تحية من الشاعر الكبير سعدي يوسف الى منتظر الزيدي طباعة

أحمد الناصري

قرأت قصيدة الصديق الشاعر سعدي يوسف ( مرحباً، منتظر!)، المكتوبة الى الصحفي والسجين الشهير منتظر الزيدي، قبل نشرها، فقد أرسلها لي مشكوراً، وكانت قصيدة تحية وتضامن مكثفة وواضحة، تتضمن موقفاً وطنياً، ضد بوش، وضد الاحتلال، وتدين الوضع القائم، وهي امتداد لموقف الشاعر الوطني، الصريح والجريء والواضح، من الاحتلال، ومن جرائمه وكوارثه.
لقد أراد الشاعر أن يقول بأن احتجاج منتظر الزيدي ضد بوش قد وحد العراقيين تحت راية وطنية، يمكن أن تصيب. وبذلك خرج الشاعر بالحدث الى أفق أوسع وأشمل، وأعطاه معنى وحركة جديدة، من خلال الصورة المركزة الجديدة..

(لكنْ، لا أحدَ، اليومَ، ســواكَ
لقد وحّدْتَ العَلَمَ الوطنيَّ
جلَوتَ له المعنى
وجعلتَ العلَمَ الوطنيَّ يحلِّقُ مقذوفاً
ليصيبَ...)
كذلك العودة والتأكيد في المقطع الأخير..
(لن ينسَوا أنكَ وحّدتَ العَلَمَ الوطنيَّ،
جعلتَ العَلَمَ الوطني
يُحَلِّقُ مقذوفاً
ويُصيب...)، والشاعر هنا لا يتحدث عن معنى وشكل الحدث الأول والمباشر، كما هو، إنما أنتقل بنا الى مستوى أخر، ومجال آخر، وتحدث عن معاني كانت موجودة في صلب الفعل الاحتجاجي الكبير وتضاعيفه وتفاعلاته وآثاره، وهذا هو دور الشاعر والمثقف والمفكر، واكتشافاته وتوظيفه للمعاني الإضافية وللغة.
لكن العجيب والمؤسف، هو بؤس التعليقات والتأويلات المسبقة والجاهزة، الصادرة من لون (يساري) بائس ومسكين، التي تهاجم الشاعر سعدي يوسف، حتى لو قال بأن (الشمس تطلع من الشرق)، كأنهم مدفوعون بواجب التعليق والمشاركة السلبية فقط، وليس بمعناه وقيمته العقلية. ولا أدري، لماذا تروج وتنشر بعض المواقع مثل هذه التعليقات الرخيصة والهابطة، وما الجدوى من ذلك؟؟.
إن هذا الموقف المسبق، متأتي من الانقسام حول قضية الاحتلال، بين موقفين، أحدها وطني ضد الاحتلال، والآخر يقف الى جانب الاحتلال، بدرجات وأشكال وألوان وتبريرات مختلفة ومختلقة. وهذا جوهر المشكلة من البداية الى النهاية، وسيبقى كذلك. حيث لم يقل أحد منهم أنه ضد الاحتلال، لكن الربط بين الحذاء والعلم غير دقيق وغير موفق مثلاً، حسب هذا التفسير والتأويل الخاطيء والسطحي. بينما استشاطوا غضباً، لأن سعدي يوسف تضامن ووجه تحية قوية، من خلال القصيدة- البرقية، أو القصيدة المركزة، الى منتظر الزيدي بمناسبة قرب أطلاق سراحه من سجنه السري، وهنا تكمن معضلة وجوهر الخلاف. أنه تجسيداً للخلاف السياسي والموقف من الاحتلال.
في ظل غياب النقد الموضوعي، وحق الاختلاف الطبيعي، الضروري والجميل. و(سعدي يوسف الشاعر والمبدع، يحتاج الى النقد الإبداعي المتخصص، وهو حتماً ليس خارج أو ضد هذا النوع من النقد)، ينحدر المعلقون، وهم من لون معين، باهت ومكرر، وفاقد للقيمة الحقيقية، كما ذكرت سابقاً، الى الجانب الشخصي والشخصنة، والحديث عن النبيذ المعتق وغير المعتق، بل يصل الإسفاف الى نوعيات النبيذ وكمياته، وعن العيش في المنفى. ما هذه المهزلة، هل هذا موقف سلفي وأصولي من النبيذ؟؟ ما هذا البؤس؟؟ ويغمز البعض من الطرف القومي والطائفي، وسعدي يوسف شاعر وطني، عراقي وعربي وإنساني كبير، ماركسي ويساري، لا تنطبق عليه التصنيفات الضيقة والمريضة، وهو خارجها وخارج عليها. ثم ينتقل الحديث عن العمر ومتطلباته. هل صار العمر خطيئة أو نقيصة يرتكبها ويجنيها الإنسان، لكي يشار إليه بهذه الطريقة؟؟ وعمر شاعرنا الجميل وتجربته الشعرية الطويلة والنادرة والمتميزة، خير دليل على الإنجاز الشعري الباهر والمواكبة والنشاط والتجاوز والتطور، وهو لا يزال يواصل بقوة مشروعه الشعري، بخصائصه المتفردة والجميلة والراقية، الى جانب موقفه الوطني الصلب والرائع.
لو إن شاعرنا سعدي يوسف وقف في الجانب الآخر من الوطن والوطنية ( وهذا ما لا نتمناه أطلاقاً، وهو لن يحصل أطلاقاً أيضاً)، أو صمت قليلاً مثل الآخرين، لتحول بنظر هؤلاء، الى أكبر قيمة أبداعية وفنية، والى القيمة الإبداعية الأولى، وهو كذلك طبعاً، سواء اعترفوا أو لم يعترفوا بهذه الحقيقة المعروفة. وسعدي يوسف لا يحتاج الى المجاملات، ولا يلتفت الى حفلات المديح والإطراء، ولا يرد ولا يشارك في المعارك اللفظية الفارغة، بل يعمل على مشروعه الشعري، بإنائه وحكمة وصبر، ويقف على منجز شعري حقيقي، يضعه في مكانه الحقيقي والطبيعي.
تحية الى الشاعر الذي رأي، وهو يقف بشموخ وثبات، في صف الناس والوطن والقصيدة. ستبقى ( تسير مع الجميع وخطوتك وحدك).
نخبك، أيها الشاعر الكبير والجميل والجليل، نبيذ معتق ولذيذ! نخب يليق بسعدي يوسف الإنسان والشاعر!