الشيوعيّ الأخير يعود من الشاطيء طباعة

ســعدي يوسـف

كان الشيوعيّ الأخير يدورُ بين محطة الباصات والـمقهى الصباحيّ …
النوارسُ لاتزال تدور زاعقةً فُويقَ الناسِ والطُّرُقاتِ والحِصْـنِ القديمِ ،
ولا تزالُ صبيّــةُ الـمقهى تعدِّلُ شَعرَها المنفوشَ ليلاً  ؛
 -    يا صباحَ الخيرِ !
     لم أعرفْ بأنكَ ههنا  …
  *   قد جئتُ أمسِ ، لكي أعودَ اليومَ !
-         قُلْ لي : أيّ شيطانٍ قد استدعاك ؟
     يأتي الناسُ كي يستمتعوا بالبحرِ والرملِ الدفيءِ ؛ وأنتَ تعودُ كالمجنونِ ؟
 *  ليس الأمرُ هذا …
     قصّــتي كانت مفاتيحي !
 . …………………..
……………………
……………………
أتعرفُ ؟ كنتُ بعدَ شتائنا القاسي وقضــقضةِ العــظامِ
أُحِسُّ بلهفةٍ للبحرِ . كنتُ أريدُ أن أُلـــقي بأتعابي وأثوابي
عــلى رملِ الشواطيءِ … نحنُ ملاّحونَ في المعــمورةِ !
البــحرُ المحيطُ يُـتِـمُّ رِحلتَـنا ويَبدؤها . أتحسبُني تركتُ
البحرَ والرملَ الدفيءَ وفتنةَ الأجسادِ مختاراً ؟ كأنك يا صديقي
لستَ تعرفُني !
ألَمْ أُخبِرْكَ ؟ ليس الأمرُ هذا . قصّـتي كانت مفاتيــحي .

*
أتيتُ إلى المدينـــةِ ( ولتـكنْ إيستبورنْ Eastbourne ) .
واستأجرتُ غرفةَ منزلٍ . ومشيتُ نحوَ الشاطيءِ . الأمـواجُ
كانت كالجبالِ . وثَمَّ ريحٌ صَرصَرٌ . والناسُ يرتعدون من بردٍ
عرايا . فتنةُ الأجسادِ قد ذهبتْ مع الريحِ ! انتظرتُ دقائقَ …
الموجُ العنيف يرشرشُ الممشى ، ويبلغُ أوّلَ المقهى . إذاً ، هل
أرتمي في الماءِ  أم أرتَـدُّ نحو غُرَيفـتي بالمنزلِ ؟ استجـمَعتُ
بُقيا من حماقاتِ الصِّـبا ، وهبطتُ  ، مثلَ قذيفةٍ ، في الماء .

*
هل كنتَ تدري أنني متمرِّسٌ بالغوصِ ؟ ذاكَ الصُّبحَ فــي
إيستبورنَ غُصْتُ إلى قرارِ البحرِ . كان القاعُ أصلعَ . لانباتَ
ولا قواقعَ فيــهِ . والأسماكُ قد رحلتْ إلى بحر الشمالِ …
الكهرمانُ هناكَ . والمرجانُ ينبتُ في الجنوبِ . وهكذا  قررتُ
أن أعلو إلى حيثُ المقاهي والملاهي والهواءُ . لقد أطللتُ …
أدركتُ الحقيقةَ . ليس في القاعِ العجيبِ ســوايَ . سوف
أقول للناسِ ، الحقيقةَ . سوفَ أرفعُ في مقاهي البلدةِ البحريـةِ
الأنخابَ . سوف أقولُ : مرحىً للشيوعيّ الأخيرِ ! ومـرحباً
بفضيحةِ الأسماءِ والأشياء …
مجدُكَ أن تغوصَ إلى قرارِ البحرِ
 مجدُكَ أن تقول !

*
والآنَ تسـألنـي عن المفتاحِ ؟
سوف أقول شيئاً مضحكاً :
ضاعت مفاتيحي بقاعِ البحرِ …
لكني أخَـبِّـيءُ نسخةً أخرى بلبلابِ الحديقةْ !
 
لندن 4/6/2006