شاعرة البلاط البريطاني كارول آن دوفي تدعو إلى شعر جديد يصور الحروب طباعة

الدستور ـ إلياس محمد سعيد

دعتْ الشاعرة البريطانية كارول آن دوفي ، التي اختيرت هذا العام لتكون شاعرة البلاط ، إلى شًعرْ جديد يصور الحروب ، وفوّضتْ شعراء بريطانيينَ كي يتفاعلوا مع الأحداث في أفغانستان والعراق ، لكنْ ماذا بالنسبة للشعراء الذين الحربُ هي حياتهم اليومية؟ تالياً المجموعة الاستثنائية التي قدمتها إيريكا فاغنر من الخطوط الأمامية.

كل الإعجاب لشاعرة البلاط ، كارول آنْ دوفي ، إذْ دعتْ إلى إصدار مجموعة من الشًّعر الحديث حول الحرب. "يبدو أنَّ الحرب تصنع من الجنود شعراءَ ، وليس العكس ،"كما كتبت هي نفسها في النص المرفق [بالمجموعة] ، والذي جاء فيه أيضاً أنّ "الشعراء في أيامنا هذه ، شأنهم في ذلك شأن معظمنا ، يخوضون تجربة الحرب ـ أينما احتدمتْ ـ إلى حدّْ كبير ، وذلك من خلال البريد الإلكترونيّ أو نصوص من أصدقائهم أو زملائهم في مناطق الحروب: من خلال الإذاعة أو الصحافة أو التلفزيون ، من خلال المدوّنات الشخصية [على الإنترنت] أو المقابلات." إنّ القصائد الجديدة التي كتبها شعراء من مثل بول مَلدون ، دالجيتْ ناغرا ، كارول ساتيامورتي ، شين أوبرين ، جو شابكوت وغيرهم ، أثارتْ كثيراً من النقاش قدرة شعراء القرن الحادي والعشرين أنْ يكونوا "شاهدي عًيانْ" على الصراعات. بيد أنّ تلك [الحروب] ، كما اعترفتْ كارول آنْ دوفي ، ما زالت حروباً نتفاعل معها عن بُعد.

يحدًّد لنا ذلك أنْ نفكر في كيفية تُجسير المسافة [التي تفصلنا عن مناطق الصراعات]. أحد الأجوبة هو البحث عن الشعراء ممن تجربتهم مع الصراع مباشر ، حميمة ، يومية: الشعراء الذين وُلًدوا في مناطق الصراع ، الذين يعيشون فيها: الشعراء في أفغانستان ، في غزة ، في العراق ، في الصومال ، في سري لانكا. بالتالي ، واستجابة لتفويض كارول آن دوفي ، ها نحن نعرض في هذا السياق مجموعة بديلة من شعر الحرب ـ أعمالاً كُتًبتْ "في أرض الواقع": أعمالاً هي دليل على نجاة الروح الإنسانية وبقائها [حيةً].

"الشعر يحاول دائماً أنْ يَذْهبَ إلى جوهر الجوهر ،"يقول سعدي يوسف. "في أوقات الخطر والحاجة ، يجد الناس أنهم قادرون على لمْسً جوهر حياتهم ، جوهر مصيرهم. إنّ ذلك واقعيّّ ومؤثر ـ وهو ما يجعل شًعرَهُم حقيقياً." سعدي يوسف ، الذي عاش السنواتً العشرَ الأخيرةَ في بريطانيا ، هو واحد من أكثر الشعراء العراقيينَ تقديراً. نشر أكثر من ثلاثين مجموعة [شعرية] ، ومجلداً من القصص القصيرة ، وروايتينً ، وأربعة مجلدات من أعماله المختارة. وُلًدَ في البصرة ونُفًيَ من العراق مرتينً ، عاش في جميع أنحاء العالَمً ، غالباً في مناطق صراع أخرى: فكان في بيروت أثناء الحصار عام ,1982 ترجم من الإنجليزية إلى العربية شعراء عالميينَ عظماء ، من بينهم والت ويتمان ، قسطنطين كفافي وفريدريكو غارسيا لوركا. أول مجموعة له مهمة بالإنجليزية ، وهي بعنوان 'من دون أبجدية ، من دون وجه' ، ترجمها خالد مطوع وصدرتْ عام ,2002

نتحدث عن الغرض مما يُطلق عليه غالباً "شعر الحرب". والمشكلة أنّ المرء عندما يقول هاتين الكًلْمَتينً (أي 'شعر الحرب'): عندما يقولهما هنا ـ في بريطانيا المرتاحة ـ الوثيرة ـ فإنّ ما يتحدث عنه يُهْمَلُ على الفور. ففي جريدة تشْبُه تماماً تلك التي تَرًدُ فيها تقارير عن جنازة هاري باتش وهنري أللنغهام ، وهما تقريباً آخر المحاربين القُدامى في ما يسمّى 'الحرب العظمى' كما لو أنها كانت إنجازاً عظيماً أكثر من كونها كارثة تتجاوز كل المقاييس: تظهر هناك صور فوتوغرافية لمُعَزًّينَ صامتين في بلدة ووتن باسّيت الواقعة شمال ولتشَيَر في إنجلترا ، وفي الوقت نفسه ، ما زال المزيد من الجثث [للجنود البريطانيين] تتدفق عائدة من أفغانستان.

