٌ .
والمصعدُ خالٍ ،
تدخلُه حذِراً ...
والشقّةُ مؤصَدةٌ
لكنك تخشى أن تفتحَ بابَكَ .
تُرْهِفُ سمعَكَ ...
لا صوتَ .
وتدخلُ ...
تنهارُ على أوّلِ كرسيٍّ ، وتضِيع .

*
في أوبرفيلييه
كان الصيفُ الأوّلُ ...
جاءتْ أوكتافيا ، بكتيبتها المسحورةِ :
ألقتْ كلَّ حقائبِها 
وأقامتْ .
كانت تخرجُ فجراً
وتعود مساءً في العاشرةِ .
كانت متعَبةً ، دوماً :
تُغْمِضُ جفنَيها ، بعد قليلٍ ، وتنامُ عميقاً
حتى الفجر .
*
إنْ أردتَ أن تحيا ، فعليك أن تكتشفَ . الحياة غيرُ متاحةٍ للمتـغافل.
وبما أنك في أوبرفيلييه ، فعليك أن تكتشف أوبرفيلييه . جاك راليتْ
Jack Ralite  وزير الصحة الشيوعي سابقاً ، عُمدةُ أوبرفيلييه
حاليّاً ، أعانك في أن تجد موئلاً ومأوى . هكذا بدأتَ تطوِّفُ . تقرأ
أسماءَ الشوارع : مناضلون ومغَنّون . ليس من جنرالاتٍ هنا . جاك
راليت ، فقط ، هو رئيس أركان الثقافة . تنضَمُّ إلى الكتيبة الثقافيــة .
سوف تلقى رشيد بو جدرة معك .   عبد اللطيف اللعَبي معك.
 أوبرفيلييه تتفتّحُ مثل زهرةِ صيفٍ.
*
بعد هذا سيأتي إلى بيتِكَ ، النحلُ .
والبابُ هذا الذي كنتَ أوصدْتَه ، الآنَ أشرعتَهُ للرياحِ . الفراشاتُ تأوي
إليك . ومن طين باريسَ صارَ طِلاؤكَ . أحببتَ يوماً ممثِّلةً . كان مسرحُها
في الضواحي ...
سماءٌ مبارَكةٌ ظلّلَتْكَ .
السعادةُ أرهَفُ من أن تُسَمّى !
*
وكما أخبرتُكَ . لم تعُدْ أوبَرفيلييه مُلتجَأً . إنها مُتَوَطَّنٌ . وأنت لم تَعُدْ مَن أنت.
الآن لَديكَ ما يهَبُكَ التوازُنَ . لا أعني أنك ستكون مُتّزِناً . الخللُ هو الحلُّ .
لكنك في مَضافة جاكْ رالِيتْ . نعم .  إلاّ أنك  سوف تدفعُ  إيجار الشقّةِ
 من لامَدْخولِكَ. لم تقُلْ لأحدٍ أنكَ اخترتَ الموتَ سبيلاً للحريّةِ . ستُلقي بنفسِكَ
من الطابق الحادي عشــر ...
سعاد الصباح ، بلَغَها أنكَ ستنتحرُ بسببٍ من عوَزٍ وإباءٍ .
 تفتحُ صندوقَ البريدِ الفارغَ دوماً
لتجد شِيكاً بعشرين ألف دولار ...
*
ستجيءُ ، مونتَيني ، الرفيعةُ ، في الصباحِ .
تجيءُ مونتَيني مع الآحادِ ،
تحملُ من عطايا السوقِ في الأحدِ الفرنسيّ ، العجائبَ :
زعتراً
ثوماً
قديداً من لحومِ الريفِ ،
جبْناً منزليّاً ...
ثم نثملُ بين فِعْلِ الحُبِّ ، والكأسِ الرفيعةِ ، والندى ،
وتظلُّ مونتَيني معي ،
تظلُّ مونتيني إلى أن تؤذِنَ الشمسُ العجيبةُ بالرحيلِ .
تقول لي :
Je vais partir !
أي أني سأذهبُ ...

