ديوان في البراري حيثُ البرق (كاملا) 50 قصيدة طباعة
ســعدي يوســف

تموز في كوبنهاجن

في هذي الضاحيةِ الصغرى من كوبنهاجن
(لم أرَ في كوبنهاجن ضاحيةً كبرى )
كنتُ أفيقُ على امرأةٍ تركبُ درّاجتَها
(مسرعةً دوماً )
أتساءلُ : هل تتمهّلُ يوماً ؟
هل تتساءلُ : مَن هذا الجالسُ في الشرفةِ فجراً ؟
هذا القادمُ من لا أين
 هل ستقولُ: صباح الخير ؟
..........................
..........................
..........................
ولكنّ المرأةَ مسرعةٌ دوماً
مسرعةٌ لا تتمهّلُ
تركبُ درّاجتَها ، مكنسةَ الساحرةِ
الصبحُ هنا يتمهّلُ
والطيرُ يدندنُ في شبه خفوتٍ
والقهوةُ تُبطيءُ في الركوةِ
والبحرُ بلا موجٍ
والرجلُ الجالسُ في الشرفةِ سوف يظلُّ الرجلَ الجالسَ في الشرفةِ
........................
........................
........................
لكنّ المرأةَ مسرعةٌ
أتقولُ : إلى أين ؟

كوبنهاجن    04.7.08

  لــونُ اللافَــنْــدَر

اللافندَر ُفوقَ سياجِ كنيسٍ مهجورٍ
ينسجُ ، في ظلِّ الأشجار ، بنفسجَــهُ صيفيّــاً
حتى كاد جنوبُ فرنسا يملكُ هذا الحيَّ من العاصمةِ الدانيماركيةِ
أجلسُ في الشرفةِ
لم تأتِ امرأةُ الدرّاجةِ
لم تأتِ امرأةٌ
أتُراها تَسْــبِتُ في السبتِ ؟
نسيمٌ يلمُسُ، في الصمتِ ، أصيصَ النخلةِ في رُكنِ الشُّــرفةِ
..........................
.........................
..........................
هل ستعودُ القصصُ الأولى ؟
أنا لا أجرؤُ أن أُغمِضَ  عينَيَّ
مَخافةَ أن ألمحَــها
لكني أسمعُها
تلكَ  الطائرةَ الحربيةَ
في الأفقِ الـمُـغْـبَــرّ

كوبنهاجن  05.07.08

Batzenhausl Bar with Algrein Wine

أنتَ ، ضُحى هذا الأحدِ الأوّلِ ، في هذي البلدةِ ، من وادي الألْبِ،
تُلامِسُ أشجارَ الغارِ ، وتلمُسُ كاسَ نبيذٍ قرويٍّ أحمرَ . لم تذهـبْ
نحوَ محطّــةِ فورْتيسّــا لـتُوَدِّعَ . كلُّ الفتياتِ اســتقلَلْـنَ
قطارَ شمالٍ ، ومضَينَ . الفندقُ كان يتيماً. لا بأسَ . غداً أنتَ تغادرُ
أيضاً . حتى ضحكةُ منتصفِ الليلِ من الجِـنِّيــةِ سوف تذوبُ .
صخورُ الكاثدرائيةِ سوفَ تذوبُ . الساحةُ . والموسيقى ...
ما أجملَ أن تكتبَ شِعراً يُنكِرُ هذا !
امرأتانِ من القلعةِ ... كيفَ استوقفتاكَ بقلبِ السوقِ ؟ أتذكرُ  ؟
قالت واحدةٌ : أمسِ سمِعتُكَ . أمّا الأخرى فقد ابتسمتْ .
 في البارِ
شُجيرةُ غارٍ .
قلتَ : وداعاً !
هل أحسستَ بدفءِ الشمسِ ؟
سلاماً ...
هل أحسستَ بأنك سوف تموت ؟

بولزانو  ( إيطاليا )

20.07.2008

صـــراحـــة

قالت : قد كنتُ أحبُّكَ...
لكنّ الدّنيا مسرعةٌ .
هل أبصرتَ جواداً يعدو في سَهْبٍ مرتفعِ العشبِ ؟
الدنيا مسرعةٌ
وأنا المأخوذةَ بالشُّهُبِ
اخترتُ مصيرَ الشّهُبِ ...
اتركْني !
أرجوكَ !
اتركْني ...

بولزانو ( إيطاليا )
20.07.2008

عند بحيرةِ الأنهار الثلاثة

ومن أعلى البحيرةِ
مَـرَّ  سِــرْبٌ من الـوَزِّ  العراقيِّ ،
اشْــرأبّتْ له الأعناقُ .
كان الـوَزُّ  يمضي ســريعاً ، يُطْلِقُ الصيحاتِ  ،
عنقاً يكادُ يطولُ عُنْقَينِ ...
السماءُ التي انفتحتْ  تقولُ لهُ :
إلى أينَ تمضي ؟
هل مَقاصدُكَ الجنوبُ الذي تدري ...
أَم الأملُ الشمالُ ؟
.........................
.........................
.........................
البحيرةُ شِـبْــهُ ساكنةٍ .
صباحٌ كما يأتي الصباحُ هنا  .
تدورُ النوارسُ
والحمامُ يحِطُّ .
لكنْ ...
بعيداً حيثُ نجهلُ ،
كان سِــرْبٌ من الوَزِّ العراقيّ
الـمُـغِـذِّ ،
يصيحُ :
لا !
لا !

لندن 26.07.2008

الـبُـحيرةُ في الفـضـاء
   
تصحو مع   الفجرِ ، دوماً ، لا صلاةَ  ،  ولا ناقوسَ يدعو
ولا احتكّتْ بكَ امرأة تحت الـمُلاءةِ  ...
قبلَ الطيرِ أنتَ . كجَـدِّكَ الأعلى امرئ القيسِ . البحيرةُ
بغتةً قامتْ . وآلافٌ مُؤَلَّـفةٌ من الطيرِ استفاقَتْ  . ثَـمَّ
أجنحةٌ وأصواتٌ وفجرٌ أحمرُ الأوراقِ . ترتفعُ البحــيرةُ
في الفضاءِ . أغابةٌ للـريشِ تَنْبتُ ؟ أَمْ نَـثيرُ بنفســجٍ  
في الكونِ ؟ كان النوءُ طولَ الليلِ يهدرُ . والنوافذُ تختفي
في الماءِ . أنتَ ، مبكِّراً ، أدخلتَ رأسَـكَ تحتَ مُلتحَفٍ
ونِمْتَ ... أغـفلةً كانتْ ؟  أَم الساعاتُ قد قهرَتْكَ حتى
ألجأتْكَ إلى سلامِ الغَيبةِ ؟
افتَحْ ، هكذا ، عينيكَ واسعتَينِ ...
وانظُرْ  :
أيّ معجزةٍ يجيءُ بها الجناح !

