فان كوخ وسعدي يوسف، خارقية العملية الإبداعية |
مثنى حميد مجيد التأمل في ملامح سعدي يوسف وسحنته السمراء يفضي ، للوهلة الأولى ، إلى الشعور أنها ملامح نموذجية شائعة لفلاح من جنوب العراق. ولكن عند إمعان النظر في الصورة ، صورة سعدي يوسف ، بتجريدها من الجغرافية المحلية ووضعها في سياقها الكوني كمفردة بيوغرافية من ظاهرته الحياتية والشعرية ومدرسته الإبداعية الصورية نتذكر في الحال وتبرق أمام ناظرنا صورة رائد الصوريين الأقدم وممهد الإنطباعية الجديدة فان كوخ .يجتمع الإثنان في ظاهرة ستاتيكية فريدة متعددة الأبعاد والأوجه ككائنين عاديين وكمبدعين لهما تأثيرهما وزخمهما في تاريخ الفن والأدب.ولنبدأ بالبعد الفزيولوجي أولآ الذي هو بمثابة هيكل عظمي أو عمود لا تنتصب بدونه أي خيمة فينومينولوجية حقيقية.كلاهما يمتلك شكلآ مقاربآ للجمجمة. رأس طويل مضغوط من الجانبين وجبهة عريضة لكليهما مع أنف يميل إلى الطول يبدو مقوسآ قليلآ إلى الأسفل.حنك ضيق بارز العظام وضاغط من جهة الخدين على الأسنان مع فك مستدق وذقن قصير متحدر بإتجاه الرقبة.هذا التشابه الفزيولوجي الجمالي الذي يقارب التطابق أحيانآ يشمل أيضآ الصدغين البارزين والحاجبين وشكل العينين الزورقي وإن إختلفا في اللون وبدا القلق واضحآ في عيني فان كوخ الأكثر سعة قليلآ من عيني سعدي يوسف المسترخيتين . ولد فنسنت فان كوخ عام 1853 في الأراضي المنخفضة المعروفة بهولندا في قرية من مقاطعة زوندرت الجنوبية ، ومثله أيضآ سعدي يوسف المولود عام 1934 في منطقة ريفية من السهل الرسوبي المنخفض جنوب العراق .بدأ الإثنان حياتهما مدرسين عقائديين فان كوخ مدرسآ منتدبآ من الكنيسة للوعظ بين عمال المناجم ، وسعدي يوسف مدرسآ مبشرآ بالشيوعية وكلاهما فصل من وظيفته لنشاطه العقائدي وإنحيازه إلى العمال والفقراء.بعد ذلك تحول الإثنان تدريجيآ فان كوخ إلى الرسم وسعدي يوسف إلى الشعر كهم رئيسي في حياتهما لكنهما لم يخضعا عملهما الإبداعي إلى متطلبات كسب العيش أو تحقيق الرفاه الشخصي .وبذلك فهما يجتمعان أيضآ في معاناتهما الوجودية المشتركة في التعامل مع العملية الإبداعية كقيمة حياتية عليا ذات قدسية تنأى عن الخضوع لمتطبات الحياة اليومية وطرائق العيش والرفاهية الشخصية الزائلة. لقد واجها معاناة متقاربة من صعوبات المعيشة وحياة الفقر والعوز والترحال والهجرة . هذا التحول من العقائدية الملتزمة ذات البعد الديني الإنساني إلى الفن عند فان كوخ إتسم بأبعاد إجتماعية ونفسية حادة وسريعة في تأثيراتها على شخصية الرسام وعمله الفني ، بسبب حياته القصيرة التي ختمها بالإنتحار والتي إمتدت 37 عامآ ، 1853 ـ 1890 .