*
قبلَ أن تكون في  H.L.M أوبرفيلييه ، كانت الشوارع ، وغُرُفاتُ اللؤمِ ، بيوتَكَ .
كان العراقيّون يطردونك ، ويطاردونك  . من مقهى إلى مقهى . من غرفةٍ إلى غرفة . يطردونك
حتى في الليل المنتصِف . مرّةً دعاني أحدُهم إلى منزله . كانت مائدتُه خبزَ اللئيم . بعد أن انتصف
الليلُ ، وتقطّعتْ أوصالُ باريس ، قال لي : اخرجْ ! وكان عليّ أن أمتثلَ ...
ومن " ساحة الأُمّة "  ، Place de la Nation بدأتُ مسيرتي الكبرى ، إلى أوبرفيلييه . كنت أمشي وأمشي وأظلّ أمشي .
العسسُ ، وأحلاسُ الليلِ ، ينظرون إليّ متسائلين . ربما  استغرقتْ مسيرتي ساعاتٍ أربعاً في ليلٍ خطِرٍ.
بعدَها أقسمتُ ألاّ أدخل بيتاً لعراقيّ  غيرِ مؤتمَنٍ ، في باريس أو غير باريس .
*
نَصٌّ مستعادٌ من رِحلة مصر
02.02.2008
سوف نتركُ للنيلِ هدأةَ أمواجِهِ
والطيورَ
وأشجارَه الناعماتِ بخُضرتِها
النائماتِ بخُضرتِها ،
الببغاواتِ
والنخلَ
نتركُ تاريخَنا في يدَيهِ
ونمضي إلى ما وراءَ الجبال .
*
من فضائلِ أوكتافيا :
1- معرفة مَن يبيعون زهرة القِنّب في ضواحي باريس.
2- معرفة الخمور الجيّدة في الحانات الرديئة .
3- معرفة الغرف الرخيصة في الأماكن الغالية.
..............................
..............................
..........................
وهكذا قالت لي في ظهيرةِ أحدٍ : اليوم نذهب إلى " حانة سائقي الشاحنات "
Bar des Camionneurs
ولقد ذهبْنا !
ربّما كانت أحبّتْ سائقاً ...
بل رُبما كانت عشيقةَ صاحبِ البارِ !
الحقيقةُ أنّ خمرتَنا  ، ظهيرةَ ذلكَ الأحدِ ، النعيمُ .
أظلُّ أذكرُ من فضائلِها : ظهيرةَ ذلكَ الأحدِ !
*

لكنّ بيتي ليس بيتي ...
هكذا ، ستكون في الـمنأى ، أوبرفيلييه ...
سوف أغادرُ البيتَ الذي أحببتُ ،
أنأى عن فرنسا
عن ندى باريس  ؛
سوف تكون أغنيتي ... دمشق !
*
حتماً ، ستسألني : كيف ؟
وجدتُ رسالةً رسميّةً في صندوق بريدي المهجور .
الرسالة من وزارة الداخلية الفرنسية ، اسمُ المرسِل:
Henri Leblanc ,
 Inspecteur National
Bir Hakem
إنري لُبْلان
مفتشٌ وطنيٌّ
بِير حكيم
ذهبتُ إلى المكان الموحش.
قال لي المفتش : أنت تريد الإقامة ؟ مرحباً . هل ستتعاون
معنا ؟ هذا رقم هاتفي الشخصيّ . قلتُ له : لم أفهم.
قال : سوف تفهم .
      أصدقاؤكَ فهموا ما أعني .
      وحين تفهم ... أرجو أن تتّصلَ !
       عندك رقمُ هاتفي الشخصيّ.
*
سعد سلمان قال:
قبلَ سعدي يوسف
ما دخَلَ أحدٌ بير حكيم
وخرجَ رافعَ الرأس ...