لندن 01.08.2008

اســتقالــةُ الشــيوعيّ الأخيــر

قال الشيوعيُّ الأخيرُ :
سأستقيلُ اليومَ
لا حزبٌ شــيوعيٌّ ، ولا هُم يحزَنون !
أنا ابنُ أرصفةٍ
وأتربةٍ
ومدرستي الشوارعُ
والهتافُ
ولَـسْــعةُ البارودِ إذ يغدو شــميماً ...
لم أعُدْ أرضى المبيتَ بمنزلِ الأشباحِ ،
حيثُ ســتائرُ الكتّانِ مُـسْــدَلةٌ
وحيثُ الماءُ يَـأْسَــنُ في الجِرارِ ،
وتفقدُ الصوَرُ المؤطَّرةُ ، الملامحَ ...
.........................
.........................
.........................
أستقيلُ
وأبتَني في خيمةِ العمّالِ
مطبعةً
ورُكناً ...
سوف أرفعُ رايتي خفاقةً في ريحِ أيلولٍ
مع الرعدِ البعيدِ ، ومَـدْفَقِ الأمطارِ ،
أرفعُها
ولن أُدْعَى الشــيوعيَّ الأخـــير !
......................
......................
......................
الليلُ يأتي .
لندنُ الكبرى تنامُ كعهدها  ، ملتفّةً بالمعطفِ المبلولِ
أمّا في الضواحي ( و لأَقُلْ  هَـيْـرْفِـيلْــد  ) حيثُ يقيمُ صاحبُنا الشيوعيُّ الأخيرُ
فقد أقامتْ ربّةُ الأمطارِ منزلَها عميقاً في العظامِ ...
اللعنةُ !
انتفضَ الشيوعيُّ الأخيرُ :
إن استقلتُ
فأين أذهبُ ؟
إنّ ثمّتَ منزلاً  لي ،
فيه عنواني المسجَّــلُ  ...
ولْـيَكُنْ بيتاً لأشباحٍ  !
سأسكنُه
وأسكنُهُ
لكي أُدْعى الشيوعيَّ الأخير !

لندن 02.09.2008

جَــسَــدٌ

تحبّ أن تُلصِقَ نهدَيها بصدري حين تغفو
وردةً ...
ما أهدأَ الأنفاسَ !
لكنْ
كيف أغفو
وهي قد ألصقتِ النهدَينِ طَـيرَينِ
يرفّانِ بصدري ؟
كيف أغفو ؟

لندن 03.09.2008

حـــمـيـمِـيّــةٌ

نحن لا نأتي معاً ...
أتركُها
هيَ
تأتي أوّلاً ...
تُطْلِقُ الرعشةَ من أعماقِها في صرخةٍ مكتومةٍ ،
ثم تقولُ :
الآنَ أنتَ
............................
............................
............................
الشرشفُ الأبيضُ مبتلٌّ
ومدعوكٌ
وفي داخلِها نارٌ تفيض .

لندن  06.09.2008

مَبْحَثُ المكانِ

كيف لي أن أفوزَ بشِبرٍ من الأرضِ
أمضي به ، والغزالةَ ، حتى النهاياتِ ؟
حتى أرى البحرَ  أصفرَ
والسعفَ أزرقَ
والشمسَ  خضراءَ ...
كيف السبيلُ إلى ذلكَ الشِّــبْـرِ ؟
حيثُ الغناءُ الذي يترنّحُ
والطيرُ
حيثُ الصلاصلُ موجٌ ،
وحيثُ الفضاءُ النشــيدُ ...
.....................
.....................
.....................
لقد ضاقت الأرضُ بي قدْرَ ما اتّسعتْ .
كيف لي أن أفوزَ بشِبْرٍ من الأرضِ ؟
لا تَطرقوا البابَ ليلاً !
ولا تحتموا بالزجاجِ المضاعَفِ في شُــرفتي ...
لا تُعيدوا الكلامَ .
الطريقُ إليّ امّحتْ  ، منذُ عشرينَ عاماً ، ملامِـحُــها  ...
قد أفوزُ بشبرٍ من الأرضِ
أمضي به والغزالةَ ...

لندن 07.09.200

سـُــونَـيـتَــة
Sonnet


ناعساً تحتَ شمسٍ خريفيةٍ في المعسكَرِ ...
لم تأتِ طائرةٌ . ربما كانت الطائراتُ تُغِيرُ
بعيداً  هنالك حيثُ البرابرةُ المسْلِمون ْ

ناعساً تحتَ شمسٍ شماليّةٍ . أنتِ شمـسي
وأمسي . تظللُني خُصلةٌ ذهبٌ . ونسيمٌ
حريرٌ . سنقتسمُ الخبزَ والـجُبنَ والخمرَ .
نقتسمُ القطرةَ . المنتهى والجنون ْ

ناعساً تحتَ شمسِ  الـمَراكبِ ، أمضي
مع الماءِ هذا الشفيفِ ، وأقضي الضحى
والظهيرةَ والعصرَ ، بينَ الندى والغصونْ

ناعساً في ضَبابٍ من الغبَشِ . الشجرُ ازرَقَّ
ثَمّتَ صفصافةٌ تترجّحُ مقلوبةً في البحيرةِ .
كانت ذراعي الوسادةَ . أرجوكِ أن تثقي بي
وأن تُطبقي الجفنَ ناعمةً ومُنَعَّمةً ... كي نكونْ

لندن   28.09.2008

بَرشــلونــة

إنْ بلغتِ المدينةَ أمسيتِ في البحرِ ...
أعرفُ أن الكنيسةَ قد أتعبتْكِ ، فما شأننُـا والكنائسَ ؟
أو أنّ ميرو سيلقاكِ في مطعمٍ ...
أو أن صفّاً طويلاً من السائحين يزاحِمُ عشّاقَ بابلو بيكاسو !
المدينةُ ليستْ بهضْــبتِها
أو بذكرى بنادقِها الفوضويّةِ  ...
إن المدينةَ في البحرِ
راياتُ كولُمبُسَ المستدقّةُ في البحرِ
قُبلتُكِ المستحيلةُ
في البحرِ ...
لا تدفعيني بعيداً عن البحرِ
.................
.................
.................
إني أُحبُّكِ !

لندن 28.09.2008

شجرُة  الحَــــوْرِ التي أراها

شجرةُ الحَوْرِ التي أراها من النافذةِ الكبيرةِ في الغرفة الصغيرةِ
شجرةُ الحَوْرِ هذه
ظلتْ تقاومُ الخريفَ
حتى هذا اليومِ الثامن عشَر من أكتوبر.
فجأةً اصفَرَّ نصفُ أوراقِها
بينما ظلَّ النصفُ الآخرُ على خُضرتِهِ الشاحبةِ.
اختفت الجبالُ ومنازلُها
حتى أضواءُ المساءِ المبكِّرِ لم أعُدْ ألمحُها
اختفت الجبالُ ومنازلُها
حتى أضواءُ المساءِ المبكرِ لم أعُدْ ألمحُها
.........................
.........................
.........................

مطرٌ ضبابٌ يهطلُ على القريةِ.
العصافيرُ وحدَها سعيدةٌ بما يَحْدثُ.

