قـــصـــائدُ الحـــديـــقــةِ العامّــــةِ طباعة
ســعدي يوســف

كُتِبَت القصــائدُ بين الحادي عشر من أيلول 2007
 والرابع والعشــرين من حزيران 2008             

مَــنْــزَهُ  الأنهارِ الثلاثــةِ The Three Rivers Park

أشرعةٌ بيضٌ
 بَجـعٌ أبيضُ
غيماتُ خريفٍ بِيض ...
......................
......................
......................
ثمّتَ ما يجعلُ جِـلْــدي مرتجــفاً :
أهــوَ المشهدُ في لونِ براءتِــهِ ؟
أَمْ هوَ ما أسمَعُ ؟
كانَ هديرٌ يخترقُ الجِــلْـدَ
أطائرةٌ
أَمْ شــاحنــةٌ ؟
أَمْ ضجّــةُ قتلى يقتتلونَ ؟
......................
......................
......................
الشمسُ تُسَـخِّنُ في الـمَرْجِ مراياها
والأشجارَ ،
كأنّ ضُحى الـجَـنّــةِ يفتحُ بَـوّابتَــهُ .
هل أدخلُ ؟
نورسُ بَحرٍ من عَـدَنٍ
ضَــلَّ ...
وها هو ذا  يهبطُ مرتبكاً
بين البجــعِ الأبيضِ
والأشــرعةِ البِيض ...

لندن 11.9.2007

العاشقتانِ تحت المظلّة

ربّما ارتوَتا قبل أن تأتيــا جنّــةَ البارِ
تحتَ المظلّــةِ
أو ربّما سوف ترتويانِ
إذا ما تمشّــى النبيذُ الفرنسيُّ كالـبُـرْءِ في الدمِ
والـخَــدِّ
والرّاحَتَينِ ...
المظلّــةُ ؟
أَمْ هيَ تلكَ المحطّــةُ  ذاتُ الوصولِ ؟
سلاماً ...
أقولُ لعاشقتَينِ تَمَـرَّغَتا في هواءِ المظلّــةِ ...
.......................
.......................
.......................
كانت غيومٌ خريفيةٌ تَعْبرُ الأفْقَ

والشمسُ دانيةٌ ،
ورَقٌ أحمرٌ في الـمَـمـاشــي
وفي مُـتَـعَـرِّشِ زهرِ العســلْ !

لندن 14.9.2007

مخطوط

  بين يدَيَّ المخطوطُ
المخطوطُ يُقَـلِّبُ وجهي في الصفحاتِ الباليةِ
الصفحاتِ الجِلْدِ
الصفحاتِ الصُّفْرِ
الصفحاتِ الســودِ
الصفحاتِ اللائي يتشـرَّبْنَ هواءً من زمنٍ مســدودٍ  ...
كانَ خريفٌ يزحفُ كالتمســاحِ
ويرسلُ غيماً  جَوْنــاً  يُطبِقُ  منذُ الصبحِ على القريةِ والأشجارِ
وكان غرابٌ  أســحَمُ  ينعقُ من مئذنةٍ ،
والمخطوطُ البالي يتفتّتُ بين يدَيَّ ...
ولكني أتفتّتُ أيضاً بين يدَيــهِ :
الصفحاتُ الباليةُ المسمومةُ تسحبُني نحو البئرِ
تُطَوِّحُ بي في البئرِ
البئرِ الـمَطْـوِيّـةِ
إلاّ من لَفْحِ هواءٍ من زمنٍ مســدود ...

لندن 17.9.2007

مقامٌ عراقيّ معَ أغنيـة وبَسْـتــة

فلم نَدْرِ أيَّ   الـجَـنّـتَينِ نــزورُ
كأنّ بليلى من شمائلِ دجلةٍ          

 ، والمياهُ تدورُ تقَلُّبَ حالٍ
وفي دجلةٍ من طَبْعِ ليلى أناقةٌ     

ونُضْرةُ وجهٍ مُتْرَفٍ وسرورُ
                                ***

                                ***

           وَصَـلْـنا اليومَ ، بعدَ  الـهَـمّ ،  دجلــةْ

 : وقالَ الربْعُ
  : ماءُ  الهـمِّ  دجـــــلةْ

          ســيوفُ الأجنبيْ ،  دارتْ عَــلَــيّــهْ

                              ***
                 وِشــلُونْ عَـيني ، وِ شْــلُونْ
                
                  هذا الأمَــلْ ينســاهُـم   ؟

                
 راحوا ما ودّعونا

                 يوم النّصِــرْ   نلـقاهُــــمْ
                
                 وِ شــلونْ عَـيني ، وِ شْـلونْ  !

لندن  22.9.2007

طبيعةٌ

 في تشرينَ الأولِ
في باريس ،
الأشجارُ تغطّي الأرصفةَ الـمُغْـبرّةَ
 بالذهبِ .
الريحُ تخفِّفُ من وطأتِها
وتسيلُ مع الذهبِ ...
الغاباتُ رسائلُ ؛
ثَـمَّ بريدٌ جوّيٌّ
من ريفٍ
يعلنُ :  إني المنسيّ
أقيمُ هنا ، بيتي ، من ذهبٍ
وغبار ...

باريس 05.10.2007

النظرة

  خسارتُنا ليست الأرضَ …
فالأرضُ باقيةٌ .
هي باقيةٌ قبلَنا .
وهي باقيةٌ بعدَنا .
هي أرضُ  الـمُغَنّينَ
والصامتين .
هي أرضُ المقيمينَ
والعابرين ...
هي أرضُ الذينَ غدَوا جســدَ الأرضِ .
.........................
.........................
.........................
 
لكنّ ما قد خسرناهُ لم يكن الأرضَ
إن الخسارةَ في نظرةٍ لم نَعُدْ نتبادلُها
نظرةِ الطفلِ
إذ يتقاسمُ ،  والطفلَ
كسرةَ خبزِ الشــعير ..

باريس 06.10.2007

نافذة

الشرُفاتُ المفروشةُ بالحَصْباءِ
يحطُّ عليها الطيرُ
قليلاً
ويطيرُ ...
امرأةٌ تفتح نافذةً
لتدخِّنَ .
( كانت تلبسُ  ثوباً أسودَ يكشف منها الكتِفَينِ )
نسيمُ خريفٍ يتحرّكُ تحت سماءٍ زرقاءَ ...
سماءٍ سابعةٍ  ؛
سأقولُ : صباح الخيرِ !
وأفتحُ نافذةً ...

باريس 06.10 .2007

قصيدة في يوم السبت اكتملتْ  في يوم الأحد

ماذا سأفعلُ ؟
قد خلتْ ،  منذ ارتحالِ الطيرِِ ، ســاحتُنا ...
وجاءَ الغيمُ .
جاءتْ ، لا كما تأتي الـفُجاءةُ ، قطرةٌ أولى ،  فثالثةٌ .
و لكنْ لم يجئ مطرٌ .
أقولُ : حديقةُ السنجابِ والأيَلِ استحالتْ منزلاً لي ...
سوف أهبطُ ، هكذا ، متدلِّياً بسجارتي وحبالِ أوراقي لأبلُغَ منــزلي الـممتدَّ
من أُفُقٍ إلى أُفُقٍ . بُحيراتٌ تَرَقْرَقُ بغتةً ، وتَرِقُّ . يوقظُني بها الإوَزُ العــراقـيُّ
المهاجِرُ . هل سيُعلِنُ  وقتَ إغلاقِ الحقيبةِ في الضحى الأبديِّ ، طيرُ الطَيطَوى ؟
الدنيا معلّقةٌ بشفرةِ عُشبةٍ . لا وقتَ لي . لا وقتَ حتى للحقيبةِ آنَ أُغـلِقُهـا  .
نسيمٌ عابثٌ يتخلّلُ الأوراقَ : أحياناً يُبَعثِرُها ، وأحياناً يدور بها ، بلا استئذانها ،
فتدورُ ...
بردٌ جاءَ يخترقُ الزجاجَ مضاعفاً .
ماذا سأفعلُ ؟

أفتحُ البابَ الخفيفَ لضيفتي :
سمَكاتُها عادتْ إلى النهرِ . البلادُ بعيدةٌ . وكذلك الأنهارُ . اسألُها ولستُ أريدُ من أحــدٍ
جواباً . ساحةُ الـمَبنى معلّقةٌ  . هواءٌ ثابتٌ . قدمايَ ثابتتانِ ، لكني أطيرُ . الضوءُ ملتبسٌ .
سأتركُ للرياحِ وللطيورِ القولَ .كانت ضيفتي مفتونةً بفضيلةِ الأوراقِ . كانت ضيفتي مفتونةً
باللونِ أســوَدَ . للأريكةِ في المساءِ مُلاءةٌ صفراءُ . ثَمَّ فراشــةٌ من قُـنّةِ الأنديزِ تتبعُني .
أقــولُ لضيفتي : اتّـكِئي علَيَّ ، أنا ، الضعيفِ ، لتلبسي جسـدَ الفراشـةِ . أيّما امرأةٍ
تجيءُ هنا ، تصيرُ فراشــةً . في الليلِ نستهدي بشمعِ النحلِ . عندَ الصبحِ نستعدي بجذعِ
النخلِ .
مصرُ بعيدةٌ ...
ماذا سأفعلُ ؟