ولذلك أصبح من السهل متابعة الظاهرة الحياتية للفنان بكل تفاصيلها تقريبآ وصياغة الأحكام والاراء بشأنه خاصة وأن ما خلفه لنا هو لوحات فنية رسمها بعفوية مفعمة بالوضوح والشفافية عاكسآ في ألوانها وظلالها وإضاءاتها وضربات ريشته العبقرية المتمردة والمرهفة في مساحاتها دقائق وتفاصيل عالمه الداخلي بقلقه وفرحه وكاباته وشطحاته العقلية والنفسية. لكن الأمر مع سعدي يوسف، وطبقآ للمعلومة اليسيرة المتوفرة عنه ، يختلف كثيرآ نظرآ للإمتداد الفسيح لوجوده الزمانمكاني والبايلوجي الذي يعادل في هذه السنة بالذات 2008 حياتين متكررتين لفان كوخ 37+37=74وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالعمر الفينومينولوجي لسعدي يوسف والذي يمكننا في الحقيقة من دراسة الظاهرة ككل بغض النظر عن الإمتداد العمري التقليدي للشاعر.وما يزيد صعوبة رصد أوجه المقارنة ، اضافة إلى قلة المعلومات المتوفرة عن حياة سعدي يوسف ، إن الكلمة لا ضربة الفرشاة هي أداة عمله الإبداعي.هذا العمل الإبداعي عند سعدي يوسف هو الاخر يتسم بالغزارة اللغوية التي لا تمنح القاريء شفافية الرؤية والتلقي المباشر الذي تمنحه الصورة المرسومة كما هي الحال مع فان كوخ.إننا في الحقيقة نحتاج إلى زمن أكثر رحابة لإعادة قراءة سعدي يوسف وإجراء تصنيف بنيوي جمالي لقصائده شامل ودقيق يمكن القارئ أن يقرأ سعدي يوسف من خلال ألوان وضربات فرشاة وشخوص فان كوخ أو بالعكس ، إن صح التعبير ، رؤية ومشاهدة لوحات فان كوخ عبر قصائد سعدي يوسف وصوره الفنية الحسية ومناخاته الشعرية.مع ذلك يمكن أن نرصد بعض المعطيات المباشرة والمدهشة في عملهما الإبداعي التي تساعد في استنباط القاسم الظاهراتي المشترك بينهما نشير من بينها خاصة إلى لوحات الكنيسة لفان كوخ وقصيدة البرج لسعدي يوسف .1 إن الكنيسة والبرج هما بمثابة القبلة العقائدية ، النقطة المركزية التي دارت حولها الظاهرة الحياتية للفنان والشاعر.وكنيسة فان كوخ ، وهي كبرج سعدي يوسف مائلة في اللوحة إلى اليسار قليلآ ، ليست كنيسة تقليدية على الإطلاق بل تبدو كالمهجورة أو العتيدة في قدمها وأسرارها كبرج سعدي يوسف العقائدي الوجودي في جماله وشموخه وصمته الأبدي ، المستقل عن وعينا الموضوعي ، والغريب والبعيد كل البعد عن ابتذالات عالم السياسة ـ لاحظ مثلآ من بين لوحات الكنيسة لوحة ساحة الكنيسة في الريف وبرجها القديم 1885. "كلما ضقت بالسهل، واجهني عاليا.. لكن من السذاجة القول أن كل قصيدة لسعدي يوسف هي بمثابة لوحة لفان كوخ فمثل هذا التصور الميكانيكي للعلاقة بين أجناس الإبداع لن يكون فقط تجاوزآ على مهمة النقد الجمالية في تشخيص القيم الإبداعية للفنان والشاعر بل يفقدنا تلمس ومتابعة الخيط الرفيع وغير المرئي لظاهرتهما الحياتية والوجودية المشتركة. إن العديد من قصائد سعدي يوسف في نتاجه الشعري الغزير يمكن إعتبارها بمثابة ، سكيتجات ، وتمارين لقصائد رئيسية.من جانب اخر ينبغي توخي الإبتعاد عن أوهام الفكر الديني الفلكلوري عن التقمص في رصد الظاهرة بل تيسير الأدلة العلمية بشأنها قبل إضفاء أي لمسة فلسفية على معانيها .