سعدي يوسف في خطوته الخامسة: ذاكرة الحديد والجُدران الرّطبة طباعة

قيس مجيد المولى
الكتاب: الخطوة الخامسة
المؤلف: سعدي يوسف
الناشر: دار المدى
الطبعة: الأولى ــ دمشق
ما انفكت تجربةُ الشاعر سعدي يوسف الشخصية تطاردُ ذاكرته الشعرية وهو في كل خطوةٍ يحاول إقامة مناطق احتكاك بينهما مع مجموعة المؤثرات التي تتداخل صورها ضمن ذلك الامتداد وتؤثر فيه للارتقاء بمحفزات اللغة في حدود تطورها النوعي وتحولاتها ضمن البناء والقدرة علي ضبط خطوات العودة بالذاكرة إلى الوراء كي لا يكون التجول مع الأحداث والوقائع تجولا مكشوفاً وإنما تجولا استكشافياً يقوم علي أساس اقتناص المشهد الملون ذي الإضاءة العالية والمتدفق من ضبط

سرعة المتحسسات بعد الشد والجذب الذي تتعرض له مناطق الموجودات الخفية والمتراكمة في قدراتها وفق شاعرية تتنقل لكساء أمكنتها في ممرات الذهن وممرات الذاكرة علي مستويين مستوي الإذابة ومستوي الإحلال ما بين المتكون من الموروثات ومابين المستحدث من العلائق الشمولية التي تكون جوهر الصراع النفسي لمعالجة درجات الانسجام ودرجات التحول الصوتي والتذوقي والسمعي ليكون مستوي التحسس معلوماً إزاء المشهد العام للنص الشعري والذي لا يعني المشهد لدية بأنهُ مساحة مقدرة لتوزيع تبعات المشاهد الشعرية ذات الأطر المتنافرة في الاستخدام والمتوالفة في قصد المعني، فقصائدهُ هنا ترتفع بجديتها للإيفاء بمتطلبات الغرض علي مستوى أجنتها الجمالية والتي تعكسها صياغة المخاطب البعيد (التفاصيل ومحتوياتها الرمزية ) والمخاطب الآني (لحظة الاكتشاف) ومتطلبات الخروج من الاعتياد بقوة ضغط المخيلة للحدث القادم:
أيّ لونٍ أرى..؟
أيُ مسطَرةٍ للتَدَرُجِ.. أرقي بها أو أتابعها
أي ثلجٍ أُلامِسَهُ؟
أي ملحٍ أذوق؟
......
......
سوفَ أغمضُ عيني وأفتَحَها:
أيها العشبُ
أيها العشبُ
يا أيها العشبُ
كُن ثابتاً يا حليفي... ثَبات السراب
إن قصائد سعدي يوسف في هذه المجموعة الشعرية لا يخيفها عاملا الزمان والمكان لأنه يثبت الزمن علي القدرات الحركية للمكان وهذا الاسترخاء الزمكاني قد تجاوز به الشاعر اللقطة الجاهزة ذات المتناول المقبول إلى اللقطة التي تُخلق من أكثر من متضاد وليس ذلك التضاد بالتضاد المصطنع على أساس تغليب حجم قوة المفردة داخل انسيابية الجملة الشعرية فأي قدر من الاستخدام لدية مشحونٌ بكمٍ من استعدادات المخيلة لإيجاد الملائم متبوعاً بصحبة البدائل ذات التماس المباشر مع المتوهج الشعري وضمن عمليات ذاته الفاحصة للوصول إلى بعده غير المرئي من نقطة البعد المألوفة وهنا يظهر شكلٌ من أشكال البعد الموسيقي تكون الصور الدالة إيقاعاتها وليس تأثير قوة المفردة في نهايات الجملة الشعرية لذلك فإن مدى النص مفتوحٌ بشكل تتابعي لترتبط كلياته بجزئياته وبذلك تظهر الشراكة الدالة مابين جُزئي المعني وكلياته وأساسها يقوم على حرية الفتح وحرية الإغلاق عندما تبدأ المشاعر والأحاسيس وقوي انفعالية أخري عندما يبدأ دورها في تعزيز وجودها الجمالي الذي رسمه لها الشاعر ومن خلال ذلك يمكن احتساب القيمة الأولية لتلك الموجودات التي أشرنا إليها وهي خارج خيارات الاستخدام علي إنها ضمن المجال العيني الهلامي تتشكل بذاتها وفق قياس اللحظة المطلوبة وتوالدها والحاجة إليها وتأثير العاطفة بها وبذلك تبدو كمهارات قد أعطيت لها براءتها فيما تريد لتبدو هي الأخرى غير قابلة للتحديد وغير قابلة للاشتراط ولن تصاب بتشويش الرغبة في إمتداداتها أو تقطيعها فالبناء متواصل والنهايات ما زالت فيها بدايات مرئية لأن النسق التخيلي يقع ضمن النطاق الخاص الذي يدار من قبل المجسات التي تسعى لخلق أثرٍ في المسافات المتوالية عبر ذلك البعد بعد النهايات المحتملة التي يراها ولوجاً إلى الهاوية:
ترحلُ الريحُ أيضاً
ويرحلُ عن شجر الساحةِ. المطرُ الناعم
الليلُ لن ينتهي. هو لم يبدأ. الليلُ لم يبدأ
الليلُ حقٌ كما الموتُ حق. كما الله
أنت هو المتر حل. أنت الذي لم يجد عبر كل المفازات
إلا مصاطبَ في قريةٍ وهي حجتكَ اليومَ..
قُل لي إذن
ما أوان الرحيل
إلى الهاوية ؟
لقد غزت الاستفهامات الحقائقَ عن أبديات الأسئلة التي ما بلغت الإنتهاء في تلك المداولة المفتوحة ما بين سعدي يوسف ونقائضهِ المشتركة في مكونات الكون وبينه وبين مدن وموسيقي وأحلام ما زالت لم توفر له البديل من غرفة النوم التي تعلو على شجر الحديقة:
كنتُ أسمعُ قرص موسيقى
لقد كان الصباحُ مبطناً بالماء
مُخضراً وسرّياً
وكنتُ أرى الرذاذ ولا أرى
وأحسُ بالبرد الحفيف..ولا أحس
كأن طيراً يختفي. مترنحاً في الأفق
سوفَ أُتابِعُ الإصغاء
ملتَحِفاً بجلدي
أو أُحاوِلُ أن أقول