طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ( الديوان كاملا) طباعة

Image 


شِعر
سـعدي يوسـف
2012

مـقفّاة

أنت ترغبُ في أن تعانقَها
وتعانقَها
وتظلّ تعانقُها
كلَّ ليلِ الشتاءِ الطويلْ

أنت ترغبُ في أن تراها  تسيلْ
بالرحيقِ الذي يترطّبُ ما بين ساقَيكَ ...
ترغبُ في أن تراها تميل
على صدرِكَ الهشِّ بالجهَشاتِ التي تتصاعدُ
في صرخةٍ ...

أنت ترغبُ في أن تراها تُطِيلْ
بُحّةً
وارتعاشَ خفايا
وأن تتشرَّبَ ماءَكَ ذاكَ النبيلْ
......................
......................
......................
ولكنها الآنَ بين ذراعَي صديقتِها التونسيّةِ
في فندقٍ بالضواحي !
دع الأمرَ
واهدأْ
وكُنْ ، بعد يومَين ، عند رصيفِ المحطّةِ ...
إن القطارَ الذي قد مضى بحقيبتها
سوف يأتي بها
والحقيبةِ ، والليلِ
بعد انتظارٍ قليل !

لندن  15.05.2006

فُــتُــوَّةٌ
في الـ57
حـفَـرْنا ، بأظافرِنا الســودِ ، خنادقَ حولَ دمشقَ ...
بساتينُ الغوطةِ كانت بكثافةِ أدغالِ الأمازونِ
ومن أعلى جبلِ الشيخِ يسيلُ الماءُ زلالاً بين أصابعَ مُـفْـعَـمـةٍ بترابِ الأرضِ.
وفي الـ57
شــربْنا عرَقاً ، رُبْعَ البطْحــةِ
ثمّ نَـعِـمْـنا بشطيرةِ خبزٍ عربيٍّ ، رُبْعَ الليرةِ ...
في الـ57
أحببْـنا
و كـتَـبْـنـا في ضوءِ الشمعِ قصائدَنا الأولــى.
كان زماناً ذهَـبــاً
كنّا في الـ57 ...
وكنّا ، نحفرُ ، مثلَ دمشقَ ، خنادقَنا في الروح.

لندن 28.03.2010

ترنيمة للميلاد
أطْبِقْ جَفنَيكَ
لتســمعَ .
أطبِقْ جفنَيكَ
لتفتحَ باباً سِــرِّيّـاً في القلعةِ .
أطبِقْ جفنَيكَ
لتدخلَ بستانَ الخشخاشِ البـرّيّ ...
الليلةَ لن تَـتَـنَزَّلَ روحٌ
لن تأتيكَ ملائكةٌ في هيأةِ طَـيرٍ
لن تسمعَ قيثاراً
أو أجراسَ لُـجَـينٍ في الماءِ
ولن تلمحَ غزلانَ الرنّــةِ في السهْبِ الأبيضِ ...
هذي الليلةَ
تُطْـبِـقُ جفنَيكَ لِـتُـبْـصِــرَ .
أطبِقْ جفنَيكَ
ولا تستيقظْ
إلاّ عندَ صياحِ الديكِ الذهبيّ !

لندن 24.12.2010

هذا الأوّل من أيّار

لم أشعرْ  ، أبداً ،  أني ناءٍ
ووحيدٌ
مثل شعوري في هذا الأوّل من أيّار ...
ما حدّثَني أحدٌ
وأنا ، لم أتحدّثْ ، حتى في السِّـرِّ ، إلى أحدٍ .
والعمّالُ احتفلوا  في الباراتِ
وأُغلِقَت الساحةُ
لا أعلامَ
ولا أحلامَ ...
وأندِرْيا تركت لندنَ كي تسكنَ روما  ، شهراً
.................
.................
.................
حسناً يا ولدي !
نَمْ
وانتظرِ الأوّلَ من أيّارَ يُلَوِّحُ في أحلامِكَ
بالرايات الـحُمْــرِ
وبالقبَضات ...

لندن 02.05.2011

صباحٌ باريسيٌّ خفيفٌ

غادرتُ باريسَ صُبحاً ...
كان مُنعقَدٌ من السحابِ شفيفٌ .
كان في شفتي برْدٌ ،
وبُقْـيـا نبيذِ الليلِ
ألْـعَـقُـها
تيناً
قرنفلةً
ضوعاً من امرأةًٍ تعبى من الليلِ
والـنُّعْمى ،
وتحتَ قميصي النحلُ والعسَلُ .
أهو الخريفُ ؟
الممرّاتُ اكتستْ ذهَباًًّ يرِفُّ في الريحِ.
باريسُ التي شــرعَتْ تنأى
أُراقبُها من نافذاتِ قطارٍ :
قطرةُ الـمطرِ الأولى ...
.....................
.....................
.....................
تَـغِـيـمُ باريسُ !

Euro star Train    Paris – London
04.10.2011

كنتُ أتمشّى ظُهراً

أمسِ ، قرّرتُ أن أتمشّى على طولِ تلك القناةِ العجيبةِ
تلك القناةِ التي شهدتْ بدءَ حُبَّـيـنِ
ثمّ نهايةَ حُبَّـينِ ...
تلكَ القناةِ التي قسمتْنيَ نصفَينِ
تلك القناةِ التي أغرقتْني ...
قلتُ : فَـلْـيَكُنِ !
اليومَ أمشي على ضفة ٍمثلَ حدِّ الصراطِ :
أحاولُ أن أتصالحَ
والماءَ
والعشبَ
والطيرَ ...
كانت سماءُ الخريفِ ، على غيرِ عادتها ، شبهَ زرقاءَ
والماءُ أخضرَ
والطيرُ أخضرَ
والعشبُ عند الضفافِ الخفيضةِ أخضرَ  ...
مَن كانَ في الـبُــعْــدِ ؟
مَن كان يوشكُ أن يعبرَ الجسرَ ؟
.................
.................
.................
هل تلكُما ... المرأتان  ؟


