عَيشة بِنْت الباشا طباعة

عَيشة بِنْت الباشا

سعدي يوسف

شِعر

قلعةُ الحِصْنِ التي قُربَ حِمْص

أسيرُ إلى القلاعِ ، هنا ، وهَنّا ، ناسياً ثلجَ الوريدِ ، مُقَبِّلاً قَدمَ الوليدِ ،
أجيءُ نحوَ الصخرِ من قِدَمي ، أُثَبِّتُ في مُتونِ حُزوزِهِ قَدمي . أقولُ :
لَعلّني أرقى . وأصعدُ ، خطوةً في إثْرِ أخرى ، شهقةً في شهقةٍ ، والخندقُ
الدوّارُ يسألُني : لماذا جئتَ ؟ أسألُهُ : لماذا جفَّ ماؤكَ ؟ لو ترُاه مضى
ليسألَني : لماذا جفَّ مائي ؟ الخندقُ الدوّارُ لم يبرحْ مكاناً كان فيه
منذُ ألْفٍ ، إنما الأمطارُ لم تهطِلْ ...
أحقّاً صارَ هذا الخندقُ الدوّارُ جسراً للـمُغِيْرينَ ؟ السماءُ سترتمي في لحظةٍ.
ستكونُ سقفاً . أنتَ لنْ تُبْدي سوى سبّابةٍ مرفوعةٍ حتى تُلامِسَها ...
وكان الخندقُ الدوّارُ أخضرَ ، قاعُهُ المفروشُ بالأعشابِ والدُّفْلى وأكياسِ
اللدائنِ كان يدخلُ في متاهاتِ القُرى وسرائرِ الأبراجِ . أحياناً تُدَلِّي غيمةٌ
أثداءَها ليظلَّ هذا الخندقُ الدوّارُ مَغْنىً . قد يمرُّ الماعزُ الجبليُّ . والأعشابُ
تَثْبُتُ في الصخورِ كصِبْغةٍ سِرّيّةٍ . قد تفتحُ الأزهارُ في آبٍ مِظلاّتٍ بلا ظِلٍّ
فيأتي النحلُ ... أهلاً ، لا خديعةَ ... أيّهذا الخندقُ الممتَدُّ بين الوهمِ والوهْمِ:
انتظِرْني كي أُوازِنَ خطوتي . مترنِّحاً سأظلُّ ، مأخوذاً بأحجارٍ تُزَلْزِلُ وقفتي.
أحجارُكَ الأولى التاي كانت تدافعُ عنكَ صارتْ منبِتاً لمحيطِ أكواخٍ . وفلاّحوكَ
صاروا الجُنْدَ . جُنْدُكَ أصبحوا متعهِّدي خيلٍ وماشيةٍ. ولكنّ الخنادقَ لا تصيرُ
سوى خنادقَ. ربما انطمستْ وضاعتْ تحتَ أتربةِ العواصفِ والقرونِ ، وربما
نسيَ الذين بقُرْبِها حتى خطوطَ القُرْبِ ... لكنْ سوف يأتي اليومُ ، يأتي يومُها،
فتهبُّ ناصعةً لتدفعَ عن نضارةِ وجهِها الأسمالَ والأزبالَ والأكياسَ ...
آنَ لها ،
لكلِ خنادقِ الأحياءِ ،
أن تحيا ...
*
أتعرفُ كيف يبدو البُرْجُ في الفجرِ ؟ السماءُ تكونُ صافيةً ، وغامضةً قليلاً.
ثَمَّ ضوءٌ واثقٌ من لامكانٍ ، والسماءُ تظلُّ صافيةً وغامضةً ، وهذا الفجرُ يبدو
 ضائعاً ، يا فجرُ ... أين الفجرُ ؟ في مثلِ الفُجاءةِ كان رأسُ البُرْجِ مُتَّـقِداً ،
وكان الضوءُ يأخذُ شكلَهُ ... والضوءُ رأسُ البُرْجِ :
قَرْنَصَةٌ وفُوضى
مِزْغَلٌ للشمسِ
متراسٌ يُصَوِّبُ نحوَ كونٍ غائبٍ ...
قد يهبطُ الفُرسانُ من سُفُنِ الملائكةِ ، الحدودُ قريبةٌ حتى الـمُلامَسةِ ،
الحدودُ بعيدةٌ حتى الجنونِ ...
أهِلَّةٌ في الماءِ
صُلْبانٌ على الأكَماتِ ، أو بالعكسِ .
هذا الضوءُ ، هذا الضوءُ ، هذا الضوءُ ...
رأسُ البُرْجِ مشتعلٌ
وعند القاعِ ، خلفَ الخندقِ الدوّارِ ، في " الموتيل " ، تحتَ مُلاءةٍ في غرفةٍ خرقاءَ
بالموتيل ، كان فتىً يقولُ لدُمْيةٍ : إني أُحبُّكِ .
يهبطُ الفُرسانُ . سِيْفُ البحرِ يُلْمَحُ عند رأسِ البُرْجِ . ما أبهى طرابُلُسَ الخفيّةَ .
في السفوحِ تغادرُ الأشجارُ منبِتَها ، وترحلُ في فضاءٍ أخضرٍ ... حتى الدروبُ
تصيرُ في الـمَـهوى خيوطاً كان رأسُ البُرجِ يُمسكُها ،يُدَلِّيها ، ويرفعُها ، كما شاءَ.
المدافعُ لم تَعُدْ في البُرْجِ ...
هل رحلتْ مع السفُنِ التي رحلت’ ؟ أو انصهرَتْ لتغدو بين أيدينا نقوداً فضّةً ؟
أمْ أنّ أغنيةَ المدافعِ لم تكن قد قعقعتْ بَعْدُ ؟
الثلوجُ تلُوحُ في القممِ المحيطةِ ...
غيرَ أنّ البُرجَ يلبسُ عُرْيَهُ ، ويظلُّ ، مثلَ الذئبِ ، أغبرَ ...
هدهِديني كي أنامَ :
الثلْجُ أثقَلَ لِمّتي
والثلجُ أثقَلَ خطوتي
والثلجُ غلغلَ في عروقي ماءَهُ ودماءَهُ
والبرجُ يدعوني لأصعدَ نحوَهُ ،
البرجُ يدعوني لأصعدَ نحو صمتي
حيثُ الطيورُ السودُ ,,,
وووووو ...
*
رأدَ الضحى ، متلفِّعاً بالبردِ والجلمودِ ، أدخلُ قاعةً حجريّةَ الأقواسِ .
أعمدةٌ خبتْ تيجانُها ، فوقي . وتحتَ خُطايَ أشواكٌ مُعَفَّرةٌ ،
أرى أسَدَينِ يرتفعانِ عند المدخلِ العالي ، ويَمّحِيانِ مُرْتبِضَينِ.
غيماً مُبْحراً يجتازُ أروقةً ويمضي في سماءٍ حُرّةٍ ... شجراً بعيداً.
شِبْهَ سِرْبٍ من يمامٍ . تهدأُ الأنفاسُ . أُغْمِضُ مُقلَتَيَّ للحظةٍ :
أهلاً !
يعودُ الصوتُ :
أهلاً ... لن ... لن... لن...
وأهتفُ : آهِ ، يا سِرْبَ اليمامِ ... يمامِ ... مامِ ... مِ ...
كأنّ يدي ستُمْسِكُ خيطَ صوتي من نهايتِهِ ...
أمُدّ يدي
يدَيَّ ،
فألتقي روحي ...
سلاماً ... مَنْ ؟ مَن ؟ مَن ؟ مَن ؟
ومن بابٍ بأقصى القاعةِ الحجريّةِ ، انفتحتْ سماءٌ وانجلَتْ .
في الأفْقِ أجنحةٌ تسدُّ الأفقَ . تعلو عند بابِ القاعةِ الحجريّةِ الضوضاءُ .
يأتيني ملائكةٌ بأجنحةٍ
وعُمّالٌ بأجنحةٍ
وفلاّحونَ في أثوابِ ريشٍ .
أغْمِضُ مُقلتَيَّ  هُنيهةً : أهلاً بكم ! كُمْ ... كُمْ ...لَكَمْ غِبتُمْ !
تعبتُمْ في الطريقِ ؟
وهل ظمِئتُمْ ؟
إنّ في كَفّيَّ عيناً سلسبيلاً ...
أم تُرى قد مسَّكُمْ ضُرٌّ ؟
سأفرشُ كلَّ أضلاعي لكم ...
لكنْ أقيموا !
أمسح الوعثاءَ عن أقدامكم ،
وأُقَبِّلُ الأيدي لو استلمتْ طعامي .
لن ترحلوا !
سنبيتُ ليلتَنا هنا .
لا تعبأوا بالبردِ !
سوفَ أجيءُ بالسّروِ العظيمِ
وبالجريدِ الهشِّ .
جِذْعُ النخلةِ استلقى ليُمسي الجمرَ ...
مهلاً !
سوف نوقِدُ نارَنا
ستكونُ قلعتُنا منارَ الخابطينَ
لقد غدَونا نارَنا ... نا ... نارَنا ... نا ... نا ...