بكلمة بسيطة ، أن نبحث أولآ عن سعدي يوسف في فان كوخ وفان كوخ في سعدي يوسف بكل الطرائق التي يتيحها البحث العلمي وتوفرها الملاحظة الجدلية المجردة.إن هناك بونآ شاسعآ بين الإيمان بالخرافة والإستدلال بها ومن خلالها إلى حقيقة منطقية فالخرافة ، رغم أنها خرافة ، واقعة ضمن وجودنا المادي الموضوعي ولذلك قد تكون فاصلة غير مرئية نهملها عند الربط بين معطيين علميين أوأكثر. المنسي ، والمهمل ، والمسكوت عنه .2 لقد كان فان كوخ متميزآ جدآ في وعيه الحاد للطبقات ومتفردآ بين معاصريه من الإنطباعيين في إنحيازه إلى المعدمين واستخدم لأول مرة في الفن التشكيلي، كسعدي يوسف في الشعر العربي ، مفردات الحياة اليومية فصور في لوحاته الفلاحين والحرفيين وبسطاء الناس والمهملين والسجناء والأشياء المهملة لكن ذات الدلالة والمعنى كالقبعات التالفة والأردية الممزقة وأحذية المزارعين الفقراء المستهلكة المرمية كشاهد يدين الظلم الإجتماعي الذي لحق بهم.هذا الوعي المتفرد كان ما يميز فان كوخ عن معاصرية ويوصل فنه إلى مستوى أكثر المدارس حداثة في عصرنا وهو ذاته يشكل بؤرة من بؤر الإنارة في هذه المقارنة. لقد رسم فان كوخ في لوحاته المزارع والحقول والإمتدادات المكانية والأشجار بغصونها وجذورها المتفرعة والمتشابكة على توالي الفصول ، ورسم البرك والأعشاب والأزهار والأنهار والقناطر والبحر والطيور وقوارب الصيادين والمقاهي والشوارع والعابرين والأكواخ والحانات والسجون وغرف الفنادق والساحات والطبيعة الصامتة ومثله ، وبإسلوب إنطباعي تشكيلي ، كتب سعدي يوسف أغلب قصائده وبألوان وظلال وانعكاسات ضوئية مشابهة ولا نلمس الفرق إلا في أولوية الألوان الأصفر، الأزرق ،الأحمر على التوالي عند فان كوخ في حين تختلف هذه الأولوية عند سعدي يوسف وهو نتاج إختلاف البيئة والطبيعة والثقافة والتجربة الحياتية. لقد وصف سعدي يوسف هدفه العميق من إنطلاقته الشعرية بكلمات قليلة كأنها منطوقة بلسان فان كوخ نفسه ـ لأتحدث عن الإنسان البسيط في حياته اليومية ، لأتابع المنسي ، والمهمل ، والمسكوت عنه ، لأكن بسيطآ ـ من مقابلة معه ، موقع الشاعر .وقال أيضآ عن إهتمامه بالفن التشكيلي ـ أنا أهتم اهتمامآ كبيرآ بالفن التشكيلي ، وصديقتي اندريانا رسامة.وأنا أتردد على معارض كثيرة برفقتها ، ونتناقش حول قضايا تفاصيل اللوحة وتوزيع الألوان ودلالاتها ..الخ.الفن التشكيلي له تجليات عدة في شعري ، بالإضافة إلى الموسيقى ـ.من مقابلة معه ، موقع الشاعر. الأسماك .3 منذ أيام ، وهذي الريح ما تنفك تأتيني من البحر هذه القصيدة التي تصف البحر، وقصائد عديدة أخرى عن البحر، تعكس مناخات مشابهة لتلك التي نستشعرها في لوحات فان كوخ العديدة التي صور بها البحر وقوارب الصيادين وتفاصيل حياتهم.كما نلحظ تكرر مفردة السمك في شعر سعدي يوسف إلى درجة ظهورها كمفردة في عنواني قصيدتين إحداهما قديمة والأخرى حديثة في ديوان صدر مؤخرآ بإسم أغنيــةُ صيّادِ السمك .