Costa Di Morsiano
18.10.2008

أنتظرُ الصقورَ

المنازلُ تلك التي قد أردْنا  أتتْ مثلَ ما قد أردْنا :
بيوتاً وراءَ التلالِ
ستائرَ من شبَكِ الـقُطنِ
نافذةً ،
سُـلَّمـاً خشباً يصِلُ الأرضَ بالأرضِ.
لن نستريحَ إلى أننا قد بلَـغْـنا الـمُرادَ ...
الطيورُ مغرِّدةٌ
والصقورُ التي نهشتْ لَـحْـمَنا ، سنةً بعدَ أخرى ، تحومُ
ولكنْ بعيداً ...
ستتركُنا نتعفّنُ
داخلَ تلكَ البيوتِ التي قد أردْنا
البيوتِ التي ثَـبَّـتَـتْـنا وراءَ التلالِ
كما يَثْبُتُ الغيمُ ...

لندن  27.10.2008

حَــضــارِمـــةٌ

ربما كان من حضرموتَ الطريقُ الذي لو سلكْناهُ عِشْنا
آنَها ، نَـتْـبَعُ  السَّـيْـلـةَ :
الماءُ من ألفِ عامٍ وأكثرَ أفرَغَ في البحرِ أشجارَهُ والشياه الهزيلةَ
أفرَغَ في البحرِ حتى تماثيلَنا
وعيونَ الشواهدِ ...
صِرْنا مَكاشِيفَ
تخترقُ الشمسُ أجسادَنا كالمرايا.
وصِرنا رُعاةً
ولكنْ لأفيالِنا والنســورِ.
دُعاةً
ولكنْ إلى الأرخبيلِ الذي عافَهُ اللهُ ...
..................
..................
..................
نائمةٌ حضرموتُ
وناعمةٌ مثلَ أوراقِ تَبْغٍ طريٍّ
ستَقْرِصُنا ليلةً
لتقولَ : الطريقُ إلى مكّةَ اتَّضَحَ الآنَ ،
والـحَـجرُ الأسودُ  اجْـتَـرَفَــتْــهُ السيولُ
 إلى البحرِ
حيثُ الخيول ...

لندن 01.11.2008

بُـــوْذا ؟

أنا  مُـنْـحَنٍ
أنا مُنحنٍ للأرْزَةِ  الزرقاءِ  تَهْرَمُ
مُنحنٍ للأسطوانةِ
مُنحنٍ للغيمِ أبيضَ
مُنحنٍ للساحةِ  السوداءِ في الظلْماءِ تلمَعُ
مُنحنٍ لعصائبِ الطيرِ المهاجرِ
مُنحنٍ لصديقتي إذْ غادرَتْ بيتَ الشمالِ تَقودُ تلكَ الـ " فُورْد "
قادِمةً إليَّ ...
ومُنْحَنٍ لِـلِـباسِها التحتيّ .
إني أنحني لأقولَ : إني مُنْحَنٍ ...
ما أجملَ الأشجارَ !
هل أبصرتَها إذ تنحني للريحِ والأمطارِ ؟
هل أبصرتَها ...
 جبّارةً
وجميلةً
إذْ تنحني ؟
أنا أنحني أيضاً ... وأرفعُ للمساءِ الرّطْبِ قُبَّعَتي !

لندن  08.11.2008

أُغنيــةٌ لشتاءٍ خفيفٍ

خفيفٌ هوَ المطـرُ
القطراتُ التي لا تُرى تجعلُ السورَ أبيضَ ،
والدربَ أسودَ
والقطّةَ الـمُستَكِنّــةَ خضراءَ
والغصنَ يُصغي ...

خفيفٌ هو الشـجرُ
الورقُ الهشُّ يُطْوى كأوراقِ لَفِّ السجائرِ
والجذعُ يَهصِرُهُ النّوءُ
والطيرُ غابَ ...
المساءُ الذي كنتُ اُقْنِعُ نفسي بهِ  قد أراهُ ...

خفيفٌ  هو المرمرُ
التَفّت الساقُ بالساقِ ...
والماءُ مُـنْـبَـجِِـسٌ  من عروقٍ ســماويّةٍ
والأغاني مُقَـطّــعــةٌ
..........................
..........................
..........................
سوفَ تُمسي الـمُلاءاتُ ماء ...

لندن 10.11.2008
                                                              
من هناك ترى الخيلَ ...

لكنْ ، ســتَـرْقَى أوّلاً ، ما كان يُدْعى التلَّ
أقصى القريةِ ...
الآنَ ، المنازلُ آوَتِ الغزلانَ والدَّغْلَ .
المنازلُ لا تُطِيقُ الخيلَ
والخيلُ الغريبةُ لا تطِيقُ المنزلَ .
الأشجارُ تهبِطُ سُــلَّـماً أخْفَتهُ أعشابُ الخريفِ الراحلِ.
الدربُ استدارَ
فكانَ مُـنْـفَـسَحٌ ...
عليكَ الآنَ أن تجدَ اختلاجاً للصلاةِ
عليكَ أن تتجنّبَ الكلماتِ :
أنت الآنَ في الوادِ المقدّسِ ...
...........................
...........................
...........................
هل ترى ماءَ البحيرةِ  لامعاً مترقرقاً في الـبُعْـدِ ؟
هل تتأمَّلُ الصفصافَ  منحدِراً ؟
أتُبصِرُ  رَفّـةً ؟
أَسْـبِلْ يدَيكَ !
ألم ترَ الطُّوبَى ...
جواداً ، بينَ حَدِّ الماءِ والصفصافِ  ، أبلقَ ؟
أبيضَ
الوادي بياضٌ
شهقتي بيضاءُ
والناقوسُ أبيض ...

لندن 19.11.2008

النـــهـارُ واللــيلُ

تلْقاها في الشارعِ
تجلسُ في المقهى معها ساعاتٍ
تأخذها كي تتعشّى في المطعمِ
تمشي معَها كيلومتراتٍ في الـمُـتَـنَـزّهِ
تُدْخِلُها مخزنَ أثوابٍ كي تختارَ قميصاً للعيدِ
وتسألُها أن تختارَ الكرسيَّ العالي في البارِ لكي تتأمّلَ قامتَها ...
لكنك قد تتساءلُ :
هل هذي المرأةُ قد وُلِدَتْ مَلْطاءَ بلا نهدينِ ؟
ومَسْحاءَ بلا رِدْفَينِ ؟
...................
...................
...................
الساعةُ قد أعلنت العاشــرةَ
الغرفةُ دافئةٌ
موسيقى جازٍ هادئةٌ تحملُ هذا الليلَ إلى نيو أورليانز ...
المرأةُ في دفءِ ســريرِكَ .
المرأةُ ، إيّاها ...
لكنك تَعصِرُ أجملَ نهدَينِ
وتُبصِرُ مُكْـتَــنَــزَ الردفَينِ ...
المرأةُ إيّاها !

