ديوان أغنيةُ صيّــادِ السّمَك كاملا طباعة

سعدي يوسف 
2008              

كُتِبَتْ قصائدُ الديوانِ
بين الثاني عشر من تشرين ثان 2006
والأول من أيلول 2007
في لندن ونيويورك

هِـــجــرانٌ

اهدأ الآنَ ...
عطلةُ أسبوعِكَ ابتدأتْ ،
 أمْ تُراها انتهتْ ؟
فالفتاةُ التي أنتَ أدرى بما في ســراويلِها ،
 قرّرتْ ، دونما نزَقٍ ، أن تغادرَكَ ...
اختطفتْ شــالَها الصوفَ
والهاتفَ " الفودافونَ " الذي طالما صوّرتْكَ بهِ
في مقاهي الشمالِ ، وليلِ الفنادقِ ،
- كانت حقيبتُها الـخَيشُ  خارجَ غرفةِ نومِكَ -

ثمّ اختفتْ تهبطُ السلّـمَ الأخضرَ ...
-----------------
انطبَقَ البابُ  ؛

فاهدأْ قليلاً
ولا ترتبكْ ...
لا تقُلْ إن عطلةَ أسبـوعِـك
التحقتْ بالعراقِ وإنْ كنتَ في لندنٍ ؛
لا تقُلْ للفتاةِ التي غادرَتْكَ  : الوداع
( المغادِرُ ليسَ الـمُهاجِرَ )
فاهدأْ ...
وأنصِتْ إلى دوحةِ الجوزِ في مَـوْهِـنِ الليلِ ...
أنصِتْ
أتسمعُ تلكَ التهاليلَ ؟
ذاكَ الـمغَـنّي الذي يصلُ النجمَ بالنجمِ ؟
تلكَ الرياحَ الخفيــفةََ ؟
قُــمْ وافتح البابَ ...
قُلْ : مرحباً !
وانتظِــرْ مَن يجــيءُ  ؛
انتظرْ  مَن تجــيءْ ...

لندن 12.11.2006
-----------------------
 
هديّــــــةٌ صــباحيّــة

لصبّاغي جزمةِ جورج بوش ، وَلِــيِّ النجفِ الذِّمِّـيّ
و لأحفادِ لصوصِ الحربِ
 وأبناءِ الإقطاعيينَ العربِ الأغرابِ ؛
لِـمافيـا  التهريبِ
و زهرةِ  لورداتِ الحربِ
 وأبناءِ الإقطاعيينَ الكُـرْدِ الأغرابِ ؛
لرجالِ الدين الـمُـخْتَـرَمين ،
ولخرِّيجي كلّياتِ الجاسوسيةِ في واشنطنَ
أو لندنَ
أو بودابستَ ...
لأحزابٍ تشــربُ نفطاً أخضرَ
للكتّابِ المأجورينَ بدولارٍ للصفحةِ
للوزراءِ الأوباشِ
لزبانية التزويرِ ، ونجّـاري كرســيّ النائبِ
للنسوةِ مـمّـنْ أدْمَـنَّ معاشــرةَ النسوةِ أو ضبّاطِ المارينز
لِـحُسينيّاتِ الطلقةِ ، واحدةً ، بـمؤخّــرةِ الرأس ،
لمساجدِ قطْعِ الرأسِ ...
 لكُمْ
لي
للناسِ جميعاً في كوكبنا الأرضيّ  ؛
أقولُ :
ليأخُذْ كلٌّ منكم ، هذا الصُّبحَ ، هديّــتَــهُ  ...
رأساً ، في طبَقٍ مضفورٍ من حيّاتِ جهنّــمَ .
*
أيُّ عراقٍ هذا؟
أيُّ عراقٍ جاء َ بهِ  السُّـفَهاءُ   الخَـوَنــــةْ 
ورجالُ الدين الـمُخْـتَـرَمون ؟
أيُّ عراقٍ جاءَ  بهِ  أردأُ  مَن سكَـنَ البيتَ الأبيضَ ؟
أيُّ عراقٍ يخذلُــهُ ،  في الغــابةِ ، حتى الله  !

لندن 6.11.2006  
-------------------
 
 ... في البحر الكاريبيّ  ، في يوم ٍما
 
في البحر الكاريبيّ ...
بين جامايكا ، وهاييتي ، وبَربادوسَ  ،
وفي قَــمْرةِ قُرصانِ الملِكِ
الْـتَــمَّ  ثلاثةُ أوباشٍ :
أوّلُهم  - قرصانُ الملِكِ الإسباني فيليب الثاني
( أميرالٌ في الأسطول الملكـيّ )
ثانيهم  - قرصانُ إليزابَث الأولى ، فرانسِسْ دْرَيك
ثالثُهم  - قرصانٌ أبحرَ من مرسيليــا ... ذئبَ بِحارٍ حرّاً  ؛
.............................
.............................
.............................
بَسَــطَ الأميرالُ خرائطَهُ
( عبدٌ أسودُ في بدْلةِ ليلٍ بيضاءَ موشّاةٍ ذهباً  أبعَدَ أقداحَ الخمرِ  )
قالَ الأميرالُ : البحرُ الكاريبيّ بُحَيرتُنا  ،
ذهباً
وعبيداً
وثماراً ...
لكنّ سفائننا ، أحياناً تتصادمُ  .
 ليست كلُ رياحِ الكاريبيّ مواتيةً ،
 ولا كلُّ قباطنةِ
الســفُنِ اللائي تُـبحـرُ عبرَ موانيءِ هذا البحرِ مسيحييــنَ تُقــاةً .
أنتم ملاّحـونَ
كما أنا ملاّحٌ .
 فلْـنتفاهَمْ !
 أوَ ليس الخيرُ لنا أن نتقاسمَ ؟ 
أعني : هل يمـــكنُ أن
 نقتسمَ البحرَ ؟
 لفيليبَ الثُّلثُ .
 لإليزابَثَ ثـُلْثٌ .
 والثلثُ الباقي لحُثالةِ أوروبا ...
*
قال له فْـرانسِسْ دْرَيك :
حسناً !
لكنْ كيف نسمِّـي البحرَ ثلاثةَ أسماءٍ ؟
كيفَ يَبِـيْنُ مــُكلأُّ  هذا  ، ومـُكَلأُّ ذاكَ ؟
ومَن سوف يُهيِّيءُ  للبحّارةِ خمراً ونساءً ؟
مَن سيُمَسِّــدُنا ، ويُقَبِّلُ أرجُلَنا قَـبْلَ
الأيدي ؟
مَن سوف يُجَـنِّـدُ حمّالينَ ونخّــاسينَ   لنا ؟
هل سنُسمِّي الأقســـام  ؟
*
كان الأميرالُ أعَدَّ  لكل سؤالٍ عِدّتََــه .
قالَ : القسمُ الأولُ سوف يسمّى كُورديولان ،
 أي مِن كُوردِيالـِتي Cordiality
والقسمُ الثاني سيُسَمّى سنِـيستان  ،
 أي مِن  Sun & Stance  .  وقفة الشمس .
أمّا القسمُ الثالثُ فالأفضلُ أن يدْعى شـِيــئــِسـتان  ،
 أي مِن  Shy & Stance
والمعنى : وقفةُ الخجل .
 ( التأويلُ باللغة العربية من المخطوطِ الأصلِِ قام  به  ، مشكوراً ،  الشاعـرُ
العراقيّ  المقيمُ في لندن ،  سعدي يوسف ).
*
أخرجَ أوّلُهم خاتمَهُ .
 أخرجَ ثانيهم خاتمَه .
 أخرجَ ثالثُهم خاتمَهُ .
 خُتِمَ الأمرُ :
لقد قســموا البحرَ ثلاثةَ أقســامٍ .
والعبدُ الأسودُ في بدلتِه البيضاءِ الذهبيةِ عاد ليملأ أقداحاً ذهباً ...
*
كان الليلُ الكاريبيُّ مليئاً بالأقمارِ
وبالأسماكِ الفضّةِ
والقيثاراتِ
وكانت قَمْرةُ قرصانِ فيليب الثاني الخضراءُ متعتَـعـةً .
*
نامَ ثلاثـتُهم في الفجرِ ...
*
لم يعرفْ حتى البحّارةُ كيف جرى الأمرُ  ...
البحرُ الكاريبيُّ تلاشــى مثل ســرابٍ ،
وســفينتُهمُ تتقلّبُ ، سادرةً ، هائجةً ، نحو مثلّث برمودا ...

لندن 09.10.2006

------------------------

وقــــــتٌ ثقـــيـــــلٌ

كلُ شــيءٍ يهدأُ الآنَ
أغاني الجازِ في المذياعِ
والأشجارُ في الدّغْلِ القريبِ
السَّـمــــــَكُ الفـــضّــةُ في الــقاعِ ،
وتـــــلك المرأةُ / القطّــةُ في الهـــــــاتفِ ...
هل يأتي مساءُ الأحدِ الباهتُ ، والهاديءُ حتى الموتِ ، بالبوقِ ؟
هل القرميدُ في السقفِ ، هو الصّنجُ الذي ينتظرُ الضربةَ ؟
أَمْ أنّ نسيجَ العنكبوتِ  الـمــَرْسُ والـمرســى ؟
هواءٌ ناشفٌ  يدخلُ بين البابِ والـممشى
ومن  لاجهةٍ يَخفُقُ طيرٌ ...
نغمةٌ واحدةٌ تهبطُ.
نجمٌ واحدٌ .

لندن 23.09.2006

---------------------

شـــهادةُ جنسيّــــةٍ
                   
          في العراق ، يتعــيّن على الفردِ ، كي يُثْبِتَ انتسابَه إلى بلــدِهِ ،
          استصدارُ وثيقتينِ :  الأولى تدعى الجنسية ، وتتضمّن معلوماتٍ
          عن مكان الولادةِ وتاريخِها ... إلخ . أمّا الثانية فتُدْعى شــهادة
         الجنسية ، وهي لازمةٌ للقبول في الجامعة ، والوظيف العمومـي ،
         والانتساب إلى الجيش والشرطة والأمن ، وتتضمّن معلوماتٍ عن
         أصل العائلة ، وعمّا إذا كانت من التبعية العثمانية أو الإيرانية .
 
عربيٌّ من العراقِ ...
أنا : البصرةُ ، بــــيتي ونخلتي . وأنا النهـــرُ الذي سُــمِّـيَ باسمي
ورمــلةُ اللهِ دربي وخيمتي . الأثَــلُ الشاحبُ ســـــقفي وملعبـي ،
وخليجُ اللآليءِ -  الوعد  ِ لي . والبحرُ لي . والسماءُ دوماً سمائي .

عربيٌّ من العراقِ ...
أنا : البصرةُ ، بــــيتي ونخلتي . وأنا النهـــرُ الذي سُــمِّـيَ باسمي
ورمــلةُ اللهِ دربي وخيمتي . الأثَــلُ الشاحبُ ســـــقفي وملعبـي ،
وخليجُ اللآليءِ -  الوعد  ِ لي . والبحرُ لي . والسماءُ دوماً سمائي .
*

عربيٌّ من العراقِ ...
أنا : الكوفةُ ، ما خُطَّ  في العـــــــروبةِ خَطٌّ  قبلَها . والعواصمُ الألفُ
ما كانت سوى من كِنانـتِـها . بيتُ عليٍّ ، والمســــجدُ الجـــامعُ ،
والنهرُ . هل تخَطَّـينا الكتابةَ ؟  الحرفُ كوفيٌّ ، وقرآنُنا  وصيٌّ عليها .
*

عربيٌّ من العراقِ ...
أنا : المَوصلُ ، خيلٌ وخُضرةٌ . كان سيفُ الدولةِ الأميرَ ، وكانت حلبٌ
أُختَها . السفائنُ  في النهرِ . الـمُـغَـنّونَ في الضفافِ . هنا صاحبُ البريد
أبو تمّامٍ . المرمرُ الصقيلُ هي الموصلُ  ، والأهلُ ، والنضــالُ الطويلُ .
*

عربيٌّ من العراقِ ...
أنا : هذا الفراتُ ، الذي يوحِّــدُ أهلاً ،  وبلاداً ،  وأُمّــةً . كلُّ كفٍّ من مائهِ
موعدٌ في جنّـةِ الخُلْـدِ . يا صبايا الفراتِ ، صبراً ! لكُنَّ النهرُ والفخـــرُ ...
سوف يأتي زمانٌ للتهاليلِ . نحن نُقْسِـمُ بالنهرِ ، وباللهِ ، والسوادِ الأصيلِ .
*

عربيٌّ من العراقِ ...
أنا :  بغدادُ ، موصوفةً بما ليس في الوصفِ . الكتابُ العصيُّ . والجنّـةُ .
الدربُ المؤدِّي إلى الدروبِ . أتاهــا كلَّ عصرٍ برابرةٌ . لكنّها أحكمتِ
 الأنشــوطةَ .
 العزيزةُ بغدادُ .
 والأســيرةُ بغدادُ ،
والأميرةُ بغدادُ ...
 والجدارُ الأخـــــــيـرُ .