لندن 11.10.2011

دُعـــابــــةٌ

في " شارع الأزهار"
في باريس ،
فجراً  أستفيقُ على روائحَ :
شَعرِ مَن أحببتُ
خُبْزِ أهِلّـــةٍ من مخبزِ الحيّ الـمجاوِرِ لي
ويُدْعى في لسانِ الغالِ
Croissant
وطاسةِ قهوةٍ مُزِجَتْ حليباً .
سأُقَبِّلُ البنتَ التي أحببْتُ
سوف نكونُ كالعشّاقِ معتنقَينِ .
 سوف تقول لي حتماً : صباح الخير!
سوف أرُدُّ مبتسماً : صباح الخير ، ياحُبِّــي !
وأضحكُ  ...
هل نُمَــثِّــلُ ؟
لا !
ولكنّ الصباحَ بِـ" شارع الأزهارِ " يبدأُ هكذا ...
……………..
……………..
……………..

هل أعجبتْكَ الحالُ ؟
لم تُعجِبْكَ ؟
لا تحزَنْ ...
فَـثَــمَّ شوارعٌ أخرى بآخِرِ بلدةٍ غادرتَها ...
غادِرْ إليها الآنَ
واترُكْ " شارعَ الأزهارِ " يرفـلُ في مُلاءتِهِ الحريــر !


لندن 12.10.2011

يا نبعةَ الرّيحان

يا نبعةَ الريحانِ ...
حِـنِّــي !
إنني أمسَيتُ في الوادِ المقدَّسِ ، في طُوىً
لكنني أرنو إلى غيرِ المقدّسِ
إنني أرنو إلى مَن جاورَتْني في دمي
أرنو إليكِ .
 إليكِ وحدكِ: لا شــريكَ و لا شــريكةَ
إنني أرنو إليكِ
بكل ذُلّي
كلِّ حٌبّي
كلِّ ما يسَعُ الأذى
يا نبعةَ الريحان ...
..................
.................
.................
يا نبعةَ الريحانِ :
حِــنِّـي ...
إنني الولهانُ
حِنِّي !
الليلُ أقسى ، والحياةُ أشَـقُّ  إنْ لم تصطفيني
أو تَحِــنّي !
يا نبعةَ الريحان !

لندن 14.10.2011

ألعابٌ لُـغَــويّــةٌ

ربّما هجرتْكَ السماءُ التي كنتَ ترجو ...
ربّما !
فلْتَعُدْ للحقيبةِ :
ثَمَّ ســماءٌ سماويّةٌ  ( أنتَ أرهقتَها بالحديث طويلاً ! )
وثَمّ السماءُ التي هي للناسِ .
قُلْ لي :
إلى أيّ واحدةٍ أنتَ ترجِعُ
أو تستريحُ ؟
إلى أيّ واحدةٍ أنتَ تُسْـلِمُ رأسَكَ ، مستسلِماً ، كالوسادةِ ؟
لا !
لا تَقُلْ لي : أمُستَنطِقي أنتَ ؟
إني صديقُكَ
صورتُكَ
النسخةُ  ...
الآنَ ، لن يخدعَ الواحدُ ، الآخرَ .
الآنَ نحنُ سواسيةٌ
مثلَ أسنانِ مشطِكَ ذاكَ الـمُثَلَّـمِ ...
نحن سواسيةٌ
أنت لم تنسَ أني الشيوعيُّ
(لم تنسَ أنكَ كنتَ الشيوعيَّ )
فلنتّفِقْ !
لِنَقُلْ ، في الأقلِّ ، بأنّ التّساميَ ليس السماء...

مطار مدريد 02.11.2011


العراقُ آتٍ


سوف يأتي العراقُ الجميل
سوف يأتي العراق
بعدَ أن يرحلَ الأمريكيُّ
والخادمُ  الفارسيُّ الـمُـعَـمّـمُ ...
هذا العراقُ الجميل
قادمٌ  في الهواءِ الذي نتنفّسُ
في الشاي عند أعالي الفرات
وفي العَرَقِ الـمُرِّ في جبهةِ النهرِ ...
هذا العراق الجميل
قادمٌ في عباءةِ أُمّي التي رحلتْ وأنا جاهلٌ أنها رحلتْ
( كنتُ أذرعُ زنْقاتِ باريسَ ) ...
هذا العراقُ العجيب
سوف يأتي بنا من مَـنـابِـذنا  في الديارِ التي لم نُحِبّ
الديارِ التي لم تُحِبَّ ملامحَنا
وضراوةَ أجسادِنا ...
ولَسوفَ نكونُ سعيدينَ
مرتجفينَ
حُفاةً
خِفافاً
وممتلئينَ عفافاً
ورُعباً  ...
وسوف نقولُ لـهُ :
أيُّهذا العراق
لم يَعُدْ  في الطبيعةِ مُـتَّسَــعٌ
للفراقْ
أيُّهذا العراقْ ...

لندن 11.11.2011

محاولةُ اندماجٍ

قد قلتُ أمضي اليومَ  ( طقسٌ تافهٌ ) لأطوفَ  حول بُحيرةِ البطّ .
 انتبهتُ : وأيُّ معنىً أن أكونَ هناكَ ؟
لا البطُّ الذي يُسْمى يناسبُني ، و لا الماءُ الذي يجري هنالكَ ، مائيَ .
 الأشجارُ ( عرّاها الخريفُ )
أظنُّها نخلاً ؟
وهذا الطيرُ ؟
لو أرخى ببغدادَ الجناحَ ، لكان مأكولاً ...
وهذي النسوةُ  الخفِراتُ  لو كُنٌَّ انتقلْنَ إلى " الرشيدِ " مع الكلابِ  ، لكُنَّ بضعَ رهائنَ ...
يا ويلَتي !
والآنَ
هذي اللحظةََ
استحيَيتُ من أمري ...
مرّتْ بي فتاةٌ ذاتُ كلبٍ يشبِهُ العصفورَ:
Good morning!
أقولُ لها : صباح الخير !
بالعربيّةِ ....
الكلبُ الذي يبدو كعصفورٍ يقولُ مُرَحِّباً بي :
صباح الخير !
Good morning!