لندن 25.11.2008

حديثُ وِسادةٍ

قلتُ لها :
أطيلي زغَبَ الدّلْتا ...
( أصابعي كانت على المنفرَجِ الطافحِ )
قالت لي :
ولكنّ الذي أحببتُ مِن قَبلِكَ يهوى عانتي ناعمةً !
( تُطيلُ في ضحكتِها الخافتةِ )
الليلُ طويلٌ .
مطرٌ منذ ملايين السنينِ .
الريحُ لا تهــدأُ .
والدلتا تسيل ...

لندن 26.11.2008

جْــوان تحـلُـمُ

أراقبُ جْوانَ في الـحُلْمِ :
السريرُ هنا ، باقٍ كما كانَ ...
ليلُ القريةِ اتّسَعَتْ فيه الشواخصُ ،
أشجارُ السياجِ بَدتْ غيماً
ونافذتي تدنو من الثلجِ ...
وجهُ جْوانَ مُؤتلَقٌ للوردِ .
لا أسمعُ الأنفاسَ
غائبةً كانت جُوانُ مع البحرِ الـمُحيطِ
مع الأعشابِ في القاعِ ...
كانت غضّةً
أبداً
شفيفةً
تهبِطُ الأمواجُ تائهةً بها
ثم تعلو فجأةً ...
وأنا الأعمى
أراقبُ جْوانَ في الـحُلمِ :
السريرُ هنا
يطفو ...
وبعدَ  قليلٍ باتَ ينجرفُ !

لندن 27.11.2008

شــقّــةُ  بَرلِــيـن
The Berlin Flat


لثلاثةِ أيّامٍ ، وثلاثِ ليالٍ
ظلَّ المطرُ الصامتُ يسقطُ
حتى ابتَلَّ لِحافي في غرفةِ نومي ...
وابتَلّتْ مكتبتي .
جْوانُ الآنَ تنامُ ، مُنَعّـمةً ، في شقّتِها البرلينيةِ
حيثُ بدأْنا قصّتَـنا في القيلولةِ
بعدَ نبيذٍ أحمرَ لم نعرفْ من أيّ كُرومٍ جاءَ .
( أتحدّثُ عن عامٍ ماضٍ )
لكني ألتجيءُ ، اللحظةَ ، نحوَ هنالِكَ
نحوَ الشقّةِ في برلينَ ...
جْوانُ هنـاك .
وهنا ، لثلاثةِ أيامٍ  ، وثلاثِ ليالٍ ،
 ظلَّ المطرُ الصامتُ يسقطُ .

لندن 28.11.2008

الـنــعِــيــم

حينما يهبطُ الليلُ يأتي بمُعطَفِهِ
 ثم يفرشُهُ فوقَ تاريخِ أجسادِنا
كي ننام.
حينما يهبطُ الليلُ يُمسي الكلامُ
غماغِمَ
أو خطوةً  في غمام .
سوف يحملُنا الليلُ ، كالموتِ ، في نِعمةِ القُطنِ ،
يحملُنا
ويحِطُّ بنا في البراري التي يتبخترُ فيها القَطا والنّعام
مَنْ يُرِدْ ، أن يعودَ إلى بيتِهِ ، يستفِقْ ...
غيرَ أني مُـقِـيمٌ ، هنا ، أبداً
في حريرِ الـمَنام ...

لندن 02.12.2008

وَصْفُ ما يوصَفُ

مَن رَشَّكَ بالماءِ رَشَـشْـناهُ دَمــاً  ...
*
كانت أشجارُ البلّوطِ تنوءُ  بسيلٍ يَتَـنَــزّلُ
منذُ ثلاثةِ أيّامٍ ،
حتى كدتُ أرى في الحُلْمِ ضفادع َتملأُ جيبي .
كانت أشجارُ البلّوطِ  تُحَرفِشُ  جِلْــداً  أسودَ ،
كانت أشجارُ البلّوطِ تنوء ...
*
مَنْ رَشَّكَ بالماءِ رشَشْـناهُ دماً ...
*
أتأمّلُ ، مقروراً ، في وجه الساحةِ .
لا طيرَ
ولا كلبَ
ولا سنجابَ.
الساحةُ  مِرآةٌ ســوداءُ.
الساحةُ وجهي.
*
مَنْ رشّكَ بالماءِ ، رششناهُ دماً ...
*
لن تَطرقَ بابي امرأةٌ في هذا الليلِ الدّبِقِ.
التحفَتْ كلُ امرأةٍ مَن شاءتْ أن تلتحفَ.
الليلُ طويلٌ
وعلى المرأةِ أن تَأْمَنَ من خوفٍ .
وعلى المرأةِ أن تهجرَني .

لندن 17.12.2008

البَــرِّيَّــة

أوَ لَستَ ترى خيراً لكَ أن تجلسَ مثلَ التمثالِ رُخاماً ؟
لقد انكفأَ العالَـَمُ
وانقطعتْ كلُّ خطوطـِكَ :
لا هاتفَ
لا أوراقَ بريدٍ
لا إيميلَ ...
و لا امرأةٌ تضغطُ زِرَّ البابِ مســاءً .
خيرٌ لكَ أن تجلسَ  تمثالَ رُخامٍ
ما شأنُكَ والعابرَ ؟
ما شأنُكَ والهاتفَ والأوراقَ ... إلى آخرِهِ ؟
أنتَ الآنَ كما أنتَ ،
لِــمَ الحُزْنُ إذاً ؟
.........................
.........................
.........................
أهيَ الريحُ وقد أمستْ تتناوَحُ في الغابةِ ؟
أهيَ الريح ؟

لندن 18.12.2008

Communion مُــنــاوَلــةٌ   

قبل منتصف الليلِ
كانت كنيسةُ قريتِنا في الظلامِ الأليفِ :
الطيورُ التي هجعت سوف تبقى إلى أوّلِ الفجــر  هاجعةً
وطريقُ الكنيسةِ يبقى الـمُـغَـيَّبَ ...
والسَّــرْوُ في حُلْــمِهِ .
قبل منتصفِ الليلِ
لا شــيءَ إلاّ الظلام ...
........................
........................
........................
أتسمعُ منتصَفَ الليلِ ؟
طيرٌ بلا موعدٍ أعلَنَ الوقتَ بين الغصونِ التي لا نرى .
فجأةً  لألأَ  النورُ .
بابُ الكنيسةِ يبدو طريقَ نجومٍ،
وأسوارُها سُــلَّـماً للمَجَـرّاتِ.
ها نحن أولاءِ ندخلُ :
نستقبلُ الطفلَ يُولَدُ ، تمتمةً في شفاهٍ عَلاها  النبيــذ .

لندن 27.12.2008

الأيّــام ...