يَـهدُرُ الطَّـيَـرانُ . بَرْقٌ في البعيدِ  ، وبينَ أشجارِ الصّنوبَرِ . عندَ أطرافِ البحيرةِ يَخْضِدُ
الرعدُ الحشيشَ وزهرةَ اللبلابِ والقرّاصَ . قاعـدةٌ وبُرْجٌ للمراقَبةِ . الجنودُ سيهبِـطـونَ .
لهم توابيتٌ وعُكّازاتُ جَرْحى . إنه الليلُ الطويلُ . وفي البلادِ تنامُ بغدادُ اليتيمةُ في ضفائرِها .
وتصحو الأعظميّـةُ حينَ يشتدُّ الهديرُ المدفعيُّ . الحربُ تسكنُ ما يؤلِّفُ مشهدَ اللبِــناتِ .
 ما يُفضي إلى دربٍ . وما يصِلُ الشوارعَ بالشوارعِ . يَهدُرُ الطيَرانُ . ضاحيتي هـــنا
لا تسمعُ الطيَرانَ ، لا تدري بهِ ...
ماذا سأفعلُ ؟

لندن 28.10.2007

الوقتُ مُحْكَمــاً

منذ الآن ، ستدخلُ في قوقعةٍ أصلبَ
قوقعةٍ تَنْدى في الفجرِ الأوّلِ كي تَظْـمأَ  طولَ اليومِ .
الساعاتُ خطوطٌ
والأعوامُ دوائرُ
والتاريخُ هو اللحظةُ .
...........................
...........................
...........................

هل أنت سعيدٌ ؟
هل أنتَ شقيٌّ ؟
هل ترغبُ في أن تخرجَ من هذي القوقعةِ
القوقعةِ/  الـحُلْمِ
القوقعةِ / الـحِصنِ
القوقعةِ الـمُلْــتَفّـةِ حولَ قميصِكَ مثلَ قِباءِ رصاصٍ ؟
.........................
.........................
.........................
حسناً !
ماذا تفعلُ في آخرةِ الليلِ لو اخترقتْ جدرانَ القوقعةِ
الصيحاتُ  ...
الصيحاتُ  الـنُّـعْمى
صيحاتُ البطِّ البرّيّ ؟

لندن 05.11.2007

علاقةٌ مُراوِغةٌ

كما يَطْلُعُ الصبحُ
تأتي إليّ البحيرةُ  ، ناهضةً ، وهي مثقلةٌ بالنعاسِ
البحيرةُ تلبسُ ثوبَ الضّبابِ الشفيفَ
البحيرةُ تحملُ أشجارَها نحو نافذتي
والبريقَ الرصاصيَّ ...
فاتَ أوانُ الطيورِ التي استيقظتْ قبلَنا  .
والطريقُ  الذي يقطعُ القريةَ اكتَظَّ بالمِـرْكباتِ .
البحيرةُ  هادئةٌ .
سوف تنزعُ ثوبَ الضّبابِ الشفيفَ
وتدنو قليلاً ، قليلاً ، قليلاً ...
..........................
..........................
..........................

 أتُمْسِكُ بي
أم تُراني سأُمسكُها ؟
أم نحاولُ ثانيةً  أن نكون ...

لندن 06.11.2007

أيّامُ العملِ السِــرّيّ

كنتُ أراقِبُ في عينيها ما كانت تَـجْهَدُ  أن  تُخفــيــهِ :
ليالي العملِ السِّــرِّيّ
بيوتَ الحزبِ
ومطبعةَ المنشوراتِ المحمولةَ في صندوقٍ خشبٍ ...
ذاكَ الرعبَ من الإعدامِ ، الغائرَ مثلَ حصاةِ رصاصٍ في الرأسِ .
تقولُ :
سقى اللهُ  ، بما يســقــي ، تلكَ الأيامَ !
لقد كنتُ فتاةً دون العشرينَ
مغامِرةً
أحمِلُ مِطواةً لِلّحظةِ
آنَ يكون الموتُ حياةً ...
آنَ أكونُ الأجملَ !
.........................
.........................
.........................
أنت الآنَ تراني
حسناً !
لكنْ ، بعد دقائقَ ، أو ساعاتٍ
سنكونُ بعيدَينِ
بعيدَينِ تماماً
حتى عن ذكرى هذا البارِ المكتظِّ بأهلِ المســرحِ
هذا البارِ الباردِ
حيثُ تدفّـأْنا بنبيذٍ

وبأيامٍ لن أستقبلَها حين تعود ...

لندن 07.11.2007

قصيدةٌ يائسةٌ

البلادُ التي نحبُّ انتهت من قبلِ أن تولَدَ ...
البلادُ التي لم نُحبِبِ استأثرتْ بما قد تَبَقّـى من دمٍ في عروقِنا .
نحنُ كنا أهلَها ...
قُلْ : بَلى ...
ولكنْ توَلاّنا سعيرٌ من أولِ الـخَلْقِ .
هل كنّا نياماً
أم غافلِينَ ؟
وهل كانت مشاحيفُنا  تلُفُّ  لنا  الـبُرديَّ أنشوطةً ...
وهل كانت الطيرُ طيورَ الجحيمِ ؟
لم يبقَ عندي من ترابٍ أريدُ أن يتلاشــى
هابطاً من أصابعي ...
سكَنَ الوقتُ .
.........................
.........................
.........................

البلادُ التي نحبُّ انتهتْ …

لندن 17.11.2007

اللغة الأولى

ببغاواتٌ سبعٌ ، خُضرُ الريشِ ، حططْنَ على غصنَينِ من الشجرةْ
تلكَ المتوحِّدةِ
المقرورةِ في وسطِ الـمَرْجِ ...
الداخلِ في بيتي من نافذةٍ يعرفُ أن يفتحَها حتى لو خَفِيَتْ .
ببغاواتٌ سبعٌ  في الصبحِ الطلْقِ ،
سماءٌ زرقاءُ
وريحٌ خافتةٌ ...
لم يستيقظْ أحدٌ  بَعدُ ،
ولم يتردّدْ بوقٌ ...
تلك الببغاواتُ السبعُ خلعْنَ ، كثوبٍ خَلِقٍ ، لغـةَ القفصِ البشريّةَ
كي يذهبْنَ بعيداً ...

لندن   27.11.2007

نحتفي بالرماد

لِمَ   لـمْ يسقطِ الثلجُ ؟
كنّـا على موعدٍ معه منذ عامٍ ،
وكنا نقولُ : لَـئِنْ سقطَ الثلجُ دُرْنا نرودُ  مَـفازاتِهِ  راقصينَ ...
السماءُ تكون ادَّنَتْ
والثعالبُ قرب البيوتِ
الأرانبُ تُتْـلِعُ آذانَهــا
والشعاعُ الذي غادرَ  الشمسَ يَجْــمَدُ منتصباً في الهواءِ الشفيفِ ...
ولكننا في منازلِنا :
لِمَ لَـمْ يسقطِ الثلجُ ؟
كنا على موعدٍ معه منذ عامٍ ،
وكنا نقولُ  : لَئِنْ سقطَ الثلجُ قُمنا لندفنَ موتىً لنا
فالجنود يكونون  قد غادروا نحو ثُكْناتِهِم
والغرابُ الـمُـحَــوِّمُ  قد ضاقَ بالبردِ والجوعِ
( كنا دَفَـنّـا أولئكَ في لحمِنا )
أينَ نذهبُ ؟
لم يسقط الثلجُ ...
كنا على موعدٍ معه منذ عامٍ ،
وكنّا نقولُ : سنمحو به ما تراكمَ في جِلْدِنا من سِخامٍ
ولكنْ ...
............................
............................
............................
إذاً
هل سننتظرُ النارَ ؟
هل نحتفي بالرماد؟

