الملحق الثقافي لقاء مع...سعدي يوسف لـ «الشروق»: خريطة العراق في قلادة برقبتي... طباعة

Imageولن أعـــــــــود تحت راية أمريكيـــــة*
حوار : نور الدين بالطيب* تونس
 ـ (الشروق):سعدي يوسف... اسم خلّدته الذاكرة العربية منذ سنوات، شاعر جدّد القصيدة العربية وحرّرها من ثقل البلاغة وفتح لها آفاقا جديدة ،حميمي وحزين وصاف مثل مياه دجلة والفرات قبل الحرب التي تحصد أروح الأبرياء. أكثر من نصف قرن لم يتخلّ سعدي عن الريادة ولا عن الصف الاول، يمشي مع الجميع وخطوته وحده ذلك هوسعدي يوسف الشاعر الذي لا يطمئن ولا ينقطع عن المنافي. نهاية الأسبوع اماضي احتفت به تونس في أمسيتين الاولى في مقهى وكم يحب سعدي المقاهي! والثانية في بيت الشعر وكانت الدعوة من شركة فضاءات

لظافر ناجي ووجيهة الجندوبي.(الشروق) التقته في هذا الحوار:* ماذا يعني اللقاء مع الجمهور التونسي بالنسبة إليك؟ـ أنا أعتدت اللقاء مع الجمهور التونسي، أولا بسبب إقامتي في تونس لسنين ثم أن تونس أتاحت لي أن ألقي قصائدي في منابر هامة في العاصمة وفي منابر أخرى وأتشرّف بأن في القيروان نصبا كتبت فيه قصائد لي ومنها قصيدة عن القيروان، كان هذا في الدورة الاولى لربيع الفنون وكان هناك نزار قباني وأدونيس وغيرهما وكان أحتفاء كبيرا بالشعر والشعراء احتفاء شعبيا بالشعر وفي الحقيقة اللقاء مع الجمهور التونسي ومع تونس ليس أمرا جديدا بالنسبة لي لست غريبا في تونس. * تنقّلت بين الجزائر ولبنان واليمن وسوريا وفي فرنسا... ماذا أضافت لك الاقامة في  هذه المدن؟ـ  هذه المدن هي حواضري وهذه المدن لم أكن فيها مسافرا كتبت عنها وتوطّنت فيها ومنحتني غنى في المشهد وتنوعا ربما حتى في الكتابة والاسلوب الفني بسبب التعاطي المباشر بيني وبين تلك الاماكن سواء التنوع الثقافي أوالطبيعة مشاهد الحياة اليومية علاقتي بالناس قراءتي لتاريخ هذا البلد أوذاك لأن طبيعة النص الذي أكتبه متصلة تماما بماهوملموس ومجسّد ومشخّص في الحياة والتاريخ.* كيف ترى تاريخ العراق ؟ـ أعتقد أن هناك ألية مستمرة لتجريد هذا البلد الغني بالنفط أساسا بتجريده من إمكان التصرّف بثرواته وأن يكون تطوره سليما وحديثا عابرا للقرون.* كأن العراق يدفع ثمن موقعه وعراقته الحضارية؟ـ هذا صحيح ،من ناحية الثروة البترولية أساسا ،الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا مثل روما القديمة وكل ما هو خارج روما هو بلاد البرابرة قوانين روما لا تنطبق على بلاد البرابرة لا تستطيع بلاد البرابرة أن تكون موازية لروما في أي شئ مناجم الذهب والفضة في شمال افريقيا وكانوا يسمّون شاطئ المتوسط شاطئ البرابرة وهوموجود في الخرائط القديمة هناك عالم مقسّم بين أغنياء وفقراء الفقير يجب أن يظل فقيرا هذا هومصيره حسب منطق روما القديم وحسب الحلف الاطلسي الجديد.* عشت في باريس ثم إنتقلت الى لندن ماذا أضافت لك ألإقامة في لندن؟ـ أنا أحببت باريس وعشت فيها سنوات صعبة وحقيقية وغنية، أحببت باريس ولم أستطع أن أعيش فيها لأسباب فوق طاقتي.لندن منحتني إمكانية الاستقرار وإمكانية الحفاظ على استقلاليتي كفرد وكاتب عموما السلطات البريطانية لا تتدخل في شأنك أبدا مادمت ممتثلا للقانون وهي قوانين مثالية حقيقة في الدفاع عن استقلالية الفرد وحرية التعبير والسفر، هذه السنوات كانت مثمرة جدا كل سنة أصدر من كتاب الى كتابين منذ حللت بلندن وأنا سعيد بإقامتي فيها.* الاخضر بن يوسف هوالشخصية الروائية التي صاغها سعدي يوسف ،من يكون الاخضر بن يوسف هل هوسعدي؟ـ من أيّام كنت أقرأ الكتاب الجديد لفتحي النصري وله رأي أعجبني ،هناك من يخلع على الاخضر بن يوسف لقب القرين أوالقناع لكنه قال لا الاخضر بن يوسف هوسعدي لكنه وضع مسافة مع نفسه بينه وبين نفسه النصري ضد فكرة القناع هوهوية للشاعر.* أنت على إتصال دائم بالشعراء كيف ترى المشهد الشعري العربي؟ـ أجد أن عدد الذين يكتبون الشعر تضاعف بشكل عجيب وهذا جيّد لأن الوفرة قد تنتج  النص الجيّد وخاصة تقبّل قصيدة النثر لكن هذا لا يحجب عنّا أن الامة تتخلّف شعريا ومن ظواهر هذا التخلّف بروز الشعر النبطي الشعبي والاموال الطائلة التي تنفق لترويجه إضافة للشعر الخطابي  والمنبري وهوشعر مسلّح! ملايين الاموال تبذل لهذا.