سعدي يوسف في الأخضر بن يوسف طائر يوائم بين أساطير الزمكان طباعة

شاعر ألقي مراسيه في بؤر التاريخ
علاء هاشم مناف
في هذه المجموعة الشعرية ينتقل سعدي يوسف ألي مسار اكثر  مواءمةً في الكشف عن العلاقة الأسطورية للزمكان باشتعال دقيق لجدلية الرؤية وبلهب أسطوري ساخن يمزج فيه الفعل الفني ببنائية رؤيوية تتطابق مع فرز المحاكاة العليا ومعالجة تتمثل بالبراءة لعصر من الانبعاث الروحي، وفي مماثلة بالبراءة لخواص المكان يضع سعدي يوسف منعطفاً سحرياً لبطله الذي ينتمي إلى عالم البراءة المخلوق من مظهر دانتي والذي ينتمي في الوقت نفسه إلى شرفة القمر وقصة

الاحتفاظ بجدار النار الذي حرك هذه الثنائية مقهى علي (شط العرب)...
قد كنت ذّوبت المرارة في فمي مُتَمطِّقاً بالشاي...
كان النهرُ ابيضَ
ثَمَّ أشرعةٌ، ولمحُ من نوارسَ لا تُطيقُ البحَر
رامبوقال...)
كان النهُر أبيضَ
والنخيلُ هو الذي نلقاهُ في اللوحاتِ حسبُ،
أتحسبُ الدنيا مضَّيعة ً؟
أن مواسم الأزمنة التي روتها مفاهيم كانت قد تشكلت في حضور المرتكز التاريخي قنوات تامة ومفتوحة، حيث الاكتمال في انقسامية بالتقاء الماضي والحاضر والتطابق التجريبي في عقل التاريخ واستخدام العصب الروحي من مرتكزه الوسطي وكان للضعف الحتمي حالته التكوينية التي أججها الشبق النفعي الجنوني والصورة الأسطورية للرمز والحلم وبقي البطل الأسطوري يعرض التشخيص الارسطي داخل متون السرد الشعري، والفكرة هي التشخيص الدقيق للمحاكاة الثنائية للمكان والفعل التركيبي باستعارته البصرية وصيرورته الفردية، بقي الحدث التعبيري في هذه الحكاية لانه وثيق الصلة بالرؤية، والتعبير النظري كان متصلاً بسعة بصرية أضفاها سعدي يوسف علي التواصلية للحدث بمشاركة "الزمكان" المتركز في تفاصيل الحدث.
الليل ببغداد يجئ سريعاً. أسرع من صاروخ قيامتنا، أسرع حتى من صاعقة الرؤيا
ولعل البطل يعرف الانبثاق داخل هذه الانقسامية للمنظور، فهو يرجع في نظره للرؤية السائدة بوصفها اكتمالا لما ساد من تواصل تكويني في الماضي وشروعاً لتأريخ يأخذ شكل التاريخ العائق للتجريبية التاريخية، فالفعلة هي تقطيع الأوصال وتشتيت الأفكار في شروع لم يأخذ فيه تاريخ ضل وجهته بقطع الحدث المرجو دفعنا إلى حدود المنفى وحمل البطل خطواته القصوى في خطورة المنفى بأزمنة اسهم فيها في تبيان موقفه السردي المتعامد والمتعاقب داخل أصوات كانت شكلت نمطاً متناوبا لذلك المعنى من الرؤية.
لماذا ترخين ضفائرك الآبنوس علي زندي؟
ولماذا يتمشى زندك هذا العاجُ علي شفتي َّ؟
لماذا ترتعشين؟
قولي: سنسافر... قولي إن الناس يعيشون على القارات القمرية كالناس.
قولي: إن لديهم أروقة وحدائق... وسوف تهدهدني كلماتك حتى الموت.
حين يتعاقب الحس الصوتي سيكولوجياً يبدأ التناوب داخل بصيرة عقلية وبحس بلاغي متفحص من قبل تشكيل المعنى، ثم يعود بنا الي السياق الذهني في الصياغات الابداعية، والبطل الاسطوري حدد التركيب الثلاثي للابداع في الجرس والصياغات الفكرية القبلية والجانب التخييلي والتصويري وفق استعمالات تتصل بحركة التاريخ وحركة الاشياء وبانفتاحات منظورة تلتقي بالماضي وتعرج علي الحاضر بفاعلية جمعية تنبثق وفق منظورات مختلفة ومنقسمة لانها تكتمل بواقعية ومشروع مستقبلي لحركة التاريخ الاجتماعي، هنا يلأتي الخيط الرابط في المنحي المتعدد التصورات، ولد الزمكان في خاصرة الاشكال الفلسفي ومساره كان انماطاً في التعبير وفي الاشياء في مقهي" سيدوري "
في مقهيً سيدوري علي البحر:
السفائن ألقت المرساة فجراً، وهي تنتظر المسار ليلتقي البحارة الحكماء تحت سقيفة المقهى. وسيدوري تهيئ منذ أزمانٍ، موائدها، وتمشط شعرها، وتحاور المرآة...