لندن 09.01.2015

سِيدي بِلْعبّاس

" القصيدة مهداة إلى إحميدة العيّاشي "
خمسون عاماً ؟
إنها خمسون عاماً ، وهي ماثلةٌ ، لدَيّ
كأنني في اللحظةِ الأولى
كأني أهبِطُ ، الآنَ ...
القطارُ من " الجزائرِ " وهي عاصمةٌ ، أتى بي .
إنني في سِيدي بلعبّاس .
قالَ رفيقُنا حِمْراسُ ، يشفعُ مَطْلَبي بوزارة التعليمِ :
سوف تكون في بلديّةٍ كالمبتغى ،
بلديّةٍ ، يا صاحبي ، لرفاق دربِكَ ، للشيوعيّين ...
سوف تكون ، يا سعدي العراقيّ ، السعيدَ
و سِيدي بِلْعبّاس سوف تكون بيتَكَ ، أيها المتشرِّدُ !
الآن القطارُ توَقّفَ ...
التبسَتْ عليّ الخطوةُ الأولى .
ولكني سأمضي نحو نُزْلِ المتروبولِ ...
وسوف أدفعُ  للموظّفِ ، ما سأدفعُهُ :
الجوازَ
مزوّراً ...
ويقولُ لي : يا مرحباً ، يا شيخُ  !
أحملُ ، كالرصاصِ ، حقيبتي ، عبرَ الممرّ المعتمِ .
انتهت المسيرةُ بين بيروتَ العجيبةِ
والجزائرِ .
إنني في " المتروبول "
وإنني في " سِيدِي بِلْعبّاس " ...
*
كان ذلك في 1964
*
قَسَـماً !
وتعرفُ أن تاريخَ المدينةِ دوَّنَتْهُ شهادةٌ
 وهناك مَن كانوا بِـ"وجْدةَ " يأكلون حياتَهم بين البطالةِ والبطاطا ...
لا تَضِعْ !
ها أنتذا في قلبِ بِلْعبّاس :
كانت هذه الثُّكُناتُ للدرَكِ الفرنسيّ .
المَراقصُ أُغلِقَتْ .
والعاهراتُ  ، بلا جنودٍ ، ما يزلْنَ بذلك الـمبغى .
وثَمَّ  حديقةٌ للناسِ .
ثَمَّ " المسرحُ البلديُّ " ... حيثُ رأيتَ بِنْ بلاّ  ،
( عشِيّةَ حِبْسِهِ ) !
و تظلُّ تهتفُ ، هامساً :
قَسَـماً !
*
هل كنتَ تعرفُ أنّ بِلعبّاس سوف تكون بيتَكَ ؟
أنّ ميلادَ ابنتَيكَ هناكَ ،
و الوادِي ، الذي ضحضاحُــهُ عفِنٌ  ، سيملأُ صحنَكَ الفخّارَ بالسمَكِ ...
الحياةُ بهيّةٌ .
والكرْمُ يملأُ  كأسَكَ الفخّارَ بالشمسِ التي سالتْ إلى حافاتِها ،
ورديّةً ...
قَسَماً !
*

قد كنتَ تدخلُ "لامْبِيانْس " الحانةَ :
السردين يُشْوى
والرِّميتي  ،
والحلازينُ المملّحةُ ...
*
الدروبُ طليقةٌ  ،
سيكون في " الفَرْساي "  بيتُكَ !
Le Versailles ...
*
كنتَ ، أحياناً ، ترودُ جزائرَ الأعماقِ  ...
تمضي في ترابِ الريفِ :
بَسْكرة .تْلاغ.سيدي ابراهيم. معسكر. عين البرد. سفيزف
بو حنيفيّة. تسالة . سيدي لحسن . ريو سالادو .مَغْنِيّة .
عين البرد. رأس الماء . سيدي خالد . باريّا آلتو . سيدي علي بوسيدي.
سيدي خالد. العمارنة . زروالة . سيدي حمادوش . غليزان .
بور ساي ...
...................
...................
...................