توسّمنا الخير في قصيدة النثر التي أعتبرها هي الامل في إمكان تقدّم الشعر العربي، لكن المشكلة أن قصيدة النثر وقعت في مطب الشعر المنبّت لا علاقة له بالشعر ولا بالحياة مجرّد تقليد للشعر الفرنسي في مأزقه الحالي القصيدة الفرنسية تعاني مأزقا منذ زمن بعيد لا توجد قصيدة فرنسية. تترجم نصوص الى الشعر العربي ويقرأ ها الشباب ويتأثرون بها لكن لا يوجد جهد حقيقي لمعرفة الاصول الاخرى لقصيدة النثر مثلا الشعر الامريكي مثل ويتمان... هذا شعر متّصل بالشارع بأغاني الصيّادين بالعمّال بمظاهرات الطلبة بالاغنية الشعبية مثل البلوز... من سوء الحظ أن قصيدة النثر العربية تأثرت بالنموذج الفرنسي وهونموذج ضعيف ما توسّمنا فيه الخير كباب جديد أغلق علينا بشكل فج.* ألا ترى أن هذا التراجع متصل بالحياة العربية ككل وأن هناك تدهورا كاملا في الحياة العربية وقيم التنوير والحداثة وتنامي الفكر الغيبي الذي تبثّه الفضائيات؟ـ كأن هناك قرارا بإعادة المنطقة الى الوراء وهذا يتّخذ أشكالا عديدة منها تشجيع الظلام والفكر الغيبي وتجهيل الشعوب، بنية ثقافية كاملة تنهار الجامعة الوطنية المصرية مثلا إنهارت ويمكن القول أن هناك انحدارا في الجامعات العربية. هناك تراجع في دور الجامعة في قدرتها على إعداد نخبة عربية من قادة الفكر والسياسة من الاجيال الجديدة.* ترجمت كتبا عديدة في السيرة والشعر والرواية، كيف تتنزّل الترجمة في مسارك؟ـ أنا أعتبر نفسي وريثا لثقافة العالم وليس لثقافة أمتي فقط أحيانا أشعر بمسؤولية أن أعرّف الاجيال الجديدة على الكتب التي تشعرني بالمتعة الروحية هذه مسألة هامة بالنسبة لي وأساسية في تفكيري.* في شعرك تحضر الاماكن والتفاصيل اليومية هل تعتبر الكتابة هي إختزال للحياة ؟ـ أعتقد أن الشعر هوهكذا إختزال الحياة اليومية بكل تفاصيلها ماذا فعل هوميروس مثلا؟ هناك دراسات في التاريخ حول الازياء مثلا استمدت من شعره كوثيقة. لكن عندما ينفصل الشعر عن الحياة تبدوهذه المفارقة.* كتب عنك محمود درويش مقالا رائعا وهذا نادر في الحياة العربية أن يكتب شاعر كبير عن شاعر أخر يشاركه الريادة، ماهي طبيعة العلاقة بينكما؟ـ أنا ومحمود صديقان ومجتهدان في المبحث الفني وأعتقد أننا نتبادل مانكتب بجدّ واهتمام نتبادل الملاحظات السّلبية والايجابية وعلاقتنا صافية.* الى أين يسير العراق في ظل الاحتلال وكيف ترى الذين وافقوا على أن يكون مع حكومة الاحتلال؟ـ أنا رفضت أن أدخل العراق تحت راية أمريكية نذرت حياتي للدفاع عن الحرية ليس لبلدي فقط بل في كل مكان من العالم في استعمار وظلم، لمسألة محسومة بالنسبة لي ولا تحتاج الى تفكير لا يمكن أن أخون نفسي أوتاريخي.بالنسبة للذين قبلوا أن يكونوا طرفا في المعادلة السياسية الجديدة لقّبتهم بمثقفي المخابرات المركزية الامريكية وقد سبّب لي هذا الموقف أذى دوّنته في كتابين «يوميات الأذى» و»يوميات ما بعد الاذى».* ما هو عمر الاحتلال؟ـ الاحتلا ل الامريكي البريطاني للعراق سيستمر وسيطول وقد يكون للأبد،   الجيوش قد تغادر بعد فترة لكن الاحتلال سيبقى من خلال السيطرة على القرار السياسي لأن السيطرة على منابع النفط في العراق هوالهدف الاستراتيجي والاساسي للغزوالامريكي للعراق وهوهدف قديم وقرار الغزو اتخذ منذ بدأت مشكلة الطاقة.* متى ستعود للعراق ؟ـ لن أعود، عمري لا أعتقد أنه مازالت فيه سنوات طويلة ولن أعود لعراق محتلّ تحكمه الدبابات الامريكية، كما ترى أحمل خارطة العراق كقلادة في رقبتي لا تفارقني لكّنني لن أعود.* ألا تخاف من حرب أهلية ومن تقسيم العراق؟ـ الحرب الاهلية والتقسيم هذا عمليا موجود الان العراق مقسّم ويصعب أن تتنقّل من منطقة الى أخرى يعني أن كل مجموعة سياسية لها منطقة نفوذ والاقتتال يومي بين العراقيين أليست هذه هي الحرب الاهلية؟ وعجز الدولة عن بسط نفوذها أليس هذا هوالتقسيم؟* عشت طويلا مع الفصائل الفلسطينية وتعرف الثورة من الداخل، في رأيك هل ستكون هناك دولة فلسطينية؟ـ أعتقد الدولة الفلسطينية الان ليست مطلبا فلسطينيا فقط ولكنها جزء من رؤية أمريكية للمنطقة ولكن هذه الدولة ستكون بشروط ومنظور أمريكي.

اخر تحديث الإثنين, 17 دجنبر/كانون أول 2007 10:49