سيدوري سمة بنائية ونزعة تكوينية سيكولوجية في مشروع العصر الإجرائي، والشاعر كونه بنسق من النواة الأكثر صرامة ونزوعاً للعلو، إنها مقهى الفعل التعييني ورابطته التي مثلت التقاء الوعي بعلامات التجسيد اللساني الساخن للبحارة، إنها تفسير نهائي لطبيعة اللقاء في أزمان مختلفة وحوارات توليفية في اللفظ وعشق سماوي يعيد مفهوم التقدير والتأمل في امتزاج انعكاسي مكون بالوعي وبإدراك للبنية الإجرائية تنعكس باللفظ لتلقي بأبخرة السفن وبتوافقية تركيبية كانت قد تمثلت بالمفارقة والمحافظة على مستوياتها المنكشفة للخطابات عند البحارة حيث تعمل هذه الخطابات علي التجاوز والتفرد بالخصوصية البنائية، لان هذا التكوين من المكان يتعدى التكريس للبنية في إطار الحدث باتجاه السيطرة للارتقاء بحركة المعني بطريقة تدلل علي الخاصية التعريفية (لمقهى سيدوري) المتماسك في أشيائه وبنائه اللغوي ومستواه الجمالي الذي يمتلك الوشيجة التحديثية علي مستوي الوحدات التكوينية للحدث، ويأتي التشكيل للماهيات بالوصف لقصب السقيفة الذي كان مظفورا مثلما تظفر لغة الشعر وحتى الإمساك بالخاصية الثنائية في خمور الجرار لان سيدوري بقيت تهيئ موائدها وتعدها لتتطابق مع هذا الإكسير من الترميز للعالم الآخر أو العالم التأملي الذي لا يكتشف إلا بالقدرة والصيرورة الواعية التي كونها هذا التطابق الروحي في هذه الثنائية في الجمال الساكن في ساقية البحارة الحكماء في الأزمنة المتناهية في فضائها التجريبي، وبقيت سيدوري هي (الزمكان) والغموض والفناء لتلك التوقفات وبقيت سيدوري تقاوم الانزلاقات نحو نزعة يوتوبية تصور الحاضر باحساساته، فاراد الشاعر أن يقرب هذا المشروع اليوتوبي (في سيدوري) وهو المشروع الحلمي في إنسانيته.
إن انكشاف الرؤية عند سعد يوسف يتمثل بالامتزاج المدرك بالرؤية الجمالية واليقظة الحامية في دور البلوغ داخل تجريبية جوهرية تسمو إلى مستوى التمثيل في خلق نغمة خاصة تجمع عملية التشابه والمشابهة في قصدية مكشوفة للمكان تحكمها استعارات للصورة الشعرية يستخدمها الشاعر لذلك الوصف الذي يثيره الانتباه وفي اجتذاب للتشابه الذي يقبل هذا الغرس حين يظهر عمق الانتماء لهذه الأرض لأنها رائحة الوجود وعبر الشيء في هذا العالم، وان الوصول إلى هذا التمثيل وفق الحس الوجودي باندحار النظام السياسي واستبداله بالحس الإنساني بعد أن تقهقر الإله ومات ولكن الشاعر لم يمت. من هنا اصبح التمرد الذي لازم الشاعر بصمت التفوق الحسي والحاجه إلى دين إنساني جديد بإعادة تشكيل التاريخ من جديد وباختلافية وجودية تناقض منطق الحياة التقليدي
انها: (العقبة)
وسعدي ألقى مراسيه في بؤر التحول التاريخي لكي يظفر بالفروض وتشكيلات الاكتمال المتمثلة بالوعي الامكاني للتاريخ، إلا أن سعدي يوسف واصل هذا التمثيل الثنائي بالانفتاح علي الاستقلال التاريخي وتوقعاته وجعل هذا الانفتاح حركة كشف لصنع الارادات وتمثلها بالحس الاستدلالي الذي يعني الفعل في حركة التاريخ بمعني تنشيط الحالة الفعلية للتاريخ بقصدية وصيرورة تؤكد حقيقة الوعي الجدلي التاريخي وفق تقريرية واقعية تتمثل بالموضوعات القائمة علي التجريبية الحسية وبأنماط واعراف بنائية تشكل مضمون هذه الواقعية كذلك تفيد التشديد الذي تمثل بالأعراف التصويرية لمرتكز المحاكاة التي افردها المعني القيمي وترابطاته النظرية التي رجحت التمثيل بالتخريجات المنظورة والمهارات المنجزة سياسيا وتاريخيا.