المرافيءُ  ، إذْ تعودُ مع المساءِ ، مراكبُ السمَكِ ...
*
الحياةُ بهيّةٌ ...
قَسـَـماً !
*
إنْ كانت الأقدارُ أرحمَ ...
إن نجَوتَ ،
وإنْ ترفّقَت الرياحُ ، ورقَت الأمواجُ حتى أوصَلَتْكَ هنا
إلى فردوسِ بلعبّاس  ...
إنْ كان المقامُ مقدّساً
فلِمَ ارتحالُكَ ؟
أيُّ جِنٍّ قد ألَمَّ بكَ ؟
الرحيلُ !
ألم تَقُلْ : قسَماً  ؟
*
غادرْتَ ، بِلْعبّاسِ ، ممسوساً ، وأخرقَ ... تقطعُ البحرَ المحيطَ ، وتقطعُ المتوسِّطَ ، الجبَلَ العظيمَ . تبيتُ ليلَكَ في مخيّمِ بلدةٍ من بعدِ أخرى . تُرْهِقُ الأطفالَ ،تثملُ في المرافيءِ ... تقطعُ الصحراءَ مندفعاً ، تقود كناقةِ البدويّ ما أسميتَه سيّارةً .  وتنام عند الفجرِ منحنياً إزاءَ الـمِقْوَدِ  . الأفقُ العجيبُ يقولُ : بغدادُ !  الخرائطُ سوف تلمِظُ ... إنها بغدادُ ، بغدادُ.
انتبِهْ !
قد أقبلَ الشُّرَطيُّ
&
الحزبيّ ...
*
 
والآنَ ؟
تنأى ، مثل ما تنأى بنا الإحلامُ ، بِلْعبّاس ...
أنتَ الآن في ريفِ البحيراتِ الغريبةِ
وسْطَ غاباتٍ
وأوديةٍ ...
لقد راحَ العراقُ ،
ورُحْتَ ، أنتَ ، متوَّجاً بالشوكِ .
أنتَ ، الآنَ ، تهدأُ .
أنتَ تهدأُ .
أنت  ، بِلْعَبّاس ...
فارفَعْ كأسَها
واهدأْ
لأنك لم تُغادِرْها ، وإن شطّتْ بكَ الأيام ...
قَسَماً !

لندن  04.01.2015

ثلاثة أنهارٍ

النهرُ الأوّل
بعد أن جفّ " وادي العقيقِ " ، وأخرجت الأرضُ أثقالَها
من حصاً ورصاصٍ
ومن  مُتَرَدِّيةٍ ومسوخٍ وآلهةٍ  ...
قلْتُ : أمضي إلى ذلكَ النهرِ .
رُبّتَما أتدارَكُ ما لستُ أُدْرِكُهُ ...
أو عسى العَـتْمةُ الأبديّةُ تنجابُ ؛
كان الصباحُ بهيماً :
غيومٌ معلّقةٌ كالذبائحِ
شمسٌ ، كما في كتابِ القيامةِ ، سوداءُ
ثَمَّ تماسيحُ تزحفُ
أفعى ، بِعَشْرِ قوائمَ ، مثل التماسيحِ ، تسعى ،
لقد فَـتحَ النهرُ بوّابة السائرينَ إلى حتفِهم في الظلامِ
وهاهم أولاءِ :
انتَضَوا ، في المتاهةِ ، أذرعَهم بعدَ أن قُطِعَت ...
إنهم يصرخونَ :
البقاءُ لنا
نحن أهلَ السواد ...
البقاءُ لنا
نحن
نحن
العِباد .