ولكنّ الفتاةَ تسيرُ ، شامخةً ، تجُرُّ الكلبَ
لم تعبأْ بأن تلقى التحيّةَ ...
لم تعبأْ بأنّ الكلبَ ظلَّ ، على طريقتِهِ ، يؤدّي لي التحيةَ ...
................
................
................
أيُّ طقسٍ تافهٍ !

لندن 19.11.2011

غيرَ بعيدٍ عن البحر

طيورُ السنونو تَـخاطَفُ فوقَ سطوحِ البناياتِ
في الفجرِ .
أفتحُ نافذتي :
صرَخاتُ النوارسِ تأتي مُـكَـتّـمةً .
أوّلُ العابرين إلى السوقِ
أولى البنات اللواتي يُبَـكِّـرْنَ نحو المواعيدِ
أوّلُ صيحةِ ديكٍ ...
كأنّ الصباحَ بطنجةَ يرسُمُ صورتَه ، قطعةً قطعةً.
ولْـيَـكُنْ !
إنّ كلَّ المرافيءِ تَنْـشــدُ أن تَطمَـئِــنّ ...

طنجة  21.10.2011

غادِر الآنَ ....

وأيُّ بلادٍ أنتَ فيها ؟
لِـتُغـلقِ النوافذَ ( ليستْ بالنوافذِ )
أغلقِ المحطّةَ ... ( موسيقى الأميراتِ ليستْ ما تحبًُّ )
- كأنني تعثّرتُ ليلاً بالأميرةِ ، فلْيَكُنْ ! -
وتلكَ دوحةُ بلّوطٍ !
وما علاقةُ نخلِ البصرةِ ؟
انتبهِ :
البلادُ التي آوتْكَ ليستْ بلادَكَ !
البلادُ التي آوتْكَ ، آوتْكَ كي لا ترى بلادَكَ يوماً !
أغلقِ الخطَّ !
أغلقِ الهواتفَ ...
أغلِقْ قلبَكَ !
النساءُ اللواتي قد حـبَـبْـنَـكَ لم يَكُنَّ لـيُحْبِـبْـنَ إلاّ بالشروطِ
وإلاّ  بالوثيقِة من يد الشُّرَطيّ
أنتَ
حفيدُ كِندةَ
 وامرىءِ القيسِ ... النبيّ
أفِقْ !
لماذا أنتَ في أرضٍ لقيصرَ ؟
أيُّ معنىً أن تكونَ بلندنَ الصغرى ؟
أو الكبرى...
أقولُ لكَ النصيحةَ  يا رفيقي :
غادِر الآنَ ...
امرؤُ القيسِ الذي قد جاءَ ، لا تتركْهُ ينتظرُ  !


لندن  22.11.2011

أسمعُ المطرَ الليلةَ

منذُ عشرِ سنينٍ ، هنا ، ما سمعتُ المطرْ
كنتُ أُبصرهُ :
ناعماً
نائماً
نافذاً في الحشائشِ مثلَ الهواءِ
ولكنني ، سوفَ أحتفلُ ، الليلةَ  !
الليلَ ...
سوفَ أحفَلُ بالكونِ :
إني سمعتُ المطرْ !
كان كالطيرِ ينقرُ ذاكَ الزجاجَ المضاعفَ
يسألُ أن يدخلَ ... الآنَ
ماذا سأفعلُ يا امرأتي؟
كوخُنا ، أنا أعني الصريفةَ ، في البصرةِ الطينِ
حيثُ وُلِدتُ
وحيثُ عَرَفتُ ...
يردِّدُ صوتَ المطرْ
والرعودَ
ويأّذَنُ للطفلِ أن يبصرَ البرقَ ،
يأْذَنُ للأم أن تحتفي بالمطرْ ...
..............
..............
..............
سوف أخرجُ من ظُلمةِ البيتِ في رِيفِ لندنَ
( قبري )
وأرقصُ تحتَ المطرْ !


لندن 08.12.2011


رؤيا عام  2112

أتملّـى سماءَ الشتاءِ بلندنَ ، هذا المساءَ .
السماءُ التي قد تُرى ،
 لا تُرى .
والصقيعُ المبَكِّرُ في العشبِ
أو في الزجاجِ الثخينِ لسيّارتي ، وهي تهمدُ في الساحةِ
الليلُ يدخلُ ( قبل الأوانِ ) ؟
ولكنه الليلُ ...
يأتي ، سُدىً بهواجسِهِ ، والكلامِ عن الليلِ ...
هاأنذا
أتملّى السماءَ التي لا أرى
أتملّى العراقَ الذي لا أرى :
رُبّما بعدَ قرنٍ  ، يعودُ العراق
وفي العامِ 2112
مثلَ ما هو في هذهِ اللحظةِ  ...
سوفَ يأتي لنا مقتدى الصدر بالأغنيات
ويأتي الصبيّ المعمّمُ عمّارُ بالراقصاتِ
ويأتي لنا المالكيُّ بألويةٍ من طُوَيريجَ ، متخَمةٍ ، ومدجّجةٍ
سوف يأتي لنا البارزانيُّ
والطالبانيُّ
بالشقشقاتِ  ...
.................
.................
.................
الطريقُ طويلٌ إذاً يارفيقي !
لندن 10.12.2011
 

رُبـاعيّـــــةٌ

غيومٌ رمادٌ تُـغطِّـي أعالي التلالِ
البحيرةُ قد أوشكتْ تتجمّـدُ ،
والطيرُ غابْ .