فالذي يعنينا من هذه المماثلة هي إشكالية الصورة وتخريجاتها في إطار حافز المعني السياسي الذي يشدد عليه الشاعر:
سوف يئنُّ لورنسُ المهشّمُ عند إحداها.
ليس في القلعةِ أحد / ليس ثمتَ حارس آثار /البحر وحده / والصيادون
تركوا زوارقهم إلى المقهى /
الشمس تغرب في ايلات / والقلعة العثمانية تسهر مرتدية أسمالها
الفاخرة / لا قذائف من مدافع قديمة /
التأريخ والبحر / سوف تكون المنارة أنيقة في كامرات السواح الذين لا يأتون / الهلالُ الجديدُ
والشاعر يتأكد من الفاعلية التاريخية، ذلك بالانفعال بالتاريخ بوجودية تفصح عن ذلك العناء السيكولوجي وحصر شروط الفعل المنجز بنظرة حسية محسومة سلفا داخل الأعم المقصود وفق منهجية منظمة لحركة التاريخ الذي يسير بالعكس داخل جبرية تأويلية تتقولب بشكل عقيم وفق نزعة توكيدية تتشكل بالفرز والتخطي للحس الثنائي عند سعدي يوسف، هذا الاحتدام التواصلي عند الشاعر يشكل منعطفا خطيرا في الوعي التاريخي من ناحية الإلزام المركزي لمنهجية العقل وخلاصاته (السيميولوجيه) داخل إشكالية دلالة المعنى وتردداته باستعادة فعل التأويل بفكرة المقولات الثنائية السارية المفعول (بالفعل التاريخي) وبزمكانية تنشد المعنى في مدي الإحالة التي تأتى وفق سياقات تحدد جدلية تلك الاستجابات التاريخية.
الضباط العثمانيون كان لهم هنا مفصل البحر والصحراء.
والمدافع الأولى التي تدفع عن طريق مكة الطويل، ما قد يقذفُ البحر ُاذاً لنهبط إلى القاع... به البحرُ
المشهد واضحٌ. واضحُ كالسينما الوثائقية، وجارح،
وحزام الرصاص
لنحمل، مثل جملين غذاء رئتينا
ولنقذف في الامواه العميقة
حيث الزرقةُ ساحل.

ملخص سيكولوجي
وفي كل هذا المنحى ينطلق سعدي يوسف من الأسس الاجتماعيه السيكولوجيه، فالموضوع عنده هو الدرس بملخص سيكولوجي وحكمه تنتقل من مرحلة التلقي إلى مرحلة التقويم الجمالي للقضيه المحورية الخاصة بصدى هذا الشعور الذي افرده الشاعر لخلاصاته السيكولوجية المؤثرة في هذه القضية المحورية التي تقوم علي منطق التقسيم النصفي للتفاحة بالقياسات السيكولوجية ليختفي بجبال الخليج هذا المفهوم التصويري الاستاتيكي يتم بوسيلة فهم للحظة سيكولوجية تقدم الكثير من صيغ ومفاهيم لا شعورية تكمن خلف حدود المعني، ويستطيع الشاعر أن يلمس قوة الفعل السيكولوجي داخل الفعل الشعري بخطوات متقدمة لفهم المعترك الجمالي للحدث ومحاولاته المتقدمة في البحث عن أسس الأحكام الجمالية وهي محاولات تضع في الحسبان الموازنة بين الربط المحكم لحركة اختفاء نصف التفاحة هادئا في الجبال وبين الكشف عن القوانين الجمالية وإحالة هذه الإشكالية إلى اعتمادات الطبيعة في الكشف عن هذا الاختفاء لنصف التفاحة في الجبال وتركه، هذا الربط لعمود النور ثم الانتقال إلى شعور آخر بأن البحر لا موج فيه وان الاتجاه ارتكن عند الشاعر سعدي يوسف إلى السماء التي أحاطت بالحدث وباللوّن وبنصف التفاحة الذي غاب، ثم ينتقل الشاعر إلى حدث آخر هو أن ارتباط كل هذه القصدية بوصفها ارتباطاً محوريا بخّياطة الحي التي بقيت تطوي علي ساعديّ ً السماء قمصانها الأرجوان، هذا الفعل الحكائي قام علي الربط المحوري الذي يقتضي التخمين لمعنى النص في نوع من الاستقلالية الدلالية وفقً صياغة للكتابة بتوافق المعنى اللفظي لخواص النص وفق إطار المعنى العقلي أو قصدية المعنى وهو يحمل الصوت الحاضر في الصورة الشعرية وقد أصابه الخرس عبر تشكيل نصف التفاحة الذي اختفي، هنا تأتى العلاقة في إطار التناسب مع الصوت الخفي في النص مع الفهم الدقيق لخاصية المعني الذي يأخذ بعده ألتا ويلي وهو يزداد قوة داخل هذه الإشكالية المحورية القائمة علي التأويل الذي خلقه الانفصال التام داخل المعني المشّفر للنص الشعري باستذكار الصورة الشعرية التي تكونت بتعالق المعني ألتا ويلي للفظ علي ضوء قصدية النص المتشكلة أصلا وفق مفهوم سيكولوجي للتأويل.