لندن 20.9.2006

---------------------
 
 رياح الأطلســيّ
 
تأتي رياحُ الأطلسيّ وقد جلبْنَ الماءَ
محمولاً بآلافِ الصهاريجِ التي صُبِغَتْ بلونِ الغيمِ ...
ثمّتَ سِــربُ طيرٍ جاءَ من إفريقيا
ومصائدٌ للأرنبِ البرّيِّ ؛
ثمّتَ غفلةٌ ،
وســعادةٌ ليستْ تبِيْــنُ
ومَوطِيءٌ في مَسْلَكِ الأحراشِ للسّـارينَ فـي الليلِ ...

الرياحُ وئيدةٌ
حتى كأنّ الغيمَ يَـثْقُـلُ فوقَ داري
ثم يدخلُ في الحديقةِ ...

كانت الأزهارُ ( جيرانيوم ) تلمُســهُ ، وتشربُ ماءَه العذْبَ ،
العناكبُ لا تزال تُقِـيمُ ، واثقةً ، مصائدَها
وتَكْــمُنُ ...

والرياحُ وئيدةٌ
ماذا سيَحْدُثُ  لو أخذتُ عصايَ ، بعد دقيقةٍ ،
وهجرتُ ما  أنا  فيهِ
منطلقاً إلى ما لستُ أدري ؟
كلُ ما في الكونِ يرتحلُ :
الكواكبُ ، والأفاعي ، والثعالبُ ، والضفادعُ ، والزرازيرُ
الذئابُ ، ودودةُ الأرضِ ، الخنافسُ ، والجذورُ ، وزهـــــرةُ
الخشخاشِ ، والموتى ، وأوراقُ الخريفِ ، وبذرةُ الــــتفّاحِ
إني الآنَ أخطو خطوتي الأولى
الرياحُ وئيدةٌ
وعصاي تمضي بي إلى ما لستُ أدري ...

لندن 30.9.2006

-----------------------

الـــجحـــيم
 
تجلسُ امرأةٌ في المسافةِ ما بين مطبخِها الأمريكيّ
والكهفِ حيثُ السريرُ الذي قُــدَّ من خشبِ الوردِ .
تجلسُ دُمْــيةُ قُطنٍ على مقعدِ الـمَـدرســةْ .
يجلسُ الكاتبُ الـمشــترى في حذاءِ الـمحاسِــبِ .
يجلسُ كلبُ الأميرةِ مستمتعاً  بالطنين الذي يتدفّقُ من شاشةِ التلفزيونِ .
يجلسُ جنديُّ روما على الرمحِ في ساحةٍ .
يجلسُ القردُ ، وهو يَـلُـوْثُ العمامةَ ، في مَـعْـبــدٍ .
يجلسُ العاطلون عن العملِ ، الآنَ ، في مَـرْكَـبٍ للعبيدِ  ...
 وفي البحرِ يخْفت  ضوءُ المنارات ِ .
يجلسُ طيرُ الفينيقِ على السيخِ في حفلةٍ للشــواءِ الـمـغوليِّ .
تجلسُ سيِّــدةُ الهورِ
في طلْعِ بُرْديّــةٍ يابســةْ ...
يجلسُ الـماءُ  ، محتدِماً ، في هشــيمِ القصب ْ ...

لندن 11.8.2006

----------------------
 
 في أصيلٍ غائــمٍ
 
يَسّــاقَطُ  دَوحُ  البلّــوطِ  ثماراً ناشــفةً
لامعــةً
مثلَ رصاصِ مسـدّسِ ماغنوم ...
العشبُ طريٌّ
وعلى المسْــربِ آثارُ خيولٍ متخَــمــةٍ ،
والأشجارُ اللائي صرنَ ســفائنَ في بحريّةِ هنري الخامسِ*
خـلّــفْن َ بناتٍ  يَـحْـفُـفْــنَ  بيَ الآنَ :
كاثدرائياتٍ
وخياماً هائلةً  لبرابرةٍ يشــوونَ خنازيرَ البــرِّ ، سكارى
ومجــرّاتٍ خُضراً ...
..................................
...................................
...................................
كنتُ على مفترَقٍ لثلاثِ دروبٍ  ؛
الأولى : تأخذني نحو البحرِ .
الثانيةُ : اتّجهتْ نحو الجبلِ .
الثالثةُ : انطمستْ أيُّ علاماتٍ فيها ...
........................................
.........................................
........................................

قلتُ :  " ليَ الثالثةُ المطموســـةُ "  ...
*
نهرٌ يتدفّقُ فوق الأشجارِ
عموديّــاً
فتَـئِـنُّ الأشجارُ
وتنقصفُ الأشجارُ
وتنتثرُ الأشجارُ على الدربِ الريفيّــةِ
عائمةً في موجٍ من بَـرَدٍ منحدرٍ ،
كان الرعدُ يدمدمُ
والبرقُ الصاعقُ يحملُ كلَّ الغابةِ في مشعلِــهِ ...
ثمّتَ  كوخُ الحطّــابينَ
يكاد يطيرُ مع الأغصانِ المتدافعةِ ،
الريحُ غدتْ جســداً من ماءٍ ولحاءٍ
مكنســةً تجرفُ هذا المشهدَ
نحوَ الوديانِ المرســـومةِ في كتبِ الطّـــوفانِ ...
*
الكوخُ تلألأَ ...
أدخلُ مرتبكاً
مرتعشاً ؛
سوف أقيمُ هنا
في بيت العاصفةِ ...
...................................
...................................
...................................
الكونُ تـنَـفّـسَ في زاويةِ الكوخِ
الكونُ يســـير ...

لندن 16.8.2006
ــــــــــــ
* هنري الخامس  : ملك انجلترا بين   1413  -   1422 ، قطع غابات انجلترا ليبني اسطوله . مات بحمّى المعسكرات .

-------------------------------------

نهر الدانوب
 
سيكون المساءُ مديداً على ضفةِ النهرِ ...
مَن قال إنّـا سنشعلُ نيراننا في رؤوسِ الجبالِ ؟
القلاعُ صليبيّـةٌ
من مَـقـالِـعِ أرباضِ  لِـنْـتس (  Linz )
إلى القدسِ  .
كان الملوكُ ورُهبانُهُم  يسبقون المياهَ إلى حفلةِ القتلِ
حيثُ البلادُ البعيدةُ تطوي مآذنَها بانتظار البرابرةِ ...
الشمسُ تلمع فوق الدروعِ
وفي تاجِ ريتشارد قلبِ الأســد ْ ....
..................................
..................................
..................................
والمســاءُ مديدٌ على ضفةِ النهــرِ :
هل آنَ أن نستريحَ ؟
الكرومُ مُـعَـرِّشــةٌ ، جوسقاً  في الضفافِ
ومصطبةً في السفوحِ ...
الكرومُ مُـعَــرِّشةٌ  في النبيذ الجديدِ ،
الكرومُ معرِّشــةٌ في مقاهي القرى ، وخدودِ البناتِ ؛
*
العشيّـةَ  كنّا  ضيوفاً على ابنةِ مزرعةٍ للكرومِ ...
أتاحتْ  لنا  غرفةً
في السماءِ التي شــرعتْ تدلــهِـمُّ   ،
العشيةَ  كنا  لَصيقَي حرارةِ أوردةٍ أُتْـرِعَتْ بالنبيذِ ؛
السريرانِ نهرٌ يموجُ .
*
ابتدأنا لكي نتّقي أننا بالغانِ النهايةَ .
كانت حقولُ العناقيدِ مثقلةً بالرطوبةِ والعسلِ ،
الطيرُ  ، عند الصباحِ المبكِّــرِ ، سوف يفيق من السُّـكْـرِ
كي ينقرَ الخمرَ ثانيةً من عناقيدها ...
*
النهرُ يجري ســريعاً  ،
ومثل الجيوش القديمةِ ، يرتاح عند الـمَـعابرِ ، حيث القلاعُ
وأديِــرةُ الـمتَرَهِّــبةِ الضامرينَ  ؛
النهارُ   لهُ
والمساءُ  لِــما في الأســاطيرِ ...
للغرفِ  المتضوِّعِ تَـنُّــوبـُها  كالبَخورِ ،

المساءُ لمـَملكةٍ لا تدور عليها الدوائرُ .. .
مَـملكــةٍ من جذور .

لندن 12.9.2006

--------------------------

الشيوعيّ الأخير يقرأ أشعاراً في كندا

"  كان من المنطق أن تندرجَ هذه القصيدةُ
في ديوان ( الشيوعيّ الأخير يدخل الجنّة )
لكنّ الرحلة الكندية كانت أوسـعَ وأبعدَ " .

ضاقت به الدنيا ،
ولكنْ لم يَضِقْ ، هذا الشيوعيُّ الأخيرُ ، بها ...
وكان يقولُ : للأشجارِ موعدُها ، وإنْ طالَ الخريفُ سنينَ أو دهراً !
وكان يقولُ أيضاً : خمسَ مرّاتٍ تَلَوتُ الشِّعرَ في وطني ، لأبتديءَ الرحيلَ ...
وكانَ ...
لكني سمعتُ بأنه قد كان في كندا
 لأسبوعَينِ ؛
ماذا كان يفعلُ ؟
 ليس في كندا ، شيوعيون بالمعنى القديمِ ،
 وليس في فانكوفرَ امرأةٌ معيّــنةٌ ليسبقَ ظِـلَّها أنّـى مضتْ  ...
بل ليس في " الروكي " نخيلٌ ، كي يقولَ اشتقتُ للشجرِ المقدّسِ  ؛
 قلتُ : خيرٌ أن أُسائلَ أصدقاءَ لهُ  ...
أجابوني : لقد كان الشيوعيُّ الأخيرُ  ، هنا ، نقولُ الحقَّ ...
 بل إنّـا سهرنا ليلةً في مطعمٍ  معهُ. وقد

كنا نغَـنِّــي ، والنبيذُ القبرصيّ يشعشعُ الأقداحَ والوجَناتِ  .
 ماذا ؟ نحن في فانكوفـــــرَ الخضــراءِ
لا بغداد ...
لكنّ الشيوعيّ الأخيرَ مضى !
إلى أينَ ؟
 اشترى ، صبحاً ، بطاقــتَـه ،  إلى عَبّــارةٍ  تمضي  به ،
 هُــوناً ، إلى جُزُرِ المحيطِ الهاديءِ  ...
*
الأيامُ  ،  في أيّــامنا  ، عجَبٌ !
وأقرأُ في رسالته الأخيرةِ :
أيها  المسجونُ في أوهامكَ السوداءِ  ، والكتــــبِ
التي ليست بلون قمـــيصِكَ !

اسمعْــني  ... ولا تقطعْ عليَّ سرابَ أسفاري .
 لقد هبطتْ بيَ العَـبـــّارةُ البـيضاءُ

عند جزيرةٍ بالباسِفيكِ  ... أقولُ  : فِكتوريــــا !
 فيندفعُ الشميمُ  ، وتخرجُ الخـلجانُ

سابحةً . ستأتي عندنا الحيتانُ فجراً ، أو أسُــودُ البحـرِ .
 لا تــتعجّـل الأنــباءَ ....

فِكتوريا هي الأمُّ العجيبةُ ، جَـدّةُ الهنديّ والملهوفِ  ،
 والأنــثى المقدّســـةُ . الطواطمُ

عندها حرسٌ ، وروحُ الدبِّ . والأسماكُ هائلةً تَقافَـزُ بينَ كفَّــيها .
..............................
..............................
..............................
وماذا كنتُ أفعلُ في الجزيرةِ ؟
أنت تعرفني . تماماً .

