شاعر في حب المغرب وشعبه طباعة

سعدي يوسف يعلق اسمه على الأركانة ودرع الكبير محفوظ

عبد العالي دمياني

دأبُـه ألا يتطلع إلى الجوائز. بيد أنها تسعى إليه. به تكبر ويصير لها عنوان واسم مرجعي. قد لا يكون هذا الإسم قد ورد يوما في قائمة المرشحين لنوبل، تماما كمحمود درويش، شبيهه في الإيديولوجيا والريادة في الشعر. غير أن المتتبعين للمشهد الشعري العربي يُـقـرّون بأن الشاعرين أحق من أدونيس، الحاضر كل عام في شاشة الضوء.

ومع ذلك، للأب سعدي قدم السبق. فهو المعلم وصاحب الفتوح الجريئة في الجسد الجغرافي للقصيدة المعاصرة. وهو النخلة الشعرية الندية بأعذاقها المثقلة بحلو الثمار من الأشعار، السامقة المطاولة الزمان والفضاء في هذه الصحراء التي ما أكثر ما تنعق فيها الأصوات النشاز، ويُستسهل فيها القريض حتى ينزل إلى درك الإسفاف .

حين حملت إليه مؤخرا رياح الجنوب في منتآه الاغترابي بريف لندن أخبار فوزه بجائزة نجيب محفوظ للكاتب العربي، تذكر الأب سعدي ، المغربَ ، البلد الذي أحبه بعمق وأطلق أمنيته بأن يختم بمسك الإقامة فيه مشوار اغترابه الطويل. لكن، لم يلتفت إلى نداء المحبة الغامر هذا الساهون واللامبالون والجاهلون بقيمة أن ينتمي إلى هذه التربة شجر بري حر في ندرة صاحب "نافذة في المنزل المغربي". قال الشاعر بلسان العارف بلعبة الجوائز ومكرها حين تختار اسما إبداعيا عالي الصيت والاعتبار لتعلق عليه صورة أمير أو ملك أو رئيس : "هذه الجائزة أعتز بها لأنها جائزة اتحاد كتاب مصر العظيمة، وليست من ساسة أو شيوخ . هي مثل "الأركانة" المغربية، ذات معنى، وليست هبة من أغنياء تافهين إلى متسولين ."

المعنى كلمة السر. المفتاح السحري. هذه لغة الشاعر الذي يسبر الأعماق. يدرك معنى العبور. لم يذكر الأب سعدي أي جائزة أخرى غير الأركانة. وما أكثر الجوائز المعتبرة التي فاز بها عن استحقاق على مدار عمره الإبداعي الذي يفيء على مائة عنوان وعنوان. ألم يحز جائزة سلطان العويس الثقافية في ثاني دوراتها عام 1990؟ وقبلها بأربعة أعوام جائزة "عرار" بالأردن حيث أقام ردحا من العمر؟ وماذا عن جائزة "كفافي"، الشاعر اليوناني/الإسكندراني الشاهق كسماء سنية بعيدة، والذي انحنى عليه بحدب كبير، كما الشأن مع ريتسوس، كل هذا الزمن من مراودة شيطانة الشعر عن نفسها؟ ألم تمنح نفسها _ هذه الجائزة _ إلا للشعراء الإمبراطوريين في العالم؟ وهل يجادل أحد في جائزتين إيطاليتين لهما رنين سحري خاص ومصداقية دولية مثل جائزة "فيرونيا" والجائزة الإيطالية العالمية؟ ومع ذلك، لم يستحضر الشاعر، عن عمد، سوى "الأركانة المغربية" ليساوي بها من حيث قيمة المعنى جائزة تصدر عن اتحاد الكتاب العرب، وتحمل، وهذا هو الأهم، اسم كبير مر من هنا وأعطى للإبداع العربي ائتلاقا دوليا لا يضاهى : نجيب محفوظ.القيمة المالية لـ"جائزة محفوظ" و"الأركانة" لا تساوي شيئا أمام الجوائز الأخريات، التي تضاعفها _دولارا_ بالعشرات. إلا أن المعنى لا يُـقــدّر بمكيال. فهو جوهر لا مادة تخف أو تثقل. تزيد أو تنقص. تكبر أو تصغر. وهو من صميم الشعر. وفي عرف الأب سعدي من صميم الانحياز إلى الإنسان في الأصل، في الأول والأخير. لذلك يحب صاحب الراية الحمراء، والقميص الأحمر، والشارة الحمراء، خبز الفقراء لأنه أطهر، وأنقى، وألذ، وفيه البركة، فيه نبات الجنة الفواح. أليس يوسف هذا بجمال شعره اللايقاوم هو "الشيوعي الأخير" الذي يدخل فردوس الله حين قال الأب سعدي ما قاله عن "الأركانة" كان اسم طنجة لما يزل رطبا كالتمرة المعسولة بين شفتَيه، العطر، والسرير الذي خلفه وراءه في أحد فنادق المدينة السحرية الأسطورية يحمل دفء جسده وهو ينوء بثقل ثمانين سنة من العيش في كبد، وكان آخر دواوينه يخرج من ماكينة المطبعة ساخنا مرصعا بعنوان وفاء ومحبة لحاضرة أغوت أجمل كتاب العالم وجرتهم إلى حضنها لتلقحهم بسرها الأبدي : ديوان طنجة. هذا وجه من الأب سعدي الذي عاش أوقاتا متفرقات في المغرب، وأحب أهله وبسطاء شعبه، وكتب عنه في كثير من دواوينه وكتبه الباقية، وتمنى دوما أن يغمض فيه العين على هذا العالم واسمه معلق كالجرس على شجرة أركانة لا تنبت إلا على هذه الأرض التي كثيرا ما يجهلها أهلها كما قال الخطيبي ذات يوم.

اخر تحديث الأحد, 15 أكتوبر/تشرين أول 2017 07:55