الفرات طباعة

سعدي يوسف
 
يغـيضُ عن " الرّقـةِ " الـماءُ كي يدخـلَ الطـبقاتِ الخفـيّـةَ من لحـمِـنا ،
نحن أبناءِ تلكَ الضفافِ التي أنبتتْ قصباً للأسِـنّـةِ والأغنياتِ . الفراتُ
هنا ضلّـلَ النورسَ . السمَكُ الـمتحدِّرُ من فُوّهاتِ الجبالِ ارتــــضى في
 الفراتِ مراعيَـهُ  ، وارتدى الفضّةَ . الخيلُ تعبرُ ، غرثى ، مَخاضاتِـهِ .
والجِمالُ الأبيّــةُ تعلِكُ في الصّـهَـدِ ، الشيحَ . ماءٌ تغلغَلَ في الرملِ . في
وجْـنةِ الطفلِ . ماءٌ يَظلّ بكـفـَّيكَ  ، لا يتبدّدُ  . ماءٌ هو البَسْـمَــــــــلــةْ .

*
سلامٌ على جـسـدَينِ استحالا بهِ جســداً واحداً . والسلامُ على القاعِ حــيثُ
الحصا يترقرقُ . يا بردَ مائِكَ ! أقسمتُ بالطيرِ أن أرتــــدي كلَّ فجــــــرٍ
 جناحَينِ ، أقسمتُ بالطينِ أن أبلغَ الطينَ في صبوةٍ ، غائصاً ... أيها النهرُ
يا خيطَ أسمائنا وتواريخِــنا ، يا قـرانا ، وذكرى مَمالكِــنا . يومَ جـــئتُكَ
أحمِلُ أوزارَ خَطوي تحمّـلتَني ، وانتظرتَ إلى أن وثبتُ خفيفاً من القاعِ .
ضوءٌ على جسـدَينا . وضُــوءٌ . أهذا هو السلسبيلُ ؟ أهذي هي السّنبلةْ ؟

*
فيافيكَ ، حيثُ الذئابُ التي تأْلَفُ النارَ . جنّاتُ عدْنِكَ حيثُ الصقورُ التـي
تأْلَفُ الناسَ . مَرْعاكَ حيثُ الزهورُ به كَـمْـأةٌ . والنساءُ اللواتي يَخُضْـنَ
بأثوابِهِنَّ الـمُـوَيجاتِ إذ يتبرّدْنَ . هل كان صوتُ الـمُـغَــنِّي شبيهَ عرائسِكَ ؟
الليلُ يهبطُ ، سـمْحاً ، خفيفاً . شِـباكٌ بلا سَـمَكٍ في ثيابِ الصغارِ . ويأتي
الشّميمُ : أقهوتُكَ الـمُرّةُ الآنَ ، أمْ وترٌ يتقطّـعُ ؟ ألـمُسُ أحجارَكَ الناعماتِ
الثقالَ ... وأُصغي إلى ضجــّةٍ . أهيَ مفتاحُ كنزِكَ أم أنها الصّلصلــةْ ؟

*
تسيلُُ الهُوَينى ...
 قروناً تسيلُُ الهُوَينى ...
 وتمنح أهلَكَ خبزَ الضفافِ وقثّاءَها
والأغاني .
تسيلُ الهوينى ...
 قروناً تسيلُ الهوينى ...
يمرُّ بك العابرون :
الجيوشُ ، اللصوصُ ذوو الخُوَذِ ، السائرونَ إلى حتفِهِم في الظلامِ ... السماسرةُ ،
السُّحُبُ الصيفُ ، أوباشُـنا ، والقياصرةُ ، الطامعونَ ...
وأنتَ تسيلُ الهوينى
قروناً تسيلُ الهوينى ....
وتمضي
كأنك لا تعرفُ المسألةْ .

لندن 06.7.06