لندن 04.01.2008

"نابل “ في الشتاء

 تتجمّعُ الأمطارُ في كانون
طولَ العامِ تنتظرُ المدينةُ قطرةً ، وتَئِنُّ  . يبدو الـمَرْجُ بُنِّـيّـاً وأزرقَ في المساءِ .
وفي المساجدِ سوف تَستسقي الصلاةُ الـنَوءَ . هل تأتي إلينا القيروانُ ثقيلةً بالقَحْطِ
والتاريخِ ؟  نحنُ هنا  السواحلُ ، عِرْقُنا ذَهبٌ : أغارقةٌ ، ورومانٌ ، أمازيغٌ  ...
هنا ، في المعبدِ المنهارِ  ، في ليلِ اليراعاتِ الـمُضيءِ  ، نقومُ  : حوريّاتُنا يضحكنَ
في الـحَـمّامِ ، يستعجِلْننا .
تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...
في الكورنيشِ ، صيّادونَ لم يَحْنوا الجباهَ لسطوةِ الأنواءِ ، بضعةُ فِـتْـيَةٍ تــاهوا
مع الفتَياتِ . في الكورنيشِ ذكرى أو رسائلُ . كان كِشْكُ مثلّجاتٍ يحتمي بالريحِ .
سوف نكون ، في مَغْنىً ، هنا !
" الروتوندُ " ماثلةٌ ،  هي الكورنيشُ والبحرُ ، الـمَقامُ  بلا وَلِيٍّ ،  والولايةُ دونَ والٍ .
إنّ " نابلَ " تحتمي بالبحرِ ،
" نابلُ " تدفعُ الصحراءَ  عنها ، والأذى ...
تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...
كان السوقُ مفتوحاً ،  وكان المطعمُ الشعبيُّ ( لَبلابي وصحنٌ تونسيٌّ ) مقفراً .  هيَ جَوعةُ
 الزرزورِ . لا سوّاحَ . لا أشباحَ . أحياناً يوَدُّ الـمـرءُ أن يُصغي إلى ما ليسَ يُسمَعُ ....
هل صليحةُ ههنا ؟ سأسيرُ في السوقِ . الدكاكينُ الصغيرةُ  مثقلاتٌ . قالَ لي ولدٌ يُرَبِّي لحيةً :
إن البضائعَ كاسداتٌ . لا زبائنَ .
" نابلٌ "  ، كالنسوةِ الإغريقِ ، تهجعُ  بانتظارِ البحرِ ...
مَنْ يأتي غداً ؟

تتجمّعُ الأمطارُ في كانون ...

لندن 06.01.2008
·نابل ( نيابوليس الإغريقية ) مرفأٌ تونسيّ على الرأس الطيّب .

مثلّثٌ مقلوبٌ

؟ Woo…Woo…Woo… أتسمعُ الريحَ
أتسمعُها تئِنُّ في الــــــغابةِ ؟
الأمطارُ ترفعُ نهراً طائراً في الهواءِ ،
القطّةُ اختبأتْ في الركنِ …
كم من شتاءٍ مَرَّ !
كم مطرٍ …
كم !
 
London 15. 01 . 2008

ثلاثيّــةٌ أيضاً ...

كم قلتُ لكِ : الليلةَ   لاتأتي ...
أنا  مَرمِيٌّ في أسفلِ بئرِ السُّـلَّـمِ  .  كم حاولتُ ( الأمرُ لعِدّةِ ساعاتٍ ) أن  أخطو  ، حتى أُولَى خُطُواتي ، لكني  احسستُ بأني ملزوقٌ   ، أني مخلوقٌ من سالفِ أيامِ الخَلْقِ ، بلا قدمَينِ ... أنا الزاحفُ .  لا يمكنني أن أزحفَ . لستُ التمساحَ ، ولا يمكنني أن أسعى ، لستُ الحيّــةَ .  مرميٌّ في أسفلِ بئرِ السلَّــمِ .  أسمعُ من حيثُ  انا  ، المطرَ الـمُسّــاقِطَ ، أسمعُ  بين الغفْلةِ والأخرى  طيراً  ليليّــاً
هل أنا أسمعُ صوتي ؟
كم قلتُ لكِ : الليلةَ  لاتأتي ...
سيكون فراشــي خشباً بمساميرَ . الغابةُ في ما يبدو خلفَ بُحيرةِ قارونَ  تعالتْ في شِبْهِ تهاويلَ  .. نباتٍ يُسْــمى شجراً ، لكنّ الأغصانَ تُدَلِّــي أذرعةً ورؤوســاً .  لن يأتي الطيرُ ، ولن أشهدَ  أغنيةَ السنجابِ على العشبِ . الساحةُ مقفرةٌ منذ سنينَ  ...
قرونٍ ؟ قد كنتُ  رأيتُ ، ولكنْ قبلَ سَبِعْمائةٍ  ، ما أوشكَ أن يغدو مَرْكَــبةً  لفضائيينَ . بساطاً للآتي . لكني الآنَ سجينٌ في بئر السلَّمِ
هل أنا أسمعُ صوتي ؟
كم قلتُ لكِ : الليلةَ  لا تأتي ...
هل يتفكّرُ  مَن  في بئرِ السـّلـمِ  ؟ أعني ما معنى أن يتفكّــرَ مَن في  بئرِ الســلّـمِ ؟  في الساحةِ  يحتشدُ المحتفلونَ . وثمّتَ أضواءٌ وتهاليلُ . نبيذٌ يُمْــتَحُ من بئرٍ . كانت شمسٌ  ذاتُ وَقودٍ ذَرّيٍّ تتألّقُ في الساحةِ .  ما معنى أن أتذكّرَ  ، ضبطاً في هذي اللحظةِ ، أنّ العقعقَ أبيضُ / أسْـودُ ؟ أن الســلَّمَ  يُمْكِنُ أن يُرقَى  ، أنّ بلاداً كالبصرةِ يمْكنُ أن تُمْحَى في لحَظاتٍ ،  أنّ عراقاًما لم يكُنِ ، البتّةَ ،  بيتي ...
هل أنا أسمعُ صوتي ؟
كم قلتُ لكِ : الليلةَ لا تأتي
 !
لندن 18.01. 2008

مصطفى الـمصريّ

له اسمُ النبــيِّ وسِــيماؤهُ
وله العُــدّةُ الخشبيّـةُ :
خِــرْقـتُهُ  ، والفَراشــي ، وأصباغُهُ
وله شارعُ الحيِّ ...
كلُّ المقاهي له
والموائدُ
حتى رصيفُ " المحافظةِ " الساحليةِ مِلْكٌ له ...
السائحونَ وما انتعَلوا
والجنودُ ،
ومَن قَدِموا بالـمُـعَــدِّيَــةِ ...
........................
........................
........................
الصبحُ شِــبْــهُ ضحىً
والنسيمُ الذي يحملُ النيلَ  نحو المدينةِ يَدْفأُ
كان الزجاجُ ثخينَ الترابِ بمقهى المحلّــةِ
والشايُ يهدأُ في الكوبِ ...
قلتُ له : مصطفى !
أنت تصبغُ أحذيةَ الناسِ منذُ الصباحِ ...
أتقرأُ في المدْرسةْ ؟
.....................
.....................
.....................
مصطفى ليس يقرأُ :
يصبغُ أحذيةَ الناسِ
هذا النبيُّ اليتيم !

لندن 16.02.2008

رمسيس الثاني

ستّ عشــرةَ منحوتةً حملتْ وجهَكَ ...
البهوُ أنت
الجنود المحيطون بالبهوِ أنتَ
المسلّــةُ أنتَ
البحيرةُ  حيث  اعتلى قاربُ الشمسِ أنتَ
لك الأقصُرُ
النهرُ والـبَرُّ
والكرْنكُ الضخمُ أنتَ ..
وما خَلَّفَ السَّــبْيُ  أنتَ
السُّلالاتُ والطيرُ أنتَ
وأنتَ الـمُـسَــمّى بما لستَ أنتَ ...
كأنّ التواريخَ لم ترَ وجهَكَ ...
لم تلمُسِ الطفلَ في شفتَيكَ
ولم تبصرِ النورَ في مقلتَيكَ ...
......................
......................
......................

لماذا  أقولُ لك الآنَ :
إني أُسَـمِّيكَ ...
أنتَ الـمُـسَــمّى بما أنتَ
أنتَ الجميل  !

لندن 17.02.2008

الــمُــهْرُ في الـقُـرْنةِ ( البرّ الغربيّ )

مُــهْرٌ وليــدٌ منذُ يومَينِ ،
الحظيرةُ كانت البستانَ
أضغاثٌ من البرسيمِ تمنحُ أرضَها ضَوعاً من الحقلِ الـمُرَنَّحِ بالضياءِ  وبالضَّـياعِ
 وذلك الـمُـهرُ الوليدُ مُرَنّحٌ
كانت قوائمُهُ غضاريفَ ...
الحظيرةُ  تنحني لتكون بيتاً
أُمُّــهُ الفَرَسُ الجميلةُ هيّأتْ في البيتِ زاويةً ومأوىً
أُمُّهُ الفرَسُ الجميلةُ تنحني لـتُقَـبِّلَ الـمُهرَ
القوائمُ غضّــةٌ
والكونُ أخضرُ ...
..........................
..........................
..........................
سوف يعْدو الـمُـهرُ
يعدو الـمُـهرُ
يعدو ...

لندن 18.02.2008

الثوبُ المرمرُ
 
كانت المرأةُ في لحظتِها :
 إنَّ الذراعَ اللدْنةَ الـيُمنى على كتْفِ الحبيبِ
القدَمانِ اصطكّــتا  مِن قبلِ أن تنفرِدا
والثوبُ يرجو أن يشِفَّ ...
الوجهُ ، كالغافلِ ، يبدو غائباً في نشوةٍ سِــرِّيَّةٍ
والثوبُ يرجو  أن يَخِفَّ
الثوبُ يرجو أن يشِفَّ  ...
الساقُ لم تلتَفَّ
كان الثوبُ ، في ثَنْـيَـتِــهِ ،  يستبِقُ الساقَ
وكان الرجلُ ( الفرعونُ ؟ ) في هدأتِهِ
ينتظرُ ...

