سعدي يوسف طباعة

بيار أبي صعب

معظم قصائد الديوان الجديد قرأناها هنا أو هناك، في موقع «كيكا» مثلاً. لكن الاحساس بأنها أليفة، له على الأرجح أسباب أخرى. وحين نعود إليها متجاورة في كتاب («قصائد الحديقة العامة»، منشورات الجمل)، نتيقّن أكثر من تلك الإلفة، نروح نبحث عن سرّها. إنّه شعر التيه، تيهنا، بلغة مصفّاة كما قهرنا. شعر وجوديّ وحميم، سياسي (نعم سياسي!) وعبثي، متْعويّ ويائس (هناك من سيذكّرنا أنهما غالباً وجهان لعملة واحدة، منذ أبي نؤاس وحتّى الماركي دو ساد). شعر يلقي نظرة مراهقة ورقيقة، متعبة ومريرة، على الناس والأشياء والمدن. شعر وقوده الذاكرة المتاجّجة أيضاً، الأدبيّة والشخصيّة، الفرديّة والجماعيّة... شعر مسرحه العالم، كما هي الحال لدى سعدي منذ التسعينيات على الأقلّ. والجزء السادس من «الأعمال الشعريّة» (عن الدار نفسها)، يأتي بمجموعاته الست ليذكرنا بذلك: إنّها قصائد الألفيّة الجديدة.

بغداد داستها «البرابرة»، وانحسر الأمل الأخير بمصالحة مع الذات. الأصدقاء يرحلون، و«العواصم تتداعى»، والشيوعي الأخير أضاع طريق البصرة (لم يبق له إلا «الجنّة»)، أوليس أضاع الطريق إلى إيثاكا. سعدي انغلق عليه المنفى اللندني. فلم يبق سوى التسكّع على قارعة الكوكب. استحضار الندمان. مهادنة الوقت في «البار الايرلندي»...
الأحلام لم تفقد شيئاً من صفائها. هناك الحنين أيضاً. الندم على أعمار ومواطن ومدن. وذلك «الرف في غرفة الفندق»، في قصيدة مهداة إلى جليل حيدر. إنها يوميّات المنفيّ المضيء: «... بعد غدٍ/ سوف أمضي إلى الساحةِ/ الراية الفوضويّةُ لي.../ سوف أرفعها، عالياً، في مهبّ الرياح!». لا شكّ في أن سعدي التقى هناك صديقي ليو فيري.