اعتباراً من السابع والعشرين من شهر تموز [الفائت] ، 191 فرداً القوات البريطانية أو من المدنيينَ في وزارة الدفاع ، لقوا حتفهم في أفغانستان منذ بدء العمليات [العسكرية] فيها في تشرين الأول من عام ,2001 وما مجموعه 179 بريطانياً قُتلوا في العراق. لكن لنفكرْ في أعداد الذي قُتًلوا في الحربينً العالميتين: الأولى ، والثانية ، والأرقام من الصراع الحاليّ تبدو مختلفة إلى حدّْ ما. من مجموعة دول الكومنولث ، مات ما يزيد عن مليون شخص بسبب الحرب الأولى: واقترب العدد من 400 ألف في الحرب الثانية. أيثير دهشتنا أنّنا فقدنا كثيراً من الشعراء الرائعين في خنادق الحرب العالمية الأولى؟ لا: فملايين من الرجال ذهبوا للحرب. كان بعضهم شعراء ، ولقوا حتفَهم مع البقية.

كلُّ موتْ فظيعّ مثلَ موتْ آخر: وأنْ يُزْهَقَ عدد أقلُ من الأرواح لا يجعل الوفيات [عددَ الموتى] "أفضل" أو يمكن لأيّ منا أنْ يحتمَلَه. ما يزال كثيرّ ممن يقرؤون هذا محظوظين من ناحية أنهم لن يرسلوا أحبَّةً لهم إلى الحرب. مًنْ خمسْ وسبعين مضت ، قبل خمسة وتسعين عاماً ، أيّ مًن أناس كزوجي ، زميلتي ، صديقتي لم يذهب للخدمة جندياً؟ الأشياء مختلفة في الوقت الحاضر ـ على الأقل بالنسبة للذين يمتازون بنعمة السلام. لكنْ بالنظر حول العالَم ، سنجد أنّ هذا الامتياز نادر.

الشعر شكلّ فنيّ ذو ديمومة ، وهو قادرّ على أنْ يُحْمَل في القلب وأنْ يُنْقَلَ من الفم إلى الأذُن عندما يكون توفر الورق شاقاً ونَشْرُهُ [بَثُّهُ] إلكترونياً صعباً ، سواء أكان ذلك خارجاً على القانون أم أمراً قاتلاً. لكنْ متى يكون شعر الحرب ليس شعر حربْ؟ تحرص الشاعرة البريطانية سارة ماغواير ، وهي مديرة مركز ترجمة الشعر منذ عام 2004 ، على ملاحظة أنّ أولئك الذين يعيشون في مناطق الصراع يروْنَ مغزىً أكبر في الكتابة عما نسلًّمُ به على اعتباره حياة عادية. "الذين يعيشون في الغرب ينسَوْنَ مدى أهمية أنْ يعيش المرء في وضع كمثل هذا ليكتب عن أشياء بسيطة كالحُبًّ والعائلة. إنه من الحقّ الابتهاج في خضم المجازر والرعب. يمكن لقصيدة غنائية أنْ تكون شكلاً هاماً من اشكال توكيد الذات." كما إنها تؤكد أنّ الشًّعر في المجتمعات غير الغربية ليس مهمشاً كما هو في المجتمعات الغربية. وقالت إنّ السفر في المملكة المتحدة بصحبة الشاعر الصومالي محمد هاشي داماك ، كما فعلتْ عام 2005 ، كان بمثابة السفر مع واحد من نجوم الروك: فأينما ذهبَ كان يتجمهر حوله الصموماليون من جميع الأعمار. واللغة الصومالية لم تكن لغةً مكتوبة حتى عام 1972 ـ وربما لهذا السبب فإنّ الشعر الصوماليّ حيّّ ، وجزء هام من الثقافة على نحو ليس موجوداً هنا [في الغرب].

سعدي يوسف يقول لي بشكل صريح إنّ التعبير المباشر عن الصراع غالباً ما يكون مستحيلاً بالنسبة للشعراء. تسمية العراق الراهن "مكاناً مروّعاً" ، يقول سعدي يوسف: "من الصعب الكتابة بحرية على نحو دائم. هنالك دوماً نوع من الرقابة ـ حتى من دون قوانين. ويشق على الشعراء أنْ يكتبوا. الناس يقرؤون ما بين السطور. من المستحيل خداعهم. حاولتُ التحايل على هذا الأمر طوا حياتي: لكنّ على المرء أنْ يُضَحّي بأشياء كثيرة ، لتعرًّض نفْسَك للخطر. لقد غادرتُ كثيراً من البلاد حتى أظل حراً."

كان صمتّ قصيرّ في حوارنا ، توقف من أجل شيء يتعدى التقاط النّفَس. "إنه لعملّ صعبّ أنْ يكون المرء شاعراً ،"يقول سعدي. أنْ تكون فناناً في أيّ مجال هو أمر شاق. غير أنّ الشعراء في مناطق الصراع يواجهون عقبات بالكاد يستطيع معظمنا الشروع في تخيلها: ما عدا من خلال القوة الكامنة في عملهم الخاص.

ظهرت هذه المقالة على موقع التايمز اللندية بعنوان "شعراء الحرب الحقيقيون" ، وكان ذلك بتارخ 8 ـ 8 ـ 2009