حمص -  قلعة الحِصْن

الـعـقَـبـة

( 1 )

هي أيْلةُ التاريخِ
وهي الآنَ ، إيلاتُ ، التي جاءتْ بها الكبَواتُ واللهجاتُ
وهي ، بنُطْقِنا ، وغماغمِ استقتالِنا :
العقَبةْ
تشِفُّ ، كذرّةِ البلَّورِ أحيانَ اضطرابِ النبضِ
أرضَ مَقاتلٍ لصحابةٍ ومجاهدينَ
وواحةً مسكينةً للسِّدْرِ
درباً نحوَ مؤتةَ والشآمِ
ونحوَ أن تنداحَ موجةُ ذلكَ الرملِ المؤجَّجِ
ذِروةً
أو وردةً من وقْدةِ الصحراءِ
تندفعانِ أعلى ثمَّ أعلى
في الهباءِ تُدَوِّمانِ لترفعا مدُناً
وألويةً
وعشراً من قِلاعٍ
حيثُ تستهدي كراديسٌ مدجّجةٌ
نجومَ النقْعِ والصلَواتِ
..................
..................
..................
سوفَ يئنُّ لورنسُ المهشَّمُ عندَ إحداها .
*
ليس في القلعةِ أحدٌ / ليس ثمّتَ حارسُ آثارٍ / البحرُ وحده
/ والصيّادون تركوا زوارقَهم إلى المقهى /
الشمسُ تغرُبُ في إيلات / والقلعةُ العثمانيّةُ تسهرُ مرتديةً أسمالَها
الفاخرةَ / لا قذائفَ من مدافعَ قديمةٍ /
لا آثارَ رصاصٍ / الأسوارُ الخفيضةُ تنهدمُ باستمرارٍ /  وقريباً سوف
يعلو السورُ المرمَّمُ صقيلَ الحَجر /
المئذنةُ  صُبَّتْ كاملةً بالإسمنت / والمهندسُ لم يحفظْ حتى لآجرّةٍ
واحدةٍ  حقّهاَ في هواءِ
التاريخِ والبحرِ /سوف تكون المنارةُ أنيقةً في كامراتِ السوّاحِ الذين
لا يأتون / الهلالُ الجديدُ
ليس من الإسمنت / إنه من نحاسٍ سريعِ الصدأِ برطوبةِ الشاطيء /
القلاعُ لا تولَد مرّتَين ...


لنهبطْ ، إذاً ، إلى القاعِ .
الفرسانُ المسيحيّون ، ثبّتوا خطوتَهم الأولى إلى ما لن يبلغوه إلى الأبد :
مكّةَ  وشِعابِها.
المغيْرون المسلمون ثبّتوا في هذه القلعةِ الملتبسةِ ، خطوتَهم الأولى إلى
ما لن يتركوه أبداً :
بلادِ الشامِ وأشجارها .
الضبّاطُ العثمانيّون كان لهم هنا مفصلُ البحرِ والصحراءِ ،
والمدافعُ الأولى التي تدْفعُ عن طريقِ مكّةَ الطويلِ ، ما قد يقذفُ به البحرُ ،
المشهدُ واضحٌ ، واضحٌ كالسينما الوثائقيةِ ، وجارحٌ ،
إذاً ، لنهبطْ إلى القاعِ ...
لنضع الأقنعةَ والزعانفَ وحزامَ الرصاص
لنحملْ ، مثل جملَينِ ، غذاءَ رئتَينا
ولْننقذفْ في الأمواهِ العميقةِ
حيثُ الزُّرقةُ ساحلٌ .

منظر
نصفُ تفّاحةٍ يختفي هادئاً في الجبال
تاركاً في الخليجِ عموداً من النورِ
لا موجَ في البحرِ
لكنّ كلَّ السماءِ المحيطةِ بي
تنشرُ الآنَ قمصانَها الأرجوان
نصفُ تفّاحتي غابَ
لكنني مثل خيّاطةِ الحيِّ
ما زلتُ أطوي على ساعدَيَّ السماءَ
وقمصانَها الأرجوان .

          (2 )

لا بحرَ بينَ هواءِ مصرَ وبحرِها
لا بحرَ بين هواءِ جَدّةَ في الجنوبِ وبحرِها
إنّا تَوحَّدْنا ببازِلْتِ البراكينِ
التي اندفعتْ لتفصلَ قارّتَينِ
فوحّدتْنا
ثم دارتْ في مفاصلنا  ، لننساها
..................
..................
..................
ستُحْكِمُ شوكةُ الصحراءِ وخزتَها
لتبتعدَ البراكينُ
التي برَأتْ  من البازلتِ آلهةً
وماءً دافقاً
ومرارةً فيها تذوبُ الروحُ ...
تُحْكمُ شوكةُ الصحراءِ وخْزتَها
وتدفعُ سُمَّها فينا
فننسى كلَّ ما في الكونِ ، كلَّ علامةٍ في الكونِ
إلاّها ...
دهب/ شرم الشيخ/نويبع / الغردقة /الدرّة/ عِيذاب /
الأسماءُ تتخاطَفُ مثل أسماكِ البحرِ الأحمر /
تتخاطَفُ حتى تبْلغَ هَرَر ومُكَلأ حضرموت / تتخاطفُ حتى
تتمادى ... إلى صَحار ومضيقِ هرمُز
وبلادِ التاميل / تتخاطفُ حتى لَتتركُنا مدوَّخين / أسماءُ  وكواسجُ
ودلافينُ / وحوريّات بحّارةٍ ثملِينَ
بالخطرِ والعواصفِ /سيأتي حجيجُ مصرَ / ومن هنا ستحملُ الجِمالُ
الـمُرَفّلةُ كسوةَ الكعبةِ
التي كانت تُنسَجُ بأناةٍ غيرِ مصريّةٍ في متاهة القاهرة الـمُعِزّيّة /
" نحن مليئون بالسُّمّ "
يقولُ رامبو الفتى / مليئون بتاريخِ الأسَلِ والسيوف /
وهذه الجبالُ التي ترهِقُ أكتافَنا منذ ملايين
السنين / هذه الجبالُ السودُ / الجبالُ الورْدُ / الجبالُ الرملُ /
الجبالُ الجبالُ / من العقبة إلى عدن /
أيّانَ تهبطُ عليها ، كما في المطر ، قطرةُ ماءٍ ؟ / ما نحن بسكارى /
نحن مدوَّخونَ بتاريخٍ  لن يقرأه أبناؤنا /
مدوَّخون ببحرٍ هو جحيمُ البحّارةِ منذ قرونٍ /
سكّةُ الحديدِ اقتلَعَها البدوُ الـمُسَيّسون/
كما يقتلعون ضرساً مسوَّساً / والجِمالُ اشتراها متعهِّدو العساكر /
نحن لا نركبُ البحر /

ماذا نفعلُ  ،  إذاً ؟
ماذا تفعلين ، أيتها البدويّةُ ، بجَمالِكِ ؟ بالخِمارِ الـمُقَصّبِ
ومِشْيةِ الـهُوَينى ؟
وشفتاكِ الـمُسْوَدّتانِ المحمرّتانِ من لِحاءِ الجوزِ ؟
وثيابِكِ المـضوّعةِ ليلاً كاملاً بالبخور ؟
أنّى أذهبُ بكِ ؟
وأيّانَ الساعةُ التي سيدقُّ فيها قلبانا مثل مهراسِ البُنّ ؟
سأرسُمُكِ أيتها البدويّةُ " المزركشةُ كشجرةِ الميلاد " ...
سأرسُمُكِ ماثلةً على ناقةٍ أو كثيبٍ ،
سأرسُمُ صورتَكِ الفريدةَ ألفَ مرّةٍ ...
لأبيعَها إلى سوّاحٍ موهومين .

منظر

الفنارُ القديمْ
مُطفأٌ
لم يَعُدْ في صخورِ المواضعِ بحّارةٌ
وحدهُ الموجُ
يلمُسُ ، كالقطِّ ، كرسيَّ مقهى ،
دخانٌ من الضفةِ الثانيةْ
والسفينةُ تُقْلِعُ .
من زورقٍ يتخطّى الفنارَ القديمَ
شِباكٌ تدلّتْ ...

   (3)

سنُوقِرُ سمعَنا عمّا يقولُ البحرُ
سوف نُشِيحُ عن شمسِ الغروبِ
وملعبِ الأمواجِ ...
سوف نكونُ أتْباعاً لهذا أو لهذا
نكتفي من كل قافلةٍ
بـخُبْزةِ مَلّةٍ
وبتمرتَينِ ...
وسوف ننسى كيف نرسُمُ بالنجومِ فُجاءةَ الصحراءِ
والطُّرُقِ التي لا تنتهي ...
لا بحرَ يغسلُ منتهى أحلامنا بالملحِ والمرجانِ والأسماكِ
لا صحراءَ تُنْبِتُ وردةَ المجهولِ ...
صرنا بينَ مصطفِقَينِ ينطبقانِ
باعاً بعدَ باعٍ ،
كيف نُفْلِتُ ؟
كيفَ نُبْعِدُ أن تَعُدَّ عِضادتانِ
دقائقَ الرملِ الذي سيكونُ مثوانا الأخير َوعُشَّةََ العششِ ؟
...................
...................
...................
اختفى المرجانُ
واندفعَتْ سراطينُ الشواطيءِ نحو مأواها .