لندن 21.02.2008

مـطعمٌ شِـبْــهُ أميركيّ

كان المطعمُ  ، شِـبْـهَ أمَيركيٍّ ،  في كِنْـجزْ سِـتْرِيت ، بهامَرْسْـمِث
King’s Street in Hammersmith
المطعمُ كان يقدِّمُ مَشويّاتٍ :
أجنحةً  ، وضلوعاً ، وإلخ ...
ويقدمُ أنبِذَةً ليستْ غاليةً
وأرائكَ جِلْداً ...
لم أعرفْ إسمَ المطعمِ
لكني أســرعتُ  لأدخلــهُ  ...
أُجْلِسْتُ إلى المائدةِ الرابعةِ .
............................
............................
............................
المرأةُ قد تتأخّرُ
المرأةُ قد تأتي
المرأةُ جاءت ...
جاءتْ ضبطاً في السابعةِ  .
المعطفُ أسودُ
خُصلةُ شَعرٍ فاحمةٌ تتدلّى فوقَ جبينِ الفضّةِ  .
قالتْ ناديةُ العَـجـلى : لم أتأخّرْ .
ألقت بحقيبتها الرقطاءِ على كرسيٍّ
غاصتْ في دفءِ أريكتِها
واختارتْ أن تجلسَ  ، نصفَ مُلاصِقةٍ ، جنبي ...
قالت ضاحكةً :
كان قطاراً مزدحماً ...
.............................
.............................
.............................
لم أدْرِ  لماذا أحسستُ بغيمةِ أدخنةٍ  تتدلّى من سقفِ المطعمِ
ولماذا كان هديرٌ من طيَرانٍ يخترقُ الجلســةَ ...
قلتُ لها :
ناديةُ ...
المطعمُ مختنقٌ  !
قالتْ لي ضاحكةً :
وحدَكَ أنتَ الـمُختنقُ  الآنَ ...
ضحكتُ ...
..........................
..........................
..........................
بعد الكأسِ الأولى لنبيذٍ إسبانيٍّ مجهولٍ
بدأتْ ناديةُ العزفَ على وترٍ منفردٍ :
ما أجملَ أن نسكنَ في الوطنِ !
العائلةُ
الشايُ صباحَ العيدِ
الفاكهةُ الأحلى
طَعْمُ الماءِ
المطرُ الـمُوحِلُ
تلك الشمسُ القاتلةُ ...
الحشــراتُ ،
الثلجُ على القِمَمِ
السمَكُ الفضّــةُ في الوديانِ  ...
أتعرفُ  أني الآنَ  أُحِسُّ  بأني امرأةٌ  أُخرى ؟
حقاً ، قد عُدتُ  إلى بيتي بالضاحيةِ البيضاءِ
ولكنّ البيتَ هنا  لم يَعُدِ البيتَ ...
البيتُ هنالكَ حيثُ الأسلافُ ينامون طويلاً !
.............................
.............................
.............................
هل تعرفُ ، يا سعدي ، أني في لندنَ أختنقُ ؟

لندن 29.02.2008

إلى ســركون بولص

البحيرةُ التي تلتمعُ في البعيدِ
البحيرةُ التي تلتمع في المساء المبكِّرِ
البحيرةُ التي تلتمعُ بين أشجار الشتاء الـمُعَرّاةِ
البحيرةُ التي ماؤها رصاصٌ
البحيرةُ التي لا سبيل لنا إليها
هذه البحيرةُ سنظل نرصدُها ، غافلِينَ عنّــا .
*
يومَ كانت أثينا  تجيءُ مع البحـرِ والورقِ ، استيقظتْ نحلةٌ  في الوريدِ .
الـمُغَـنِّي تَرَنّـَحَ . والقصبُ الغَضُّ في الـهَـورِ   مالَ . السـماءُ
لها وردةٌ . أينَ نسكنُ ؟ قُـلْنا : سنسكنُ في الأُغنياتِ . وماذا سنَطْعَمُ ؟
قُـلْنا : رحيقَ البراري  .
*
المدينةُ التي لم تتشكّلْ بَعدُ
المدينةُ التي ليس فيها شارعٌ واحدٌ
المدينةُ التي لا تصنعُ إلاّ السجائرَ
المدينةُ التي أضاعت مفتاحَ بوّابتِها
المدينةُ التي تنتظرُ البرابرةَ
هذه المدينةُ سوف نشقُّ فيها نهراً للهتاف .
*
ولْـيَـكُنْ !
قـد تكونُ أثِـينـا وأبوابُها المائةُ ، الآنَ ، في مَدخَلِ السـجنِ !
نضحكُ في وجهِ سَـجّـانِنا . الليلُ في القلعةِ اكتظَّ بالنجمِ أحمرَ .
والليلُ يلعبُ في النهرِ . كانت أثِـينـا تَـلُوحُ . وكانت تُـلَوِّحُ
والسجنُ يطفو خفيفاً على الماءِ . كنّا على الماءِ نمشــــي .
*
القطارُ الذي مَدَّ سِـكَّـتَهُ  الهنودُ والأســرى
القطارُ ذو العرباتِ الخشب
القطارُ الذي ليس فيه ماءٌ
القطارُ الذي يعوي في ليل المتاهةِ
القطارُ الذي لا يحبُّــه البدوُ ومتمرِّدو العشائر
هذا القطارُ سيأخذنا ، مكبَّلِـينَ ...
*
لن نقولَ لبيروتَ شيئاً .
سنشــربُ قهوتَنا ، مثلَ ما يشربُ الناسُ قهوتَهم في مقاهي
الرصيفِ . نخبئ  أسرارَنا في ابتسامتِنا . ثم نسـألُ : والبحرُ ؟
  أهيَ  أثِـينـا على الشاطئ الآخَر ِ؟  المرفـأُ الـمُـتطامِنُ
حيثُ الطريقُ  لها : الـمارجوانا ... وجوعُ الطيور .
*
أميرِكا التي ذهبْنا إليها في الأقاصيص
أميرِكا التي يذهبُ إليها الآشوريّونَ ليتكلّموا بلُغتِهِم
أميركا التي لسانُها ذهبٌ
أميرِكا التي حملتْنا النسورُ إلى براريها
أميرِكا التي أحببْـنا
أميرِكا ، هذه ، خذلـتْـنا مثلَ إلهٍ ســاقطٍ .
*
جُـعَــةٌ ، أو نبيذٌ . قليلٌ من الخبزِ .  نقلي بزيتِ المكائنِ لحماً قَـدِيداً
ونرمي به بيضتَينِ . ملابسُنا الداخليةُ مَـلَّـحَها العرَقُ المتخثِّـرُ . كم مرّةٍ
كادَ يُغْمى علينا  ... الدروبُ التي لا تؤدِّي تطاردُ أحذيةً مزَّقَتْها الصخورُ .
ولكننا نقرأُ . الأرضُ مِلْكٌ لنا . ونحِبُّ النساءَ الجميلاتِ . نفرحُ حتى نُجَنّ .
*
أثِــينا التي قد أضَـعْـنا 
أثـينا التي قد  قصَـدْنا
أثــيــنا التي لن نرى
أثــينا التي في ظلامِ القُرى ...
أثــيــنا البهيّـةُ  جاءتْ أخيراً لتأخذنا  نائمين ...

لندن 11.03.2008

مُـقامُ الـمَرء

لا ســماءَ ليَخْفُقَ فيها جناحاكَ ...
تَنْظُــرُ :
ماءٌ رمادٌ على الشــرفةِ . الوقتُ ليلٌ ، وإنْ كنتَ في مستهَلِّ الظهيرةِ .
والشجرُ  الـجَهْمُ  صارَ  صخوراً لها هيأةُ الشجرِ  . احترْتُ كيف أُسَمِّي
الهواءَ الذي ليسَ  يُسْــمَى .  أ أنتَ الـمُـقِـيمُ هنا ؟
لا ســماءَ لِــيَخْفُقَ فيها جناحاكَ ...
تسمعُ ؟
لا شــيءَ  . لا هَفّــةٌ من حمامةِ دَغْلٍ . و لا رَفّــةٌ من غصونٍ .
كأنّ بني آدمَ ابتلعوا قُـفّــةً من حبوبٍ  وناموا إلى أبدِ الآبديــنَ .
وما كان ساحةَ قريتِكَ ارتَدَّ نحوَ زمانٍ قَصِيٍّ حينَ لم تَكُ ثمّتَ من قريةٍ .
يا مقيماً هنــا !
لا ســماءَ لِـيَخْفُقَ فيها جناحاكَ ...
............................
............................
............................
من أينَ هذا الشميمُ ؟
رغيفٌ من الخبزِ لَمّا تزَلْ فيه رائحةُ النارِ . بِضْعُ شِـباكٍ من النهرِ تُسْحَبُ .
قنطرةٌ من جذوعٍ تآكَلَ أسفَـلُها . عرقٌ من قميصِ أبيكَ . روائحُ جدِّكَ
هنديّــةٌ . والدِّبْسُ يَقْطُرُ من مَكْدَسِ الـتَّـمْرِ . مَن أوقَدَ النارَ ؟
مَن قالَ لي :
لا ســماءَ لِـيَـخْفُقَ فيها جناحاكَ   ...
مَنْ ؟