يا ما نسجتُ الحُلْمَ :
أدخلُ مكّــة َالأجبالِ ، فجراً ،
رافعاً  ، في خِرْقةٍ حمراءَ ، تُشْبِهُ رايةَ الـمِتْراسِ ،
 بَيرَقِيَ المؤجَّلَ منذُ آبادٍ ...
.........................
.........................
.........................
سأدخلُ مكّةَ الأَجبالِ :
لكنْ ... ما تراني فاعلاً ؟
هل أحملُ الحَجَرَ القديمَ إلى الـمَـنامةِ ، مثلَ ما فعَلَ القرامطةُ ؟
الطريقُ إلى المَنامةِ ليسَ حُرّاً
والمنامةُ لم يَعُدْ فيها قرامطةٌ .
أَأُطْلِقُ منجنيقَ النارِ  كالحَجّاجِ  ، أيّامَ الزُّبَـــيرِ ؟
مُغَفَّلاً سأكونُ ...
فالبيتُ الحرامُ ، الآنَ ، يحمِــيـهِ الـمِظَليّونَ ( من تدريبِ باريسَ ) .
الجبالُ محيطةٌ...
والناسُ سوف تُفِيقُ ، مُثْقَلةً ، تُصَلِّي  الفجرَ .
سوف يرونَني ، بالجِيْنْزِ ، والبسطالِ ، مجنوناً
وأشعثَ بعدَ طُولِ سُــرىً .
ومَنْ يدري؟
أيصرخُ واحدٌ منهم : شــيوعيٌّ يُقامُ عليه ، هذي اللحظةَ ، الـحَــدُّ ؟

لندن 06.01.2009

السباحة في خليج عدَن

لا أدري إنْ كان الجولدمور
The Gold Mohur
ما زال على الشاطئ ...
رُبَّـتَــما غارَ الفندقُ هذا في قاعِ البحرِ
أو ارتَدَّ صخوراً في الجبلِ الأســودِ .
 ( إنّ مَساكـنَـنـا تسكنُ فينا )
أحياناً ، في الليلِ الهامدِ ،في مُنْتَبَذي الأوربيّ ،أغادِرُ غرفةَ نومي
وأسيرُ إلى بابِ المنزلِ
معصوبَ العينينِ برائحةٍ من سمكٍ وســراطينَ
فأهبِطُ درْجاتِ السُّـلَّـمِ أعمى إلاّ من رائحةِ الساحلِ
والريحِ الرّطبةِ  بين شُجَيراتِ غَضــاً ...
أُرهِفُ سَــمعي :
هل ثَـمَّ حضارمةٌ بلغوا الفندقَ في سُفُنٍ خشبٍ ؟
أَمْ يافِعُ تدنو ؟
إني أسمعُ أغنيةً عن بحرٍ ومَحارٍ ...
أسمعُ تهليلةَ بَحّارٍ .
أسمعُ صوتي !
...................
...................
...................
في الجولدمور
كنا نصنعُ ، في ليلةِ قيظٍ ، سُفناً من ورقٍ
لتطيرَ بنا ...
كنا فقراءَ إلى الله!

لندن  09.01.2009

في تلك الثمانينيات

كان أفارقةٌ ثوريّونَ
 يعودون إلى الشاطئ في زورقِ مطّاطٍ .
والزورقُ منطلِقٌ
 من قَيدومِ سفينةِ شحنٍ سوفييتيّــةْ .

في صمتِ البحرِ الأحمرِ
في صمتِ الليلِ
وفي صمتِ الموجِ
أفارقةٌ ثوريّونَ يعودون إلى شــاطئهم
غيرَ بعيدٍ عن جيبوتي ...
*
في الصبحِ المتوهجِ ( لا فجرَ  هنا )
نبْلغُ مرفأَ جيبوتي  :
طرّادٌ حربيٌّ لفرنسا يحرسُ بوّابةَ جيبوتي ،
والأرضُ الإفريقيةُ لا تعلو أكثرَ من مترٍ عن سطحِ البحرِ .
.........................
.........................
.........................
أفارقةٌ ثوريّونَ أعادتْهُم في زورقِ مطّاطٍ
أمسِ
سفينةُ شحنٍ  ســوفييتيّةْ .
لكنّا سنلوبُ بحارَ العالَمِ في زورقِ مطّاطٍ لن يُبْلِــغَــنا أرضاً
أبداً ...

لندن 10.01.2009

إلى وِصال
    
لستُ أعرفُ في أيّ أرضٍ حللتِ
ولا أينَ  أنتِ تَحِـلِّـينَ ،
عُمْرٌ ، كما يخطِفُ البرقُ   ...
أَمْ ماراثونُ العذابِ ؟
السفينةُ قد غرِقَتْ منذُ قَرنٍ ببغدادَ ...
هل تَذْخَرينَ الأريكــةَ  للرِّحْلةِ الأُمِّ ؟
غادرت ِشـارعَنا في فلسطين ( أقصدُ عندَ القناةِ ببغدادَ ) ؟
أينَ ذهبتِ ؟
وأينَ ذهبتِ ، بما لم  يَكُنْ ؟
جاءني صوتُكِ الـتِّـبْـرُ أيّامَ حفلةِ  قتلي بِعَمّانَ  ...
هل كنتَِ أحسستِ أنيَ أُقتَلُ ؟
يا  بنتَ عمّي
التي قطفتْ وردتي ،
يا وِصالُ ...
سأنتحبُ الليلةَ :
الريحُ غربيّـةٌ
والمطرْ
ليسَ ينقطعُ ...
الفضّــةُ ، الآنَ ، تبكي ، خيوطاً بشَعرِكِ .
أنتحبُ الليلةَ ...

لندن  19.01.2009

شجــرة

دوحةُ التوتِ كانت تُحَوِّلُ ما حولَــها جبلاً ...
والحديقةَ سَـفْْـحاً .
وكانت حبالٌ من السُّرخُسِ الفظِّ تجهدُ أن تتسلَّـقَها.
والأرانبُ قد تحتمي بتجاويفَ في أسفلِ الجِذْعِ إذ تغرُبُ الشمسُ.
دوحةُ توتٍ لها عسلٌ أحمرٌ
ولِحاءٌ شفيفٌ ...
إذا مرّت الريحُ  بينَ  مَساربِها هدأتْ
لتقولَ الســلام ...
كم لها من سنينٍ هنا ؟
كم لها من سنين...
............................
............................
............................
في الليالي الوحيداتِ أُرهِفُ ســمعي لها ...
أهِيَ الريحُ
أمْ هو ذاك الأنين ؟

لندن  20.01.2009

الــمَـمَــرّ

كأنْ  لا ســبيلَ إلى خارجِ القريةِ :
الساحةُ التهَمَـتْـها السَّــراخِسُ والعقعقُ .
البرْكةُ اختنقَتْ  بالحشائشِ والقصبِ .
الثلجُ أغلَقَ آخرَ ممشىً إلى موقفِ الحافلاتِ الأخيرِ .

كأنْ لا سبيلَ إلى خارجِ القريةِ :
المطرُ الأطلسيُّ الذي لا يُرى ، يتحَدَّرُ في العَظْمِ .
والخيلُ تَقْطُرُ بالعَرَقِ المتبخِّرِ عبرَ السياجِ .
لقد عَرِيَتْ آخِرُ  الشجراتِ .

كأنْ لا سبيلَ إلى خارجِ القريةِ :
المدينةُ ترسِلُ ، ليلاً ، رسائلَها ...
غيرَ أني ، هنا ، كالذي ليس يقدرُ أن  يُدرِكَ الليلَ .
إني هنا أهبِطُ ،
اللحظةَ
اللحظةَ
البئرُ مفتوحةٌ ...