*

لا جمَلَ لدينا ولا سفينة/ لا خيمةَ ولا منزل / لكن لنا أن نسألَ عن المأوى/
والعقبةُ خاليةٌ على عروشِها / العشيرةُ أمسَتْ شيخاً /
والشيخُ في الحاضرةِ البعيدةِ /
كلُ شيء مؤجَّلٌ مثل ديونِ الجنودِ /
العقبةُ مؤجَّلةٌ / الحروبُ في الكتُب /
والسلامُ في الدفاترِ / ونحنُ : لا رَكْبٌ ولا بَحّارةٌ /
نحنُ في العقبةِ حسبُ /
علينا ، إذاً ، أن نختلقَ المأوى / ليكُنْ لَبِناً وصفيحاً / ليكنْ ألواحاً
ممّا ألقت السفنُ / ليكنْ حبالاً وأنسجةً مموّهةً / ليكن العراء ...
هكذا بنَينا ، نحن اليتامى ، العقبةَ الفقيرةَ ، مأوى ذا دروبٍ مُتْرِبةٍ
ودكاكينِ فولٍ
وفلافل / لنا أيضاً مقاهينا / حيث الشاي ذو القروشِ العشرةِ / وورقُ اللعِبِ المهتريء /
سائقو الشاحنات والمهربون بين مرافيء البحر الأحمر
يسكنون أفئدَتَنا وحجُراتِنا العارية / أين سنذهبُ هذا المساءَ ؟
بار روميرو مفتوحٌ عند البحر /
حانةُ إلكازار أيضاً / وناصيةُ علي بابا / ثمّتَ مشاربُ سرّيّةٌ وفتياتٌ ـ إن شئتَ ـ /
أنت تفضِّلُ الشاي بالنعناع / نادي الغوصِ الملكيّ ( سوف يُباعُ ) أغلقَ أبوابَه في الرابعة /
لماذا تنظرُ إليّ بالنظرِ الشزْرِ ؟
أتقولُ إني لا أعرفُ كيف أقودُكَ ؟ / فلْنذهبْ إلى إيلات ...

*
الصباحُ في العقبةِ باكرٌ دائماً / ثمّتَ طراوةٌ وشجرٌ مبتلٌّ  برطوبةِ الليل /
والتلاميذُ في الشارع الضيّق / يحملون أرغفةً ساخنةً فيها حبّاتُ فلافل /
الـمَسْمكةُ تُعَلِّقُ  ( مثل الخراف ) أسماكَ التونة / والحلاّقون ينفضون عن كراسيّهم
ما تبَقّى من شَعرِ البارحة / فلاّحو العقبة ( مصريّون ) جاؤوا إلى السوقِ /
بالفجلِ الأحمرِ والنعناعِ والكزبرةِ / شارعُ الحمّامات لم يفتحْ مقاهيه بَعدُ .

*

الحيُّ القديمُ يضِجُّ الآنَ في حُمّى الهاجرةِ .
السلامُ عليكَ يا بنَ عبدِ الله ...

منظر

الجبالُ رماديّةٌ
غيرَ أنّ الرماديّ ينكشفُ الآنَ
أبيضَ / أزرقَ مثلَ الضّباب ...
النُّخَيلاتُ مزْرَقّةٌ هي أيضاً
وفي البُعْدِ
في أوّلِ الكونِ
يبدو السحاب ...

العقبة ـ عَمّان   12-16/1/2001

عند قلعة الكرَك

دائماً ، في الغروبِ ، تبدأُ أسوارُ القِلاعِ التنفُّسَ .
إنتهتِ الحربُ ، منذُ قرنَينِ أو عشرينَ قرناً ،
لكنها فَجأةً تعودُ إذا ما هبطَ الليلُ ، يُوقِدُ
الـجُنْدُ في الأبراجِ قنديلَهم ، بعيداً عن الريحِ ،
ويبكون وحدَهم . سوف يأتي الرسولُ ،
حتماً سيأتي ، حاملاً رأسه على رأسِ رُمْحٍ .
ربما كان متعَباً ، فغَفا  بانتظارِ أن  يورِقَ الرمحُ
مع الصبحِ .
هل تُراهُ سيستيقظُ ؟والـجُنْدُ في البُرْجِ ،
وقنديلُهُم تخافَتَ ، والصبحُ لم يجيءْ ،
والرسولُ الذي سيأتي وقد ثبّتَ بالرمحِ رأسَه ،
بَعْدُ لم يأتِ .
إذاً  ، ما الذي سيفعلُهُ الجندُ في الصباحِ الـمُنَدّى ؟
ما الذي يفعلون ؟

*

توْقِفُ أسوارُ القلاعِ  التنفُّسَ
والقنديلُ فحمٌ في الماءِ والريحِ .
الحروبُ انتهتْ
ولكنها سوف تنادي جنودَها دائماً
كلَّ مساءٍ
وسوف يأتي الجنودُ .
..................
..................
..................
دائماً
دائماً
سيبكي الجنودُ .

 عمّان    14.12.1992  

يومُ سبتٍ غائم

ضبابٌ على المتوسِّطِ ...
لا طيرَ يمْرُقُ عبر زجاج النوافذِ
لا صرخةٌ من نوارسَ ،
والرايةُ المغربيةُ هامدةٌ فوق مبنى الضرائبِ .
مَن أمَرَ الشمسَ أن تتأخّرَ ؟
مَن قادَ مرْكبةَ الثلجِ حتى هنا ، في أزقّةِ طنجةَ ؟
إني اتّخذتُ سبيلَ هروبي ، جنوباً ، لأهجرَ لندنَ
والقارةَ المتوحشةَ ...
الثلجُ يتبعُني من هناكَ !
ولكنني سوف أنتظرُ الشمسَ :
إفريقيا
واللقالقَ  ( أعشاشُها في رؤوسِ المآذنِ )
أنتظرُ الأغنيةْ !

طنجة   16.02.2013

قبلَ سوقِ الـمُـصَـلّـى


في شارعِ موسى بنِ نُصَيرٍ
في آخرِهِ
إذ ينعطفُ  الناسُ إلى السوقِ  ،
هناك المقهى  .
سأقولُ :
زبائنُ هذا المقهى هنَّ قحابٌ غابتْ نُضْرَتُهُنَّ مع الزمن القاسي
والليلِ المثقَلِ
والمهمَلِ  ...
هنَّ يجئنَ صباحاً  ، كلَّ صباحٍ ، يُفْطِرْنَ هنا
شاياً وشطيرةَ جُبْنٍ بلديٍّ ،
ثم يَطِرْنَ إلى ركْنٍ في الشارعِ ، غيرِ بعيدٍ
ويقِفْنَ هناكَ ، الساعاتِ ... الساعاتِ ؛
يثرثرْنَ
وينظُرْنَ
أيأتي شيخٌ ريفيٌّ
سائقُ شاحنةٍ
بائعُ أسماكٍ جوّالٌ  ...
يأخذُ واحدةً منهنَّ؟
.........................
.........................
.........................
ما عُدْنَ  كما  كُنَّ :
الزمنُ القاسي غيّبَ نُضْرَتَهُنَّ .
وهذا الشارعُ لا يرحمُهنّ ...
*
أنا أجلسُ كلَّ صباحٍ في هذا المقهى
فنجاني يبرَدُ ،
والشارعُ يخمدُ ،
لكني أحكي، في صمتي ، معهُنّ ...

طنجة  21.02.2013

جرسيف (بلدة في شرقيّ المملكة المغربية)

هي تنتظرُ الساعةَ الأجنبيّةَ :
أن يَنْجمَ النفطُ كالماءِ عبرَ المفازاتِ
أن يتعالى عمودٌ من الغازِ يطعنُ هذا الهواءَ النقيَّ الذي لم يَعُدْ يُطعِمُ الناسَ
أن تأتي الحافلاتُ مطهّمةً كالجيادِ
وأن تُبتنى في الغياض الفنادقُ ،
ماذا جنَينا من الزيتِ نعصرهُ ؟
نحن نغدو ، مع الأرضِ ، أفقرَ ، أفقرَ ...
فلْتُقْفر الأرضُ !
أشجارنا ؟
سوف نقطعها كي تكون بخوراً لمن يُخرجون لنا النفطَ والغازَ ...
نرجوكَ أن تفهمَ الأمرَ :
ننتظرُ الساعةَ الأجنبيّةَ
كي نقهرَ الفقرَ   ...
يا سيّدي !
----------------
*جرسيف ، تُنطَق الجيم مصريّةً .