لندن 14.03.2008

حــالــةُ البـحّــار

أفكِّرُ أحياناً  بأني مُضَـيَّعُ الأحاسيسِ ، مقذوفٌ
من البحرِ نحوَ ما تراءى كجِلْدِ التَّيسِ في الشاطئ
الذي تـدِبُّ بهِ  حُـمْــرُ السَّــراطينِ .
 موجة لها  حِرْبةُ الصيّادِ تُمسِكُ بالـمَطـا...
وترفعُني . ما أيســرَ الموتَ  ! ليته  يكِفُّ قليلاً
 عن أغانيــهِ ... لم أعُدْ  أهابُ ... أنا المرفوعَ
 بالمـوجِ أرتدي  دروعيَ عُرْياً ســـابغاً .
كانَ جدولٌ من الماءِ رقراقاً عــلى الشاطئ .
 المدى شــفيفٌ ، وفي عـيني َّتبدو يمامـةٌ .
أأسمعُ أصدافاً تئِنُّ ؟ هل انتهتْ إلى الـمُرتَمى
 هذا رياحٌ تَناوَحَتْ  لشهرَينِ ملعونَينِ ؟ مُلْقىً ،
و أتّقي مَتاهي بجِلْدِ الـتَّيسِ ... أُحْصي ضفائري .

لندن 18.03.2008

تــمـيمــةٌ

سأتَّـقِي بِضْـعـةً مني
أقولُ : إذا كان الحنينُ دواءً ، فَـلْـيَـكُـنْ لَـبِـقاً
مثلَ الحبوبِ التي في الطبِّ :
واحدةٌ منهنّ تكفيكَ شــهراً !
لا يليقُ بِمَنْ رأى من الأرَضِينَ السَّـبْعِ سابعةً
أن تستبدَّ بهِ أرضٌ
وإنْ رضِيَتْ بِاسْـمِ العراقِ ...
كأنّ الروحَ أرهَفُ من أن تسكنَ الأرضَ  :
إن الأرضَ مُـنْـطَـلَــقُ !

لندن 19.03.2008

دَنَــفٌ

أعرفُ أن المرأةَ تغفو الآنَ ،  مُنعَّـمـةً ،
 بين ذراعَي رجلٍ آخرَ
في نُزْلٍ آخرَ
في ضاحيةٍ أخرى ...
لكني لا أعرفُ إنْ كان الرجلُ  الآخرُ يعرفُ منها ما أعرفُهُ :
وَشْــمَ  الوردةِ في إلْـيَـتِها اليسرى
صرختَها إذْ تصِلُ الذِّرْوةَ
رائحةَ الـنَّــدِّ الهنديّ بإبْـطَـيها
أو أغنيةَ الطفلةِ آنَ تُفيقُ  صباحاً ...
.....................
.....................
.....................
لستُ أُصَـلِّي كي ترجعَ لي ثانيةً ...
لكني سأكونُ سعيداً !

لندن 20.03.2008

الفِـصْحُ في  كاثدرائية ســالِزْبَري Easter in Salisbury Cathedral

ثلجٌ خفيفٌ
مثلَ نُفّاشٍ من الـبُـرْديّ في الريحِ
الزجاجُ يشِـفُّ ،
والعشبُ الذي يشتاقُ أن يَخْـضَـرَّ يَقْبَلُ بالبياضِ الآنَ .
طيرٌ  واحدٌ متأخرٌ يمضي إلى ما لا يراهُ الناسُ .
في سالِزْبَرِي : القدّاسُ ...
عيدُ الفِصْحِ منكمشٌ من الـبردِ .
المدينةُ آثَرَتْ أن ترمِيَ الدِّينَ العجيبَ إلى رجالِ الدِّينِ .
سوف تنامُ حتى الظُّهرِ .
......................
......................
......................
لا قُدّاسَ في الثلْجِ !

لندن 24.03.2008

سأكتب مثل عازف البيانو

وإذْ يدخلُ الثلجُ من شِـقِّ نافذتي
ينبِضُ  الصّمتُ مثلَ  الـبِـيانو ...
وألتفتُ :
اللحظةَ
اللحظةَ ...
الأرضُ تُصغي إلى الثلجِ .
والأفْقُ أبيضُ .
ينهمرُ الشِّعرُ مثلَ البِـيانو ...

لندن 24.03.2008

احـتِـرافٌ

لَـكَم حاولتُ أن أبقى طويلاً  ...
 ولأقُلْ خمساً من الساعاتِ
أو سِـتّاً
بذاك البارِ في الـحَـيّ القديمِ ، مجاورَ الباستِيلِ ...
كَم حاولتُ أن أبقى هناكَ !
سجارتي الجِـنِّـيّـةُ الملفوفــةُ :
 الـجِـيتانُ في ورقٍ من الذُّرَةِ  .
النبيذُ الـمنزليُّ بِدَوْرَقٍ  ،
واللحْمُ يؤكَلُ نَـيِّـئاً في صَحْـفـةِ الـتَّـتَـرِ ...
الدخانُ يظلُّ منعقداً
وأزرقَ .
كنتِ أنتِ ، بهيّـةً  ، تنجابُ عنكِ سحابةُ الجِيتانِ
فارعةً
وضاحكةً
كأنكِ لم تكوني منذُ أن طلعَ الصباحُ وراءَ هذا البارِ ...
كم حاولتُ أن أن أبقى طويلاً !
قلتِ لي :
عُدْ في المســاء ...
...................
...................
...................
ولم تعودي !

لندن 24.03.2008

ليسَ مِن تَـلاعُبٍ

لِـمَن أكتبُ الآنَ ؟
لا شأنَ لي بالعراقِ ، ولا بالعواصمِ .
لا شأنَ لي بالصداقاتِ فاترةً
أو بالنساءِ اللواتي تَخَـلَّـيْنَ عني .
و لا شأن لي بالبنادقِ والطائراتِ الـمُـغِـيْرةِ ،
 لا شأنَ لي بنوادي الرياضةِ
لا شأنَ لي بانتخابِ الرئيسِ
ولا بالـمَـصارفِ ،
 لا شأنَ لي بالعناوينِ في صُحُفِ اليومِ
لا شأنَ لي  بالطعامِ الذي أتناولُ
أو بالقميصِ الذي كنتُ ألـبَسُــهُ أمسِ
لا شأنَ لي بالبريدِ
ولا بالحديدِ الذي قد يفُلُّ الحديدَ ...
و لا شأنَ لي بالكتابِ
وأهلِ الكتابِ ....
......... ......
................
................
لِـمَنْ أكتبُ الآنَ ؟
*
أكتبُ كي لا أموتَ وحيداً !

لندن 25.03.2008

ســماءٌ مُوازيــةٌ

" إلى جليل حيدر "

الطريقُ التي تجعلُ العرباتِ الـجَموحاتِ  يَدْرُجْنَ في شبهِ مسْـبِحــةٍ
وصنوفُ الشجرْ
والمقاهي التي تتوازى مع الأرصفةْ
وانطباقُ الشفةْ
والحدائقُ إذ تستطيل
وخطوط القميص
وسترةُ باريسَ ، تلك التي لاتزال تحِنُّ إليها
وتَدفأُ في صوفِها اللدْنِ
والماءُ في برزخِ البحرِ وسْطَ  المدينةِ
والرفُّ في غرفةِ الفندقِ
التلفزيون
والشُّرُفاتُ التي لاتزال فرنسيةً بَـعْـدَ حربَينِ
تلك خطوطُ الستائرِ
كانت خطوطُ الحديدِ بأقصى المحطّةِ مبْتلّــةً
مثل أعمدةٍ سقطتْ  من سماءِ الربيعِ المبكِّــرِ
كانت صفوفُ الكراسي
تواجِهُ خطّاً من العازفينَ على مسرحٍ مزعجٍ .
عبْرَ أرضيةِ القاعةِ الخشبِ  ... انزلَقَ الماءُ .
بحرٌ قريبٌ
وجسرٌ إلى قارةٍ سوف تَبلُغُ بحراً بعيداً .
ستأتي إلى البارِ أُولى النوارسِ .
سحْــبةُ قوسِ الكمانِ  ...
السفينةُ تطفو على الصحنِ .
نهبطُ من سُــلَّـمٍ
درْجةً
درْجةً
لنكونَ على ساحلِ البحرِ ...
ثَـمَّ الشِّباكُ التي نُشِرَتْ تحت شمسٍ بلا وقدةٍ .
والصناديقُ ، تلك التي ضَوعُ أسماكِها  في المطابخِ .
كلبٌ تَـمَـدَّدَ ...
والعرباتُ التي حملَتْها صباحاً تنامُ إلى الفجرِ .
كان المؤَذِّنُ ينشرُ آياتِهِ في سماءٍ محايدةٍ ...
لن تكونَ القلاعُ المدينةَ .
بُرْجٌ
وبرجٌ
وبرجٌ
وسربُ حمامٍ يطيرُ إلى الغربِ كالخيطِ ...
أفْقٌ يضيعُ .
السفائنُ مقلوبةٌ كالصراصيرِ .
موجةُ مِلْحٍ .
رذاذٌ .
بلادٌ  أقامتْ تضاريسَها تحت أثوابِها .
هل تكونُ السماءُ التي نرتجيها مضاعَفَةً كالسماءِ ؟
النوافذُ قد غلَّـقَـتْها ستائرُ بيضاءُ
والأرضُ منسيّةٌ تحتَ قارٍ ثخينٍ .
......................
......................
......................
سألتُكِ :
مُدِّي ذراعَيكِ مبسوطـتَينِ .
انشُرِي في مَهَبِّ الصباحِ عباءتَكِ .
ابتَهِلي ... لي ... ولِي
ابتهِلي ... لي ... ولي .
وَلْوِلي
ولوِلي
ولوِلي !