لندن 23.01.2009

رَمْــلُ دُبَــيّ
" إلى أدونيس "

إبَرٌ من أغصانِ صنوبرةٍ كانت تفرِشُ أرضَ الممشــى ،
والـمَمشــى كان رفيقاً يصعدُ نحوَ  الدارةِ
حيثُ يبيتُ أرِقّاءٌ من بُلدانٍ شَـتّى ، ليلتَهُم ، منتظِرينَ النخّاسَ الســوريَّ .
النخّاسُ السوريُّ
يُقَلِّبُ في دارتِهِ الباريسيةِ أوراقاً ناعمةً
وحساباتِ مصارفَ ...
أو أضغاثَ عناوينَ .
النخّاسُ الســوريُّ ، يسيرُ الآنَ إلى الدارةِ
حيثُ أقامَ أرِقّاءٌ من بُلدانٍ شــتّى ليلتَهــمْ .
سيقولُ صباح الخيرِ
ويضحك ضحكتَهُ الخافتةَ .
الشعراءُ  الـمَسْلوكونَ إلى حبلٍ من مَسَــدٍ
كانوا ينتظرونَ النخّاسَ السوريّ .
...........................
...........................
...........................
أمواجٌ هَـيِّــنــةٌ كانت في الفجرِ تُوَشْــوِشُ رملَ الشاطئ .
مَرْكبُ فَحْمٍ ، فيه الشعراءُ
أرِقّاءُ النخّاسِ السوريّ
يرســو
في الفجرِ المحتقِنِ الرَّطْبِ
على رملِ " دُبَــيّ " .

لندن 28.01.2009

الثلجُ في الظهـــيرةِ

كيف يمكِنُ أن تلمُسَ الثلجَ ؟
ريشُ الطيورِ التي لم تكُنْ ، يلمُسُ الثلجَ .
مأْثُرةُ الحُلمِ ، في مهدِها ،  تلمُسُ الثلجَ .
هذا الهدوءُ الذي لا نُحِسُّ بهِ ، يلمسُُ الثلجَ .
إطْباقةُ الجسدَينِ على غفوةٍ ، تلمسُ الثلجَ .
نافذتي تلمسُُ الثلجَ .
كفّي التي تنقُرُ الآنَ لوحَ المفاتيحِ ، سِــرِّيّةً ، تلمسُُ الثلجَ .
طيرٌ وحيدٌ
وغصْنٌ
ومِرآتُــهُ في البحيرةِ
يلمسُُ ، في الهدأةِ ، الثلجَ .
.......................
.......................
.......................
كأسي التي أُتْرِعَتْ
بهجةً
وسماءً شماليّةً ،
تلمسُ الثلجَ ،
عيني التي أُغمِضَتْ عن قساواتنا
تلمسُُ الثلجَ ...

لندن 02.02.2009

الــمَـعْـبَــر

لن أذهبَ أبعدَ من هذا !
سأسيرُ ، وئيداً ، حتى أبلُغَ تلك القنطرةَ .
انتبِِـه!
القنطرةُ  المأمولةُ ماثلةٌ ...
لكني لن أعْـبرَها.
سأميلُ قليلاً عنها كي أهبِطَ عندَ الجُرفِ السرّيّ ،
حيثُ الماءُ المتجمِّــدُ.
حيثُ السمكُ الفضّــةُ.
حيثُ زهورٌ غامضةٌ.
وقبورُ جنودٍ رومانيّين .
...................
...................
...................
لن أذهبَ أبعَدَ من
لا أبعَدَ من هذا ... هذا !

لندن 07.02.2009

السؤالُ الأوّل

أقولُ له ...
(ليَ في الحقِّ )
 - كانت ظهيرةُ ثلجٍ تَنِثُّ علينا - :
ألم نَصِل البلدةَ ؟
اليومَ ( أذكرُ ) مرّتْ بنا ، وعلينا ، عواصفُُ ليس لها عددٌ.
مَرَّ طيرٌ بنا ...
مرَّ طيرٌ علينا ، وقالَ لنا :
أســرِعوا !
مَنْ تباطأَ ماتَ .
ولم يمكث الطيرُ . لم يتلبّثْ .
فهل بلغَ البلدةَ ؟
اليومَ ( أذكرُ ) أكملتُ خمسينَ عاماً على الدربِ.
ما قال لي أحدٌ :
 أين أنتَ ؟ وما حالُكَ ؟
الطيرُ لم يتلبّثْ .  صحيحٌ . ولكنه قال شيئاً  ...
ومنذُ مضى ،
 مسرعاً ، وبهيّاً ،ومنتفضاً ،
 لم أجدْ في الطريقِ ســواي ...
ولم يأتِني أحدٌ  ، في النهارِ أو الليلِ ، كي يتبلّغَ من خُبزتي
( خيمتي مثلُ نارٍ على عَلَمٍ )
أتُرى كنتُ في التيهِ ؟
أَمْ أنّ رِفْقَتِــيَ التائهون ؟

لندن 08.02.2009

فــيْـضٌ

فِ الكأسَ نبيذاً
واترُكْ للأرضِ نصيباً من كأسِكَ ...
أنتَ كريمٌ .

فِ العاشقةَ ، الأقصى ممّا تأمُلُ منكَ
امْـلأْ مُحتَقَباً  منها عسلاً أبيضَ ...
أنتَ كريمٌ .

فِ الأغنيةَ ، الحريّـةَ
لا تتركْها تتلعثـمُ ...
أنتَ كريمٌ .

فِ الطيرَ ، جناحَيكَ
ولا تَقـْنَـطْ :
 إنْ لم تطِرِ اليومَ
فسوفَ تطيرُ غداً ...
أنتَ كريمٌ .

لندن 07.03.2009
--------------------
فِ : فعلُ أمرٍ .

الـمَــدْبَــغـــــة

سـُـلَّـمٌ ضيّقٌ  ، وحديدٌ ، سيأخذكَ ...
السُّلَّمُ الضيِّقُ ، الحلَزونُ ،سيبدأُ من آخرِ المخزنِ .
السّترةُ الجِلْدُ ، ثَمَّتَ ،والشايُ أخضرَ ،
تلكَ الحقائبُ مفتوحةٌ ، كفِخاخٍ ،ستسقطُ فيها عجائزُ برلينَ ...
والشمسُ غائبةٌ أبداً
( ربما تُحرِقُ الجِلْدَ )
يأخذك السلَّمُ الضيِّقُ ، الحلزونُ ، إلى السطحِ :
من ههنا تُـبصرُ الـمَدْبَــغــةْ :
شمسُ إفريقيا تتمهَّلُ ، حتى تغورَ عميقاً بتلك القدورِ المدوَّرةِ .
الماءُ يفقدُ ما هو للماءِ .
للماءِ رائحةٌ كالمجاري التي في الحميمِ
وللماءِ لونٌ ،
وللماءِ طَعْمُ الرصاصِ .
الرجالُ يدورون بين القدورِ ، عراةً إلى النصفِ .
كانت جلودُ جِمالٍ على السطحِ تَنْشَفُ
كان قطيعٌ من الماعزِ الغِرِّ ينزعُ أثوابَهُ قربَ ثورٍ بلا جثّــةٍ
أتُرى دخلتْ في القدورِ خيولٌ من الأطلسِ ؟
الشمسُ باردةٌ
شمسُ إفريقيا تتمهّلُ كي تُنْضِجَ الجِــلْـدَ
كي تتفادى سكاكينَــنـا بالغياب...