كنتُ ، مثلَ نضالِ أمسِ ، أُحَرِّضُ الطلاّبَ  ...
كيفَ ؟
قرأتُ من أشعارِ سعدي يوسف ...
الـبَـحّــار  ، صاروخ توماهوك ، إعصار كاترينا ،
 وقتلى في بلاد الرافدَينِ .
ولحيةُ القدّيس والْت وِيتمان . أشجار البحيرات العميقةِ  .
 والبارات عــنــدَ

إجازةِ الجنديّ . تبدو بغتــةً  عَـوّامةٌ في النيلِ .
 يبدو النخلُ أزرقَ في البعيدِ .

النسوةُ الغرثى يَـلُـبْنَ  .  عُواؤنا ؟ أمْ أنها تلك القطاراتُ
 التي تمضي إلـــــى

ليلِ الـمَـدافنِ في الصحارى ...
 أيها الجنديّ دَعْ بلدي  ، ودعْني في الجحيمِِ .

قرأتُ من أشعارِ سعدي يوسف ...

الأمرُ الغريبُ : كأنّ هذا الشاعرَ  الضِـلِّيلَ يعرفُني ، ويعرفُ ما أريدُ  ....
كأنه أنا !
لستُ أفهمُ ما أقول ...

لندن 31.10.2006

---------------------------

مســرح دُمى  Puppet Theater

الفتاةُ التي سـتُـغَـنِّـي قصائدَها بلسانِ العصافيرِ
تصعد ُ درْجاتِها الستَّ
عاقدةً ، من حريرٍ رخيصٍ ، ستارةَ مســرحِها
وهي تضحكُ ...
ناولـتُها طرَفَ الخيطِ . كانت تمازحُني : أنتَ تعبدُ سـاقَيَّ !
أضحكُ ...
في مدخل الخيمةِ ، العلبةُ الخشبيةُ حيث العصافيرُ تنتظرُ الآنَ
لحظــةَ ميلادِها من ركامِ مناقيرَ غـــــرثى
وأجنحةٍ متكسِّــرةٍ ، وغصونٍ ستُصبَغُ . في العلبة الخشبيةِ
تاجٌ من الورقِ الـمُذْهَبِ .
الـمَـلِكُ الوغْــدُ
ينتظرُ الإصبعَ . الشمسُ ترخي شآبـيـبَـها .
 والحديقةُ تـصغي إلى النبضِ في صيحةِ الطفلِ . ها أنــتــذا
واقفٌ ، حاجباً  ،
والمسَـرّاتُ والأغنياتُ وشَــرشَــحةُ التاجِ  تبدأُ  في لحظةٍ .
 والفتاةُ التي صعدتْ ، تستريحُ .
سوف يأتي الصغارُ إلى العَرضِ ...
لكنهم سيعودون منه إلى العالَمِ الفظِّ
حيث الملوكُ ملوكٌ
وحيثُ الفتاةُ التي تُنطِقُ الطيرَ تسكنُ بيتَ العراء ...

لندن 24.9.2006
 
------------------------
 
مــرحبــاً !

مرحباً !
كيف جئتَ إليّ ؟
وكيف اهتديتَ إلى مَكْــمَني ( منزلي ) في الضواحي القـصيّـــةِ
حيثُ التلالُ التي تشبه الغيمَ ، تُخفي الـــمنازلَ والناسَ ؟ حيــثُ
البحيراتُ تُنْبِتُ أشجارَها وهي مقلوبةٌ في المـــساءِ المبَـكِّـــرِ،
حيثُ الطــيورُ تُحَدِّثُــني ( مثل ما في الأساطيرِ ) . حيثُ الأغاني
كلامْ ...
مرحباً !
بَـعُدَ العهدُ والــودُّ . حتى الـمِـهـَفّــةُ من سعفةِ البيتِ
 ( تلك التي قد أتيتَ  بها لـتُصالِـحـني )  فقدتْ  في الطـريقِ
 الطويلِ الروائحَ والنقشَ. أرجوكَ ألاّ تحاولَ  ... لكنك الآنَ تَطرقُ
بابي . المســاءُ هــنا موحشٌ . والرياحُ من الأطـــلسيّ .
وما عادَ يملأُ هذي السماءَ الثقيلةَ
إلاّ الغمام ْ ...
مرحباً !
لا رياحينَ عنديَ أفرشُها في طريقـِكَ . لا ناقةٌ لي ولا جَــمَـلٌ .
فادخُلِ الآنَ . أبوابُ بيتيَ مفتوحةٌ دائماً . ثمّتَ الخـــــبزُ والماءُ
 والدفءُ . لكنني أتوسَّـــــلُ : إنْ أنا أغمضتُ عينيَّ دَعْـني ...
ونَـمْ أنتَ  !
 أرجوكَ ، دعني وشأني ، ولا تَـدخل الـحُـلْـمَ .
 أرجوكَ
دعْني أنام ...

لندن 06.10.2006

----------------------------------
بعد عاصفةٍ مطريّــةٍ

الآنَ غيومٌ بيضٌ ، تعْبُـرُ ، هادئةً ،  تحتَ سماءٍ زرقاءَ .
وأشجارُ الزانِ مُـعَـرّاةٌ
والعشبُ الأخضرُ يَـخْـضَـرُّ  عميقاً ...
والساحةُ تُقْـفِـرُ .
من أعلى السورِ الخشبِ انحدرَ السنجابُ
وحطَّ العصفورُ على الســورِ
الشمسُ تكادُ  تَبِـيْــنُ
وفي الـبُعـدِ
ومن خلَلِ الأغصانِ العاريةِ التمعَ الماءُ
( بُحيرةُ صيّادي الأسماكِ )
الساحةُ ما زالت تُقْفِـرُ
لم يأتِ العمّالُ إلى مشروعِ الـمبنى
( لا عطلةَ هذا اليومَ )
ولا خيطَ دخانٍ يعلو بين مداخنِ هذا الحـيِّ .
انتصفَ اليومُ :
رعاةٌ مجهولونَ يجوسونَ الغاباتِ بلا سببٍ ،
ويجيئونَ إلى الحانةِ ظُهراً ،
بســراويلٍ لم يُحْـكَمْ شَــدُّ مَساحِـبِها
ووجوهِ صغارٍ مرتبكينْ ...

لندن 24.11.2006

---------------------------

قصــيدةٌ أخرى عن " باب سُليمان "
 
أ " بابَ سُـلَيمانٍ " رأيتَ ،  أَم الرؤى مُشعشَعةٌ ؟
 أَمْ أنّ ما كـانَ لم يـكُنْ ؟
تقولُ : رأيتُ الجســرَ ...
كانت حمامةٌ تقولُ لأخرى:  الـتّوتُ في الـماءِ .
والجسرُ عابرٌ مع النهرِ .
  والوَزُّ العراقيُّ عابرٌ .
 أتلكَ سـماءٌ أَمْ مرايا ؟
 ألَم أكُنْ
ألوذُ  بها  إنْ ضاقت الأرضُ ؟
 أيُّها  السبيلُ الذي يُسْـمـى ، ويا أيّها الفتـى
الغنيُّ بصُنّاراتهِ ،
 الخيطُ واهنٌ ... أتعْـقِـدُهُ ؟
هل تَبلــغُ الفجــرَ مـرّةً
بـ "بابِ سُــلَيمانٍ " ؟
 خــفيفاً   ،
مُضَـوّعاً بِطَـلْعٍ ،
 ومحمولاً عـلى الغيمِ .
ربّما  ستأخذُ من حوريّةِ النهرِ خُصــلةً.
 وقد تنتهي في القاعِ .
 ما أجملَ
الفتى ، خفيفاً ... خفيفاً ، هابطاً في المياهِ ،
 لا يرى سوى خُصـلةِ الحوريّـةِ .
الماءُ دافيءٌ
وثَـمَّ غناءٌ ...
لا- لَ- لا- لا
لَ- لا- لَ- لا...
و "بابُ سليمانٍ " هو الجســرُ
أولُ  الندى
وآخِـرُهُ
والسدْرةُ التي لها الثمارُ الفراديسُ ...
الـمآبُ المقدّسُ ... 

لندن 28.11.2006
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باب سليمان : جسرٌ تاريخيّ في أبي الخصيب جنوبيّ البصرة ، تعرّضَ مؤخراً إلى قصفٍ بالهاونات .

-------------------------

سأحاوِلُ ألاّ أقولَ شيئاً
 
كانت غيومُ الصُّـبحِ باردةً ، مخلخَــلةً
وكان الماءُ يصعدُ  من حشيشِ الـمَـرْجِ نحوَ  الغيمِ ،
ثَمَّتَ ترتعي الخيلُ …
الـمَراكبُ في القناةِ
وفي الـمَراكبِ كان شايُ الصُّبحِ خيطاً من دخانٍ في الـمَداخنِ ؛
لا طيورَ هُنا  .
غرابٌ كان  يَنقرُ ، باحتدامٍ ، جُـثّـةَ السنجابِ .
والورقُ الذي قد كانَ حتى أمسِ بُـنِّـيّـاً على وجه الحديقةِ ، صارَ يَسْــوَدُّ .
النوافذُ رُقِّطَتْ بِـنَـثِــيرِ  بلّــورٍ .
أيأتي الثلجُ ؟
سوف يدورُ في دفءِ القناني
في جذورِ الكَـرْمِ
والليلِ
النبيــذُ …

لندن  11.12.2006

-----------------------

قصــيدةٌ مبتلّــةٌ
 
لثلاثةِ أيامٍ ، وثلاثِ  ليالٍ ، ظلَّ المطرُ الصامتُ
يدخلُ في الجِـلْدِ ، ويســـري في الدمِ  ،
حتى ابتلَّ  إطارُ الألـمنيومِ  وأوشكتِ الصورةُ
- مجرىً جبليٌّ - أن تغرقَ . كان العشبُ يميلُ
ويَخفُقُ ، كان يسيلُ . الغرفةُ باردةٌ . لا صوتَ
ولا امرأةٌ . والغرفةُ باردةٌ تَلتفُّ بزُرقـتِها وتنامُ .
السجّادةُ تُنْبِتُ أزهارَ البوشْناقِ الواسعةَ . الضوءُ
الذّرِّيُّ يرشُّ على الأزهارِ غباراً ذهباً . تَسّاقَطُ
أوراقٌ بيضٌ من سقفِ الـغرفةِ . والريحُ تدقُّ
على الشبّاكِ . المطرُ الصامتُ ينطقُ . مـاءٌ  في
الـمرآةِ ، وماءٌ سِــرّيٌّ في العينيـــنْ .
 
لندن 09.01.2007
-------------------------
 
في الـمَهَبّ
 
ربما انقصفتْ دوحةُ الجوزِ في لحظةٍ …
ربّـما انْـهَــدَّ سورُ البنايةِ
أو  ربّـما غرقَ الـمرْكبُ الضيِّقُ ؛
القنواتُ التي طالَ ما أغرقَتْها طحالـبُها ، الصيفَ
تَعْــبرُ ، هذا الصباحَ ، مَمَــرَّ الـمُشاةِ …
الرياحُ من الأطلسيّ
الرياحُ شماليةٌ
والرياحُ جنوبيةٌ
والرياحُ لها أن تكونَ الرياحَ ،
لها أن تُزعزعَ
أن تُفزِعَ …
…………………….
…………………….
…………………….
النبتةُ الـمنزليةُ منسيّةٌ ،
بينما تتخاطفُ ألسِنةُ البرقِ في دوحةِ الكستناءْ .

لندن 11.01.2007
 
------------------------
 
الصــــورةُ الفوتوغرافيّــةُ
 
صورتُكَ :
الخصلة فاحمةٌ ، مُسْـدَلةٌ فوقَ جبينِكَ
والعينانِ الواسعتانِ ،
قميصُكَ  ذاكَ المفتوحُ  لِـريحِ الصيفِ
وسروالُكَ غيرُ الـمَكْــوِيّ …

وصورتُكَ :
الـخُـصلةُ ثلجٌ
والعينانِ هما الواسعتانِ ،
لكنّ قميصَكَ لم يَعُد المفتوحَ
 ( قميصُكَ كَنْـزةُ صوفٍ مغلقةٌ سوداءُ )
وسروالَكَ أمسى مَكْـويّاً كالمسْـطرةِ …
…………………
…………………
…………………

انتبِه الآنَ
ولا تُطْبِقْ جَفنَيكَ …
وصَــوِّرْ نفسَكَ
صَـوِّرْها
وتَصَــوَّرْها
قبلَ مغيبِ الشمس !