طنجة   21.02.2013

Cabo Negro الرأس الأسود

تلك الداراتُ
تلك الداراتُ على هضَباتِ الريفِ
الداراتُ ذواتُ اللونَينِ : الأبيضِ والأزرقِ
يسكنُها الآنَ الطيرُ العابرُ
والضفدعُ ،
أحياناً تسمعُ ديكاً ( من كوخ الحارسِ طبعاً )
بل تسمعُ شِبْهَ أنينٍ ...
أهو البحر ؟
البحرُ قريبٌ ، لكنّ البحرَ بعيدٌ ،
 أبعدُ  حتى من خارطةٍ لابنِ بطوطةَ
بحرُ الريفِ وراء الأسوارِ
وراءَ الأنظارِ
فقراءُ  الشاطيءِ لن يجدوا في هذا الشاطيء مَلْعبَهم
لن يُحْيوا الليلَ مع القيثار ؛
فقراءُ الشاطيءِ ِ ممنوعون
فقراءُ  الشاطيءِ مطرودونَ :
هنالك حرّاسٌ ، ومساءٌ ، ونساءٌ للوحشِ الطبَقيّ
سفائنُ للوحشِ الطبقيّ
مَراسٍ
ومراسمُ  ...
.................
.................
.................
لكني سأعودُ إلى كتُبي
أقرأُ تاريخَ مقاومةٍ كانت في هضَباتِ الريف !

طنجة   26.02.2013

الأعـظمـيّـة

يا صُبْحُ
يا مصباحُ
يا ليلى ...
أأنتِ الأعظميّةُ ؟
إنني أمضي عميقاً في الأزقّةِ كي أُلاقي شارعَ العشرين ...
أيُّ حمامةٍ ستدورُ في كفِّي ؟
لقد ذُعِرَ الحمامُ : أبو حنيفةَ يُستباحُ
مقابرُ الشهداءِ ِ ، والأهلِ الأُلى ماتوا طويلاً ... تستباحُ
كأنّ جيشَ المالكيّ القزم تيّاهٌ بمعركةٍ !
سلاماً ، نخلتي ، في شارعِ العشرين ...
لا تأسَي !
فقد يَسّاقَطُ الرُّطَبُ الـجَـنِيُّ لتتّقي هولَ الرصاصِ
وقد يتوافَدُ الأطفالُ حولكِ والعصافيرُ .
اصبِري يا نخلتي في شارع العشرين ...
كوني مثلَ أهلِ الأعظميّةِ ،
مثلَ ما أفتى لنا النُّعمانُ من حُرّيّـةٍ ؛
كوني كما شاءَ الـمُـقَـدّسُ أن تكوني  !

طنجة       14.02.2013

إغفاءةٌ
أستحي أن أمُدَّ يدَيَّ إليكِ
لقد هدأَ البحرُ
والرملُ ما زالَ محتفظاً بحرارتِهِ ؛
كانت الشمسُ تلمعُ ما بينَ ساقَيكِ ...
هل أتوسَّدُ واحدةً منهما ؟
أنتِ تستمتعين بشَعري المبلّلِ
نافضةً بأناملِكَ الرملَ عن خصُلاتٍ تَناهبَها الشيبُ
أغفو
ويغفو معي البحرُ ؛
……………
……………
……………

ما أبسطَ البَسْمَلـةْ !

طنجة    05.03.2013
   

زورقٌ سِــرِّيٌّ

كيف لا أتصوّرُ عيشاً بهِ ؟
منزلٌ خشبيٌّ على الماءِ
تدخلُهُ ، ثم تبصرُ أنكَ منزلقٌ ، مثلَهُ ، فوقَ سطحِ البحَيرةِ ...
كان الشتاءُ مقيماً ببردائهِ
والثلوجِ .
البحيرةُ تثوي ، رصاصيّةً
أنت توشكُ أن تتجمّدَ ...
أرجوكِ :
هاتي التَّكيلا !

طنجة   05.03.2013


             حُرْجٌ ليسَ بعيداً عن الطريق العامّ

أتذكّرُ :
كانت تدورُ بسيّارتي بين تلك القرى
حول لندنَ  ...
كانت تسوقُ كمن تتنزّهُ فوقَ حمارٍ
وتضحكُ !
في بغتةٍ دخلتْ مَسْرَباً ضيِّقاً
ثم قالت : لننزلْ !
أتعرفُ أيَّ مكانٍ ندورُ بهِ الآنَ ؟
نحنُ في الحُرْجِ حيثُ الجنودُ يجيئونَ
ما بين يومٍ وآخرَ
كي يأْلَفوا نزَواتِ السلاحِ الجديد !

طنجة    05.03.2013

         اللُـهاث

في الممرِّ الذي يصلُ السفحَ بالقمّةِ ، الثلجُ
كان الصعودُ بطيئاً
عواسجُ في الجانبَينِ
وعشبٌ ندِيٌّ ...
وأصعدُ ؛
كانت أمامي
وكانت لها خِفّةُ الـماعزِ الجبليِّ
وتضحكُ مني :
أتَلْحَقُني ؟
كنتُ ألهَثُ ...
كان الممرُّ يضيقُ ،
ولكنني سوف أمضي لألحقَ تلكَ الغزالةَ
حتى النهايةِ
في قمّةِ التلِّ ، حيثُ الخيول !

طنجة     06.03.2013

جبالُ الريف
منذُ ثلاثةِ أيّامٍ
ما عُدتُ أرى في الأفقِ الـمُـلْـتَزِّ
جبالَ الريفِ ...
كأنّ جبالَ الريفِ انجرفَتْ
تحت المطرِ الـثَّــرِّ
وأنّ الأرضَ انبسطتْ
حتى كادت طنجةُ تغرقُ في المتوسِّطِ ...
مثل سفائنِ ماجلاّنَ
الملعونةِ
في أمواهِ الشرقِ الأقصى !

طنجة    07.03.2013
          
البرق يلوحُ من " طريفة "

تخاطَفَ البرقُ ، فجراً ، من " طريفةَ " ...
كان الفجرُ أسوَدَ
حتى والمباني الضِخامُ البِيضُ ماثلةٌ
أمامَ نافذتي
البرقُ العجيبُ أتى من الجزيرةِ
تلك المشتهاةِ ؛
ترى الجزيرةَ رأيَ العينِ ...
رُبتَما أرادَ " طارقُ " أن يُبقي سفائنَهُ فيها  ،
ورُبّتَما ...
لكنه البرقُ تأتينا غرائبُهُ 
مع التخاطُفِ
إنْ صدقاً  ، وإنْ كذِبا ...
أغلقتُ نافذتي ، ثم التففتُ بما لدَيّ
مكتفياً ، بالنفسِ ، مضطرَبا !

طنجة  10.03.2013
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* طريفة ، جزيرة إسبانية صغيرة ، تمْكنُ رؤيتُها بالعين المجرّدة من ساحل طنجة .
استخدمها طارق بن زياد ، رأس جسرٍ ، في الفتح.
         

عُمّالٌ مَغاربةٌ

من الثامنةِ ، الصُّبْحَ
إلى الخامسةِ ، العصْرَ
نُرَقِّقُ أرغفةً
ونرَمِّمُ أرصفةً
وننامُ بلا صلَواتْ.

تسألُنا ، ماذا نأكلُ ؟
تأكلُنا البِيصارةُ
والكمّونُ الناشفُ والفلفلُ .
يأكلُنا الجوعُ
ويأكلُنا القهرُ كأنّا ذُؤبانُ الفلَواتْ

وإلى الشاطيء تحملُنا عرباتُ الأحمالِ
لنبني داراتٍ وفنادقَ
نبني تحصيناتٍ وخنادقَ
لكنّا حين يجيءُ الليلُ
نكون طريدينَ ، بعيداً عمّا شِدْنا من حُجُراتْ

أنُغَنِّي ؟
أحياناً ، نتذكّرُ أنّا كنّا أطفالاً
أنّ هناكَ قُرىً في الريفِ أحَبَّـتْـنا
نتذكّرُ أنّا أحبَـبْـنـا
فتنوحُ بنا العَـبَـراتْ

طنجة  14.03.2013

الصّمت

في هذا السبتِ الباردِ
تبدو الشمسُ مؤجَّلةً ، حتى لَكأنّ سماءَ المتوسِّطِ
قد طُلِيَتْ بالإسمنْتِ الأبيضِ .
حاولتُ ، بلا جدوى ، أن أستحضرَ صوتَ مُغَنِّيةٍ
كانت تعشقُني في باريسَ ...
وحاولتُ ، على مهلٍ ، أن أُمسِكَ بالضوعِ المتبدِّدِ
من كأس نبيذٍ كنّا نترشَّفُهُ ظُهراً .
لكنَّ الصمتَ عميمٌ
والشمسَ مؤجَّلةٌ
وسماءَ المتوسِّطِ تُطْبِقُ حتى كادَ الشارعُ يختنقُ :
الصمتُ تَحَصَّنَ بي
بالمغلَقِ من حشرجتي في هذا السبتِ الباردِ
بالمغلَقِ من أيّامي في النُّزْلِ الباردِ
بالمغلَقِ من أنفَاقٍ لقطاراتٍ لن تأتي ...