لندن 30.03.2009

خِزانةُ جامعِ القرويّـين

كرسيُّ محمدٍ الخامسِ كان بسيطاً
خشباً
لم تجرحْه يدٌ لتزخرفَه ،
 أو لتلوِّنَهُ .
كرسيُّ محمدٍ الخامسِ كان على بابِ  المخطوطاتِ السعديةِ
يحرسُــها .
لو كانت تلك القُبّةُ مُذْهَــبــةً من تِبْرِ السعديّينَ !
لكنّ القبّةَ عاريةٌ
إلاّ من مخطوطاتِ النحوِ
وكرســيّ محمدٍ الخامس !

لندن 30.03.2009

ســيّدي اللقلقُ

ملأَ الرومانُ هذا السهلَ بالأعنابِ والأعمدةِ .
الأَرْزُ الذي يكْمُنُ في الأطلسِ يُمسي سفناً
أو عرشَ جنديٍّ ،
وقد يصبحُ كأساً لنبيذ السهلِ
باباً
أو ســريراً ...
نحنُ جَوّابونَ ،
 لم نغلقْ علينا أفُقاً
لم نبْنِ بيتاً
دارةً ، أو قلعةً ...
نحن بنَينا مُدُناً في صحنِ حلوى
وانتظرنا لحظةَ الإفطارِ ، آنَ التّمْــرةُ الجنّةُ .
ما أشبهَنا بالنحلِ والنخلِ !
وما أشبهَنا باللقلقِ !
الســهلُ فســـيحٌ ...
هل سيبني  سيِّدي اللقلقُ عشّــاً
 بـينَ مكناسٍ وفاس ؟

لندن 01.04.2009

نُــزْلُ تْرانس أتلانتيك ( مِكْناس )
Transatlantique-Meknes Hotel


عُمرُ هذا النُّزْلِ عُمري :
عُمرُهُ خمسٌ وسبعون ، وبِضعٌ من حروبٍ .
ينهضُ النُزْلُ على مَشْــرفةٍ تَصْلُحُ أن تنصِبَ فيها مدفعــاً
يمكنُ أن يقصفَ حَيَّ العربِ ، الأسواقَ والتاريخَ والزُّلَّــيجَ ...
كانت هيأةُ الضبّاطِ في الجيشِ الفرنســيّ ترى في النُزْلِ بيتاً أو مَقَرّاً ،
من هنا يمكِنُ للخيّالةِ السيرُ إلى " وجدةَ " ليلاً ،
ثم يأوونَ إلى بردِ تِلِمسانَ صباحَ الغدِ ...
كان العالَمُ المعروفُ في مُنبسَطِ الكفِّ !
.......................
.......................
.......................
ولكني هنا
في البارِ ...
أبدو ضائعاً
مستَنفَداً في ولَهِي
 إذ أسمعُ " الـعَرْبِيَّ " يتلو أزرقَ الجازِ
وإذْ ألمحُهُ يغمِزُ لي في آخِرِ الأغنيةِ .
النُّزْلُ الذي أعرفُهُ لم يَعُدِ النُّزْلَ الذي أعرفُهُ ...
........................
........................
........................
اللحظةُ ، كالقطّةِ :
إني أسمعُ ، البغتةَ ، خَطوي ، عبْرَ ممشى العشبِ
أسمعُ الأوراقَ تَسّاقَطُ  في الليلِ
حفيفَ الطيرِ إذ يأوي إلى عُشٍّ بِــلِـــيفِ النخـــلِ
ِمن صومعةٍ في البلدةِ انثالَ الأذانُ ...
العالَمُ استكمَلَ معناهُ .
وهذا النُزْلُ أيضاً !

لندن 02.04.2009

ســاحةُ الهَــدِيــم ( مكناس )

مولاي ، اسماعيلُ ،
  قِفْ  ، نرجوكَ ... هذا حَدُّكَ !
ابتدأتْ منازلُنا الفقيرةُ
وانتهى غالي قصورِكَ!
ليس بَعدَ الساحةِ القوراءِ مِن هَدْمٍ ...
أتعرفُ أننا نخشى الدخولَ إلى حدائقِكَ ؟
الصهاريجُ ارتوَتْ منها خيولُكَ
غيرَ أنّ غِياضَنا ، الزيتونَ والليمونَ والنعناعَ ، جفّتْ ...
نحن ، يا مولايَ اسماعيل ، شعبُكَ
نحن لسنا في بلادِ السِّــيبةِ ...
الراياتُ رايتُكَ
المنابرُ كلُّها تدعو لكَ ،
الغاباتُ مزرعةٌ لكَ
الشطآنُ والوديانُ ، والنُّعْـمى ، وثلجُ الأطلسِ البحريّ .
يا مولاي اسماعيلُ
قِفْ !
نرجوكَ ...
هذا حَدُّكَ !

لندن 07.04.2009

جْوان  في  بار  نُوفَـلـْتِــي

ربّـما للمرةِ الأولى يرى الساقي ، جَمالُ ، امرأةً تجلسُ في كرسيِّها العالي
بهذا البارِ ،
كي تطلبَ منه كأسَ " رِيكار " ...
لقد كان نهاراً رائقاً
والشمسُ في يوم الربيعِ الأولِ ؛
الناسُ الذين اقتعَدوا  مقهى الرصيفِ استمتعوا بالقهوةِ
الآنَ تجيءُ الخطوةُ الأخرى :
إلى البارِ !
..........................
..........................
..........................
كأنّ جْوانَ لا تدري بما يَحْدُثُ في البارِ ...
لقد جاءَ الجميعُ !
اختفتِ الشمسُ
وما عادَ بهذا الصَّوْبِ من " مكناسَ " مقهى ...
وسماءٌ رَطْـبــةٌ تُمطِرُ رِيكاراً على رأسِ جــوان ،
البارُ أمسى مسرحاً ...
قالت جوانُ :
" الآنَ حانَ الوقتُ كي نمضي إلى الفندقِ ... "

لندن 08.04.2009

الشاطئ البربريّ
Barbary Coast


أقولُ الصراحةَ :
هذي البلادُ التي كِدتُ أعرفُها مرّةً
لن أتوقَ لأعرفَها الآنَ ...
هذي البلادُ أخَبِّيءُ  أعشابَها وأزِقَّتَها في جيوبي الكثيرةِ
لن أسألَ ؛
الوردُ والســِرُّ لا يُسألانِ
الحقيقةُ لا تُسألُ .
الحُبُّ لا يُسألُ .
الدربُ ما بينَ وجدةَ شــرقاً وسَــبْـتـةَ ،
 دربي العتيقُ الذي وطّأتْــهُ خُطايَ الخفيفاتُ
أيّامَ كانت موائدُنا نَزْرةً
وبيارقُنا عاليات ...
لكَ الحمدُ ، يا شاطئي البربريَّ
لك الحمدُ
يا مَن وهبتَ الأصابعَ وقتَ النبات.