مالْــمو ( السويد ) 06.04.2008

قصـــائدُ فُورْتَـيْـسّــا

"فورتَيسا قلعةٌ  أتَمَّ  النمساويون بناءَها في العام 1838 في جنوبيّ التيرول ( النمساويّ آنذاك )  ، تحسُّـباً من نابوليون الذي كان يدقّ على أبواب أوربا القديمة بجيش من الحفاة ، وبرايات مثلثة الألوان ، هي رايات الثورة
الفرنسية .
أتيحتْ لي فرصة أن أزور القلعة ، وأن أظل لها مجاوراً  ، بين الحادي عشر من نيسان 2008  والثامن عشر مـنـه .
استذكرتُ وتأمّلتُ ، وتمّتعتُ بمرأى القمم الثلجية  ، وبهديرِ الماء المنحدرِ من الأعالي :
إنه الألْـب !
كتبتُ ثماني قصائد، مُـنَـجَّـمــةً كالآتي :
قلعة السماء البيضاء 12.4 – سوق السبت في بولزانو 12.4 –  ليل البحيرة المتجلدة 12.4 -  الشمس التي لا تأتي 13.4  - سأنتظر 14.4 –   الموعد 14.4 –   مدخل سِـرّيّ إلى قلعة فورتَيسّـا 15.4- تهليلةٌ  - 16.4
القلعة الآن هي في الجانب الإيطاليّ ، لكنها كانت حتى 1920 جزءاً من التيرول النمساويّ  "
                                                                                     س . ي

قــــلــعــةُ الســماءِ البيضاءِ Fortezza

يأتي الربيعُ متأخراً . ليس لأن الشتاءَ طـــويلٌ.
 الربيع يأتي متأخراً لأنه سيكون ثلاثةَ فصولٍ .
ثلوجُ نيسان لن تذوبَ كالآيس كْرِيم .
 البحرُ الأسودُ يُـلَـوِّحُ لها من بعيدٍ : اذكُـريني .
 الدانوبُ
سيظلّ مترقرقَ الحصا . والفتياتُ يَغْدونَ أجملَ .
 الصنوبرُ في الوادي سوف يصعد إلى السفح.

أسـمعُ في الليلِ المطرَ المتناوِبَ والثلجَ
وأسمعُ في الليلِ الريحَ تئِنُّ على الشُّبّاكِ
وأسمعُ في الليلِ الصمتَ .
الساحةُ أصغرُ مِن أن نُبصرَها .
والقِمّةُ أقربُ
والفندقٌ أحمرُ حتى الأذُنَين !

الجســرُ الذي يحــفَظُ وحشيةَ الصخورِ والغابة
 من إنسِـبْروك إلى فورتَـيـسّا
كيلومتراً بـــعدَ آخرَ ،
هذا الجســرُ يُتابِعُ القطارَ الـمٌـجهَدَ ،
 الجسرُ يشهقُ لامِعاً مثلَ سِــوارٍ فضّـةٍ اســتقامَ في يدِ السـاحرةِ .
الجسرُ ألقى شِباكَه  على الجبل ،
واصطادهُ كما يصطادُ يابانيٌّ نحيلٌ حوتاً في البحار الجنوبية .  

أٌبصِــرُ ، أحياناً ،  ما لا تبصرهُ القطّةُ .
هل أنّ محطَّة  فورْتَـيسّا كانت آخرَ ما أبصرَهُ موسوليني الهاربُ؟
هل أن محطةَ فورتَـيسّا آخـرُ  هذا الكونِ ...
لتأتي بملائكةٍ ومجانينَ
وتُلقي من عرباتِ السفرِ الضيّقةِ  القرنَ الحادي والعشرين ؟

القطارُ يمضي شمالاً  .
 فيرونا تشتطُّ بنا إلى قارةٍ أخرى.
 القطارُ يسعل مثل راكضٍ شيخٍ في ماراثون .
النبيذ المحلّـيّ خفيفٌ ، صافٍ .
 سنملأ كؤوسَنا  ونتأمّلُ في الزجاجِ المُـضَـبَّب .
 القطارُ يمضي شمالاً .
والذين يقرأون عن الأديِرةِ ، مسافرينَ ،
 لن تخدشَ خدودَهم المتورِّدةَ سـعْـفةُ نخلٍ جفّـفَها يورانيومُ
القذائفِ .

أُحِسُّ بالعصافيِرِ في الرابعة  ( صباحاً بالطبع ) .
احسُّ بالقطار الأولِ في الخامسة ورُبْعٍ  .
أُحِسُّ بأني أرتعشُ...

12.04.2008  فورتيـــسّـا

ســوقُ السبت في بولزانو Bolzano

الدربُ الضيِّقُ من عندِ رصيفِ محطّتِها حتى ما كان سيُدعى كاثدرائيّــتَها
كان السوقَ
( وأعني سوقَ السبتِ ) الثاني عشرَ من نيسانَ
ولم تكن السوقُ مَعاشاً
كانت ، وكما أوهَـمَني مَن في السوقِ ، مَتاعاً
......................
......................
......................
الناسُ أقاموا في الدربِ مآدبَهم :
حفلاتِ الكوكتيلِ ... إلخ .
أمّا الفقراءُ فليس لهم حتى في سوقِ السبتِ مكانٌ  .
*
إفريقيٌّ أسْـودُ
كان المتطفِّلَ :
ظلَّ يقولُ بصوتٍ مختنقٍ :
أنا جائعْ
أنا جائعْ ....

بولزانو  12.04.2008

ليلُ البحيرةِ المتجلِّدة

جبلٌ على جبلٍ  ، وثَـمَّ  مَـخاضــةٌ  ...
ماءٌ ولا كالماءِ
أشجارٌ ولكنْ شِـبْـهُ أحجارٍ
كأنّ هناكَ فُوَّهةً لِـبُركانٍ تَجَــمَّدَ منذُ آلافِ السنين
الشمسُ باردةٌ .
وطيرٌ واحدٌ سيجيءُ
طيرٌ سوف يحملُنا  ، وقتلانا ، إلى باب الجحيم   .

فورتَيسـّا  12.04.2008

الشمسُ التي لا تأتي

في هذا الأحدِ المشدودِ إلى سفحِ الجـبلِ اشتقتُ إلى بلدي
حيثُ الصيفُ يُطقطِقُ منذ الآن
وحيثُ الشمسُ تُسَــلِّطُ بؤرتَها حتى في الظلِّ
( النخلُ بغيرِ ظِلالٍ ) ...

في هذا الأحدِ الـمُـبْـتَلِّ ككلبِ الراعي اشتقتُ إلى بلدي
أنا منذُ الصبحِ أقولُ : اشتقتُ إلى بلدي .
وهَنَ العظمُ
ورأســي مشتعلٌ شَيباً ...

في هذا الأحدِ المقرورِ اشتقتُ إلى بلدي
أمضيتُ صباحي في الساحـةِ والمقهى
غمغمتُ على ضفةِ النهرِ الجبليّ صلاةً متأخرةً
لكني أرتعشُ
البردُ تَغلغلَ كالإبَرِ الثلجيــةِ في الدمِ ...

في هذا الأحدِ  الـجَهْمِ  اشتقتُ إلى بلدي
لكني  لم  أدركْ إلاّ الساعةَ
حين مررتُ بمقبرةِ القريةِ

أني ، المسكينَ ، بلا بلَــد ِ!

فورتَــيسّـا 13.04.208

ســأنتظِــرُ !

لم أجدْ طيراً على غُصْــنٍ
ولا نحلَ على الأزهارِ ...
قلتُ : اليومَ لم يستيقظِ الكونُ على الكونِ !
وهذا النهرُ
هذا الهادرُ
المنحدِرُ
الجارفُ كالثورِ ...
ألا يهدأُ كي نلتقطَ الأصدافَ في القاعِ
وكي نسمعَ من حوريّــةٍ أغنيةً ؟
...................
...................
...................
أُرهِفُ ســمعي :
طائرُ أجهلُ ما يُـسْــمى
ينادي
مَن ينادي ؟
الصبحُ لم يفتحْ على الفندقِ بوّابتَـهُ ، بَعْـدُ
وهذا الجبلُ الأسوَدُ  يَــدَّثَّــرُ في ريشِ الغراب ...