لندن 17.01.2007

--------------------------

الـحــديقــةُ الســرِّيّــةُ
 
ثَـمَّ طاولةٌ في الحديقةِ خضراءُ
طاولةٌ ثُبِّتَتْ بعمودٍ حديدٍ إلى الأرضِ  ،
طاولةٌ سَـوَّرتْها الكراسِـيُّ
 
واحتقرتْها الطيورُ …
الحديقةُ موقوفةٌ لِلّـذينَ انتهَوا من غرامِ الحدائقِ ،
موقوفةٌ لِـلّـذينَ استراحوا إلى الغُرُفاتِ الـخَـفِـيّـةِ
( حيثُ المشانقُ )
موقوفةٌ للعَماءِ …
الحديقةُ خضراءُ
ثَمَّتَ طاولةٌ في الحديقةِ خضراءُ
والشمسُ ، مثل الكراسيّ ، خضراءُ
والجالسون : وُجوهُهُمو المستديرةُ خضراءُ .
…………………..
…………………..
…………………..
في بَغْـتـةٍ ،
وبلا أن تُحِسَّ الوطاويطُ ، أو دوحةُ الكستناءِ وسُكّــانُها
هبّت العاصفةْ
رفعتْ كلَّ ما في الحديقةِ
بل كلَّ مَن في الحديقةِ
نحو الـمَزابلِ في آخرِ القريةِ  …
………………..
………………..
………………..
الآنَ ، تلهو السناجيبُ في الريحِ ، مثلَ الطيــور !

لندن 18.01.2007
 
------------------
 
اللـــقاءُ البعيـــدُ
 
الشتاءُ الذي كان ينْـصِبُ خيمتَـهُ الثلجَ
دانيةً في الحديقةِ …
هذا الشتاءُ الذي يوقِدُ الآنَ مصباحَــهُ
باحثاً عن جليسٍ يُسامِــرُهُ -
سوف يأتي إليّ …
سوف يسألُني عن مياهٍ تناءتْ
وأخرى تناهَتْ ،
ويسألُني عن قميصٍ من الصوفِ كنتُ ارتديتُ
قميصٍ لبَحّــارةِ الباسيفيكِ الشماليّ …
…………………
…………………
…………………
كان الشتاءُ يُـمازِحُني :
كيف لا تُوقِـدُ النارَ ؟
كيفَ انتهيتَ إلى هذه الحالِ ؟
أنتَ الذي كنتَ تمضي بنارِكَ حتى رؤوسِ الجبالِ …
اكتفَيتَ بأنْ تتلمّسَ نبضَكَ !
أو تخدعَ الكلماتِ ، تقول لها : النارُ في الثلجِ
والثلجُ في النارِ …
أمسَيتَ لا تستحي …
أنتَ تحسَبُ ألعابَكَ اليدويّـةَ تُـغْـنِي عن الوِقْـفـةِ الـحَـقِّ ؟
يا صاحبي
وجليسَ الليالي الطويلاتِ
كُنْ لي رفيقاً …
ودَعْــنا نَـعُـدْ  نحو  نارِ المتاريسِ
لن نعرفَ البرْدَ …
هل تتذكّــرُ " قَصْرَ الشتاء "  ؟
                                           
لندن 29.01.2007
-----------------------
 
مَـنْـظرٌ 1
 
مطرٌ ضــبابيٌّ ،
وفي الـبُــعْــدِ  : التلالُ خفيضــةٌ
زرقاءُ ،
والأشجارُ تفقدُ  في المساءِ  مَـعالِــمَ الأغصانِ
ثمّ تكونُ غيماً  أزرقاً
فوقَ التلالِ …
الليلُ يأتي صامتاً، متخفِّـياً تحت الضّبابِ الناضحِ ،
القطُّ الوحيدُ يــموءُ
والمطرُ الضبابيُّ استوى ، في غفلةٍ ، مطراً ؛
…………..
…………..
…………..
ستنبثقُ البحيرةُ فجأةً
في الدّغْل !

لندن   30.12.2006
 -------------------
 
منـظرٌ طبـيـعيٌّ  2
 
حِبالُ السّــراخِسِ
تلكَ التي تتسوّرُ بيتي ، تَعَــرّتْ طويلاً
وكادتْ تفارِقُ نُعْمـى الجذوعِ
إلى مَلْعَبِ الريحِ…

بين الغصونِ الـمُـعَرّاةِ ألـمَـحُ ماءَ البحيرةِ يلمعُ مثلَ الرصاصِ الكَـشِـيطِ ،
البحيرةُ قانعةٌ
ومُقَـنّـعةٌ بالهدوءِ .
البحيرةُ ساكنةٌ
ومُسَـكّـنةٌ في أواخرِ هذا الشتاءِ الذي ضاقَ بالمطرِ الـجَهْمِ ذي القطراتِ الكبيرةِ .

أفتحُ في الفجرِ نافذتي
( أنا أعني : أُزيحُ الستائرَ )
أنظرُ …
الكونُ أبيضُ
رَطْبٌ
ومنكمشٌ
باردٌ ، وبعيدٌ …

كأنّ البحيرةَ لم تكنِ البتّـةَ !
الكَفَــنُ اللاحِبُ  / الثوبُ أهْدَلَ/ هذا الضَّبابُ المُحِيطُ /
السفينةُ / غارُ القراصنةِ / الذئبُ أغبرَ / صوتُ الـغريقِ /
الثعالبُ مسلوخةً / حَجَــرُ الخنجرِ الأوّلِ / القـطنُ في
منخرِ الـمَيْتِ/ فِطْــرُ السُّـمومِ / الحليبُ الذي خثّرتْهُ
الأفاعي / الدمُ الـمَحْضُ قبلَ احمرارٍ / جلود الثــعابينِ
مَـنـزوعةَ اللونِ في الصّـهَـدِ / الورقُ الأوّلُ / السُّلُّ …

تلكَ البحيرةُ لم تكنِ الـبَـتّــةَ !
؟
؟
؟
الآنَ أفعلُ ما أفعلُ …
الآنَ أدفعُ سيّـارتي ، مسرعَ النّبضِ
مندفعاً
في الطريقِ الضَّباب …

لندن 21.01.2007
----------------------------

منــظرٌ طبيعيٌّ 3
 
السقفُ الرمادُ
الممتدُّ طويلاً ومتخشباً فوق المبنى الذي هجره أهلُه منذ عامٍ
السقفُ الرمادُ
المصنوعُ من مادّةٍ ســامّــةٍ استغنى عنها البنّـاؤون منذ أعوامٍ
السقفُ الرمادُ
الذي لا يأوي إليه الطيرُ
السقفُ الرمادُ
 ذو المداخنِ النظيفة مثل هاوناتٍ خفيفةٍ في حربٍ ســرّيّــةٍ
السقفُ الرمادُ
ذو الألوانِ الغميقةِ المتدرجةِ في عتمتِها مع ساعات النهار والليل
السقفُ الرمادُ
الذي لا يستظلُّ به بشرٌ أو شــيءٌ
السقفُ الرمادُ
يكمن مثل عنكبوتٍ خرافيٍّ ليمتصّ اللونَ من أعالي الشجر
السقفُ الرمادُ
يتوحّدُ والهشيمَ في أغنيةِ المطرِ الباردِ ...
.......................................
.......................................
.......................................
لا أحدَ هنا يقولُ : صباح الخير .

لندن 23.02.2007
---------------------------
 
منظر طبيعيّ 4
 
أرى خَللَ الرمادِ وميضَ نارٍ ...
كأنّ سحابَ آذارٍ رخامُ المدافيءِ ، والغروبَ الجمرُ . كان المساءُ
يُطِلُّ منسحباً قليلاً  ،  ومنتظِراً ...
أُحِبُّكِ !
أين أمضي ؟
لقد هبطَ المساءُ الآنَ . طيرٌ  وحيدٌ يختفي في كستناءِ الحصانِ
وفي البعيدِ أرى مياهَ البُحيرةِ كالرصاصِ ...
أرى خيولاً  تكادُ تغيبُ ...
والغسقُ العميمُ اســتقَرَّ .
الليلُ أطبَقَ .
أين أمضي ؟
 
لندن 09.03.2007

------------------------------
 
مـنظـرٌ غـير طبـيـعـيّ
 
هوائيُّ التلفزيونِ
وصحنُ استقبالِ العالَمِ والعِلْمِ
يُطِلاّنِ عليّ من الأعلى ...
......................
......................
......................
أنا في الغرفةِ
نافذتي واسعةٌ ، والأستارُ تشِفُّ .
المطرُ الناعمُ ، غيرُ الـمَرئيّ ، يُبَدِّلُ ألوانَ القرميدِ ونبْتِ البيتِ
وأوراقِ الماغنوليا اللامعةِ ،
المطرُ الناعمُ ، مثل هوائيّ التلفزيونِ
يُطِلُّ عليّ من الأعلى ...
ويحاولُ أن يجعلَني فرداً في مملكةٍ لعناصرَ لا أفهمُها ...
..........................
..........................
..........................
أنا في الغرفةِ
أوراقي نائمةٌ ، والجفنُ يرِفُّ .
هوائيُّ التلفزيونِ
سيأخذُ أهلَ الـحَيّ جميعاً ، وبلا مزمارٍ ، نحو قرارِ النهرِ ،
*
ولكني في الغرفةِ
أوراقي تتنفّسُ ، والزانُ المتطامنُ في البستانِ يَرِفّ ...

لندن 03.04.2007
 ----------------------------
 
محــاولة نــظرٍ
 
كلما لاحتْ من الـبُعدِ  البحيراتُ
رأيتُ الماءَ مخْضَرّاً ، ومُـزْرَقّـاً ،
 رصاصاً مرّةً ، أُخرى حليباً
واستلمتُ الصُّبحَ في صُــرّةِ أوراقٍ

كلما لاحتْ من الـبُعدِ  البحيراتُ
رأيتُ الماءَ مخْضَرّاً ، ومُـزْرَقّـاً ،
 رصاصاً مرّةً ، أُخرى حليباً
واستلمتُ الصُّبحَ في صُــرّةِ أوراقٍ
 وفي خيطِ لِـحاءٍ يربطُ النافذةَ البيضاءَ بالماءِ البعيدِ .
الشمسُ قد تنتظرُ
السنجابُ قد ينتظرُ
اللحظةُ قد تنتظرُ …
المرأةُ
والثعلبُ
لكنّ افترارَ  الماءِ في تلك البحيراتِ التي تلمعُ
لا ينتظرُ …
الماءُ في الشمسِ
وهذي الشمسُ في الماءِ
وآلافُ الخيوطِ ابتدأتْ تَغْـزِلُ للماءِ ثياباً …
لم أعُدْ أعرفُ لونَ الماءِ .
مَن يعرفُ لونَ الماءِ غيرَ الماءِ ؟
مَن يعرفُ ، حقّـاً ، أن يُسَــمِّـيْ ؟

لندن 26.02.2007
 
-------------------------
 
القاهرة 1

 لم يَدُرْ في خاطرِ القاهرةِ الليلُ الذي نعرفُــهُ ...
 إنّ سماءً أُثقِلَتْ بالنَّفَسِ الساخنِ آناءَ النهارِ
استسلمتْ لِـلّـيلِ كي تنسى قليلاً وطأةَ الأرضِ ،
وكي تشربَ نوراً مُسْــكِراً يحملُنا حتى الصباحِ الباردِ ...
القاهرةُ
البيتُ الذي لم ينقسمْ بيتَينِ
والغصنُ الذي لم ينقصِفْ فَرعَينِ
والعَينُ التي تَنْعَمُ في بحبوحةِ الـجَفنَينِ ...
والقاهرةُ
المعنى الذي ظلَّ يُطِلُّ :
الوردُ والـمِسْكُ
وغصنُ البانِ والشوكُ ...
وتلكَ النعمةُ السابغةُ :
البسمةُ والنيلُ !
..............................
..............................
..............................
ونأتي القاهرةْ
مثلَ ما نأتي إلى جَدَّتِنا بعد طوافٍ خائبٍ
أيتُها الـجَدّةُ :
كم أرهَقَنا العالَمُ !

يا أيتها الـجَدّةُ :
ضُـمِّــينا إلى أحفادِكِ المنتظِرين ...