طنجة    16.03.2013

شفْشاوِن

من " رأسِ الماءِ "
بِشِفْشاوِن ...
من أوّلِ " رأسِ الماءِ "
يُبَقْبِقُ رأسُ المالِ ،
صغيراً
وفقيراً
لكنك تعرفُهُ ،
تعرفُ رأسَ المالِ
دكاكينَ تبيعُ شبابيكَ وأبواباً مُصطبِغاتٍ بالأزرقِ
ما جاءَ به الأندلسيّونَ زماناً صارَ بضائعَ كاذبةً :
أبواباً ليستْ أبواباً
وشبابيكَ  مُطَهّمةً ، ليستْ بشبابيكَ
وثَمَّ جلابيبُ
وأنصافُ جلابيبَ
وأثوابٌ
لكنْ من صوفٍ مغشوشٍ ذي ألوانٍ تَنْصُلُ بعد سُوَيعاتٍ
أو تحتَ المطرِ المتقطِّعِ
أو تحتَ رذاذٍ من " رأسِ الماءِ " ...
وشِفشاونُ لا تعرفُ من أيّ مكانٍ تبدأُ شفشاونُ :
……………………………
……………………………
……………………………
هل تبدأُ ممّا يُسْمى " القصْبةَ " ؟
أو ممّا كان جداراً أو بُرجاً من طينٍ أحمرَ ؟
هل تبدأُ من ساحتها المكتظّةِ  بالسُوّاحِ ؟
من صيحاتِ المحتالين ؟
من درْجاتِ سلالمَ ظلّتْ تتآكلُ والأعوامَ ؟
من مطعم أسماكٍ دونَ نبيذٍ ؟
من صحنِ العدسِ المجّانيّ ؟
هل تبدأُ ممّا  لا تذكرُهُ شفشاونُ :
أشجارِ المرتفعاتِ
وجُبْـنِ الماعزِ ؟
والعوسجِ محمولاً فوقَ ظهورِ النسوةِ ؟
والطيرِ العابرِ
واللقلقِ يبني فندقَهُ ...
هل تبداُ ممّا أذكرُهُ منها :
قلعةِ أحرارٍ جابوا الصخرَ بِواد ؟

 المضيق – جوهرة سْمير   24.03.2013

الشيوعيّ الأخير يريد أن يتغدّى

كان الشيوعيُّ الأخيرُ يجولُ جولتَهُ الأثيرةَ
في أزقّةِ طنجةَ ...
هابطاً من هضْبةِ السوقِ القديمِ إلى مقاهي المرفأِ ؛
انتظرتْهُ  ، يوماً ، مَن توهَّمَ أنها استهوَتْهُ
أو هوِيَتْهُ  !
وهو ، اليومَ ، ماضٍ نحوَها ، في المكتب البحريّ
كان يقولُ :
قد تأتي معي ، لنكون في رُكْنٍ ، بمطعمِها ، على البحرِ .

السماءُ عجيبةٌ في شهر آذارَ !
الشيوعيُّ الأخيرُ يكادُ يغرقُ تحتَ سيلٍ دافقٍ من غيثِ آذارَ ...
الملابسُ ( وهي شِبْهُ جديدةٍ حتى لأغنية الغرامِ ) غدتْ من الزخّاتِ ، أسمالاً !
إذاً
يا صاحبي
يا مَن أُسَمِّيكَ الشيوعيَّ الأخيرَ
عليكَ أن تلقى حلولاً للتناقُضِ !
هل ستمضي نحوَ مَن تهوى؟
أتمضي تحتَ هذا السيلِ ؟
امْ ترتدُّ كالحلَزونِ في مُلتَفِّ قوقعةٍ ؟
أجِبْ في لحظةٍ !
قَرِّرْ !

وقَرَّرَ صاحبي أن يكتفي بالنزْرِ
ولْيدخُلْ هنا ... في المطعمِ الشعبيّ
ولْيأكلْ هنيئاً : طاسةَ العدَسِ !
المدينةُ سوف تعودُ مُغريةً غداً
ولسوف يذهب نحوَ مَن يهوى  ... هنالك عند أرصفةِ العبورِ
إلى " طريفةَ "
.................
.................
.................
ربما رضِيَتْ صديقتُهُ أخيراً  !

طنجة 26.03.2013

خلِّنا نتمازَحُ !

في المساءِ المبكِّرِ يأتي السنونو
ويأفُلُ عن طنجةَ النورسُ ...
الليلُ يهبطُ شيئاً فشيئاً ، هُنا
( هكذا يلعبُ الطيرُ )
يأتي السنونو
كما أنتِ ، يخطِفُ بين المباتي وتاريخِها
يتخاطَفُ حتى يمسّ الزجاجَ
ويخطِفُ
يخطفُني ...
قد تقولين : لا شأنَ لي بالذي أنتَ مُضنىً بهِ ...
أنا لا شأنَ لي بالسنونو
ولا بالنوارسِ ؛
أنا لا شأنَ لي بكَ ، حتى ...
أقِمْ حيثُ أنتَ
أقِمْ حيثُ شئتَ
أقِمْ حيثُ تأتي النوارسُ
أو حيثُ يأتي السنونو  ...
أنا لا شأنَ لي
.................
.................
.................
حسناً
غيرَ أني أُحبُّكِ !

طنجة 
08.04.2013

محكمة عسكرية

خمسون مرّتْ منذُ أن أدخلتَني ، بـ " معسكرِ التاجيّ " في بغداد
مغلولاً
ومرتعشاً
أُحاكَمُ ...
كان حكّامي الثلاثةُ  ، مثل ما قرّرتَ ، ضبّاطاً
وكانوا يلمعونَ
نظافةً
وقيافةً ...
أمّا أنا ، المغلولُ والـمُضنى ، فقد كنتُ الأسيرَ
وكان حرّاسي الذين تناوبوا ضربي اختفَوا ...
وحدي مع الضبّاط !
لم أكُ خائفاً ؛ لَكأنَّ طيراً  كان ينقرُ جبهتي ويقولُ :
إرفعْ رأسَكَ !
الرجُلُ الذي هوَ مَن ستحيا : وقفةٌ !
أرجوكَ
إرفعْ رأسَكَ  ...
الشعراءُ والأشجارُ أعلى !

طنجة    24.04.2013

مُـكـالَـمـةٌ

 تداعبُني نَوارُ ، وكان فوق لسانها عسلُ البداوة : هل بدأتَ تحبُّني ؟
كانت نوارُ ، هناك ، عبرَ البحر ...
يأتي الصوتُ مرتجفاً قليلاً  .
( أهيَ أغنيةٌ ؟ )
أقولُ : أُحبُّكِ !
الصوتُ الذي يأتي وقد قطعَ البحارَ وليلَها الثلجيّ
أمسى شاخصاً عندي
أكادُ أضمُّهُ لأضُمَّ خِصْراً من نوارَ وخُصلةً  ...
فأضيع َ !
قولي ، يا نوارُ ، وأنتِ مائدةُ الندى :
أيّانَ تأتينَ ؟
الزهورُ تفتّحتْ
والنحلُ يأتي
والسناجبُ ترتقي الأغصانَ مثلَ الطير  ؛
قولي يا نوار !

22.05.2013

لعنةُ العراق

 "نتغدّى بهِ ،
قبلَ أن يتعشّى بنا ... "
ها هي ذي الحكمةُ الأبديّةُ عند العراقيّ ؛
من سومر الماءِ
حتى جلاميدِ آشــورَ ...
من ثورة الزنجِ
حتى مذابحِ صدّامٍ  ،
الحكمةُ الأبديّةُ باقيةٌ :
" نتغدّى بهِ
قبلَ أن يتعشّى بنا  ... " ؛
الآنَ أسألُ :
يا سيّدي
أيُّهذا  البسيطُ العراقيُّ  ... أنتَ شقيقي
إذاً ، أنا لستُ عدوّكَ .
لستَ عدوّي .
ولكنْ ، قد استحكَمَ الأمرُ !
هاأنتذا  ، تتمثّلُ حكمتكَ الأبديّةَ ، تلكَ التي قتلتْ سومرَ الماءِ
تلك التي قتلَتني ، أنا ، كلَّ يومٍ هنا :
" نتغدّى بهِ ،
قبلَ أن يتعشّى بنا ... "
....................
....................
....................
أيُّهذا البسيطُ العراقيُّ :
كُنْ لحظةً أنتَ
كنْ لحظةً ، مثلَنا !


لندن  26.05.2013
       

   ثلاثة أيام متعاقبة

1
يجيءُ الغيمُ ، أسودَ ، أطلسيّاً ، وتلك الريحُ تدفعُهُ ، وئيداً ، مع الشمسِ التي اختفت . البيوتُ
التي  هي ههنا أمستْ ظلالاً ، لها شَبَهٌ بما كانَ البيوتَ .كأنَّ غرقى سفائنَ يُجهِشونَ . يكادُ
جِلْدي يئِنُّ مع المجاذيفِ التي في القاعِ .هل بحّارةٌ دخلوا إلى الحانِ العتيقِ ؟ هل النساءُ اللواتي
ينتظرْنَ مجَلْبباتٌ بالسوادِ ؟ الغيمُ يهبِطُ .سوف تلمُسُ ما ترَفّلَ منهُ أشجارُ الحديقةِ . سوف تبكي.

