ملحوظةٌ هامّةٌ جداً : يقالُ في الصحافة المحترفة إن الخبر الجيد يجب أن يتضمّن أربعة أجوبة عن أربعة أسئلة : متى ؟ أين ؟ ماذا ؟ مَن ؟ وبما أن الشيوعيّ الأخير لم يحترف الصحافة المتاحة لأسبابٍ ليست خاصةً به ، كما يقول ، فقد تصرَّفَ كما يحلو له ، مكتفياً بـ " أين ؟ " و " ماذا " و " مَن " . أي أنه قفزَ على " متى " قفزاً . أمّا " مَن " فقد اكتفى فيها بذِكْرِ الحرفِ الأول من اسمه ، وقد يكون تصَرُّفُه هذا نتيجةَ تربيةٍ قديمةٍ في العمل السـرّيّ . الخطّة ، واضحةٌ ، لديه ، في الأقلّ . وهي تشملُ النقاطَ الأربعَ الـمُدْرَجةَ في أدناه : 1- موقع السينما. 2- موقع الشيوعيّ الأخير في قاعة السينما. 3- الفيلم المعروض. تأمُّلات الشيوعيّ الأخير بعد انتهاء العَرض. موقِع الســينما لا تمتلكُ الدارُ اسماً حتى الآنَ و لا تمتلكُ الدارُ لموقعها رسماً حتى الآنَ ولكنّ الناسَ يحبّونَ الذكرى. يُحْيونَ الذكرى . يَحْـيَونَ مع الذكرى . ولهذا منَحوا تلكَ الدارَ اسماً : دارَ الذكرى ... * كنا نتساءلُ كلَّ مساءٍ : أين الدارْ ؟ فيُقالُ لنا : دارُ العَرضِ تغورُ عميقاً في الأرضِ ... نقولُ : إذاً ... مَن يدخلُها ؟ * بعدَ طوافٍ ، وبحارٍ ، وضفافٍ أبصَرْنا الـمَـبْنى ... كان جداراً منخفضاً من طينٍ معجونٍ بالـتِّـبْـنِ ... المبنى كان بلا بابٍ كان بلا محرابٍ ؛ كان وطيئةَ أَنعامٍ بين جذوعٍ خاويةٍ . ها نحن أولاءِ هناك ... بَـلَـغْـنا دارَ الذكرى ! موقعُ الشيوعيّ الأخير في دار السينما دارُ الذكرى ، دارٌ للعَرضِ الصيفيّ والناسُ بها يقتعدونَ الأرضَ إلاّ أصحابَ الدارِ ... فقد كانت لهمو بِضْعُ أرائكَ مستوردةٍ في الصفّ الأوّلِ . كان الناسُ طويلاً ينتظرون أماكنَهم ... أمّا أصحابُ الدارِ فقد جلسوا منذ الآن ، وجاؤوا بكؤوسٍ وقناني ماءٍ. والناسُ يلوبون عطاشــى أنهكَهمْ قيظُ الصيفِ وبُعْــدُ الدارِ ... ويسألُ " س " : أليسَ لنا ، نحن الناسَ ، مكانٌ ؟ قيلَ : اجلِسْ أنَّى شئتَ ! وفكَّــرَ " س " : الأفضلُ لي أن أقتعدَ الأرضَ بآخرِ صفٍّ ... سوف أرى الناسَ جميعاً وأرى الفيلم ... الفيلم المعروض عن أيّ مزرعةٍ هنا ، يتحدثُ الفيلمُ ؟ الخرافُ تدورُ والغِزلانَ ، ثَـمَّ زريبةٌ يُقْعي بها بشرٌ عُراةٌ . والذئابُ تنامُ نِصفَ مَنامِها المألوفِ . تهبطُ بالمظلاّتِ النســاءُ وقد لبِسْــنَ ملابسَ العَومِ. الزريبةُ أشرعَتْ أبوابَها للقادماتِ من الفضاءِ . يهلِّلُ البشرُ العُراةُ : المنقذاتُ أتَينَ ! كانت في السماءِ سفينةٌ بَحريّةٌ ، ميناؤها " جَنَوا " . النساءُ يَطِرْنَ نحوَ سفينةِ الخشبِ الجميلةِ تاركاتٍ في الزريبةِ ما خلَـعْـنَ . ويهتفُ البشرُ العُراةُ وقد تقدّمت الذئابُ إلى الزريبـةِ : يا إلهَ النارِ ! أشعِلْ عودَ كبريتٍ لتنقذَنا ... ستأكلُنا الذئابُ الليلةَ . الغربانُ في الـثُّـكْنات. تأمُّلاتُ الشيوعيّ الأخير بعدَ انتهاءِ العَرضِ سوف يستغرقُ الحديثُ طويلاً لو أردْنا ، لكننا رِفقةٌ لا نُتْقِنُ اللفَّ والـمِلَفَّ ... انتهى " س " من العَرضِ ، ساهماً ... كان مشدوداً إلى فكرةٍ : هل يكونُ الفيلمُ وهماً ؟ والقصْدُ : هل كانَ الحقيقةَ الـمُرّةَ ، العلقمَ ما شاهَدَ ؟ السفينةَ في الـجـوِّ . انتبِهْ أيها العاملُ الشيوعيّ ... إن العالَمَ اليومَ يظهرُ بالمقلوبِ ... ماذا عليكَ أن تفعلَ ؟ الشيوعيّ كارل ماركس قد قالَها : سنَقْـلِـبُـها حتى نرى السفينةَ في البحرِ ... الشيوعيّ " س " يســري وحيداً . لندن 23.05 .2006
|