اليوم أحدٌ. يومُ الله ، كما يقالُ هنا. لا عمل. كلُّهم نَؤومُ ضحىً. يذهبون إلى الكنيسة ، بالطبعِ أو التطَـبُّعِ ، مع أن عدد المصلِّين انخفضَ بنسبة45% . أمرٌ ممتازٌ ، معناه أن العلمَ انتصرَ على الخرافة. صرتُ أحترمُ المواطنين العاديّين أكثر. لم يَعُد الأحدُ يومَ الله. وقتٌ مناسبٌ للتسكُّعِ ، ورفاقِ الحانةِ ، والشواءِ في الحدائق الخلفيّةِ ، أو البقاءِ في المنزل مع الأسرةِ. وبين ما يختارُ المرءُ من مُتاحٍ : ســوقُ البراغيث! المصطلح ذاتُه ، تجده في اللغةِ الإنجليزية وفي الفرنسية ، في الألمانيةِ ، وفي لغاتٍ أوربيةٍ أخرى. في بغداد يسمّونه ســوق هرَج. وإن اختلفَت الرؤيةُ. * لستُ من الـمُـغرَمينَ بالتسوّق، سواءٌ في ذلك لندن ودُبَيّ وباريس. والسببُ بسيطٌ جداً ، بسيطٌ حدَّ اللعنةِ ، فأنا امرؤٌ أنعَمَ الله عليه بنعمةِ الفقرِ ، فجـنّـبَــه متاعبَ الشراءِ والبيعِ والتملُّكِ ، والتردّدِ على الأسواقِ ، ووضْعِ النفْسِ معروضةً ، مخذولــةً ، في المزادِ. لكنّ ســوقَ البراغيثِ ليس كسائر الأسواق. إلى هذا السوقِ تأتي النسوةُ بما يمكنُ الاستغناء عنه ممّا ذخَرَ البيتُ : أباريق شاي.أصص أزهار.حقائب. ملابس ، حلي ... وإلى هذا السوق يأتي رجالٌ بما أمكنهم الاستغناء عنه : كتب. غلايين. حقائب سفر. عدّة حلاقةٍ للمسافر ، حذاء تسلّقٍ ... والسوقُ ، إلى هذا وذاك ، مَرْبَـعٌ وملتقى ، ومرتعٌ للأطفالِ ، ونقطةُ مواعيد للعشّاق. لقد أحببتُ ســوق البراغيث حدَّ أنني وقفتُ ، بائعاً ، في صبيحةِ أحدٍ رائقٍ ، مع صديقتي النمساويةِ ، وهي تستغني عن الكثير ممّا لم تَـعُـدْ بحاجةٍ إليه. آخرُ ما اقتنَيتُ من سوق البراغيث ، بلندن ، ثلاثة مجلدات من أعمال أريك هوبسباوم ، هي: عصر التطرّف. عصر رأس المال. حول التاريخ !
|