2
إذاً  ... جاءَ الخميسُ !
سألبسُ الجِينْزَ الذي يبدو لِـعَيني أصفرَ . الأشجارُ في الـمَـرْجِ المحيطِ توشوِشُ . الـحِـدَأُ
اقترَبْنَ من التلالِ . وثَمَّ ، خلف السورِ ، أبصرتُ الغزالةَ تقضِمُ الورقَ الطريَّ . سيهبطُ السنجابُ
من أعلى الصنوبرةِ . الخميسُ الموعدُ ! الأيّامُ شاحبةٌ  ، ولكنْ سوفَ تُـبْـلِغُني الخميسَ  ...
صديقتي ستقولُ لي : كيفَ انتقَيتَ الجينْزَ أصفرَ ؟ سوف نضحكُ ، ثم نسترخي على ضَوعِ النبيذ.

               3

أنا لا أُصَلِّي  ...
غير أنّ الجمْعةَ اختلجَتْ .إذاً ، سأكونُ في مَكْناسَ  . مقتبِلاً بها بوّابةَ المنصورِ ، مبتهِلاً ... عســى
مولاي إسماعيل يسمعُني . أقولٌ : يا مولاي ، هل تدري بما صنَعَ  الهديمُ بنا ؟  بما صنعَ الهديمُ بكَ؟
الكتيبةُ لم تَعُدْ سوداءَ . سوف تقودُ ، يا مولاي ، مجموعاتِ سوّاحٍ ، إلى بوّابةِ المنصورِ . تعرفُها ؟
لقد أعلَيتَها حقّاً ، ولكنّ الزمانَ النذلَ حَلَّ . وأنتَ ممتقِعٌ بدونِ كتيبةٍ سوداء !

لندن 31.05.2013

متروبول Metropole

                                       1
2013
المتروبول ، ظننتَها وحشاً . وكم فكّرتَ أنك لن تراها ، ولأقُلْ حتى ولو في الحـُلم !
كنتَ ترى المدينةَ مثلَ ما هيَ : ثُكْنةَ المستعمِرِ الأولى ، مطاراً حيثُ ينطلقُ  الغُزاةُ إلى
نخيلِ أبي الخصيبِ ، ونبتةِ الحنّاءِ في الفاوِ .انتظرتَ إلى المشِيبِ لكي ترى في المتروبولِ
البيتَ والمأوى ! فهل هانتْ حياتُكَ ، أم تُرى مَن هانَ ليس سواكَ ؟ ما أقسى المعادلَةَ !
الحياةُ كريمةٌ في المتروبولِ ، خسيسةٌ أنّى وُلِدْتَ  ... أأنتَ تهذي ؟

2

1964
قد كنتَ أتممتَ الطقوسَ بـ " نُقْرةِ السلمانِ " ، أو بعقوبةَ . الكابوسُ مفتوحٌ ، وفي
يدِكَ الجوازُ مُزَوّراً .في سِيْدِي بِلْعبّاس ، غربيّ الجزائرِ ، سوف تهبطُ من قطار الليلِ ،
سوف تكونُ عند المتروبولِ .يقولُ قاسمُ : مرحباً ! في النُّزْلِ كان الضوء يشحبُ
قالَ قاسمُ : أنتَ شيخٌ !
غرفتي في " المتروبول " صغيرةٌ  ، لكنها أزهى من الوطنِ الـمُضاع .
      3

2013
الليلُ في " كازا " يكادُ يَشِعُّ عند البحرِ . تنطفيءُ المقاهي ، كي تضيءَ  موائدُ الحاناتِ .
سوف نسهرُ ليلةً  في " المتروبول" : الفندقِ/ الملهى . الـمُغَنِّي سوف يأتي عندنا ...
لكنّ " حسناءَ " الكريمةَ سوفَ ترتجلُ الأغاني . نحن مرتحلونَ في الليل البهيم . نعودُ من
" كازا " إلى أفياءِ " طنجةَ " في ابترادِ الفجرِ . كلَّ الليلِ كانَ النوءُ . أحياناً يغيمُ طريقُنا.
فكأننا ماضونَ في دربِ السماءِ.

   لندن   14.06.2013

وفاءٌ مستعادٌ

نعم !
أحببْتَها  ...
من نصفِ قَرْنٍ ، وأنتَ تئِنُّ ؛
تذكرُ كيف أسرى بوجْدِكُما  قطارُ الليلِ ...
لم تُحبِبْ سواها
وإنْ عاشرتَ سبعاً من العَبِقاتِ وُدّاً .
أنت تدري ... كأنك لم تُقَبِّلْ غيرَها !
ما زال طَعْمٌ من الجوريّ في شفتيكَ ، منها ...
لقد أدميتَ منفتَحَ الطراوةِ ،
أين تمضي بكل الوردِ ؟
لم يذبلْ
ولم تذبلْ
كأن القطار يظلُّ من بغداد يسري
إلى نخلِ الجنوبِ ...
كأن ماءً شفيفاً من عيونِ الله
يجري .

هذا القطارُ الذي مضى بكما ، القطارُ ذو السكّة الضيّقة
القطارُ ذو مقصورة النوم الصغيرة مثل غرفة أطفالٍ ...
سوف يحملك ، يوماًما ، من البصرة إلى بغداد ، مكبّلَ اليدين.
كم حاولتَ أن تؤنسَ الشرطيّ المكلَّف ! كنتَ فتىً آنذاك !

نعم ... أحببْتَها
كانت فتاةً لها طَعْمُ العجينِ
وكان فيها من الطّلْعِ المفَتَّحِ ما تَقَطَّرَ  ...
كنتَ تدري بأنكَ لن تنامَ
وكنتَ تدري
بأن فتاتكَ انتظرتْ طويلاً لتهنأَ بالقطارِ .
لقد وصلْنا !

عربات الدرجة الثالثة ، التي تنقل الجنود والفلاّحين والطلبة الفقراء
العرباتُ التي يئنُّ فيها الخشبُ ، ويئزُّ الذبابُ والسعالُ والـصهدُ ،
هذه العربات تتنقّل بالسجناءِ ، ليتوزّعهم العراقُ العميقُ . كنتُ
مع الرفيق سامي أحمد ، رسغي اليمين مُوْثَقٌ إلى رسغـه الشمال .

أخيراً
تعلّمتُ أن الحياةَ التي قُدِّرَتْ لي ، هيَ الصورةُ !
الأمرُ أعسرُ من أن تقولَ : لقد عشتُ ...
أبسطُ من أن تقولَ : سلاماً !
إذاً ، فلْنكُنْ في القطار ...

نعم  ...
أنت أحبَبْتَها !

لندن  22.06.2013

حديقةٌ سِـرّيّـةٌ

تُهاتِفُني نوارُ : أراكَ !
قُلتُ : إذاً سأكسرُ كلَّ مِرآةٍ
لأسكنَ ، هانئاً ، عينيكِ ...
كم تبدو الحياةُ شحيحةً
وقبيحةًً ،
عبرَ المرايا !
أنتِ أعلَمُ ، يا نوارُ ، بأنّ مَرأى الوردةِ الشاميّةِ العاديَّ
ليسَ الوردةَ الشاميّةَ ...
الأشياءُ ليست ، دائماً ، مَـرْئِـيّــةً .
والقولُ أخفى من غماغمَ قد تُقالُ.
.............
.............
.............
كأنّ صوتَكِ  ، وهو يهتفُ لي : أراكَ
 حديقةٌ سِـرِّيّـةٌ بين الزنابقِ والأراك !

لندن  17.07.2013

أغنيةٌ عراقيّةٌ معروفةٌ

مطرُ الصيفِ ، حُـبُّـكِ
ما بلّلَ الشفتينِ اللتينِ تريدانِ ...
ما بلّلَ الكأسَ في المطعمِ الفارسيّ القريبِ
وما بلّلَ العشبَ ،
ما بلّلَ الشرشفَ ...
الشفتانِ اللتانِ تريدان ما زالتا ، منذ أمسِ ، تريدانِ ؛
أرجوكِ أن تفهمي :
مطرُ الصيفِ حُـبُّـك ِ ،
والصيفُ ليسَ أميرَ الفصولِ  !
...............
...............
...............
السحابةُ أنتِ
إذاً
أنتِ ، منذورةٌ للهطول ...

لندن 27.07.2013

أن تتمشّى صيفاً على امتداد القناة

لا مراكبَ ضيّقةً
أنْـهَـرَ  الغجرُ الإنجليزُ  ، مع النهرِ ،
فجراً ،
ولم يتركوا في ضفافِ القناةِ العريضةِ
غيرَ خراءِ الكلابِ
وتلِّ القُمامةِ  ...
قد أنهَرَ الغجرُ الإنجليزُ
ولكنني ، ما أزالُ ، هنا ، منذُ عشرٍ
أسيرُ على مَسْرَبٍ في القناةِ العريضةِ ، منتظراً أن أراها ...
لقد رحلتْ
( منذُ قرنٍ ؟ )
ولكنني لا أزالُ ، على العهدِ ، منتظراً أن أراها ...
المراكبُ قد أنْهرَتْ ، تصْعَـدُ النهرَ ، نحو الشمال
وهاأنذا أهبِطُ :
الدرْجــةُ التاليةْ
ستكونُ الأخيرةَ
حيثُ المراكبُ  ، في القاعِ
حيثُ السكون ...

لندن  03.08.2013
-------------
*  أنْهَرَ ، مثل أبحَرَ  ، انطلَقَ في النهر . الفعلُ أنهَرَ  من اشتقاقي ، ولم يسبقْ له وجودٌ في العربيّة .