لندن 27.02.2007
 ------------------------

القاهرة 2

ربما شاغــلتْنا الجسورُ التي حملتْ عرباتِ الملوكِ عن النهرِ . أعمقَ كالرملِ
ينسربُ النهرُ ، يبلغُ واحاتِ مصرَ البعيدةَ ، حيث التواريخُ مكتوبةٌ باللغاتِ
التي تتناسى تواريخَها . النهرُ يدخلُ في وجنةِ الطفلِ طَمْـياً وخِصباً ، ويدخلُ
في نَـهدَي البنتِ . يدخـلُ من عتْبةِ البيتِ . مصرُ المعابدِ حيثُ التماسيحُ آلهةٌ
والملوكُ ينامون في الغُرَفِ الـمُذْهَباتِ وفي مَرْكَبِ الشمسِ . مصرُ التي لم تجدْ
ما تُسَـمّى بهِ غيرَ مصــرَ . انـتبذْنا من الليلِ رُكناً قريباً من البحرِ. كانت
تماثيلُ من مرمرٍ غابرٍ تتراءى وترحل في الموجِ . كانت شفاهٌ تسيـــــلْ .

لندن 27.02.2007

-----------------------

القاهــرة 3
 
حانــة ستيلاّ
 لم تكن حانةً .
ربما قبـل قرنـينِ كانت .
 ورُبّـتَما وُجِدَتْ قبلَ أنْ تُعصَـرَ الخمرُ .
 أعني كأن موائدَها
رُكِّبَـتْ من ضلوعِ سفائنَ غارقةٍ من زمانِ البطالسةِ .
 الضـوءُ يدخل كالمتردِّدِ .
 لا شمس َ
في مـصرَ .
 كان الزجاجُ القديمُ ثخيناً بفعلِ الترابِ الثخينِ .
 الزوايا محدّدةٌ لذويها .
 زوايا
السجونِ الـتي تتعتّقُ فيها الجواربُ .
 ماذا ؟
 القبارصةُ ارتحلوا منذ قرنٍ ،
 ولكنهم يسكنون
القـناني التي احتفظت باسمِهِم :

 إنه القبرصيُّ . الشرابُ الذي يترنّحُ بين العَمى والبروقِ .
ولكنها الحانةُ      
الحانةُ الحقُّ ...     
فيها انتظرْنا الزمانَ الجديدَ ،
 وفيها شهِدنا معاركَنا ،
 والقصائدَ تولَــدُ مُشْـرَبةً بالتمرُّدِ .

كنّـا إذا ما ترنّحَ منتصفُ الليلِ ، نرفعُ سقفَ الأغاني .
 سيأتي إلينا الـمُـغَنّونَ  من كل فَج  ٍّ
عميقٍ .
 ويأتي إلينا السقاةُ وقد أصبحوا الشاربِينَ .
 بلادٌ مؤقّــتةٌ  بين منتصفِ الليلِ والصبحِ .
لا بارَ في الحانةِ .

 البارُ يشبهُ أولى المتاريسِ .
حصنٌ حصينٌ له حارسٌ واحدٌ  .
 لن يمرَّ الهواةُ ... 
إذاً ، فلنكنْ مثلَ من دخلوا حانةً .
 ولنكنْ مثلَ مَن لم يرَوا حانةً .
 نحن في البرزخِ  .
 الصبحُ جاءْ .

لندن 27.02.2007
 ----------------------------

القاهرة 4
 
مقهى البستان
 لا أعرفُ مَن ســمّى هذا المقهى  ، " البستانَ "
و لا أدري سبباً ...
أعرفُ أن المقهى يحتلُّ تقاطُعَ دربَينِ ذَوَي وِرشاتٍ للميكانيك
  وأكشاكٍ تَعرِضُ أضغاثاً متناثرةً بين السجّاد وأجهزةِ الهاتفِِ
والخبزِ البلديّ ،
وأعرفُ أن الفحمَ هو اللونُ هنا في هذي الزاوية الدكناءِ من العالَمِ ...
أعرفُ هذا ، وأُسائِلُ نفسي : مَن ســمّى البلقعَ بستاناً ؟
مَن جاءَ بما يفترضُ البستانُ : زهوراً ، شجراً ، وطيوراً ، وإلخ ... ؟
الأشياءُ هنا متداعيةٌ
حتى لم يَعُد المرءُ  ليأمنَ  كرسيّــا .ً
والشايُ هنا أسودُ كالفحمِ
إذاً  أين البستانُ ؟
................................
................................
................................
أقولُ لكم : إن " البستان " هو الحُلمُ الأوّلُ بالبستان !

لندن  28.02.2007
----------------------------
 
القاهـــرة  5
 
ستكونُ لي بيتاً …
تلُفُّ رداءَها القطنَ المهفهفَ حولَ أضلاعي الرميمِ :
ألم تجيءْ لتنامَ ؟
كم طوّفتَ في الآفاقِ حتى لم تَعُدْ تدري بأيّ سقيفةٍ انتَ !
البلادُ وسيعةٌ أبداً
وضيّـقةٌ …
وأنتَ تدورُ
كالخذروفِ أنتَ تدورُ
ترمي حبْلَكَ امرأةٌ إلى امرأةٍ إلى امرأةٍ
وأنتَ تدورُ …
فلْتهدأْ !
أقِـمْ حيثُ النواقيسُ الغريقةُ في مياه النهرِ
حيثُ الصبحُ شمسٌ
حيثُ اللوتُسُ  الأبديُّ تمضَغُهُ الجواميسُ  ؛
اقترِبْ مني  …
ولا تجفَلْ
ألم تشعرْ بأن ردائيَ القطنَ المهفهَفَ حولَكَ ؟
الأبقارُ في الوادي
وأنت على جلاجلِها تنـــام …

لندن 28.02.2007
-----------------------------
 
القـــاهرة 7
 
النادي اليوناني
 في حمّامِ النادي تسمع موسيقى اليونانيينَ
وفي الصالةِ تسمعُ أغنيةَ المصريينَ ...
وفي الصالة تنعقدُ الأبخرةُ :
الأنفاسُ
دخانُ سجائرَ
سيجارٌ كوبيٌّ
حتى لكأنّ الدنيا تطفو في  الغيمةِ ... أولَ أيامِ الـخَلْقِ .
وفي الصالةِ دمدمةٌ
في الصالةِ غمغمةٌ
في الصالةِ همهمةٌ
في الصالةِ لا تسمعُ حتى صوتَكَ ...
في الصالةِ تنسى أنك في الصالةِ
تنسى أنكَ في النادي اليونانيّ !

لندن 01.03.2007
 -------------------------

القــاهرة 6

" الدرب الأصفر"
حجرٌ قديمٌ يرتدي أبهى ملابسِـهِ .
المساءُ  يجيءُ مرتطِماً بأبـخرةٍ  ، ومرشوشاً على الدربِ ،
المقاهي في الرصيفِ
وأهلُها في الشــارعِ :
التَّبِغُ المعسّــلُ . شايُها . والفولُ أخضرَ  يُثْقِلُ العرباتِ
تنتظرُ  البناتُ الليلَ كي يُبْدِينَ ما يُخْفِينَ ...
أطلبُ قهوةً سوداءَ .
يسألُــني فتى المقهى :
أظُـنُّكَ لستَ من مصرَ ؟
الكلامُ يطولُ ...
أطلبُ قهوةً أخرى ، وأُصغي للفتى  .
كان المســاءُ  يُقِــيْمُ  حفلتَه التي لن تنتهي إلاّ مع الصّبحِ .
الأغاني سوف تبدأُ ...
ربّــما من سـَـحْبةٍ تُفْضي إلى دربٍ عجيبٍ ...
قد يكون هناكَ
خلفَ ستارةِ المقهى !

لندن   28.02.2007
-------------------------
 
عند شاطيء البحيرة
 
سأمضي في المساءِ إلى غصونِ البحيراتِ التي عَرِيَتْ ، لَـعَـلِّــي أرى بين الغصونِ
الريشَ ... حتماً سَـيُبقي الطيرُ لي خيطاً رهيفاً  ألوذُ بهِ إذا التاثَتْ دَوانٍ  علَيَّ ، فلم
أجِدْ إلاّ حفيفاً  أكادُ لهُ أُجَنُّ ... أليسَ عندي  سوى هذا الحفيفِ ؟ أكانَ حُلْـماً  إذاً
ذاكَ السبيلُ ؟ أكانَ وهماً ؟  أَمِ  الصَّقرُ الفَتِيُّ نأى بعيداً  وخلَّفَ لي بقايا الريشِ ذَرْقاً
ونَفْـنَفـةً ؟ أُحِسُّ الريحَ تدنو  وتلمُسُ جبهتي : هدَأَ المساءُ الـخَفِيُّ ... اهدأْ ! لَعَلّكَ
سوفَ تلقى عميقاً في مياهِ الليلِ صقراً  يَرِفُّ ! اهدأْ ! وضَعْ تحتَ القميصِ الأناملَ ...
هل تُحِسُّ رفيفَ صقرٍ ؟

لندن 07.03.2007
 ----------------------------

ســعــادةٌ
 
سعيدٌ في الصباحِ أنا  ...
الغيومُ الخفيفاتُ احْتَـنَـيْـنَ علَيَّ ، إني أسيرُ مظلّلاً  بالغيمِ ...
شَعري تَمَوَّجَ ،
والقميصُ به نثارٌ من الطَلِّ
الحمامةُ سوف تأتي  إليَّ بعودِها الريّانِ ...
ضَوعٌ   تَحَدَّرَ من سياجِ الآسِ .
كانت  فتاتي هيّأتْ لي خبزةً...
يا  رفيقي
هل نكونُ معاً ؟
أنمضي ســراعاً  في الصباحِ إلى قطارٍ  به راياتُنا الحمراءُ
تعلو  ورشّاشاتُنا
والدينامِيتُ الـمُعبّـأُ في صناديقِ الندى ؟
مَن يُنادي:
من يجيءُ معي ؟
.................
.................
.................
أُنادي
رفاقي ...
مَن يجيءُ معي ؟
أُنادي ...

لندن 09.03.2007
 
--------------------------------
 
حـــريرٌ ســاخنٌ

مَـرِّغْ عينيكَ وجبهتَكَ ...
ادخُلْ في طيّاتِ حريرٍ لم تنسجْه يدانِ
وأدخِلْ هُدبَيكَ الجنّــةَ .
 أنتَ اللائبُ
 واللاعبُ
أنتَ المتمرِّغُ في عشبِ الليلِ
المتحدِّرُ في السيلِ
وأنتَ المنجرِفُ ، الضائعُ ، في أمواجِ حريرٍ لا تهدأُ ...
أنت  ، الآنَ ، تحسُّ بأن رطوبتَها الساخنةَ التصقتْ بكَ .
أنت ، تحسُّ بأنّ حريراً دبِقاً  أوشكَ أن يجعلَ جسمَكَ نوراً وحريراً .
هل تتأكّدُ ؟
هل تشعرُ أنكَ ناءٍ ، تتفصّدُ ؟...
 هل تشعرُ أنكَ ناءٍ وسعيدٌ ؟
ما أجملَها !
ما أجملَها من طيّاتِ حريرٍ نسجتْـهُ ، ورائحةَ الخمرِ القرويّ ، يدانِ
إذاً ، بَدَنان ...