سنذهبُ عصراً إلى حانةِ القريةِ
البيرةُ ابتردَتْ
والستائرُ مثقلةٌ بالضّبابْ .

تظلُّ الكنيســـةُ ، دوماً ، كما هيَ ، في السفحِ
في الساحةِ ، الـجُـنْـدُ قتلى
وفي الـبُرجِ كان الغرابْ .

مساءٌ بلا لَـوعة ، أو شُــموعٍٍ لذكرى
مساءٌ ، و لا مِن أغانٍ
مساءٌ  يُطَـوِّحُ بي في الـمـفازةِ ، حيثُ الخرابْ .


لندن 20.12.2011

نهار أحد مشمس في مونمارتر

سوف ترقى بطيئاً لكي تبلغَ الساحةَ
الناسُ ظلّوا ،
قروناً
على مَـهْلِهِم ، يـصـعدون إلى الساحةِ الوثنيّةِ
مثلَ الحجيج
. القديمِ
الشوارعُ مرصوفةٌ بالحجارةِ
والساحةُ الوثنيّـةُ مرصوفةٌ بالورَقْ
كنتُ أسألُ عن أصدقاءٍ قدامى ، أقاموا ، هنا ،
يرسُمونَ

 لكي يأكلوا
 خبزَهم
وقليلاً من الجـُبْن مُـمْـتَـضَـغـاً والنبيذ ...
لم يَـعُـدْ أحدٌ منهمو
غادَروا
غادَروا كلُّهم ...
اينَ ؟
لكنّ ساحةَ مونمارتر الوثنيّةَ تكتظُّ ، مرصوفةً بالورقْ
والشوارعُ ،
 كالأمس ، مرصوفةٌ بالحجارة
قد غابَ مَن كنتَ تعرفُ
غابوا
وشابوا ...
وذابوا من القهر 
لا ترتعِبْ
لا تَقُلْ
للشوارعِ ، حتى ولو أنكرَتْـكَ  : وداعاً
هيَ أُمُّـكَ
قد أرضعَتْـكَ جنونَ
المسيرةِ
*
فَـلْـنَحتـفِـل
  !

 22.12.2011 لندن

قمرٌ في الشتاء الإنجليزيّ

قمرٌ
خنجرٌ من نحاسٍ
هلالٌ تُـكسِّـرُهُ غابةُ الليلِ ...
لا نجمةٌ.
قمرٌ في شتاء القذى الإنجليزيّ
محتقَرٌ
ذابلٌ
خاملٌ
لا عيونَ تُتابعُهُ
لا أغانيَ تتبعُهُ
قمرٌ ليس للشعراءِ
( تراهم جميعاً بحاناتهم )
ولا للصبايا
( ترنّحْنً في الغُرُفاتِ الغريبةِ )
لم يبقَ إلاّ القمرْ
وحدَهُ ... في المتاهةِ
.............
.............
.............
لكنّ شخصاً نحيلاً
يقفُ الآنَ ، محتجَزاً ، هو والليل
يفتح نافذةً
ويُطيلُ الوقوفَ
يُطيلُ الوقوفَ
إلى أن يغيبَ القمرْ ...

لندن
28.12.2011

صلاةٌ في 31 كانون أوّل 2011

مطرٌ ، ناعمٌ ناعمٌ ، أبيضُ
الشجرُ الأجردُ المـتطاولُ عبرَ السياجِ
بدا  غاطساً في الحليبِ.
الظهيرةُ قد أُدْمِجَتْ تحتَ قُرْصِ الأغاني
أغاني النساءِ اللواتي ترنَّحْنَ في شمسِ إفريقيــا ...
نحنُ نشربُ شاياً بلا لَذْعةٍ بالحليبِ ،
لقد طفحتْ بالحليبِ المزاريبُ
والساحةُ انكفأتْ في بياضٍ من  الـبَـرَصِ ...
المرأةُ ، اليومَ ، تُخْـلِفُ موعدَها ، عادةً.
والرجالُ ينامونَ حتى الظهيرةِ
والشمسُ قد سافرَتْ نحو إفريقيا .
.................
.................
.................
سوف أتْـبَـعُ شُــؤبوبَـها بصلاتي ، إذاً !

31.12.2011  لندن

المستحيل

أتملّى السماءَ الشتائيّةَ :
الشجرُ الـتَـفَّ بالمعطفِ الأبديِّ
الطيورُ تهاجرُ ...
لكنْ إلى أينَ ؟
ثَمَّ ســماءٌ
و ثَمّـّتَ أرضٌ
وبينهما ليس إلاّ الهواء ...

لندن 02.01.2012

نــقّـارُ الخشبِ

نقّارُ الخشبِ الزائرُ لم  يأتِ بدايةَ هذا العامِ  ، كما اعتادَ
وكما اعتدتُ ...
والدّوحةُ  ظلّتْ  عاريةً ، جاهزةً  ، تنتظرُ
لكنّ النقّارَ تخَلَّفَ :
لم يأتِ بدايةَ هذا العامِ !
كأنّ النقّارَ أحَسَّ بأني أحتاجُ إلى أن أسأله شيئاً
( هل يتنبّـأُ نقّارُ الخشبِ ؟ )
لكنْ ، لو جاءَ  ، إلى الضيعةِ ، نقّارُ الخشبِ ، اليومَ
وأنشَبَ في الجِذعِ ، المنقارَ الإزميلَ  ،
وصارَ يدقُّ
يدقُّ
لقلتُ لهُ :
امنحْني يا نقّارَ الخشبِ الزائرَ ، منقارَكَ ، بضعَ دقائقَ
بضعَ دقائقَ ، حَـسْـبُ !
امنحْني منقارَكَ
كي أفقأَ عينَ السيكلوبِ
وأنجو من حبســي !