فورتَيـسّـا   14.04.2008

الــــمَــوعِـــد

قلتُ : أمشي إلى آخرِ البلدةِ ...
الشمسُ ناعمةٌ
والمحطّــةُ خاويةٌ ( أحَــدٌ ضائعٌ في المواعيدِ )
أبصرتُ منعطَفاً في البعيدِ
انتهَيتُ إلى شِــبْــهِ منحدَرٍ  يصِلُ النهرَ بالدربِ ...
أهبِطُ
أهبِطُ
لم أبلُغِ النهرَ .
ثَـمَّـتَ  تنتظرُ الشاحناتُ :
سيمضي الأحدْ
مثلَ ما جاءَ ...
أمضي أنا
مثلَ ما جئتُ ...
والفجرَ تستيقظُُ الشاحناتُ على ضفةِ النهرِ
تنطلقُ الشاحنات !

فورتَيســّـا 14.04.2008

مدخلٌ سرّيّ إلى قلعة فورتيسّـا

للعمالِ الذينَ يجعلون القلعةَ متحفـاً للأطفالِ والشعراِء :
Stiegel Beer
بيرة ستيجل
Marlboro Cigarettes
سجائر مارلبورو
والجلاميدُ المسْوَدّةُ التي تنقلها الشاحناتُ المر سيدس المتوسطة لشــركة
Wipptaler. Com
والمياهُ الآسنةُ  التي يدفعُ بها نهرُ إيساركو إلى أسوارِ القلعةِ الغرانيت .
أمّا الكنيسةُ الصغيرةُ المحصّـنة في المدخل
فقد هيّـأها العمّالُ  قبل الأوانِ ، ليصلِّـي فيها ســواهُم .
*
القلعةُ ليست بعيدةً عن فندق :
Posta-Reifer Hotel
مثلَ ما أن القلعةَ ليست بعيدةً عن الذهب ...
Burgomaster Josef Wild
Owner of Posta-Reifer Hotel
الـعُـمْـدةُ يوسف وايِلْد
مالكُ فندق بوستا رايفَر
لديه المفتاحُ الثالثُ إلى البوّابةِ الذهبية
مع آمرِ القلعةِ الهتلريّ
وممثلِ مصرف إيطاليا  .
*
في الليلِ ، تختلطُ القطاراتُ السريعةُ ، وهي تهدُرُ ، بالمطرْ
في الليلِ يختلفُ الشــجرْ
ليكونَ بيتاً
أو دخاناً .
آنَـها يتآمرُ الضبّاطُ ...
سوف تكونُ فورتَيسّــا مَزاغلَ للبنادق
أو مَرابضَ للمدافعَِ
سوفَ يأتيها قياصرةٌ
ومحتالون .
سوفَ تكونُ سجناً يخنقُ السجناءَ  في  حلقاتِ فولاذٍ
وسَـدّاً  للغناء ...

*

أســرى الحربِ الرّوس
أسمعُهٌم في المطرِ الليليّ
أسمعُ أصواتَ مطارقِهِم
ومَجارفِهِم
كان الأسـرى الروسُ يشقّونَ بقلبِ الجبلِ القاسـي
نفَقــــاً
وقبوراً من غيرِ شــواهدَ  .
اسمعُ أســرى الحربِ الروسَ يئِنّــون ...

*

رايةُ باريسَ مثلّـــثــةُ الألوانِ
وجيشُ حُفاةٍ
وصعاليكَ
يدُقُّ على أبوابِ العالَــمِ
كان يدُقُّ بقبضاتِ دمٍ  وأناشــيدَ ُ
وكان قياصرةُ العالَمِ يرتجفون ...

*

لسنينَ ، ظلّت الشرطة الإيطالية تراقبُ ليشيو جَـيلِـي
Licio Gelli
فتّشوا منزله ، فيلاّ فاندا ، مراراً . أمّا هذه المرّة ،  فلم يفتشوا الخزانةَ ، بل بحثوا في الشرفة ، داخل أصُصِ
الأزهارِ . وهناك بين البيجونيا والجيرانيوم ... الأزهار الأثيرة لدى ليشو جَيلي، أيامَ شبابه ، ، عثروا على 162
كيلوغراماً من الذهب الخالص في سبائك من كيلو واحدٍ  ، وعلى أربعين من قضبان الفضّةِ ، وقد نُقِشَ عليها
 ، أي اتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفياتية .  حدثَ هذا في العام 1998 . CCCP
*

" كان ليشيو جَـيلي ، عميلاً سرّياً مرموقاً لموسوليني والغستابو ، كما يبدو أنه اشتغلَ لصالح الكومنفورم الشيوعي ّ. إنه مصرفيٌّ ، صحافيّ ، كاتبٌ ،  شاعرٌ  ، حائزٌ على عدة جوائز أدبية هامّـة . لكن شهرته الكبرى هي في رئاسته المحفل الماسونيّ 
المعروف ( بي 2 ) الذي ضمَّ نخبةً  من أشهر موظفي الدولة والسياسيين والضباط ورجال الأعمال، ممّا منحه قدرةً سرّيةً على التحكم بالأحداث السياسية ، في السنوات الخمسين التي أعقبت الحرب العالمية الثانية . "  
*

قلعةُ فورتَيسّــا
كانت تنهارُ قليلاً فقليلاً
فوقَ رؤوسِ قياصرةٍ 
وجنودٍ
وســماســرةٍ
ولصوصِ سلاحٍ محترِفين .

قلعةُ فورتَيسّــا
تُبْنى ثانيةً تحتَ ســماءٍ أخرى
تُعْــلِنُ أن العالَمَ أجملُ دونَ قلاعٍ
حتى لو كانت تلك القلعةُ :
فورتيـسّـــــا !

فندق بوستا رايفر
 Posta-Reifer Hotel
فورتيسّا 15.04.2008

تـَـهْــلِــيــلـةٌ

سأرحلُ في قطارِ الفجرِ  :
شَعري يموجُ ، وريشُ قُـبَّـعَـتي رقيقُ
تناديني السماءُ لها  بُروقٌ
ويدفعُني السبيلُ بهِ عُـــروقُ .
سأرحلُ ...
إنّ مُقتـبَــلِـي الطريقُ .

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ !
حقائبُكَ الروائحُ والرحيقُ ...
ترى الأشجارَ عندَ الفجرِ زُرقــاً
وتلقى الطيرَ قبلكَ  يستفيقُ

سلاماً  أيها  الولَــدُ الطليقُ ...
ستأتي عندكَ  الغِزلانُ طَوعاً
وَتَـغْــذوكَ الحقولُ بما يليقُ .

سلاماً أيها الولدُ الطليقُ !
ســلاماً آنَ تنعقدُ البروقُ ...

فورتَيسّــا  16.04.2008

الدّرسُ الأوّل

قالَ : لم يبْقَ شــيءٌ .
بلادٌ هوتْ مثل كوخٍ من القصبِ المتقادِمِ
في الريحِ .
والقتلُ صارَ الحياةَ .
الموائدُ عامرةٌ بالجماجمِ
والنارُ ترفضُ أن تكتفي بالهشــيمِ ...
*
إذاً ؛
قلتَ : لم يبقَ شــيءٌ !
رفيقي الذي لم تعُدْ مثلَ ما أنتَ ...
إنْ أنتَ قدَّرْتَ ، فَـلْـيَـكُنِ !
الأمرُ أبعَدُ منكَ ،
 ومنّي .
أ نجلسُ في حانةِ البحرِ
تلكَ التي علّمَـتْـنا الأغاني
لنستقبلَ النأمةَ – المستحيلَ ؟
*
الحياةُ ستأخذنا ، مثل طفلَينِ ، ثانيةً
كي تقولَ لنا :
ما أشَـقَّ الحياة !
مـا أدَقَّ الحياة !
ما أحَقَّ الذي لم يَـعُـدْ ... بالحياة !

لندن 11.04.2008

أســـرارٌ بســيطـــةٌ

أُسِــرُّكَ :
نحنُ ، الرجالَ الوحيدينَ ،
نفعلُ  ما ليس يمكنُ أن تتصوّرَ
كي لا نظلَّ رجالاً وحيدينَ ...
خُذْ مثَلاً  :
إنني أتهيّــأُ في الفجرِ  ، أُرهِفُ سمعي لأوّلِ طيرٍ .
تقولُ : وماذا ؟
انتظِرْ لحظةً يا صديقي !

وأمسِ ، بمفترَقٍ للقطاراتِ ، قبّلتُ ناديةَ القُبلةَ المتعجـلةَ ،
النارَ ...
كان  نبيذُ الظهيرةِ ( من أستراليا البعيدةِ ) محتدِماً في العروقِ
وفي شفتَيها ...
وكنتُ أراهنُ أني سأمضي إلى بيتِها ذاتَ يومٍ  !
غريبٌ .
مُغَنٍّ وحيدٌ
وقيثارةٌ كهربائيّـــةٌ ...
وحينَ وقفتُ ببابِ المحطةِ  جاءَ الــمطرْ ...