لندن 04.03.2015

النهر الثاني

كانت الأرضُ ناعمةً ...
عُشْبُها زغَبٌ
والأديمُ حريرٌ من الصينِ .
خفّفْتُ ، في خطُواتي التي تتعثّرُ بي ، الوَطْءَ ؛
ثَمَّ الزهورُ
مُنَثّرةٌ ، زهرةً ، زهرةً ،
 أتأمَلُها ، وأحاولُ أن أتفادى مساساً بها ،
كنت أخطو على قلَقٍ
غيرَ أن الهواءَ الذي بين نعليَ والأرضِ
كان وِساداً ، خفيفاً ، من العِهْنِ .
هل كنتُ ، حقّاً ، أرى ما يرى النائمُ ؟
الأرضُ ناعمةٌ ...
عُشْبُها زغَبٌ
والأديمُ حريرٌ من الصينِ :
لكنه النهرُ !
يَلْصِفُ ، في البُعْدِ ، في منتهى البُعْدِ ...
يَلْصِفُ
 أبهى من الشمسِ
أزهى من الشمسِ
أشهى من الشمسِ ...
هل بالِغٌ ، أنا ، مبتدأً منه أو مُنتهى ؟
هل علَيَّ ، وقد وهَنَ العظمُ مني ... متابَعةُ الدربِ ؟
إن الطريقَ طويلٌ ...
ولكنّهُ النهرُ !

النهر الثالث
لي ، أحياناً ، أن أتساءلَ :
إنْ كان الماءُ يظلُّ ، كما نعْهَدُهُ ، الماءَ
فما معنى أن تختلفَ الأنهارُ ؟
وما معنى أن نسبحَ ، ماضِينَ ، مع التيّار الجاري
أو ضدّ التيّارِ ؟
*
هل الماءُ بدجلةَ أعذبُ من ماءِ النيلِ
وهل ماءُ المسِسِبّي مسمومٌ
أمْ أن الأمازونَ يسيلُ دماً ؟
*
قد بُلِّغْتُ ثمانينَ من الأعوامِ ...
شهِدْتُ بها ما لم يشهدْهُ سواي
وخِضْتُ مياهاً لم يعرفْها أحدٌ قبلي ،
لكني آلَيتُ على نفسي
ألاّ تلحَقَني قطرةُ وحلٍ حتى لو خوّضْتُ عميقاً في الأنهار ...
*
هل لي أن أتساءلَ :
ما معنى الأنهارِ ، وكلِّ حديثي عن هذي الأنهارِ ؟
*
أقولُ :
هنا في القريةِ
نهرٌ أعمقُ من كل الأنهارِ
وأعذبُ ماءً من كل الأنهارِ
وأصفى من كل الأنهارِ
وأكثرُ صفصافاً من كل الأنهارِ ...
هنا
في القريةِ
يَخْفُقُ مصباحُ الشاعرِ حتى في هولِ الإعصار !


ثبْتُ القصائد
1- إصرار
2-نُسْكٌ
3- إلى مازن اليحيا
4- أصوات من ليل الغابة
5- هاجس في مساءٍ رطبٍ
6- دعوة إلى السبات
7- تعبتُ يا عمّ
8- إلى حسين نعمة
9- طبيعة ناطقة
10- المحو
11- حارسي الشخصيّ
12- بيت السنجاب
13- من أهل الله
14- مطر في أواخر تشرين
15- عمر بن أبي ربيعة
16- درب لوفيت 35
17- منزل الغيم
18- أن تكون على التلّ
19- صفاء
20- يا شطّ
21- شارع أكسفورد
22- ثلاثيّة
23- ماغنوليا أندريا
24- منظر مع صفصافة باكية
25- اللبلاب
26- الشيوعيّون العراقيّون يتقاعدون
27- هويّات
28- مطر الربيع
29- ثلج نيسان في تورنتو
30- مخزن شعبيّ في الحارة الكنديّة
31- شارع الملكة
32- تحت الصِّفر
33- حدائق
34- سينما
35- رسوم حلَب
36- مُسْبقة الصنع
37- سمفونية النهار الناقصة
38- أوبرفيلييه
39- سِيدي بلعباس
40- ثلاثة أنهار

اخر تحديث السبت, 12 شتنبر/أيلول 2015 12:18