لندن 04.01.2012

الأطلال

ليست الأطلالُ ما نهجسُهُ
أغنيةً
أو نجتليهِ
شاخصاً يَبْلى مع الريحِ ...
هي الأطلالُ تنمو خِلْسةً
كالعشبِ
تغفو ، خلسةً ، كالعشبِ
تذوي ، خلسةً ، كالعشبِ.
والأطلالُ ليستْ حجراً
أو رملةً
أو ما تبَقّى من رمادِ الموقدِ
الأطلالُ
ما تُمسكُهُ الراحةُ ، من أيّامنا ، كالماءِ ...
ما نمسكُهُ ، نحن ، من الأرضِ الهباء !

طنجة 21.01.2012

يقظةُ الأحدِ

أنت في فجر طنجةَ لستَ تُــفَــرّقُ
بينَ صُراخِ النوارسِ جائعةً
ومُواءِ القططْ !
ذلك الأطلسيُّ القريبُ من الــنُّـزْلِ يمنحُكَ الوهمَ :
في قارةِ الغرَقِ العذْبِ أنتَ
وبين ذراعَي عروسةِ بحرٍ تحبُّكَ ...
هاأنتذا
تترجّحُ  بين النعاسِ المضمّخِ والصحوِ
بين النوارسِ والقططِ ...
..............
..............
..............
الشمسُ تدنو من النافذةْ .

طنجة 22.01.2012

في مساء الــمرفأ

ثلاثُ نوارسَ
دارتْ  ، مسرعةً ، حولَ هوائيّ الفندقِ
ثم مضتْ ، مسرعة ، نحو البحرِ .
مساءٌ يتمهّلُ في الطُّــــرُقاتِ
وفي خطواتِ الفتَياتِ
وفي عرباتِ الباعةِ ...
لكنّ الليلَ سيأتي ، حتى في هذا الحيّ الشعبيِّ
سيأتي الليلُ ...
وتنأى خُطُواتُ الفتياتِ
وتنأى عرباتُ الباعةِ .
............
............
...........
ثَـــــــمَّ ثلاثُ نوارسَ غابتْ
أينَ ، تُراها ، ستنام ؟

طنجة    24.01.2012

غيومٌ من الأطلســـــيّ

غيومٌ من الأطلسيّ
تجيءُ محمّلةً بالسنونو وبالنورسِ المتخاطِفِ والوردِ.
كان الصباحُ نديّاً
وكانت شوارعُ طنجةَ تلمعُ ، تيّاهةً بسوادٍ أنيقٍ ...
مناسبةٌ !
سوف ألبسُ  ، من أجْلِ هذا ، قميصاً من الصوف ، أسودَ !
سوف تكون المدينةُ جاهزةً لي :
أطوفُ بها
ثم أهبطُ  ، نحو النخيلِ على شاطيء البحرِ
ثم أعودُ إلى الغرفةِ الأبديّةِ
حيثُ أُلَـمْـلِـمُ نفسي
وما كنتُ فزْتُ به من مسيري ، هذا الصباحَ ...
............
............
............
ولكنني سوف أنسى المدينةَ
والناسَ
والبحرَ
حين أُحِسُّ بأنيَ لست المهدهَدَ بين ذراعيكِ
هذا الصباح !

طنجة  26.01.2012

نساءُ " سوق الـمُـصَـلّـى "

مطرٌ فوق طنجةَ ...
هذا الصباحَ تكون النساءُ بـ " سوق الـمُــصَـلّى " بلا درهمٍ :
كيف يجلسنَ تحت المطرْ
يـبِــعْنَ الخضارَ
وأرغفةَ الخبزِ
والجبنةَ المنزليّــةَ ؟
هذا المطرْ
نعمةٌ للمزارعِ ، للأغنياءِ الأُلى يملكونَ المزارعَ
أمّا النساءُ بــ "سوق الـمُـصَـلّى"
النساءُ اللواتي يبِعْنَ الخضارَ وأرغفةَ الخبزِ
والجبنةَ المنزليّةَ ...
فلتكُنْ رحمةُ اللهِ خيمتَهنّ التي ليس من رحمةٍ غيرها
في السماءِ السخيّةِ دوماً على الأغنياء !
طنجة 02.02.2012
سـاحة العاجزينَ
ثَـمّ ، في " ساحة العاجزين " المدافعُ
تلكَ التي صـبَّـها ، منذُ قرنٍ ، مغاربةٌ ... غادَروا الأندلُس
والمدافعُ ظلّتْ مصَـوَّبةً نحو ما كان يُعرَفُ بـ " الأندلس" ...
أنتَ تأتي إلى الساحةِ ، الصبحَ
تأتي إلى الساحةِ ، الليلَ
لكنّ تلكَ المدافعَ ، قد تختفي ، بغتةً ...
قد تصيرُ قواربَ
أو شاحناتٍ
ورُبّــتَــما أصبحتْ طائراتٍ لنقلِ الجنودِ
أو السائحاتِ ...
المدافعُ قد تتبدّلُ أسماؤها مثلَ ما تتبدّلُ أسماؤنا ...
مثلاً :
إنّ اسمي ... محمّد!

