محمّــد عـفـيـفي مطَــــــر طباعة

30. O6.2010
الشعراءُ يرحلون هكذا ، صامتينَ ، منسيّينَ.
هل سيذكرُهم أحدٌ ؟
في هذا الكرنفالِ الجنازيّ لأمّـةٍ أُخرِجَتْ ، قهراً ، من التاريخ ، لا أحدَ يذكرُ أحداً .
مصرُ ذاتُ خصوصيّةٍ هنا أيضاً.
قبل محمد عفيفي مطر، مَن كان يتذكّرُ محمد صالح؟
وقبل محمد صالح ، مَن كان يتذكّر صلاح عبد الصبور ؟
*
محمد عفيفي مطر ، مات بما مات به ملايينُ المصريين ، منذ كانت مصرُ ، ومنذ كان النيل . مات بفايروس الكبِد الوبائي. ربما كان عفيفي أكثرَ تعرُّضاُ للإصابةِ بالوباء ، بسببٍ من طبيعةِ
غذائه ، اللصيقةِ بفقرٍ حقيقيّ.
محمد كان يعيش في القرية ، في الغيط ( بتعبيره ) ، وكان إذا حلَّ بالقاهرةِ جلبَ معه غذاءه:
جُبناً قَريشاً ، وأعشاباً من الحقل  ، بصلاً وثوماً وكّراثاً وجرجيراً .
كان يقول لي : ظلَّ الفلاّحُ المصريّ ، لا يتناول من الساخنِ غيرَ الشاي.
*
لا أعتقدُ أن شاعراً مصرياً لقِيَ من العنَت والظلمِ ، ما لقيه محمد عفيفي مطر.
لقد اعتُقِلَ ، وعُذِّبَ ، حتى كاد جسده يتهدّمُ تماماً.
ظلَّ أعواماً  خاضعاً لعلاجٍ قد يُصلِحُ ما أفسده التعذيبُ من عصبٍ وعظمٍ ولحمٍ.
أمّا تهمتُه فهي انتماؤه إلى حزب البعث.
*
كان بيني وبين الرجلِ بُرودٌ ما ، بسببٍ من سياجٍ سياسيّ  صفيقٍ كان بيننا.
في إحدى زياراتي ، للقاهرة ، اعتذرتُ له ، وقرأنا معاً في أمسيةٍ من أماسي معرض القاهرة الدوليّ للكتاب.
وأظنني ، بِتُّ ليلةً ، ضيفاً عليه ، في شقّته المتواضعة ، التي تحاذي النيل. وكان غذاؤنا بعضَ ما جاء به من " الغيط " : الجبن القَريش والجرجير. رحلَ محمد عفيفي مطر. عفيفَ اليدِ واللسانِ.