أُسِــرُّكَ :
إني أشِــذِّبُ  ، ظُهراً ، حديقةَ بيتي
وأقتلِعُ الضارَّ من عُشبِها
وآتي لها بالسمادِ
وبالـحَبِّ كي يهبطَ الطيرُ فيها  .
أقولُ : لآدمَ أن يحتفي بالأديـمِ  ...

وثالثةً ، يا صديقي ، أُسِــرُّكَ :
بعدَ غدٍ
سوفَ أمضي إلى الساحةِ
الرايةُ  الفوضويّــةُ ُ لي ...
سوف أرفعُها ، عالياً ، في مهَبِّ الرياح !

لندن 15.05.2008

بَـدْلــةُ العاملِ الزرقــاءُ

على مقاســي كانت البدلةُ !
حتى أنني لم أختبِرْها لحظةً في غرفةِ التجريبِ ...
كانت بَدلتي حقّـاً ...
وها أنا أرتديها  ؛
لا أفارقُ قُطْــنَـها  الـمُزْرَقَّ حتى في الفراشِ !
تقولُ صديقتي :
ما أنتَ ؟
عُمّالُ المدينةِ لم يعودوا يلبسونَ البدلةَ الزرقاءَ ...
عمّالُ المدينةِ لم يعودوا يَدَّعونَ بأنّهم يُدْعَونَ عمّالَ المدينةِ !
أيها المجنونُ
حتى في الفراشِ ، البدلةُ الزرقاءُ ؟
هل تُصْغِي إليّ !

لندن 19.05.2008

طــائرُ الـتَـدْرُج The pheasant

أمُرُّ بالغابةِ ...
الأغصانُ مثقلةٌ بصمتِها وظِلالِ الـخُضرةِ  .
ابتعدتْ  عني الأرانبُ ،
كان الدربُ مُنْفَسَــحاً  بينَ الحوائطِ والأعشابِ
أدفعُها  دفعاً رقيقاً لأمضي
والأصيلُ  بهِ  رعشاتُ بَرْدٍ ، وأمضي .
 فَجأةً
 وبلا  صوتٍ ، يباغتُني طيرٌ ، ويوقِفُني ...
يا طائرَ التَّدْرُجِ الـحَيرانَ
إنْ سَـلِمَتْ  رِيشــاتُكَ اليومَ  ... لا تأمَنْ  ،
فلستَ ترى  مثلي كثيراً ...
فتىً كالطيرِ منخطِفــاً !

لندن 20.05.2008

الـحِــزامُ العريــضُ

للنساءِ اللواتي بلندنَ
ليسَ الحزامُ العريـضُ
السبيلَ إلى الـعِــفّــةِ ...
الفتياتُ بلندنَ
يَعْـقِـدْنَ هذا الحزامَ العريضَ
ليكشِفْنَ ما دَقَّ
أو رَقَّ ...
حتى كأنّ ســريراً من الريشِ
يحْـمِـلْـنَـهُ
تحتَ هذا الحزامِ العريض  !

لندن  21.05.2008

Southall الحيُّ الهنديُّ بلندن

أهذي هيَ الهندُ ؟
فاكهةٌ
ودكاكينُ للخضرواتِ
ملابسُ للسيداتِ اللواتي نسِـينَ الأناقـةَ منذُ حَـلَـلْـنَ بلندنَ
أحذيةٌ استوائيّــةٌ
ومكاتبُ للنقلِ أو للصِّــرافةِ .
قُرْصُ الـمُـغَـنّي قديمٌ .
أهذي هيَ الهندُ ؟
لا ناسكٌ
لا إلــهٌ ولو بذراعٍ ...
ولا مَعْـبَــدٌ .
لا قرودٌ مقدّســةٌ
لا قرودٌ .
فـمِنْ أينَ أدخلُ فيها ...
أهذي هي الهندُ ؟
يا صاحبي :
أنتَ إنْ كنتَ تنوي الذهابَ إلى الهندِ
فاذهَبْ إلى الهندِ ،
واترُكْ لِــلَــندنَ  أســمالَــها ...

لندن 22.05.2008

أربعة مقاطِع عن المكان

أسكنُ في هَــيْــرْفِــيْـلـدِ  التلِّ
بعيداً عن لندنَ
مقترِبـاً  من ليلـي ...

أسكنُ  في غابةِ أشجارٍ أجهلُــها
أســماءَ  ، كما أجهلُ نفسي
لكني أجهَدُ كلَّ صباحٍ
أن أعرفَها باللمسِ ...

أنا أسكنُ عند بُحيرةِ ماءٍ ممنوعٍ
ماءٍ تأْلَــفُــهُ أسماكٌ  مُـنْـتِـنَــةٌ
وطيورٌ .
ماءٍ عبرَ سياجٍ من شجرٍ وحديدٍ يصدأُ ...
لكني من أجْلِ الماءِ الممنوعِ  سأبدأ !

أسكنُ في قوقعةٍ من إسْمَنْتٍ وحريرٍ
وأقولُ :
هيَ الدِّرْعُ !
ولكني كلَّ مساءٍ ، أصعدُ نحوَ النجمِ القُطْبيِّ
وأدْعو  !

لندن 02.06.2008

نـهارُ أحدٍ ملتبسٌ

منذ انتصافِ الليلِ
 ( بين الريحِ والمطرِ الـمُقَعْقِعِ والسريعِ
وبين زائرةٍ  مهفهَــفةٍ  بأحلامي وأخرى )
كان هذا اليومُ يأخذُ شكلَــه ، ليصيرَ ملتبساً …
رحلتْ إلى ما لستُ أدري ، جارتي
وتَجَنّبَ العصفورُ نافذتي
وتَحَصَّنَ السنجابُ عبرَ الســورِ .
لا مطرٌ
ولا صحْوٌ .
ســماءٌ ترتدي الأسمالَ من قُزَعِ السحابِ الأبيضِ الـمُـرْمَــدِّ .
والأشجارُ صامتةٌ .
سأنتظرُ التي قالتْ : سـآتي اليومَ حتماً …
غيرَ أن اليومَ ملتبسٌ ،
ورُبَّـتَــما أرادتْ واحداً غيري يُضاجِعُها نهاراً .
………………
………………
………………
إنّ هذا اليومَ ملتبسٌ !

لندن 22.06.2003

في الحديقة العامّــة

ألوذ من قطّتي ، فجراً
بمُـنْـسَدَلِ الزانِ النحاســيّ والصفصافِ ...
لستُ أرى سوى البحيرةِ .
كان الماءُ مرتعشاً شِــبْـهَ ارتعاشٍ
صقيلاً
لامعاً .
هبطتْ حمامةٌ  فجأةً .
كانَ الإوَزُّ على الحافاتِ ...
أعرِفُ من هديلِهِ خافتِ الأمواجِ أنَّ ندىً يبارِكُ الريشَ ،
أنّ الريشَ أجنحةٌ مُصَغّراتٌ
وأنّ الكونَ يرفعُها ، كي يَعتلِي هوَ  فيها .
........................
........................
........................
قطّتي خمشتْ وجهي مساءً
أمانَ الله !
مُلْـتَـجَـأٌ هي البحيرةُ .
والأمواجُ تصطفقُ !

لندن 24.06.2008

ثَــبْــتُ القصـــائدِ
1-    منزه الأنهار الثلاثة
2-    العاشقتان تحت المظلة
3-    مخطوط
4-    مقام عراقيّ مع أغنية
5-    طبيعة
6-    النظرة
7-    نافذة
8-    قصيدة في يوم السبت اكتملت في يوم الأحد
9-    الوقتُ مُحْكَماً
10-    علاقةٌ مُراوِغةٌ
11-    أيام العمل السرّيّ
12-    قصيدة يائسة
13-    اللغة الأولى
14-    نحتفي بالرماد
15-     " نابل " في الشتاء
16-    مثلث مقلوب
17-    ثلاثيةٌ أيضاً
18-    مصطفى المصريّ
19-    رمسيس الثاني
20-    الـمُهر في القرنة
21-    الثوب المرمر
22-    مطعم شبه أميركي
23-    إلى سركون بولص
24-    مقام المرء
25-    حالة البحّار
26-    تميمة
27-    دنَف
28-    الفصح في كاثدرائية سالزبري
29-    سأكتب مثل عازف البيانو
30-    احتراف
31-    ليس من تلاعُبٍ
32-    سماءٌ موازيةٌ
قصــائد فورتيسّــا
33-    قلعة السماء البيضاء
34-    سوق السبت في بولزانو
35-    ليل البحيرة المتجمدة
36-    الشمس التي لا تأتي
37-    سأنتظر
38-    الموعد
39-    مدخلٌ سرّيٌّ إلى قلعة فورتَيسّا


40-    تهليلة
41-    الدرس الأول
42-    أسرارٌ بسيطةٌ
43-    بَدلةُ العامل الزرقاء
44-    طائر التّدْرُج
45-    يومٌ مشمسٌ
46-    الحزام العريض
47-    الحيّ الهنديّ بلندن
48-    أربعة مقاطع عن المكان
49-    نهارُ أحدٍ ملتبسٌ
50-    في الحديقة العامّة
انتهى
 
اخر تحديث الخميس, 22 يناير/كانون ثان 2009 18:07