لندن 13.03.2007
 
------------------------------

الأنفوشـــي
" منطقة شعبية من شاطيء الإسكندرية "

شِباكُ الصيّادينَ تجِفُّ على بضعةِ أطوافٍ وقواربِ صيدٍ
والقلعةُ تدخلُ في المشهدِ ...
ثَـمَّ سِـقالاتٌ عند المسجدِ ،
ثَمّتَ إعلانٌ عن موقعِ غوصٍ لسفائنِ نابوليون َ .
وأكوازُ الذُّرةِ المشويةِ تأتي ببيوتِ الفلاّحينَ إلى الشــاطيءِ .
تأتي بقُرى الدّلتا  .
لن يصلَ الكورنيشُ هنا ...
الفتياتُ  المصريّاتُ ( بناتُ البلدِ ) احْـتَطْنَ بما يكفي .
الفتياتُ  المصرياتُ منحْنَ الشاطيءَ حريّــتَهُنَّ
منحْنَ الشاطيءَ حُــريّــتَهُ ...
هذا الشاطيءُ للناسِ
فلا سوّاحَ هنا ،
لا قوّادينَ هنا ...
.....................
.....................
......................
شمسُ المتوسطِ ناعمةٌ
وشِباكُ الصيّادينَ تجِفُّ ...                                                    
 
 لندن 10.03.2007

-------------------------------

العودة إلى البارِ الإيرلنديّ
 
كان البارُ الإيرلنديّ ، وأعني حانةَ فيتزجيرالدَ
انتقلَ الليلةَ من دَبْلِن
كي يفتحَ ذاتَ البابِ الضيّقِ في لندن ...
لي أن أحسَبَ كلَّ الأمرِ هُراءً
أو معجزةً ؛
قُلْ ما شئتَ
ولكنّ البارَ هنا بالفعلِ :
مقاعدُهُ الخشبُ
العَتْمةُ في العُمْقِ
وأسماءُ زبائنِهِ
والزهرةُ تَنبتُ في رغوةِ بيرتِهِ السوداءِ
كأنّ كتابَ خيالٍ عِلْـمِيٍّ أدخلَــني مختبَراً
وكأني في أرضِ عجائبَ ...
...........................
...........................
...........................
هل كان البارُ الإيرلنديُّ ، هوَ ، البارَ الإيرلنديَّ ؟
أكنتُ الجالسَ حقّاً عند البابِ ؟
وهل كان زبائنُهُ أشخاصاً بشــراً ؟
ومقاعدُهُ الخشبُ ؟
هل كانت خشباً أمْ محضَ ضَبابٍ ؟
هل كانت تلك الجدرانُ الملأى بالإعلاناتِ حوائطَ من قرميدٍ
أم كانت ورقاً في الريحِ ؟
وتلك المرأةُ ذاتُ الثوبِ الأسودِ ...
أهيَ الساحرةُ ؟
*
الضوءُ الباهتُ يَبْهُتُ أكثرَ عندَ أريكةِ مالكةِ البارِ
ومن زاويةٍ لم أعهَدْها جاءَ الكلبُ الألمانيُّ الراعي بعصا  ،
من زاويةٍ أخرى جاءتْ فاختةٌ ...
ثم أتى رجلٌ يحملُ أفعى تلتفُّ على يُســراهُ .
العَـتْمةُ تشتدُّ
ومالكةُ البارِ تردِّدُ أغنيةً لقراصنةٍ غرقوا في مرجانِ الكاريبيّ ...
العَتْــمةُ تشتدُّ
الألوانُ تغيمُ
وعيناي تغيمانِ .
......................
......................
......................
البحرُ بعيــــد .

لندن 28.03.2007

----------------------------------

كنيسة سان جون وود    St. John's Wood Church

أوّلَ نيسانَ
دخلتُ كنيسةَ سان جون وُود ...
زهورُ حديقتها تتألّقُ تحت أشعةِ شمسٍ فاترةٍ
ومَماشيها تتداخلُ والعشبَ النضِرَ ،
الأطفالُ يدورون على أحذيةٍ ذاتِ دواليبَ مخبّأةٍ
وخدودُ الفتياتِ تدورُ مع الشمسِ كعَبّادِ الشمسِ ...
وفي أوّلِ نيسانَ
دخلتُ كنيسةَ سان جون وود :
فلسطينياتٌ يتحدّثْنَ بأصواتٍ خافتةٍ
( خائفةٍ ؟ )
عن دِير ياسين ...
قساوسةٌ يستمعون إلى القرآنِ
وأطفالٌ لا يبكون .
كنيسةُ سان جون وود  تُشَـيِّدُ دير ياسينَ عميقاً في الأرغُنِ .
.....................
.....................
.....................
في الثاني من نيسان
كان فلسطينيٌّ  آخَرُ  ينتظر الصَّلْبَ ...

لندن  02.04.2007

-------------------------

جزيرة وايت 
The Isle of Wight

في نُزْلٍ ذي غرُفاتٍ خمسٍ كانت تملكه فكتوريا الملكةْ
( الملكة فكتوريا المولودة في العام 1819 تربّعت على العرش البريــطاني
 أطول فترة في تاريخ هذا العرش ، من 1837 حتى وفاتها في العام 1901.
اقترنَ عهدُها بالتصنيع ، والتوسّع الاستعماري . كانت تقضي بعض عطلاتها
مع زوجها الأمير ألبرت في جزيرة وايت  ، هذه الجزيرة التي رأيتُها للمرة
الأولى  يوم الأربعاء ،  الرابع من نيسان "  أبريل "  2007 )
سأردِّدُ ثانيةً  ، كالتلميذِ المجتهدِ :
في نُزْلٍ ذي غُرُفاتٍ خمسٍ كانت تملكُهُ فكتوريا الملِكةْ
غنّيتُ ، وصاحبتي ، أغنيةَ السعداءِ ...
لماذا  أُنكِرُ  أني كنتُ سعيداً ؟
ولماذا أُنكِرُ أني كنتُ وصاحبتي ، زوجينِ ، تماماً مَلَكِيَّينِ
كـ :
ألبرت وفكتوريا ؟
ألأنّ كلاباً مُـتَدَيِّــنـةً تستذئبُ في  بغداد َ لـتَحكمَها ،
ولأنّ حماراً  هَـرِماً  ،   لاثَ  عمامتَه  سوداءَ  ،  لـيَــنْهَـقَ في النجفِ ؟
الصبحُ بَهِــيٌّ
والشمسُ مواتِية ،ٌ تنسجُ بالألوانِ جزيرةَ وايتْ ،
وتمنحُ طيرَ التّدْرُجِ ريشَ الجنّــةِ
تمنح خَدَّي صاحبتي ألَقَ الجنّــةِ
تمنحُ كأسَ نبيذي لونَ الـخَــدَّينِ ...     
أقولُ : سعيداً كنتُ
وسوف أظلُّ سعيداً
ما دُمتُ أُريحُ الرأسَ على ريشٍ أبيضَ ،
ما دُمتُ أوزِّعُ خبزي اليوميّ على طيرِ البستانِ
ووَزِّ البرْكةِ ...
ما دمتُ أحاولُ أن أعرفَ ســرَّ جزيرةِ وايتْ  !

 لندن  06.04.2007
 
----------------------------------
 
الصبّــارُ في الحديقة المنزلية
                     
 يباغتُني الصبّارُ ...
في كل نظرةٍ وملتمَسٍ ألقاهُ صُلْباً و لامعاً !
........................
........................
........................
 ويُقْلِقُني الصبّارُ ...
أهجِسُ أنني ضعيفٌ وقد أنبَــتُّــهُ في حديقتي قويّاً كأكوازِ الصنوبرِ
ربما تَعاورَهُ ثلجُ الشمالِ
وربما تناوَبَــهُ القَـرُّ الـمُشِتُّ
وربما أمَضَّ بهِ بولُ الكلابِ
وربّما  تناستْــهُ مَن تهوى الزهورَ
وربما ...
ولكنه الصبّارُ
صُلْباً ولامعاً يظلُّ
ومرأىً للحديقةِ
ملعباً وملتجَـأً للعنكبوتِ
وقطرةً مخبّأةً للنحلِ ،
بيتاً مقدّســا ...

لندن 10.04.2007
 
------------------------------
 

صــباحَ السبتِ
 
جاؤوا ، السبتَ ، صباحاً
جاؤوا في حافلةٍ شبهِ مصفّحــةٍ
جاؤوا بمناشــيرَ مُدَوِّيةٍ ، وبآلاتٍ ، وحبالٍ
جاؤوا  ســبعةَ عُمّالٍ
جاؤوا سبعةَ أغْوالٍ
جاؤوا  ثمِلينَ وقد حملوا عُلَبَ البيرةِ كالأزهار
جاؤوا  بملابسَ خُضْــرٍ شِبْــهِ مُـمَـوَّهةٍ  ،
 ووجوهٍ حُمرٍ
 ونِعالٍ سُــود
جاؤوا  ...
.....................
.....................
.....................
لم تستسلِمْ تلكَ السّــرْوَةُ
لم يستسلمْ نقّارُ الخشبِ
السنجابُ
الطيرُ الأسوَدُ
لم تستسلم حتى الدّعْســوقةُ
( كانتْ جذلى بربيعٍ أوّلَ )
كان عليهِم أن يرتكبوا بترَ الأعضاءِ
وتمزيقَ الأحشاءِ
وتشــريدَ السنجابِ
ونقّارِ الخشبِ
النملةِ ، والطيرِ الأسودِ ، والدعسوقةِ ...
كان عليهم أن يحتفلوا بالقتلِ ، صباحَ السبت  .

لندن 21.04.2007

---------------------------
 
في الطائرة بين نيويورك ولندن
 
* هل كنتما تتحدّثانِ معاً ، بالفارسيّــةِ ؟
( كانت امرأةٌ مع مَن بدتْ لي أنها ابنتُها جِواري في الـمَـمَــرّ )
* أكنتما تتحدّثانِ معاً ، بالفارسيةِ ؟
تهمسُ لي : نَـعـَمْ .
وتُشِيحُ عني .
ثم تبحثُ في ذراع المقعدِ المكتظّ بالأزرارِ عن زرِّ الإضاءةِ .
قلتُ : إن الضوءَ ثَمّتَ .
انتبهتْ ، ونبّهتِ الأناملَ ، ثم راحتْ تقرأُ الأزياءَ .
( لا شكراً ، ولا ... ! )
............................
............................
............................
صمتتْ .
وقالتْ مَن بدتْ لي أنها ابنتُها :
" نَعَم " .
 وبكل لُطْفِ الفارسيةِ ...
ثَمَّ ذبذبةٌ تُحَرِّكُ في الهواء الساكنِ ، النبضَ .
الحديقةُ تلكَ ... في أرباضِ شيرازَ
الجداولُ
والنبيذُ الأحمرُ الحلوُ ...
القصائدُ تلكَ  ... والأفيونُ .
قالتْ مَن بدتْ لي أنها ابنتُها :
" نَعَم "  ...
*
هل كنتُ في نيويورك ؟
 
لندن 4.5.2007

---------------------------------
 بْرايتِنْ  تحت الـمطــر 
Brighton under the rain

السماءُ التي لا تُرى
السماءُ التي لم تكنْ مثل هذا الحليبِ الـمُشَــرَّبِ باللوزِ
تلك السماءُ التي قد فقدْنا أخيراً ، كأنْ لم تكنْ قبلُ أيُّ ســماءٍ
ســماويّةٍ ...
كيفَ يمكنُ أن ندَّعيها ولو لحظةً ؟
كيفَ يمكنُ أن نفصلَ البحرَ عنها
وأن نَدَّعي أن في شاطيءِ البحرِ بحراً
وأنّ عليهِ سماءً ؟
...................
...................
...................
ضبابٌ على السِـيفِ أبيضُ
حتى النوارسُ تَنقَضُّ في هيأةٍ من هُلامٍ .
مناقيرُها ، وحدَها ، صورةُ النورسِ الأبديّــةُ ...
والخبزُ فِرشــاتُنا .
والفنادقُ تلكَ التي تتلاشــى وقد أعلنَتْ أنها الكونُ
تسكنُ هذا البياضَ
وتمضي بهذا البياضِ إلى أن تكِلَّ العيونُ ...
*
المساءَ انتهَينا
- وقد أنقذتْنا الأغاني -
 إلى أننا داخلانِ إلى الغرفةِ ...
بْرايتِنُ الآنَ أرختْ شــراشـفَها البِيضَ
أرختْ علينا شــراشفَها البِيضَ
أرختْ علينا الجناح ْ .

لندن 10.05.2007

------------------------------------
 
الصــمْــتُ
 
 لم تسمعْ موسيقى حتى الآن
( الساعة عاشرةٌ صبحاً )
لا المذياعُ
ولا القُرصُ الـمُـدْمَجُ
لا الهاتفُ
حتى الهارمونيكا الألمانيةُ لم تلمُسْ شفتَيكَ ...
وأشجارُ الدُّلْبِ  انصرفَتْ عنها الريحُ إلى جهةٍ أخرى .
والساحةُ  مقفرةٌ
والأغصانُ ، وقد كانت مزهرةً دوماً بالطيرِ الصادحِ ، قد عَرِيَتْ .