لندن 09.04.2009

الجمعة الحزينة  
Good Friday


لَكأنني أمسَيتُ مقذوفاً من البــحرِ المحيطِ على رمالِ الشاطئ المجهولِ.
أطرافي مُخَلْخَــلــةٌ ، وأثوابي ممزّقةٌ ، وملءَ فمي طحالبُ.كانت الشمسُ
الخفيفةُ تختفي . يأتي سحابٌ أسْودُ . المطرُ المباغِتُ يغسلُ المِـلْحَ الثخينَ
على ضفائريَ .انتبهتُ إلى شُجَيراتٍ قريباتٍ من الكُثبانِ. أزحفُ.كـــــان
وجهي يمسحُ الرملَ الطريَّ . يدايَ ترتجفانِ . يَمْرُقُ نورسٌ ويغيبُ .أزحفُ.
أبلُغُ الشجرَ .المساءُ يكادُ يأتي. البحرُ يأخذُ مثل َما يُعطي.وهاأنذا هُلامٌ
من عطايا البحرِ.ساقاي اللتانِ اصطَـكَّـتا لن تحملاني أبعَــدَ. الأشجــارُ
مـأوىً لي وسقفٌ .سوف يأتي الليلُ بالأشــــباحِ.هل تــأتي الذئابُ ؟
 بُـنَـيَّتي: أرجوكِ أن تتذكّريني الآنَ ...
أرجوكِ !

لندن   الجمعة  10.04.2009   

أحَــدُ الفِصْحِ في أَكْـسِـبْرِجْ
Easter Sunday in Uxbridge


لا يعرف الناسُ ماذا يفعلونَ
بعيدِ الفِصْحِ ...
يمشونَ في الشارعِ ؟
الأسواقُ مغلقةٌ !
يبقَونَ في البيتِ ، ألواحاً مُسَـمَّرةً أمامَ شاشاتهم ؟
يا ضيعةَ العيدِ ...
ماذا يفعلونَ؟
وأبوابُ الكنيسةِ ؟
حتى هذه انفتحتْ على الرياحِ ...
فلا قُدّاسَ يُغْري !
.........................
.........................
.........................
سيأتي اللحظةَ  ، المــطَــرُ !

لندن  12.04.2009

أنتظرُ نقّارَ الخشبِ

حتى هذي الجمعةِ من نيسانِ الغابةِ لم يظهرْ نَقّارُ الخشبِ ...
البلّــوطةُ  ( حيثُ اعتادَ السكنى ) بدأتْ تُطْلِعُ بُرعُـمَــها
وتميلُ من البُــنِّــيِّ إلى الأخضرِ ؛
والمشهدُ يتَّضِحُ ( الغيمُ أقَلُّ )
ولكنْ ... لم يظهرْ نقّارُ الخشبِ !
في الفجرِ أُلَـمْــلِــمُ نَقراً متّصِلاً ...
فأُفِيقُ :
وأنظرُ من غرفةِ نومي نحوَ البلّوطةِ
لكنْ لم يظهرْ نقّارُ الخشبِ ...
لا أثرٌ
لا نَقْرٌ
والبلّوطةُ لم تَعُدِ البلّوطةَ ،
لم تَعُدِ المأوى
حيثُ صباحُ الخيرِ يُبادئـُـني من نقّارِ الخشبِ !

لندن  17.04.2009

مشحونٌ ، هذا الأصيلُ الـمُـبَـكِّــرُ ...

آخرُ طيرٍ مرَقَ الآنَ .
سماءٌ ذاتُ رصاصٍ دبِقٍ تُطْبِقُ .
أغصانُ الماغنوليا حجرٌ يشبه أغصانَ الماغنوليا .
والأنفاسُ تضيقُ
الساحةُ والأرصفةُ السودُ تضيقُ
النافذةُ العليا في البيتِ تضيقُ
وقُرْصُ الشمسِ المترنحُ في أقصى الدغْلِ يضيقُ
القطةُ تُرْهِفُ سمعاً قربَ السيارةِ ...
غابَ السنجابُ
ونقّارُ الخشبِ
الببغاواتُ السبعُ رحلْنَ مع الشمسِ .
أُحِسُّ بساقي اليســـرى خشباً .
.........................
.........................
.........................
أغصانُ الزانِ على الربوةِ ترتعشُ.
الآنَ
تَـنَــزَّلُ أُولى القطراتِ الأولى .

لندن 15.05.2009

لَــدْغــةُ الـبَــرقِ

أجلسُ الآنَ تحتَ دوحةِ توتٍ برابيةِ القريةِ .
الـمُرْتَبى كان في هيأةِ التلِّ
من ههنا كنتُ أنظرُ
من ههنا كنتُ أنتظرُ ...
الناسُ يَبْدونَ كالخيلِ
والخيلُ تبدو كما الناسُ .
ثمـّتَ تلك البحيرةُ ( قد طالَ ما كنتُ حدّثتُكُم عن تفاصـيلها :
القصبِ المترنحِ ، والطيرِ ، والسّمكِ الفضّةِ ،الزانِ ، والكستناء
وما ينسجُ الضوءُ والظلُّ ، ساقي التي آلَـمَـتْني . إلى آخرِ القولِ )
ماذا ؟
إذاً
أنا أجلسُ في قمّةِ الـمُـرْتبَـى
أُرهِفُ السّـمعَ :
لا نأْمــةٌ .
أُرهِقُ العينَ :
لا لَـمْـعـةٌ ...
لا ســماءَ لكي يخطِفَ البرقُ .
ســقفٌ رصاصٌ تَـمَــدَّدَ حتى غدا ، هوَ ، شكلَ السمــاءِ .
.........................
.........................
.........................
ولكنني من هنا أنظرُ
من هنا أنا أنتظرُ ...

البرقُ
يلدغني ، فجأةً ،
قادماً من براري دمي ...

لندن 18.05.2009

عن الوهمِ

هي صفصافةٌ
هي صفصافةٌ باكيةْ
تتدلّــى ضفائرُها في البحيرةِ
تمشِطُ خُصْلاتِها الريحُ
يلهو بها ســمَكُ القاعِ
والطيرُ ...
صفصافةٌ هيَ
صفصافةٌ باكيةْ .
كيفَ أبصرتَها نخلةً ؟
أنتَ أبصرتَها ... أَمْ عيونُ سواكَ التي أبصرَتْها ؟
ومَن ذلكَ الشخصُ ؟
إنْ كنتَ تعرفُهُ
فَـلْــتَـقُــلْ في هدوءٍ لـهُ :
هيَ صفصافةٌ
هيَ صفصافةٌ
هيَ صفصافةٌ ...

لندن 19.05.2009
اخر تحديث السبت, 13 فبراير/شباط 2010 22:48