وقد صور فان كوخ أيضآ الأسماك في بعض لوحاته عن الطبيعة الصامتة .وفي إحدى هذه اللوحات تظهر سمكتان الأولى مقلوبة بإتجاه السماء ، ميتة ، في حين تبدو الأخرى بشكلها الطبيعي وكأنها حية.وقد تكون إشارة من العقل الباطن للفنان إلى أخيه فنسنت الذي توفي رضيعآ فحمل فان كوخ نفس الإسم . أيان تطل الشمس ؟ وتتخذ السمكتان في لوحة فان كوخ اللون البرتقالي الفاتح والمضاء بلطخات بيضاء في خلفية تغلب عليها الألوان المعتمة مما يقرب دلالة الرمز لدى كل منهما ، ويبدو من قصيدة الشاعر أن السمكة هي إشارة إلى ذات الشاعر نفسه ، إلى عقله الباطن ، إلى عمله الإبداعي ، واستنتاجآ ، هي إشارة ضمنية إلى الحرف الأول من إسمه ـ سعدي ـ وكذلك لإسم الفنان فان كوخ ـ فنسنت ـ إذ إن الكلمة التي تشير إلى السمكة في اللغات الهندوأوربية تبدأ بالصوت أف في الإنكلبزية fish وتبدو أسماك سعدي يوسف أكثر حياة وشفافية من أسماك فان كوخ المقددة والمجففة والمعروضة ضمن الأواني والفاكهة والأشياء الجامدة محاطة بخلفيات معتمة وهو ما يمكن تفسيرة وربطه بطبيعة النوازع العاطفية والجنسية لكل منهما ومردود تلك العلاقة في تجليات العملية الإبداعية وتحولاتها على امتداد المراحل العمرية لكل منهما .تقترن أسماك سعدي يوسف بالإغراء والجاذبية وتظهر حيث تكون هناك جميلات يبادلهن الحب ولنقرأ أنا وأنت... ونقرأ أيضآ في قصيدة تحت عنوان ، البستان، مشبعة بالصور والألوان والأنفاس الحسية الفانكوخية نفرش أنفسنا عند النهر
غير أن الإسم الرمز يتخذ معان أخرى في شعر سعدي يوسف إذ تظهر السمكة أحيانآ بشكل كوسج قاتل للبشر والأسماك الصغيرة معآ ، ليجسد وبثنائية جدلية الصراع القديم بين الشر الغاشم المتمثل برعونة وقسوة الكوسج ، الخنزير الوحشي ، وبين الحق المعمد بالصبر المتمثل بعبد الحسن بن مبارك ورفاقه من الصيادين البسطاء المجهولين وعبد الحسن بن مبارك إذ يتقدمنا عريان إلى الماء ، إن البلطة التي قتلت عبد الحسن بن مبارك عند سعدي يوسف هي ذاتها البلطة التي قطعت أذن فان كوخ بغض النظر عما إذا كانت هذه البلطة تنسب للكوسج أو لسعدي ، لغوغان أو فان كوخ نفسه ، وغوغان هو رائد المدرسة الوحشية وزميل فان كوخ الذي كان يشاركه السكن في أرلي جنوب فرنسا .ويشير تحقيق الشرطة إلى إحتمال كونه هو الذي قام بقطع أرنبة أذن فان كوخ بسبب فورة غضب اعترته ناتجة عن تهجم الأخير المستمر عليه .الرموز تتداخل بشكل جدلي وتتبادل المعاني فالطائرة في الهواء هي كالكوسج في الماء وهي ذاتها رأس المال المتاجر بالإبداع الذي نأى فان كوخ بنفسه عنه في حين كان غوغان، الأكثر عقلانية من فان كوخ ، أو عبد الحسن بن مبارك ومعه الفتيان ، يخوضون قريبآ من بلطته القاتلة لجهلهم بمعنى ع.ر.ا.ق الذي يبدو في القصيدة الكون بأسرة.أن البلطة في الحالتين هي الرمز الواقعي الذي يعكس الدمار الذاتي الناتج عن التكريس الكامل للعملية الإبداعية غير المتكافئة مع شروط الحياة الصعبة ، هذا التناقض بين جذوة الخلق الفني وبين رتابة الحياة اليومية وبرودة العالم.