نـــداءُ الأرضِ طباعة

ولِمَن تُرى أنوي  الرسائلَ؟ منذُ قَرنٍ لم يُسَـلِّمني البريدُ رسالةً ، لا مِن صديقٍ كنتُ آمُلُ ، أو رفيقٍ كنتُ اذكرُ.تَـعْـبُرُ السنواتُ كالطيرِ الـمُـغِـذِّ أو السحابِ. وفي الحديقةِ تَسْـمُـقُ
الشّتلاتُ أشجاراً.ســماءٌ في نصاعةِ رُبْـعِـنا الخالي. وماءٌ كالفراتِ.وكأسيَ اتّقَــدَتْ.
وفي خيطِ القميصِ يطولُ لَـبلابٌ وتولَدُ زهرةٌ من غصنِ دُفلى.كنتُ أنعَسُ في قطارٍ للسكارى
شــرقَ برلينَ. النساءُ مُـنَـقِّـباتٌ في ســراويلِ الرجالِ النائمين عن النحاسِ الغضِّ.
أسترخي. النساءُ منَقَّباتُ يرتدِينَ عباءةً ســوداءَ في شــرقِ الجزائرِ . والرجالُ تبختَروا
بالبرنسِ الوبَــرِ . النخيلُ مقدّسٌ في واحةِ الأغواطِ.وهرانُ القديمةُ تسكنُ الكتبَ القديـمةَ
والسجلاتِ التي تركَ الفرنسيّونَ للعثِّ .الطريقُ مُـلَـغَّـمٌ من سِيدي بلعبّاس حتى وجدةَ.
" الناضورُ " ملتبِسٌ.تراه مغربيّاً تارةً ، فجزائريّاً تارةً أخرى ، وأحياناً ترى قشتالةَ العليا تطلُّ.
ودِدْتُ لو طوّفتُ دهراً في مقاهي " وجدةَ " الليليةِ .انتبهَ الـمُـغَـنّي ، قال لي : من أين
أنتَ ؟ أدورُ في بَتَلاتِ وردتيَ. الدمشقيّاتُ يؤثِرْنَ الـمُـضِـيَّ إلى النهايةِ. سوفَ أبنـي
منزلاً قربَ " الـمَـعـرَّةِ "  ، كي أطوفَ ، العُـمْـرَ ، عند ضريحِ شـيـخي.كان
نورٌ  في الدّجى يَنْهَــلُّ من صحنٍ به عدَسٌ ، ومن كوزٍ به ماءٌ.ســأتلو كلَّ ديوانِ اللزوميّاتِ ، حتى تدركَ البصرَ الغِشــاوةُ.ها ،و ، ها . ها ، ها ، و، ها. ها، ها ، وَ ها.
يمضي قطارٌ شــرقَ برلينَ. القطارُ محَـمّـلٌ ببضاعـةٍ ليستْ تُباعُ فـتُـشتَرى . هي
من بقايا منزلٍ متهدِّمٍ قد كانَ يوماً قصرَ هتلرَ.أقرأُ الصحُفَ الصباحيّاتِ.يلتبسُ الزمانُ عليَّ.
كان الفندقُ العالي بدربِ الزيزفونِ مَنامَ لينين وماركسَ .غيرَ أني في الصباحِ وجدتُ إنجيلاً
يخربِشُ جبهتي تحت الوســادةِ.ســوفَ اذهبُ في سبيلي. سوف أتركُ كلَّ هذا ،
ثمّ أصعدُ مُرتَـبىً مُتطامناً في فنزويلاّ ، كي أبلغَ الأنديزَ بعدَ مسيرةٍ كبرى .ســأرقى
القمّةَ العُلــيا التي غنّى لها سيمون بوليفار. أبْـلُـغُـها ، وأجلسُ في مهَبِّ الريــحِ
مُـحْـتَـبِـياً ، تـهاليلي لآلهةِ الهنودِ ، وجبهتي للوشــمِ . أفعى تحتوي قمراً...
أأسمعُ مَن يناديني؟
أأسمعُ مَن ينادي؟
أهوَ صوتُ الريحِ؟
صوتُ إلهِ بوليفار...
صوتُ الصمتِ ، والحريّةِ الـنُّـعْـمى؟
نداءُ الأرض ...

برلين 24.06.2010