مطرٌ كان يَنِثُّ رذاذاً

مطرٌ ليس يُرى
مطرٌ ليس له صوتٌ ...
وهوائيُّ التلفزيونِ ، قبالةَ شُبّاككَ ، يوشكُ أن ينحلَّ فيدخلَ في الغيمِ
 
( الساعةُ عاشرةٌ صبحاً )
لَكأنكَ ، منذ الآن ، تحاولُ أن تغمضَ عينيكَ
تحاولُ أن تدخلَ في نبعِ بياضٍ لَـدِنٍ ...
..........................
..........................
..........................
لكنّ أزيزاً  كأزيزِ النحلِ الأمازونيّ تَدافَعَ في رأسكَ
كان أزيزاً حملتْهُ فَراشاتُ الأنديزِ إلى رأسِكَ
ناياتِ رُعاةِ القرغيزِ
أزيزَ الجُندُبِ
زاراً في جبلِ النُّوبانِ
وصَلْياتِ رصاصٍ في البصرة !

لندن 13.05.2007

--------------------------------

وَضُــوءٌ
 
أمشي تحت المطرِ
القطَراتُ تسيلُ على قبّعَتي الجِلْدِ السوداءِ
وتلمُسُ وجهي بأناملَ باردةٍ ...
كان شميمُ لُبانٍ وبَخورٍ يأتي من جهةِ الصفصافِ
بُحَيرةُ نيسانَ
دُخانُ المركبِ يعلو في الجوّ المثقَلِ نعسانَ
وئيداً
يتلوّى ،
وأنا أمشي تحتَ المطرِ
الماءُ يُغَلْغِلُ أسراراً  وخرائطَ من ورقٍ بُنِّـيٍّ تحت قميصي القُطنِ .
الماءُ  يُسَـوِّرُني ...
.......................
.......................
.......................
لن أفتحَ في وجه الماءِ مِظَــلّـةْ !

لندن 15.05.2007
 
----------------
 
مُــراقَــبَــةٌ
 
 كان الرجل الأعمى يجلس في ركنِ الحانةِ
تحتَ جهازِ التلفزيونِ تماماً .
للرجلِ الأعمى وجهٌ نضِرٌ
ويدانِ ، كباطنِ كفِّ القطةِ ، ناعمتانِ
وكان أنيقاً في مَـلْبسِهِ ، شأنَ الفنانين الفقراءِ .
الرجلُ الأعمى كان يدير أصابعَه اللدْنةَ كي يمسكَ كأسَ البيرةِ محترَماً
وخبيراً  ،
ثم يعيدُ الكأسَ إلى موضعِهِ فوقَ مُرَبَّعِ بيرةِ Foster's
والحانةُ قد شرعتْ تصخبُ
والظُّـــهْـرُ   ، هنا ، رطبٌ ولذيذٌ ...
والرجلُ الأعمى تحت جهاز التلفزيون تماماً ينصتُ للأخبارِ :
فريقٌ إيرلنديٌّ ضدّ فريقٍ اسكتلنديٍّ ...
وفريقٌ ... وإلخ ...
كان اثنان من الروّادِ يقولانِ كلاماً عن مانشستَر .
هبَّ الرجل الأعمى ، كالملدوغِ ، يصيحُ :
 سيخسرُ !
 حتماً يخســرُ !
لم يسمعْه الرجلانِ ...
فقد فتحا بابَ الحانةِ  ، متّجهَينِ إلى الشارعِ
لكنّ الرجل الأعمى ظلَّ يصيحُ :
سيخسرُ !
حتماً يخســر !
*
لم يضحكْ أحدٌ .
لم يسمعْ أحدٌ .
لكنّ الرجل الأعمى كان سعيداً .
كان يدير أصابعَهُ اللدْنةَ كي يمسكَ كأسَ البيرةِ
مرتشفاً ، كالطفلِ ، سعادتَــهُ !
 
لندن 17.05.2007
 
----------------------------
 
ثــلاثــةُ أيّــامٍ
 
اليوم الأول
 ربما كنتُ أنـفِضُ عن هــُدْبيَ الثلجَ .
 كان البياضُ العميمُ يساوي السماواتِ والأرضَ .
والنبْتَ والـخـَبْتَ .
 ما كنتُ أقدِرُ أن أتـمَـيّزَ فارعـةَ الدُّلْبِ عن دوحةِ الكســتناءِ .
الطريقُ التي كنتُ أعرفُ لم تــَعـُدِ اليومَ تـلكَ الطريقَ .
المدى الأبيضُ امتدَّ وامتَدَّ حتى
توارتْ تضاريسُ قريتِنا .
 قيلَ إن الثعالبَ قد تظهر الآنَ ،
 إن قـــطيعَ الذئابِ على عَتْبةِ
البابِ .
 أرهفْتُ ســمعيَ : وووووووووووو .
 وأرهفتُ سمعيَ : ووووووووووو.
سوف أُوقِدُ ناري إذا عسْعَسَ الليلُ .
 بابي حديدٌ .
 وفُـوَّهةُ البندقيةِ حِصْني الحصين .

اليوم الثاني
لم يـَجـِئْنا قطيعُ الذئابِ .
 الرجـالُ يقولون إن الذئـابَ التي أتْـخَمَـتْها خرافُ المـراعي
ستذهب نحو الكهوفِ القريبةِ .
 قـد تسألينَ : وأيـّانَ تأتي إلينا ؟
أقولُ لكِ الــحَقَّ  : إني
أراها هنا الآنَ .
 إني أراها هنا تخْمِشُ البابَ .
 هل تسمعين صـــريرَ المخالبِ فوقَ الـحديد؟
وقضقضةَ الـعُصْـلِ ...
 تلكَ النيوبَ التي سوف تنهشُ طفلاً لنا ، أوّلاً ،
 قبلَ أن تـــغتذي
لحمَــنا الـمُـرَّ ؟
 لا تسألي ، واهدأي .
هَيِّـئي الخبزَ والماءَ والتينَ .
أغطيةَ الصـــوفِ .
صفَّ الرصاصِ . الضِّمادَ .
الذئابُ التي تخمشُ البابَ لن تدخلَ  البيتَ .
حتى لو استعرَتْ بالجنون.

اليوم الثالث
أيُّ طَرْقٍ على البابِ ؟
أعرفُ أنّ المخالبَ تخمشُ ...
 لكنني أسمعُ الطَّرْقَ يشتدُّ  ، حتى كأنّ المطارقَ تنهالُ  .
 أسمعُ ما يجعلُ
القلبَ يرجِفُ .
هذا هديرُ الرجالِ الأُلى استذأبوا ، لا عواءُ الذئابِ .
اقفِزي أنتِ يا امرأتي ،  عبـرَ
ســورِ الحديقةِ ، ولْتأخُذي معكِ الطفلَ .
 باقٍ أنا . أتحصَّـنُ بالنفسِ لا بالنفيسِ . فإنْ خُلِعَ البابُ
أو هُدِمَ البيتُ صرتُ الجدارَ الأخيرَ ...
اذهَبي ، أنتِ والطفلَ ،
 ولْـتُبْـلِغي كلَّ أهلِ القرى أنني في الكمين ...

لندن 19.05.2007

-----------------------------

البازنِـيـنُـو  The Dragonfly
 
يجيءُ مع الصيفِ ، في أوّلِ الصيفِ ،
 مثل الفُجاءاتِ
 في عالَمٍ ألِفَ الشمسَ غائمةً ،
 والجداولَ نائمةً ،
 والحياةَ احتضاراً طويلاً .
يجيءُ ، وليس له غير أجنحةٍ كالمرايا الشفيفاتِ .
 أجنحةٍ كفصولِ الطبيعةِ ، أربعةٍ . 
غير أنّ المرايا تشِفُّ إلى أن  ترى النـورَ
في عُمقِها البَضِّ يغدو  خطوطــاً من الوهمِ .
 في الجدولِ ، الماءُ منزلِقٌ .
 والشجَيراتُ تلعبُ ، مقلوبةً فيهِ .
 هَـفّةُ حُلْمٍ ...

ويندفعُ البازنينو على المــاءِ .
 ليس على الماءِ .
 ينزلقُ البازنينو على الماءِ .
 ليس على الماءِ .
صار الهواءُ هو الماء .
والماءُ صارَ
هواءً .
 ويندفعُ البازنينو ، فتَرجِفُ تلكَ الشجيراتُ مقلوبةً .
 ثّمَّ أجنحةٌ  ، كفصولِ الطبيعةِ ، أربعةٌ ،
 تجعلُ الكونَ مرتعشـاً .
تجعلُ الكونَ ما لم يكُنْ أبداً .
إنه البازنينو على اللوحةِ الهندسيةِ ،
 أزرقَ ،
 أبيضَ ،
 رؤيا زجاجٍ مَسيلٍ تطيرُ مع الريحِ .
 والبازنينو
مع الريحِ ،
 أقوى من النّســرِ ، أســرعَ  .
 والبازنينو له  الحُلمُ وَكْنٌ .
 سيصحبنا البازنينو إلى أن نريحَ رؤؤساً مُدَوَّخـةً
فوق ريشِ الـمخدّةِ .
 إذّاكَ يأتي لنا البازنينو ،
 فيأخذنا نحو نجمٍ بعيدٍ  ،
ويتركُنـــا في نديفٍ شفيفٍ ننــــام !
*
ليس للبازنينو كلام ...
ليس للبازنينو مقامٌ  ، ولا منزلٌ .
ليس للبازنينو من الوزنِ ما تملكُ الريشةُ ...
البازنينو هو المنتهى
حين تنعتقُ الروحُ من كل هذا الزِّحام ...

لندن 24.05.2007
-------------------------
* البازنينو بالدارجة العراقية الجنوبية ، وهو اليعسوب .

-----------------------------------------------

أغنيــةُ صيّادِ السمك
 
 يا صيّادَ السمكِ
صِدْ  لي ... ذهبيّـةْ  !
*
مع الفجرِ يصحو ،  لـيُنصِتَ ...
كانت سماءٌ خريفيّةٌ ، وأوائلُ صيفٍ .
 وكانت تحاورُهُ بالطيورِ ، الصنوبرةُ .
الـدُّلْبُ يبدو كئيباً . وفي الـمُرْتَــبى
 ( جهةَ الشرقِ ) بُـرجُ الكنيسةِ .
في الغربِ كان مَـمَـرٌّ الحصا ينتهي
 عند مقبرةِ الحملةِ الأستراليةِ . الـجُنْدُ
يطوونَ تحت الترابِ النديِّ الخنادقَ والدمَ .
 والأمّهاتُ اللواتي ارتحلْنَ يجِئْنَ
إذا عسعسَ الليلُ .
 لم  تولَد الساحةُ القرويةُ بَعْدُ .
السماءُ خـــريفيّـةٌ .
*
يا صيّادَ السمكِ
صِدْ  لي ... ذهبيّةْ !
*
 وهل ينـثرُ ، الآنَ ، عُـدَّتَــهُ  ؟
ليس بينَ يديهِ الكثيرُ  :
 قميصُ ذوي الحطبِ الأستراليّ . خـيطٌ طويلٌ دقيقٌ .
وصنّارةٌ . ربما شبهُ طَـوّافةٍ تهجسُ النبضَ .
 عينانِ لَمّاحَــتانِ . وأُذنــانِ
تعتبرانِ التقاسيمَ .
 ليس لديه الكثيرُ ،
 ولكنه عارفٌ أبداً أن في القاعِ ما يُرتجى .
عارفٌ أنه كلّما أطلقَ الخـيطَ قَرَّبَ ما يرتجي .
 عارفٌ  أنه عاجزٌ . أنه دونَ
 معجزةٍ .
عَرَقٌ يتفصّدُ .
 كانت أصابعُهُ تتوتّرُ مبلولةً .
يتوتّرُ خيطٌ رهيف .
*
يا صيّادَ السمكِ
صِدْ  لي ... ذهبيّـةْ !
*
لماذا  يرى الماءَ في غيرِ صورتِهِ ؟
كان خيطٌ له حَـدُّ  موســى يشُقُّ  الطحالبَ نصفَينِ ...
 يَفْرُقُ بيــنَ
الذي قد نراه ، وذاكَ الذي لا نراهُ .
 وكان على صفحة الماءِ مضطرَبٌ مـن
فقاقيعَ . والنورُ  تلكَ الفقاقيعُ :
 حمراءُ ، خضراءُ ، زرقاءُ ، صفراءُ  . دنيا .
بنفسجةٌ  . قرمزٌ .
 أيُّ رِعشةِ رؤيا ! وأيُّ ارتباكٍ !
  وفي البغتةِ البِكْرِ تلمحُ
ما يخطِفُ البصرَ ...
الماءُ ينشَقُّ عن ذهبٍ  !
*
يا صيّادَ السمكِ
صِدْ  لي ... ذهبيّــةْ !