برلينُ الصيفُ

سأكونُ  عند ودادٍ الحوراءِ  في أيلولَ ،
آنَ الخمرةُ البيضاءُ
والقنَواتُ ...
في برلين ،
  سوف أكونُ مرتبكاً :
ودادُ حبيبتي الأولى
الصبيّةُ في زمانِ الوردِ ...
كدتُ  أُجَنُّ مَلْسوعاً ، أقولُ : ودادُ بغدادُ !
المقاهي لن تُغَلِّقَ ، لحظةً ، أبوابَها  ، في الصيفِ .
سوف تلُمُّ طاولتي ، ودادَ ، وزهرةَ الخشخاشِ ...
لكنْ ، كيف يأتيني الكلامُ ؟
لسانيَ  التأتاءُ  قد بَرأتْهُ أوربا طليقاً  ...
هل ستفهمُني ودادٌ ؟
هل أقولُ لها : صباح الخير ؟
أَمْ  أمضي أُقَبِّلُها ؟
ودادُ
تحبُّني ،
لكنْ  ... أتفهمُني ؟
أظنُّ الـحُبَّ رَبَّ المعجزاتِ  ...
إذاً
سأمضي
مثلَ مجنونٍ
أُقَـبِّـلُـها   !

لندن  04.08.2013

تقولُ لي إقبالُ


أوَكُلّما قرّرْتُ أن ألقى الحياةَ ، كما هيَ ، اشتطّتْ بيَ الأغصانُ !
بالأمسِ ، كنتُ ، كما ألِفْتُ ، أسيرُ منسرحاً مع القنواتِ ،
لكني رأيتُ الشوكَ والقرّاصَ مُخْضَرّينِ
مندفعَينِ
أغمقَ من ندى النعناعِ !
إن تكُنِ الحياةُ كريمةً  ، كعوائدِ الممشى على جنْبِ القناةِ
فسوف أقول : أهلاً !
هكذا ...
وتقولُ لي إقبالُ : يا سعدي ، أحبُّكَ  !
هكذا ...
وأنا أُصّدِّقُها
لأن الصدقَ مرآتي ،
وأعرفُ أن إقبالَ الكريمةَ ، دونَ أسئلةٍ ، تُصَدِّقُني ...
أُطِلُّ :
الغيمُ ينقشعُ
البحيرةُ ، في البعيد ، تلوْحُ واضحةً
وصافيةً ...

لندن     09.08.2013

استشارةٌ متأخرةٌ

أوَ كُلُّ مَنْ أحببْتُ صِرْنَ قصيدةً ؟
أوَ كلُّ ما أبغضْتُ صارَ شواهداً في حفلتي ؟
ما أخْيبَ الـمَسعى !
*
وما طَعْمُ القصيدةِ ، إنْ  فقدتَ روائحَ الجـُُوريّ ،
 والآسِ  الـمُـفَـلْـفَلِ بينَ ثوبَيها ؟
أتحسَبُ أنّ ما أفنَيتَ عُمرَكَ في كتابتِهِ ... الحياةَ ؟
إذاً ؟
إذاً ، يا سيّدي  ، فلْتَرضَ بالنزْرِ اليسيرِ
( كما ظننْتَ ) !
بما تفضّلتِ الحبيبةُ  أن تُبادلكَ :
النعومةَ
والكلامَ الهمْسَ
والنُّعْمى على متْنِ الفِراشِ  ...
أليسَ ما تهَبُ الحبيبةُ ، في العشِيّةِ ،  منتهى البحرِ ؟
القصائدُ لم تكُنْ إلاّ مدائحَها ؛
فكُنْ عند الحبيبةِ
لا تكُنْ عندَ القصيدةِ وحدَها ...
..............
..............
..............
أوَ كُلُّ مَن أحببتَ صِرْنَ قصيدةً ؟
ما أخيبَ المسعى !

17.08.2013

استجابات

أُنصِتُ
كان المطرُ النّثُّ ، يسيلُ ضَباباً ، وأنا أستمتِعُ خلفَ زجاجِ السيّارةِ
أُنصِتُ
أَستنْبِتُ قِنَّبَ شفْشاوِن
زهرةَ نَوّامٍ من شيرازَ
وفِطْراً من أدغالِ الأمازونِ
وأوراقَ الكولا من البيرو ...
*
أُنصِتُ
كان المطرُ الوَدْقُ ، يسيلُ خطوطاً ، وأنا أستمتِعُ خلف زجاجِ السيّارةِ
أُنصِتُ
أستقبِلُ أجنحةً تتخاطَفُ بين الصفصافِ الفحْلِ
أرانبَ تخطِفُ ، كالبرقِ ، لتدخلَ في ما لن تعرفَهُ  ...
طيراً أسودَ
أُغنيةً للضالِّينْ  ...
آمِيـــــنْ !
*
وأُنصِتُ
كان المطرُ الغَدْقُ ، يسيلُ شآبيبَ تدُقُّ
ولكني أستمتعُ خلفَ زجاجِ السيّارةِ ...
كان المطرُ الغَدْقُ يقولُ :
افتحْ عينَيكَ
لتسمعَ ...
وافتحْ عينَيكَ
لتلْمُسَ ...
وافتَحْ عينَيكَ
لتعرفَ كيف يكونُ الكَوْن !
لندن  24.08.2013

جـنّــةُ الجواميس الأولى

ليتَ تلكَ البلادَ التي كانت الماءَ ، عادتْ ، كما كانت : الماء َ.
ماذا أقولُ لنفسي ، وقد بَعُدَ العهدُ بي ، وانتهى الوعدُ ؟
بغدادُ سجنٌ
وفي البصرةِ السرَطانُ
وفي الموصلِ القاعدةْ ؟

ثَـمَّ  ما يجْمعُ الماءَ والنارَ
ما يجمعُ الطينَ والنارَ
ما يجمعُ الطيرَ والنارَ
لكنّ تلكَ البلادَ التي كانت الماءَ ، لم تَعُدِ الآنَ حتى بلاداً
لتجمعَها لغةٌ أو أغانٍ ...
وحوشُ العصورِ الخوالي تجوبُ مفازاتِها
وتُهَيُّ ، من لحمِ أطفالها ، المائدةْ .

رُبّـما قرأَ  السعداءُ بأغلالهم ، كُتُبَ الطينِ من بابلٍ
أو تماثيلَ آشورَ
بُـرْدِيَّ ســومرَ
أو نصفَ سطْرٍ يُحَدِّثُ عن بلدٍ كان يُسْمى العراق .
رُبّما  ...
غيرَ أنّ الجواميسَ تَمْضَغُ
تَمْضَغُ
تَمْضَغُ ؛
ما الفائدةْ ؟

لندن     15.09.2013

قُبَيلَ العاصفةِ الـمطريّة

السماءُ الرصاصُ ، سماءٌ  رصاصٌ ، كما هيَ ، منذ ابتداءِ الخليقةِ
ريحٌ
ولا ريحَ ...
حتى الغصونُ التي تتحرّكُ كانت تَنُوسُ بأنفُسِها .
حِدْأتانِ تحومانِ
لا طيرَ ...
كان الزجاجُ يئِنُّ
الهواءُ حبيسٌ كأنّ الكهوفَ القديمةَ قد صارت الكونَ .
مختنقاً كنتُ ؛
فكّرْتُ أن رمادَ البراكينِ في عدَنٍ كان يتْبعُني .
الغابةُ ، الآنَ ، تبدو مشَوّشةً ، لستُ أعرفُ أشجارَها ،
والهواءُ الثقيلُ يُلَطِّخُ حتى لحاءَ الجذوعِ .
.................
.................
.................
لماذا لجأتُ إلى النافذةْ ؟

لندن   17.09.2013 

إعادةُ نظَـرٍ

ما مقامي بأرضِ لندنَ إلاّ  كمقامِ المسيحِ بينَ اليهودِ .
لستُ أعني هنا الإنجليزَ
اللهُ أدرى بأنهم  أطعَموني
وأنهم آمَنوني ...
قُلْ إذاً  ، كيف يستقيمُ  مُقامي ، كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ ؟
هل أقولُ الحقيقةَ ؟
الحقَّ ؟
…………..
…………..
…………..
لم ألْقَ أوباشاً كقومي
( أنا أعني قومي العراقيّين في لندنَ )
الآنَ
هل بَلَّـغْتُ ؟
فَـلْـيُـبْـلِغِ  الحاضرُ منكم ، مَن غابَ ...
إني الآنَ حُرٌّ ...
ولن يعودَ مقامي كمقامِ المسيحِ بينَ اليهودِ ...
أنا حُرٌّ في أرضِ لندنَ
حُرٌّ
وبعيدٌ عن العراقِ البعيدِ ، المبتلى بحُكْمِ القرودِ  ...