طنجة 04.02.2012

" العرائش "  نهارَ المولد النبويّ

كانت " ساحة إسبانيا " السابقةُ القَوراءُ ، تضجُّ  بأصواتِ الباعةِ
بالعرباتِ اليدويّةِ
والنسوةِ شيهِ الملتحفاتِ
تضجُّ  بما لم يَكُ إسبانيّـاً
أو عربيّاً
ولم يكُ ، بالطبع ، أمازيغيّاً ...
كانت " ساحةُ إسبانيا "  تنهقُ مثل حمارٍ أرهقَه ما يحملُ .
مَن يتذكّرُ ؟
مَن يذْكرُ أنّ نبيّاً وُلِدَ اليومَ لـتُرضعهُ خادمةٌ ؟
أين محمدٌ الأوّلُ في الساحةِ ؟
.................
.................
.................
في " ساحة إسبانيا " لافتةٌ من قطنٍ أبيضَ :
أغنيةٌ للسيّدةِ المصريّةِ :
وُلِدَ الهدى فالكائناتُ ضياءُ
وفمُ الزمانِ تبسُّمٌ وغناءُ ...
*
في " العرائش" لا يُغَنّي أحدٌ:
الحانتان القذرتان : في الساحة ، وعند البحرِ
الحانتان الوحيدتان
مغلقتان اليومً
وفي مثلِ هذا اليومِ
كلَّ عامٍ
كلَّ يومِ مولدٍ نبويٍّ.

طنجة 05.02.2012

البيت

أنا أبحثُ عن بيتٍ
منذ سنينٍ وأنا أبحثُ عن بيتٍ
كم بلدانٍ طوّفْتُ بها وأنا أبحثُ عن بيتٍ !
كم قاراتٍ !
كم  أثوابِ نساءٍ ...
كم ساحاتٍ  للقتلِ !
وكم كتُبٍ ...
كم مدُنٍ !
وأخيراً :
أنا في طنجةَ أبحثُ عن بيتٍ
منذ سنينٍ وأنا في طنجةً أبحثُ عن بيتٍ !
لكني سأعودُ ( كما كنتُ ) بلا بيتٍ
اللابيتُ هو البيتُ ... إذاً !

طنجة 
07.02.2012

خواطر 8 شباط

في غرفةِ الفندقِ
بالرغم من النافذة المحكمة الإغلاقِ
بالرغم من الستارةِ المسْدلةِ ...
النورسُ يبدو لكَ ، تيّاهاً ، مع الغفلةِ ،
بل تسمعهُ
عند هوائيّ الإذاعةِ  ؛
النورُ الذي تتْبعُهُ حتى ولو حفرةِ الديجورِ
يبدو لك ، بغتةً ...
من أين هذا النورُ ؟
والنورسُ ؟
إن الغرفةَ الباردةَ الفقيرةَ الجرداءَ في الفندقِ
لا تسمحُ حتى باحتمالِ الوهمِ ...
لكنك تيّاهٌ مع النورسِ
تيّاهٌ مع النورِ الذي لم يكنِ ...
الغرفةُ في عتمتِها ، ملتفّةٌ ...
أنت وحيدٌ
قانطٌ
تنتظرُ الفجرَ الذي سوف يهِلُّ
اليومَ
أو بعد قرونٍ ...
لكَ أن تفعلَ ما شِئتَ
وأن ترقصَ والنورسَ في غرفتكَ ...
الفجرُ سيأتي !

طنجة  08.02.2012

الإسلامُ ديناً

كان الإسلامُ ، الحائطَ
آخرَ ما نلتاذُ به ، حين تضيقُ بنا
الدنيا
ويحاصرُنا الأعداء ُ ...
الإسلامُ هو
 الجذعُ
الـمُدّرَعُ
الخيمةُ حينَ يُطيحُ الأعداءُ البيتَ .
الإسلامُ هو
 المنبِتُ
والنبْتُ
وآياتُ حُفاةٍ وشُــراةٍ .
الإسلامُ :
عليٌّ
عُمَرُ
الخنساءُ
وطارقٌ بنُ زياد.
الإسلامُ هو المرأةُ في السوقِ
هو الشاعرُ في الدسكرةِ .
الإسلامُ هو الحريّةُ في ألاّ تؤمنَ
بالإسلامِ ...
ليس الإسلامُ قميصَ الأميركيّ
ولا جزمةَ ذاكَ النرويجيَ ...
أو الغاليَ ،
وليس سلاحَ ذوي الأحداقِ الزُّرقِ .
الإسلامُ
هو
 الحلمُ بآخرةٍ بيضاءَ
وأسرابِ حَمام ...

طنجة 12.02.2012

ســلامٌ من هناك

وكيفَ يومُكَ ؟

كان الليلُ يهبطُ  ...
والأشجارُ تُمسي رصاصاً .
هل تحيّتُها  ، تلك البعيدة ، تُدْنيني؟
هل اقتربَتْ مني الروائحُ ؟
نَدٌّ نافذٌ
عبَقٌ من دوحةِ التين
ضوعٌ من مَنابتِ فخْذَيها ...
وضحكتِها :
وكيفَ يومُكَ ؟

يا مَن أستريحُ  لها  ، وهي البعيدةُ
يا مَن أستريحُ إلى انكسارِ لَـثغتِــها
لا تقطعي هاتفاً في الليلِ
واتَّــرِكي لي أن أُمَصْمِصَ ما تحكينَ ...
أن أجدَ النبضَ الخفيَّ
وأن أستروِحَ العِرْقَ ، حتى يستوي عرَقــا ...

وكيفَ يومُكِ ؟

لندن 27.02.2012

ضَــبــاب

لا تلوحُ المراكبُ في النهرِ
والشجرُ المتباعدُ يندسُّ ، مختفياً في مُلاءةِ قطْنٍ سماويّةٍ
وحدَهُ ، السورُ ، ينهضُ أسْودَ بين البياضِ
الطيورُ التي غرّدتْ في الصباحِ المبكِّــرِ ، تصمتُ
والنورُ يشحبُ حول زجاجِ المصابيحِ .
والعشبُ تَــغْـــمُــقُ خُضرتُهُ .
لن تجيءَ الحمائمُ
قد أغلقَ الدَّغْلُ أبوابَـــــهُ ...
واختفى  ،
في الضّــــباب .