ويستدل سعدي يوسف (بالزمكان) وهو معيار يفضي إلى توقيت الخطاب الشعري ليسع للصياغة في تشكيل(الواقع والمعني) فهو يتناول الجدل الموضوعي للزمكان وقوة الإسناد في وصف المكان باستغناء عن مقولات عديدة لم تبدأ بالإسناد، هناك وحدة جدلية في اللغة والتاريخ والتذكر داخل الوحدات المتميزة في الوصف للمكان ليستغني الشاعر عن الهامشية الخطابية في الشعر. هناك ملمح إسنادي ثري يشكله سعدي يوسف من المكان ثم الإخبار عنه بالتأويل والإشارة والحسرة والفعل الارتباطي داخل هذا الاستقطاب الاسنادي الكلي لانه يحتوي القضية كلها لأنها الواقعة التي اختفت داخل هذه المفصلية من المتاهة، هذه البنائية من التواشج غابت بتلك الهامشية للواقعة المكانية، فالمكان لم يعد وجهاً للتحقق المرئي بل أصبح هماً يوضح طبيعة هذه الإشكالية في الفهم لان المكان أصبح الآصرة الدقيقة للخطاب عند سعدي يوسف، وبما أن الخطاب أصبح الآصرة بسبب هذه الواقعة، من هنا بقي المعني الخبري لم يعد إلا وصفة سابقة تضع المكان في أزمنة متعددة للهوية واصبح الإسناد الخطابي زائل بسبب التفاعل اللفظي الهجين للخطاب لأنه ابتعد عن حقيقة الواقعة المكانية وكبح المعنى وتجاوز القصدية بسبب انسلاخ الفعل المضموني للعقل وتطوره المكاني المرتبط بزمان مخصي لانه مثل المعني الهجين وهذه نتيجة جدلية للواقعة المكانية المشتتة.
دهب / شرم الشيخ / نويبع / الغردقة / الدّرة / عيذاب /
الأسماءُ تتخاطف مثل اسماك البحر الأحمر/ تتخاطف حتى تبلغ هرر ومُكلاّ حضرموت / تتخاطف حتى تتمادى... إلى صحار ومضيق هرمز /
ويعود سعدي يوسف إلى مفهوم المعني في النص والواقع الذي يفرز هذا المعني بانعكاسية اقترانية تحدد وظيفة التصور هذه من خلال حس دلالي يميز إشكالية البنية الخطابية في اللحظة اوالومضه العابرة التي واصلها الشاعر بالتعبير الكلي لهذه الواقعة الكلامية لان المعني قد انطبق بالوصف الفعلي للحدث.