وكلاهما بلطة فان كوخ وبلطة سعدي يوسف تؤرخان لمرحلة يمكن القول عنها أنها مرحلة ذروة التوهج ، الأكثر ألمآ ومكابدة وجنوحآ وحرارة ، لكنها في حالة فان كوخ تغلق بقوة إرادة الشاعر التي أغرته بالإنتحار بينما هي مشرعة الباب ومفتوحة على مدى سنوات طويلة مترهلة في حالة سعدي يوسف بسبب قناعة الركون عنده لعبثية الوجود. ونلحظ أيضآ في القصيدة الوحدة العضوية بين ذات الشاعر وموضوعة الصياد والرموز الأخرى فالشاعر هو ذاته الصياد الذي يخوض مع الاخرين في الماء ،وحراشف السمك هي حراشف الفتيان التي بها يتحسسون أجساد السمك ، هذا التداخل الجدلي في حزمة الرموز يتحول إلى فصام حقيقي ومأساوي في أغنيــةُ صيّادِ السمك ، وبدلآ من المواجهة الطبقية الدامية المكشوفة تحت الشمس نلحظ في هذه القصيدة أثار معركة قديمة وغامضة ومقبرة ليلية لجنود جيش إسترالي لا تفصح عنه القصيدة.إن شخصية صياد السمك في هذه القصيدة أشبه بتركيبة عبقرية متداخلة من شخصيتي الملك الصياد لتي. أس. إليوت في قصيدة الأرض الخراب وشخصية العجوز سانتياغو في رواية ، الشيخ والبحر ، لأرنست همنغواي.هي حقآ مزيج من اليأس والتفاؤل ، السلب والإيجاب ، الحزن والفرح ، والقصيدة ، في إعتقادي ، واحدة من أعظم ما كتب الشاعر. السجن .4 لقد إنتهى سعدي يوسف إلى ذات المنفى الذي وجد فيه فان كوخ نفسه قبيل انتحاره ، منفى الذات .خرج من سجنه المادي في مقتبل شبابه ليدخل سجنه الروحي في شيخوخته ، والصياد تحول من رجل ماهر تنقاد لإغراء رجولته الأسماك ويخوض في المياه الصعبة التي يصارع فيها الأبطال من البسطاء الكواسج من الأسماك القاتلة إلى رجل يبدو العقم واضحآ عليه وهو يقف في موقف المتطلع البطر إلى صياد إفتراضي يتمنى أن يصطاد له وهو في وحشة المنفى، السجن ، سمكة ذهبية من نوع ـ البني ـ العراقي يداوي بها جروحه الغائرة.جميل ! لكن، ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. كان السجن مكتظآ إذن ، فقد دخل فان كوخ ذات السجن الذي كان يتطلع إليه في حياته الإفتراضية الأولى يوم كان واعظآ وسجين رؤياه المسيحية المشكوك بها ، والتي تمرد عليها فيما بعد ، ليدخل السجن فعلآ وحقيقة في شخص سعدي يوسف في عنفوان شبابه الشيوعي المتمرد ولينتهي في شيخوخته إلى ذات الإنطلاقة اللاهوتية التي بدأ بها فان كوخ ، لكنها هذه المرة تتخذ شكلآ إسلاميآ سلفيآ يحمل الكثير من الهزل والفكاهة ، فالشيخ الشرقي هنا رغم ظاهره الفيكتوري المزوق الذي يحاول به إضفاء ألوان الخصب والنماء والفحولة السلفية على أرضه الأيلة إلى اليباب التام فإن حقيقته تفصح عنها كلماته نفسها التي تنم عن عجزه ووحشته الداخلية ووهمه في إدراك أن المعرفة لا حد لها وذاك الذي قد لا نراه اليوم قد نراه غدآ بالتأكيد لماذا يرى الماءَ في غيرِ صورتِهِ ؟
|