لندن 02.03.2012

تنويع على " ما مقامي بأرض نخلةَ " للمتنبي

ما مقامي بريفِ لندنَ إلاّ كمقامِ المسيحِ بينَ اليهودِ ، الليلُ أعمى ، والهاتفُ الأسوَدُ ملقىً ، هامدٌ في بُحيرةٍ من همودٍ
ليس من زائرٍ . تلَبَّثَ حتى الطيرُ . أمّا أبناءُ جِلْدي العراقيّونَ  ... لا تنْكأ الفضيحةَ و القيحَ ! رذاذٌ على النوافذِ . ريحٌ لا أُحِسُّــها دخلتْ بين قميصي والجِـلْدِ . ماذا سوف ألقى إنْ عشتُ عاماً آخرَ ؟
 الهاتفُ ملقى .
 والموتُ دونَ شهودِ ...
خَــلِّها ،
خَــلِّها تمرُّ
سأبقى ، الفرْدَ ، سيفاً
لم يذهب الناسُ الأُلى قد حـبَـبْــتُهمْ .
إنهم  في كلِّ غصْنٍ خَضــدْتُــهُ
إنهم في كلِ كأسٍ شربتُها
كلِ رقصي
من ركعةٍ وســجودِ .
................
................
................
ما مقامي بريفِ لندنَ إلاّ كمقامِ المسيحِ بينَ اليهودِ
لستُ ألقى سوى العجائزِ
بُرْصاً
والمريضاتِ
من ليالي الجنودِ .
*
ما مقامي بريف ِلندنَ إلاّ كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ .

لندن 04.03.2012

أفقرُ الفقراء

لم تبْقَ أرضٌ لم تحاولْ أن تُـثَـبِّتَ خيمةً فيها ؛
هل الأرَضونَ قُدَّتْ من حديدٍ ؟
ربّما ...
*
و الآنَ ، في السبعينَ ،
يبدو المشهدُ الأبديُّ أوضحَ :
لن يرى فان كوخ أرحمَ من طبيبٍ للمجانينِ .
*
الحياةُ جميلةٌ
وجديرةٌ أبداً بأن نحيا بها  ...
الأشجارُ تحيا
والعصافيرُ ،
القنافذُ
والذئابُ
النملُ ،  والحلزونُ  ، والأفعى الجميلةُ
*
لا تَقُلْ لي إنني أمسيتُ كالشعراءِ !
إني أفقرُ الفقراءِ
كم حاولتُ ، حتى هذه السبعينَ  ، شيئاً تافهاً
وفشِلْتُ :
تلكَ الخيمةُ !

12.03.2012    لندن


التحديقُ إلى الأسفل


أنا في أعلى التلّ
لقد جاهدتُ طويلاً ، منذ الفجرِ ، لأبلغَ أعلى التلّ
حِـدَأٌ تتمهّلُ في الريحِ
القريةُ في القاعِ :
كنيستُها
ومنازلُها
و البارُ الأقربُ من مدخل ِ نادي الغولفِ .
الآنَ أرى ما لستُ أرى:
وطناً أعلنَ منذ 2003 – أنا مستعمرةٌ
أمّا أبناءُ الوطنِ المعلَنِ في لندنَ
( ليس عراقاً )
أعني من يكتبُ حرفاً
أو يرسُمُ ظِلْـفاً
أو يتوهّمُ ضربَ الطبلةِ والعود ِ ...
إلخ.
فقد اختاروا ، منذ 2003
وبكل الإصرار:
CIB
NI5
NI6
إلخ ...
كم هم سعداءُ !
ولكني في أعلى التلّ
في القمّةِ
تبدو القريةُ في القاعِ ، البلْقَعَ
تبدو اللاشيءَ .
.....................
....................
....................
ولكني سأظلُّ بأعلى التلّ !
أظلُّ كتلكَ الحِدأِ اللاتي تتمهّلُ في الريحِ
بأعلى التلّ ...

لندن 13.03.2012

استمطار

اليومَ
كادتْ غيمةٌ بيضاءُ تدخلُ غرفتي
( أعني بأُوتيل رِيتز )
Ritz Hotel
كادتْ ، في الحقيقةِ ، تدخل غرفتي ؛
حتى لقد فتّحتُ نافذتي لتدخلَ :
أقْبِلي يا غيمتي البيضاءَ ...
أنتِ أتيتِ  عبرَ مضيقِ سبْـتـةَ
من شمالِ العالَمِ :
الفقراءُ ينتظرونَ ماءً منكِ
ينتظرونَ أن تغدو الحقولُ ، بلحظةٍ ، خضراءَ
ينتظرون أن تتشرّبَ الراحاتُ بالماءِ المقدّسِ منكِ ؛
ينتظرونَ ، والأطفالَ ، أغنيةَ السنابل ...
فاسمعيهمْ
ولتكوني غيمةً سوداءَ ...
كوني غيمةً سوداءَ
سِــيري نحو " مكناسَ " البعيدةِ
واهطِـلي
ليكونَ طعْمُ نبيذها ، القاني ، ألَــذَّ  !