لندن  07.06.2007
-----------------------------------------
 
طــبيعــةٌ
 
أمشي إلى آخِرِ البستانِ
يَتبَعُني :
دُلْبٌ
وزانٌ نُحاســيٌّ
صنوبرةٌ ...
ونخلةُ الهمَلايا القزْمةُ  ارتعشتْ
وكَستناءَ الحصانِ .
الريحُ هادئةٌ
والغيمُ دانٍ .
كأنّ الضَّوعَ يَقْطُرُ  ...
لكنْ ليس من مطرٍ حتى الدقيقةِ هذي
ليس من مطرٍ .
لكنّ رائحةً سِــرِّيّـةً نجَمَتْ في بغْتةٍ  :
قطرةٌ أُولــى
فثالثةٌ  ...
...........................
...........................
...........................
وفي قميصِكِ ظلَّ  الطَّلُُّ ينهمرُ .

لندن 13.06.2007
--------------------------------
 
 مســاءُ البُـحيرةِ
 
أمسِ
عندَ البحيرةِ ...
كان المطرْ
دافئاً
ناعماً
مثل ملمسِ جِلْدِكِ بعد السباحةِ في البحرِ
( أذكرُ بوّابةَ المتوسِّطِ . )
فكّرتُ فيكِ قليلاً
وأقسمتُ فوراً :
لأَستعْجِــلَنَّ  القطارَ المسائيَّ  !
لكنني ، مثلَ ما تعرفين ، كسولٌ ...
نسِيتُ القطارَ
وفكّرتُ فيكِ كثيراً ،
وأدنَيتُ وجهيَ من صفحةِ المــاءِ
أرقَبُ كيف تعودُ مياهُ السماءِ إلى بيـتِـها ...
كيف يولَدُ هذا المساء .

لندن 13.06.2007

----------------------------------

إحساسٌ غامضٌ
 
أستيقظُ في الليلِ  ، على ما لا أعرفُ كيف أسَــمِّـيهِ ؛
بطيئاً
مقروراً
أستيقظُ ...
لا صوتَ لأُرهِفَ ســمعاً !
كان الليلُ حقيقياً
وثقيلاً ،
حتى أشباحُ الأشجارِ زَواها الليلُ  فما عادتْ أشباحاً .
لكني أهجسُ ...
أهجِسُ أن هنالكَ شيئاًما
ريشةَ فاختةٍ
خطفةَ سنجابٍ
أو حُلما .
كان هواءٌ مختلفٌ في الغرفةِ ...
هل بدأَ المطرُ الأوّلُ  في طرَفِ الغابةِ ؟
هل هبطتْ أُولى القطراتِ على أعشاشِ البطِّ البَـرّيّ ؟
وهل تشربُ أغصانُ الماغنوليا  ما مَـلأ الأزهارَ الآنَ ؟
الليلُ يهدهدُني
يُدخِـلُني في ما لا أعرفُ كيف أُسَـمِّـيهِ
ويتركني
لأنامْ ...

لندن 15.06.2007
---------------------------------------
 
كلامُ الفتى البريء
 
يتوهّــمُ القرّاصَ نعناعاً ،
ويدخلُ في محيطِ الغابةِ السوداءِ ، أجردَ
ليس يحملُ غيرَ مَلْبسِـهِ :
قميصِ الـقُطنِ
والنعلِ الذي حفرتْــهُ أشواكُ الطريقِ ...
وكان يقولُ إن سُلالةَ الأشجارِ واحدةٌ
وإنّ الماءَ يمنحُها صفاتِ الماءِ
أنْ تحلو
وأن تعلو ...
وكان يرى السماءَ بِـمَلْمَسِ الأعشابِ
والمرجانَ في لونِ الحصــا
واللوزَ في اللبلابِ ...
كان يقول إذا ادّنَى منه السحابُ كما  روى أسلافُهُ الشعراءُ :
دانٍ
مُسِفٌّ  فُوَيقَ الأرضِ هَيدَبُــهُ
يكادُ يدفعُهُ  مَنْ قامَ بالراحِ  !
...................
...................
...................
يتوهّمُ القرّاصَ نعناعاً  ...

لندن 05.07.2007
------------------------------
 
تدريبٌ آخَـــر ...
 
 هل ترى الشجرةْ ؟
بلبلٌ تحت كلِ وُريقةْ !
هل ترى الشجرةْ ؟
.............
.............
..............
أنت تضغط وجهكَ لِصقَ الزجاج إلى أن ترى دمكَ النزرَ ينفُرُ
أنت تحسُّ بلسعةِ ضوءٍ إلى أن  تظنّ بعينيكَ بلّورتَينِ
وأنت الذي تغتلي
إذ تحاولُ أن تعتلي مُرتَــبىً في التلالِ القصيّةِ
 حيث الظِّـباء سماويّـةُ اللونِ .
لا تبتئسْ !
هل ترى الشجرةْ ؟
بلبلٌ تحت كلِ وُرَيقةْ !
..............
..............
..............
لن يكون المساء
مثلَ ما أنتَ
أو مثل ما تتوقّعُ ...
سوف تكون النجومُ القريباتُ اكثرَ
والكونُ أصغرَ .
لن تضغطَ الوجهَ لِصقَ الزجاجِ إلى أن  ترى دمَكَ النزرَ يَنفُرُ ...
لن تحرِقَ البصرَ المتفاوِتَ في بؤرةٍ ...
...............
...............
...............
هل ترى الشجرةْ ؟
 
لندن 08.07.2007
--------------------------------------
 
أُمُّ قَـصْـر

سنُطْلِقُ من " أُمِّ قَصْـرٍ " حـمائمَـنا
في خليجِ النوارسِ والطائراتِ الـمُغِـيرةِ
نُطْـلِقُها في خليجِ البوارجِ
والعارِ
والناقةِ الذهبيّــةِ
.........................
.........................
.........................
لم يبقَ بَحّارةٌ :
قُتِلوا  ،
أو  توارَوا خِفافاً بسعفِ نخيلِ القرى ...
غيرَ أنّا سنُطْلِقُ  من " أُمِّ قَصْــرٍ "  حمائمَــنا
مثلَ ما انطلَقَ العيدُ
يومَ ركزْنا الرماحَ ، وقُلْنا لهولٍ ألَــمَّ بنا : يا هَلا !
نحن لن نُسْــلِمَ المنزلا ...
نحن نحفرُ  في  كلِ نسمةِ بحرٍ  خنادقَنا  والمقاهي العجيبةَ
نحفرُ في الماءِ أسماءَنا
ثم نأوي إلى جنّةٍ في القرار ...

لندن   11.07.2007
------------------------
 * أم قصر ، ميناء بحريّ عراقيّ ، قاومَ جنوده  في 2003 مقاومةً مجيدةً .

----------------------------------------------------

نبيذ سانت إيمِليون  Saint Emilion Wine
 
ربّما ظنّـني الناسُ بطرانَ  :
ما سانتْ إيمليون ؟
أنت الشقِيُّ الفقيرُ الـمُوَكَّلُ بالبصرةِ ...
اخجَلْ قليلاً !
أهذا الذي  جئتَ تحكي لنا ، بعد كلِّ المذابحِ ؟
 عن سانتْ إيمِليون ؟
حقاً ، إذاً  ... أنت تسكنُ حاناتِ لندنَ  !
*
صبراً !
ألم  تعرفوا الجنرالَ الفرنسيَّ روجكوف ؟
Rougecoff
كان في البصرةِ ...
الجنرالُ الفرنسيّ روجكوف قد جاءنا من نخيلِ السماوةِ  !
( أحكي عن الـ 91 ... )
كي يقطعَ الخبزَ والماءَ عن قَطَعاتٍ عراقيةٍ بين خَورِ الزبيرِ وســفوانَ  ...
والجنرالُ الفرنسيُّ روجكوف كان يحبُّ  النبيذَ
وكانت له في المساءِ زجاجتُهُ :
سانتْ إيمليون ...
*
أمّا أنا ... الحارسُ الأبديُّ المُوَكَّلُ بالبصرةِ  النخلِ
فالليلُ لي
ليلُ هذا السبيلِ العجيبِ
السبيلِ الذي ينجلي
في زجاجِ القناديلِ
في قطرةٍ من نبيذ ...
*
على كاتب السطور أن يتدخّل الآن .  ليس لأن النصّ اكتمل
بل لأنّ النصّ يبدو كأنه اكتمل . سيفرح أحدهُم ويقول :
ألم أُخبرْكم أن سعدي يوسف يقع في فخِّ اعتياداتِـــه ؟
كاتبُ السطور يقول :  الأمرُ  حقٌّ . لكن سعدي يوسـف
حذِرٌ أيضاً . بمعنى أن بمقدوره إنقاذَ سُمــعتِهِ في اللحظـةِ
الأخيرة  .
*
هكذا  سوف أسألُ نفسي :
وما شأنُ هذا النبيذِ الفرنسيّ ؟ أقصدُ  : ما أنا والأمر ؟ إنْ كان
روجكوف يشربُه فلْيَكُنْ ! ليس  أمراً عجيباً  ...
نعودُ إلى أولِ القصةِ :
الشاعرُ احتاجَ أن يتدرّبَ . جاءَ النبيذُ . وجاءَ مع الكأسِ روجكوف .
جاءت إلى الغرفةِ الحربُ والبصرةُ ...
الشاعرُ ، الآنَ ، يختنقُ .
الشاعرُ الآنَ يلهثُ : أينَ الهواء ؟
*
كاتبُ السطور ِ يتدخّل ثانيةً :
هذا اليومَ ، ذهبَ سعدي يوسف إلى أسواق تيسكو 
TESCO
اشترى زجاجتي نبيذ سانت إيمليون بنصف السعر
Half price
( مصادفةٌ مَحضٌ )
وعاد إلى منزله بالضواحي ينتظرُ المســاء .
*
عليه أن يحتفل بالرابع عشر من تمّــوز ...

لندن 13.07.2007
--------------------------------------
 
صيفٌ بريطــانيٌّ
 
بدأتْ  قطَراتٌ صغارٌ  تُلألِــيءُ  لوحَ الزجاجِ
وفي الجوِّ رائحةٌ من ترابٍ وماءٍ ،
وثَمّتَ رعدٌ بعيدٌ ...
أرى النملَ يبني متاريسَــهُ في شقوقِ الـمَـمَـرِّ .
الحديقةُ هامدةٌ
لا الطيورُ تطيرُ
ولا الورَقُ الغضُّ يهتَــزُّ .
آخِــرُ  بُقعةِ صحوٍ تلاشتْ مع الغيمِ .
رعدٌ قريبٌ ...
وفي لحظةٍ
سوف يأتي المطرْ !

لندن 15.07.2007

-----------------------------------

فِـعْـلُ حُـبٍّ
 
أنتِ
مثلي
تودِّينَ ألاّ يطولَ الكلامْ .
تدخلينَ السريرَ
بأُبّهةِ الملكاتِ القديماتِ
فارعةً ،
ثمّ ترمينَ تاجَكِ
كي يغمرَ الذهبُ ، الشرشفَ الناصعَ .
الطيرُ يفتحُ منقارَهُ .
................
................
................
قطرةٌ من ندى
ويلينُ الرّخامْ !

لندن 19.07.2007
---------------------------------
 
الـجـــارُ
 
الجنديّ المتقاعدُ
( شِبْــهُ الـمُقعَـدِ )
يجلسُ كلَّ صباحٍ ، في كرسـيّ تَـمَـدُّدِهِ
خارجَ بابِ البيتِ ،
لكي يستافَ  قليلاً  ضوعَ البستانِ
ويَنْعَـمَ بالشمسِ ...
وكانت زوجتُهُ تجلسُ أيضاً لِـتُقَـلِّبَ أياماً
ومجلاّتٍ
وقوائمَ ...
*
كان الجنديّ المتقاعدُ
( شِـبْـهُ الـمُقْـعَـدِ )
يُغْمِضُ عينيهِ قليلاً ،
ليغادرَ هذا الكرسـيّ
وهذا البيتَ
وزوجتَهُ أيضاً ...
لِـيُـخَـوِّضَ  في غاباتِ الهندِ الصينيّــةِ
في حقلِ الألغامِ .
*
اللُـغْمُ  التالي ، منفجرٌ حتماً
في أحدِ الأيام ....

لندن 19.07.2007