قريبا من سعدي يوسف طباعة

خضير ميري
ضمتنا جلسة ذات غربة متفرقة، متعددة ،من مناف بعيدة، غربة تلاقفتها المسافات إيغالا في البعد المنفوي الراكض،و الهارب،و الكئيب لتحط رحالها في القاهرة الآمنة ،المسالمة ،حيث يأتي سعدي يوسف من منفاه اللندني، ليوقع كتابه الجديد (صياد السمك وقصائد نيويورك )،الصادر عن دار آفاق المصرية،والذي يضم مجموعتين شعريتين في كتاب واحد ،وقد تمت احتفالية توقيعه على قاعة تشكيلية متواضعة ،كائنة فوق مبنى قديم في شارع طلعت حرب فوق راس مكتبة مدبولي الشهيرة الذائعة الصيت.

 وجوه عربية ومصرية وعراقية حضرت احتفالية التوقيع ،وهي تشق طريقها بالرغم من المطر الذي راح يرشق صياد السمك بدموعه الغزيرة عرفانا بالجميل ربما لهذا الشاعر الذي تستطيع أن تختلف معه، وتنشق على طاعته ،ولكنك لا تستطيع أن تكرهه بجدية ،أو تحقد عليه فهو شاعر عراقي رغم أنوفنا، يأخذه همه العراقي إلى حد لعنة العراق الذي أنجبه رغم انفه،ونفث تمر الشعر فيه وكان ومازال لا يرغب بالطغيان والظلم .
سعدي يوسف غير مسالم في آرائه، هذا صحيح. تلتبس عليه بعض الأمور ويفوته منها الكثير، ولكنه لا يذكر أصدقاءه بسوء، هو بالطبع كما رايته وحاورته عن قرب ما زال يمشي وحيدا ويعد نفسه مقاتلا غير متقاعد عن الاصطفاف ضد الدكتاتورية من قبل والاحتلال اليوم ،وكان حين ضمتنا ساعات طوال ،أنا ،وجمعة اللامي ،وخالد المعالي ،وجمال جمعة في النادي اليوناني، يتذكر بارات بغداد، وخمرتها التي سفحت تحت نصال الطائفية السياسية من قبل ،والعصبيات بمختلف أشكاله  اليوم .
سعدي يوسف ،تراه صار طفلا وديعا ،ونحن نذكره بالسماء الأولى ،والأخضر بن يوسف ،وقصائد اقل صمتا .انهال عليه أنا باللوم متسائلا: لماذا تكسب الأعداء في آرائك المتسرعة العجولة؟ ولكنه يأبى أن يعترف كعادته بأي تقصير بموقفه ،أو رؤيته ،أو تصوراته ،هو يريد عراقا نظيفا من الأخطاء اللغوية والإرهابية والأيدلوجية المقيتة، تماما مثلما هي قصائده نظيفة من أخطاء الشعر وقصور موهبته وعطالة معناه ،غير مبال ببعض المواهب الصغيرة التي تجرأت عليه يوما أو ،عبثت معه ،أو راحت تدب على حافات قميصه السياسي الذي لم يعد سياسيا بما هو مطلوب.
 نعم لقد تجرأ على أن يكتب انفعالاته مرة و أخرى ،ومرتين، ولكنه لم يكتبها عن نية مبيتة لالحاق الضرر بالعراق والعراقيين من أبناء شعبه ،إنما الشعر هو طفل الكلام ،ولعبه الجاد ،مثل لعب غير مقصود .
 شعرت وأنا أتطلع إلى وجهه الأسطوري ،وانفه الذي يشبه عصفورا يريد التحليق والطيران ،وصوته الأجش الذي تأبي الكلمات أن تخرج منه بعجالة، بأنه الأب الذي مهما أساء إلى أبنائه، فانه يعرف بأنهم لن يتخلوا ا عنه أو ينالوا منه بسوء.
 شاعر أوقف الكثير من الشعراء على أقدامهم ومر من بين أنوفهم خفيف الجيوب محملا بالقصائد الكثة اليانعة التي تأبى أن تفارق نكهتها الأولى، ولكنها تريد المزيد من الخمرة والأصدقاء ،المزيد من النخيل والحب والألفة.
 شاعر كان يتناول كأسه الأخير معي حين رحل الأصدقاء، واطفئت الأضواء ،وانطلقنا نخطو في شوارع القاهرة الرحبة، الساهرة، كنا نمشي، وكأننا نريد أن ندخل بعد خطوة أو خطوتين مكانا قريبا، اسمه العراق ،وكنا نأمل ونترقب الدخول دون أن نطرق الأبواب، أو نوقظ الأعداء .
أعداء  اخذوا يتكاثرون بسحر اسود ،أو احمر ،أو نفطي، سحر لا طعم للشعر فيه ولارحمة ولا استحياء .

اخر تحديث الثلاثاء, 04 مارس/آذار 2008 13:11