لندن 16.03.2012

ثلاث قصائد سُحاقـيّـــة

أدْرِيان رِيتشْ 
Adrienne Rich

ترجمة : سعدي يوسف

" كنت أتابعُ أدْرِيان ريتش ، شاعرةً ، ومناضلةً ، وشخصيـةً أكاديميّـةً مرموقةّ . المصادفةُ أتاحتْ لي فرصة لقائها . سارة ماغواير قالت لي إن ريتش في لندن . هكذا  رأيتها مع سارة ، في مقهى بْرَيرا عند " المسرح الغنائيّ " بهامرسمِثْ
Lyric Theatre
حيث أفضِّلُ أن ألقى قومي الفنّانين  ...
 قلتُ لعالية ممدوح في باريس إنني أريد نقل  قصائد ريتش السحاقية إلى العربية . استعجلتْني . قالت : أنت كنتَ نقلتَ كافافي اللوطيّ إلى العربية ... ما المشكل في ريتش إذاً ؟ "


*
 
القصيدة الأولى
" على العموم فضّلت ريتش أن تجعل للقصائد السحاقية هذه ،  أرقاماً لا عناوين "

نائمتين
مثل أجرامٍ سماويّةٍ
تدور في  مرْج منتصف الليل :
لمسةٌ واحدةٌ تكفينا لنعرفَ
أننا لسنا وحيدتَينِ في الكون ، حتى في المنام :
تهاويلُ أحلامِ عالمَينِ
يرودانِ  تهاويلَ بلداتهما ، كأنهما تتخاطبان.
لكنّ لنا صوتينِ مختلفَينِ  ، حتى في المنام.
وجسدانا ، متماثلان  ، لكنهما مختلفان
والماضي الذي يئزّ في عروقنا
محمّلٌ بلغةٍ مختلفةٍ ، بمعانٍ مختلفةٍ –
مع أن أيّ سجلٍّ للعالَم الذي نقتسمه
سيُكتَب  بمعنىً جديدٍ
نحن كنا عاشقينِ من جنسٍ واحدٍ
كنا امرأتَينِ من جيلٍ واحدٍ .

القصيدة الثانية

مهما حدثَ لنا ،
سيظلّ جسدُكِ يسكنُ جسدي – رخيّاً ، رقيقاً
وفِعْلُكِ الحـُبَّ  ، كالسعفةِ نصف المقوّسة
لسرخُسِ الغابةِ
الغسيلةِ توّاً بالشمسِ .
فخذاكِ المترحلتان ، السخيّتان
اللتان جعلتُ وجهي كلّه، بينهما ، مِراراً _
بَراءةُ وحكمةُ المكانِ الذي وجده لساني هناك –
الرقصةُ العنفوانُ العطشى ، لحلمتَيكِ في فمي –
لَـمْستُكِ عليّ ، قويّةً ، حاميةً ، تستخرجُني
لسانُكِ القويّ ، وأناملُكِ الرقيقةُ
تبلغُ ما كنتُ أنتظرهُ منكِ ، سنينَ ، في كهفي الرطب مثل وردةٍ
ولْيكُنْ ما يكون .

القصيدة الثالثة

لو استلقيتُ معكِ على ذلك الشاطيء
أبيضَ ، خالياً ، ذا ماءٍ أخضرَ ، صافٍ،  دفّأهُ تيّارُ الخليجِ
لو استلقَينا على ذلك الساحل فلن نستطيع المكثَ
لأن الريح تدفع رملاً ناعماً علينا
كأننا ضدّها
أو كأنها ضدّنا
لو حاولْنا  العنادَ وأخفقْنا –
لو ذهبنا بالسيارة إلى مكانٍ آخر
لننام بين ذراعَي بعضنا
وكان السريران ضيِّقَينِ مثل مَهاجع السجناءِ
وكنا متعبتَين ، فلم ننمْ معاً
هذا ما وجدناه ، وهذا ما فعلناه –
أكان ذلك ذنْـبَنا ؟
إنْ تشبثتُ بالظروف فبإمكاني الشعورُ بانني لستُ مسؤولةً.
فقط ، تلك التي تقول إنها لم تخترْ
هي الخاسرة في نهاية الأمر .

القدّيس الإيرلنديّ

قدّيسُ إيرلندةَ سانت باترِك
Saint Patrick
تراه اليومَ في الحاناتِ :
ملفوفٌ وخنزيرٌ وما يطفحُ من بيرتها السوداءِ ...
( مجّاناً ! )
و دوماً ، كنت أمضي ، ظُهرَ هذا اليومِ نحو البارِ
كي أحظى بملفوفٍ وخنزيرٍ 
وبالبيرةِ مجّاناً ...
ولكنيَ لم أذهبْ هناكَ اليومَ ؛
لم أذهبْ لأني كنتُ وحدي :
ليس من سيّدةٍ تُعينني على احتمالِ العيدِ و الملفوفِ والخنزيرِ  ...
هل كنتُ شقيّاً ؟
ربّما
ليس لأني لم أكنْ في البارِ ...

لندن 17.03.2012

دربُ الـزَجّـاجـين  Rue de la Verrerie

قبل عشرين عاماً وأكثرَ كان الطريقُ إلى الدرْبِ طَوفي الذي أتشبّثُ بالحبْلِ منهُ ،
لقد كدتُ أغرقُ في مَهْمَـهٍ من أزقـّـةِ باريسَ . ما قالَ لي أحدٌّ : مرحبـاً.
لم أجالسْ بمقهىً ، صديقاً . و لا قالت امرأةٌ : كيف أنتَ؟ أمُرُّ على واجهاتِ
المخابزِ ، أستافُ رائحةَ الخبزِ . ثَمَّ تلالٌ من  الجبْنِ.ثَمَّ شــواءٌ وجــابيـةٌ
من نبيذ . لقدكدتُ أسقطُ جوعاً. قميصي تَهدّلَ.والبصَرُ  الـمَحْـضُ غامَ .
وفي مثلِ معجزةٍ ،
مثل ما كان يَحْدُثُ للأنبياءِ
أتتْني مع الظُّهرِ ... آنُ التي هي مريمُ .
قالت: سلاماً.
أقِمْ ههنا
ادخُلْ
ولا تخف  ...
البيتُ بيتُكَ .
أرجوكَ :
فتّحْتُ بوّابةَ اللوحِ
طهّـرتُها بزجاجةِ ماءٍ من النهر  ...
فادخلْ !


لندن 20.03.2012

اخر تحديث الإثنين, 06 غشت/آب 2012 11:28