هو لم يخســرْ شيئاً حينَ أطاعَ نداءَ الحوريّــاتِ … لقد غامَــرَ حقّـاً : حطَّـمَ مركبَــهُ ، عَــمْــداً ، عند صخورِ الشــاطيءِ ، فاضطُــرَّ إلى أن يسبحَ كي يمسكَ جِــذعاً أنقَـذَهُ من غرقٍ حَـتْــمٍ … - كان غناءُ الحوريّــاتِ يهدهدُهُ حتى في الغرقِ الـماثلِ – كان ســعيداً ؛ أغــفى ، ملـتَـفّـاً بالرملِ الدافـيءِ والأصدافِ وهدهدةِ الحوريّــاتِ ؛ ولم يستيقظ إلاّ بعدَ ثلاثِ ليالٍ من حُـلُــمٍ … في ليلتهِ الأولــى ســارَ إلى ســفْحٍ وتَــمــدّدَ في كوخ رُعاةٍ ، في ليلته الثانيةِ اســتَـلقى بين زهورِ الخشخاشِ ، وفي ليلته الثالثةِ اختارتْــه الحوريّــاتُ السَّـبعُ لِـيُـمسي الأُضْــحِــيـةَ … …………........................ ….....……………………. ………………………….. الـبَـحّــارُ أفاقَ -كما في القَصصِ الأولى – يفرِكُ عينيهِ ، ويشــعرُ بالجوعِ وبالعطشِ … الوقتُ ضحىً والبحرُ الهاديءُ كان يُـوَشوشُ … وِشْـوِشُ … وِشْوِشُ … وِشْـوِشُ ثـمّتَ عينٌ يترقرقُ فيها الماءُ ويكشفُ عن حصباءَ ملوّنةٍ وحصىً أزرقَ ؛ واللوتُسُ طافٍ يلمعُ إذْ يتضــوّعُ : هل تقـطـفُــني يا بحّــارُ ؟ اقـطـفْـني يا بَـحّــارُ اقـطـفْـني أُطعِـمْـكَ من الجوعِ اقـطـفْني ! ……………………. …………………… …………………… لم يعُـدِ البَـحّــارُ يرى غيرَ صخورِ جزيرتِــهِ غيرَ السـمكِ الـميْتِ وغيرَ طيورٍ متوحشــةٍ قد تأكلُـهُ يوماً … لكنّ البحّــارَ يفكرُ ثانيةً : أوَلستُ أرى الآنَ الـمِــرآةَ ؟ إذاً وَهْــماً كانت سنواتُ الرِّحــلةِ … وهماً كان نشــيدُ البحر ! لندن 25/12/2004
|