19.09.2013 لندن

ضَـبـاب

ضحىً باردٌ / دافيءٌ
والسياجُ الذي هو أقربُ من نصف مترٍ إليّ ، بَدا  غائماً
والصنوبرةُ اختفَتِ ...
القطّةُ انتفشَتْ ،
كان سِرْبٌ من الوزّ يمضي إلى الشرقِ :
قد يعبرُ ، اليومَ ، من قادسٍ ، نحو إفريقيا .
في الضّبابِ تكونُ الأغاني مشوّشةً .
قلتُ : فَـلأمْضِ نحو البحيرةِ !
قد أتلمّسُ في النبتِ والصمتِ ، نبضَ الحياةِ التي لم تَحِنْ بَعْدُ  ...
ذاكَ النداءَ الذي ليس يُدْرَكُ ،
تلكَ المسافةَ بين يدي والـغِـنـاءِ .
.................
.................
.................
انتبهتُ إلى أنني في مطارٍ
وأني سأمضي إلى نُزُلٍ عندَ إحدى الكنائسِ
أني سألقى ، هنالكَ ، في مدخلِ الـنُـزْلِ ، مَن كانت امرأتي.
أنني سأقولُ لها :
سننامُ ، معاً ، هذه الليلةَ !
اليومَ بردٌ
وأشعرُ أني وحيدٌ ومرتجفٌ  ...
والضّبابُ كثيفٌ .
وقد قلتِ لي أمسِ إنكِ في مدخل الـنُزْلِ
منذُ سنينَ  ...
..................
..................
..................
البحيرةُ تبدو مشوّشةً في الضّباب .
لندن 24.09.2013

جُمودٌ

قالت  ودادُ :
أُصَلِّي أن نكونَ على مَـتْنِ الفراشِ
فَنعلو ثمَّ ننحدرُ ...
كانت ودادُ تنادي من غُرَيفتِها بشرقِ برلينَ .
لكني ، هنا ، دبِقٌ في ليلِ لندن َ:
كان النوءُ ينحسرُ
والريحُ تخفُتُ
لا رعدٌ
ولا مطرُ  ...

25.09.2013 لندن 

ماغْـنـولـيـا

لو أنني لم آتِ هذا الحيَّ ، منذُ سنينَ عشرٍ
ما عرفتُ الجارةَ الخضراءَ ، هذي ...
وأقولُ : ماغْنولْيا !
لقد أحببتُ طَعماً للتغنُّجِ  في اسمِ هذي الجارةِ ، الخضراءِ  طولَ العامِ .
أحياناً يغَطِّي الثلجُ حتى الأَرْزةَ العُظْمى
ولكنْ جارتي الخضراءُ  تُعْلي قامةً خضراءَ  ...
ماغْنوليا !
أتعرفُ سِرَّ حبّي ؟
سِرَّ حُبّي الجارةَ الخضراءَ ؟
...............
...............
...............
قد أنْـبَـتُّـها ، بيدي !

 لندن     27.09.2013

طريقٌ إلى حضرموت

أحسستُ أني الآنَ في عدَنٍ
وأني عند ساحلِ أبْيَنَ  ...
الأمواجُ ناعمةٌ
ويأتيني نسيمٌ باردٌ  ، وأقولُ : هل تأتي الدلافينُ ؟
الهواءُ مُضمَّخٌ  باليود والأملاحِ والأصدافِ ...
من لَحْجٍ تهبُّ روائحُ الباباي ؛
صيّادون كانوا يمضغونَ القاتَ عند القاربِ المقلوبِ
تلتفُّ الشِّباكُ على بقايا من سراطينٍ وأعشابٍ ،
وأسمعُ قائلاً : أتريدُ صَيداً ؟
ثَمَّ  شِيْحٌ
ثَمَّ فُلٌّ ناقعٌ بتَضّوُّعِ الفودكا.
...........
...........
...........
سأمضي ، واثقَ الخطواتِ ، منتشِياً
لأبلُغَ ، بعدَ قَرْنٍ ، حضرموت !

30.09.2013           لندن

قلعة ألْسِنور ( قلعة هاملِتْ )

سوف ينجابُ عنكِ العَماءُ . الغيومُ التي حُمِّلَتْ ثبَجاً من بحارِ الشمالِ
سترحلُ ، بعد قليلٍ ، جنوباً . سيشربُ زيتونُ قادسَ منها . وقد تقطعُ البحرَ
قاصدةً رملَ إفريقيا  ...
كلُّ ما يجعلُ الكونَ أقربَ قد يختفي بغتةً. حولكِ الخندقُ اختنَقَ .الشمسُ
أسطورةٌ. نحن نقرأُ أسرارَها وحرارتَها في كتابِ الأساطيرِ. لا بأسَ !
والبحرُ ؟
تلك الصخورُ التي تتلاطمُ ، كالموجِ ...
من ههنا ، كان هاملِتُ يُبْحِرُ .
من ههنا
قيلَ للملِكِ الإنجليزيّ : تقتلُ هاملِتَ .
لكنّ هذا القتيلَ استوى قاتلاً ...
يدخلُ البردُ في الدمِ
والقاعةُ الملَكيّةُ تدخلُ في الدمِ
والسُلَّمُ المختفي في دمِ المسرحيةِ ينفتحُ الآنَ
لي ...
سوف أدخلُ :
أرقى ، وأرقى ، إلى أن أرى الملِكَ الشبَحَ.
الحارسُ المتثائبُ يلمحُ خُصلةَ شَعرٍ ،
يرى الليلَ أشقرَ .
أرقى
وأرقى
وفي مثلِ ما تتخاطَفُ في الـجُرْفِ تلكَ النوارسُ
أبصرتُ هاملِتَ  ...
مرتعداً كان من هولِ عينَي أبيهِ .
ويهمسُ :
سجنٌ هي الدانيمارك  !

لندن 2/11/2013

عيشة بنت الباشا

طِلْعَت الشُمّيسهْ
على شَعَرْ عيشهْ
عبشه بنت الباشا
تِلْعَبْ بالخرْخاشةْ !
*
لَكأنّ عائشةَ الجميلةَ تستجيرُ . تقولُ لي : سعدي !
أوَلستَ مَن يهوى الجميلاتِ ؟ الحرائرَ ... والصبايا ؟
كيفَ تخذلُني ، إذاً ؟
أنتَ العليمُ بأنني  ، بنتٌ لتاسعةٍ ، وأني كنتُ ألعبُ بالدُّمى.
لكنهم جاؤوا
وقالوا : ثَمَّ تطْريةٌ لوجهِكِ  ...
( كان وجهي وجهَ طفلتكم  ، وليس من معنىً لتطريةٍ ... )
أجابوني :
النبيُّ أرادكِ !
*
طِلْعَت الشمّيسةْ
على شعَر عَيشة
عيشة بنت الياشا
تلعب ْ بالخرخاشة ْ
*
وعائشةُ ، الحـُـمَيراءُ ...
الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ ، والشَّعْرُ أحمرُ .
يا عطاَء الله !
كان محمّدٌ  ، ما بين رُكعته ، وتالي رُكعةٍ ، ينوي يُباشرُها
وأحياناً يرى ما بين ساقَيها  ، صلاةً ...
هكذا
ذاقتْ عُسَيلَتَهُ
وذاقَ محمدٌ ، دبِقاً ، عُسَيلَتَها ...
هيَ مَنْ هيَ : الـحَوّاءُ
عائشةُ الحـُمَيراءُ  ،
الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ ...
صنمُ النبي ّ !
*
طِلْعَت الشمّيسة
على شَعَر عيشة
عيشة بنت الباشا
تلعبْ بالخرخاشة  ...
*
لكنّ عائشةَ الجميلةَ ، سوفُ تُعْلي أن ناعمَ شَعرَِها سيظلُّ أحمرَ
سوف تُعْلِنُ أنها  ، أبداً ، محاربةٌ   ...
لقد قهرتْ نبيّاً في السريرِ
وهاهي ذي ، على جملٍ ، تقاتلُ .
إنّ عائشةَ الـحُـميراءَ
النبيّةُ
بعدَ أن ذهبَ الذكورُ الأنبياءُ إلى الهباء ...
*
طِلعت الشمّيسة
على شعَر عَيشةْ
عيشة بنت الباشا
تِلْعَبْ بالخرخاشة !

لندن    16/11/2013

ثبْتُ القصائد

قلعة الحِصن التي قرب حمص - العقبة -  عند قلعة الكرَك – يوم سبت غائم – قبل سوق المصَلّى – جرسيف – الرأس الأسود – الأعظميّة -  إغفاءة – زورق سرّيّ – حُرْج – اللهاث – جبال الريف -  البرق يلوح من طريفة -  عمّال مغاربة –
الصمت -  شفشاوِن – الشيوعيّ الأخير يريد أن يتغدّى -  خلِّنا نتمازح – محكمة عسكرية – مكالمة –
لعنة العراق – ثلاثة أيام متعاقبة – متروبول – وفاء مستعاد – حديقة سرّيّة – أغنية عراقيّة معروفة –
أن تتمشّى صيفاً على امتداد القناة – برلين الصيف – تقول لي إقبال – استشارة متأخرة – استجابات –
جنة الجواميس الأولى – قُبيل العاصفة المطرية – إعادة نظر – ضباب – جمود – ماغنوليا – طريق إلى حضرموت

قلعة ألسينور ( قلعة هاملِت ) – عيشة بنت الباشا

اخر تحديث الأحد, 12 يناير/كانون ثان 2014 15:15