فكان التحليل الذي عبر عن فعل الومضة في الرؤية فهي تنطوي علي إشكالية زمكانيه تتعلق ببنائية التصور والمجاورة للحدث الذهني الذي ألفه الشاعر بهذا الاتصال المصحوب بقوة المرور العفوي الذي يمتد من الناحية الذهنية بزمن أفقي تعنيه الرغبة في التحول من العمود إلى الأفق وبتقنية لغوية متسامية وتشخيص دقيق لجانبه الاختباري والاختياري والتدرج الاتصالي المتطابق مع المقدرة في التجديد الذهني لصياغة الحدث والومضه وفق تماسك متين لتلك الشبكة العلائقية في تشكيل لحظة الفكر كعمل أولي قبل الشروع في امتلاك قوة الفعل السيميولوجي من حيث حدوده الحسية وتفاصيله الدلالية الراسخة في التجربة والعلو المتوافقين بالمعني بعيدا عن السقوط في شباك الإنجاز الشعري الفارغ، فبقي الاتصال الذهني يتعلق بعوالم الدلالة ولحظة الارتكاز في التدرج الزمني لبناء نص يقوم علي التكوينات السيكولوجية في ومضة تكوينية معرفية يمتنها الامتداد البصري والذهني، وقد جعل سعدي يوسف الهيمنة في هذه النصوص للحس الذي توازن بالحدث الشعري والمرور السهل إلى الوجود وفق مؤشرات تزامنيه تقوم بتحقيق مستوي اعلي في التذكر والحفظ والانتخاب الدقيق للمجس الخطابي ومستوياته التمثيلية وحدوده البنائية عبر تنسيق زمني وفعلي مترابط باستبطان وقوة في التعبير وانساق مشروطة بعمليات الاتصال الذهني في الواقع التاريخي الذي كونته تلك اللحظة التي يتحدث عنها الشاعر.

مقدمة اتصالية
ما يتعلق بالتصور الملفوظ وإشكالياته الفكرية عند سعدي يوسف فهو يعد مقدمة اتصالية لاختيار هذا التدرج وفق تطابقات فكرية تلخص المقدرة والتجديد والفهم والالتحام والتماسك في تلك التوسطات لاعداد شبكة علائقية تقوم مقام ذلك النسق المتصاعد في اللحظة المتعالية، فالذي نقوله بخصوص هذا التماسك الحدسي وماهيته الحاضرة وتدرجاته الزمنية في اختيار الحدث والحديث الشعري.
هذا التأسيس المتأمل بانكشاف مستوي المقدرة الحسية للحظة اوالومضة الذهنية لأنها نسيج وانتخاب للذاكرة في حدود البنية والتحقق الخطابي، فالبحث عن علاقة هذه الومضة بالتركيبة الفكرية وبالسياق المعرفي لانه أنموذج تكويني لحضور المصدر الحسي بصيغته (الزمكانية) المرتبطة بهيمنة هذا النسق التعبيري وترابطاته بالحديقة والشوق لامرأة وبين هذا الحس القلق والمطابقة التي تسبق هذا الاستبطان وشروعه الذي يتكون بالقوة التعبيرية وبتزامنية هذا الشوق، وسعدي يوسف كان قد كون حساً اشتراطياً في القصيدة رغم وجود الخطاب المتفحص الاستنباط المرتبط بالجدلية النسقية وشروط الإمكان الذي ينصب داخل حركة الحس وسعدي حدد (الزمكان الاختياري) والصيرورة الكونية التي تكون ذلك الاختيار والموائمة من خلال التنظيم السري للغة، ثم يأتي الاتصال عند الشاعر حسب درجات التأسيس الكوني للحدس وبمنظومة لسانية تستدعي اللغة المتعالية كونها لغة لسان تلازم التموضع الحاضر في مجس الضمائر في تشكيل التجربة الحسية الدقيقة.
يشربُ النَبتُ في شرفة البيتِ شاياً من الياسمين
الصباحُ تدلي بسُلّمِهِ وتسلقَ أوراقه
وهو الآن يضْفرُ لي تاجهُ في الجبين ِ
الطريق الذي لا يؤدي ِّ، يُلَوِّحُ لي إذْ يلُوحُ
لن تَمُرَّ هنا الحافلات
إتئَّدْ
وأشرب الشايَ في شُرفةِ البيتِ
ولتتعلّمْ، ولو مرة،كيف تستقبل الطيرَ
بهذا الطراز من الكثافة تعمل الزمنية عند الشاعر في تشكيل حصة الإفراط في الحس باتصال العلو بالأخص المقترب من الحس اللغوي وتكويناته العصابية التي تلابست في الحس الكوني، والملاحظ أن سعدي يوسف في هذه الومضات حقق فعل التأمل بشروط العموم الثقافي وتجربة اللغة الجدلية المحسوسة وفق صياغات المعاني، في العلو الانطلوجي المكثف من خلال الشبكة الاسنادية للغة كان قد تفرد بها سعدي يوسف عبر استهداف للمعني وبقنوات الذات الجمعية والروح التي تجاوزت الاستفهام التواصلي وركزت على نواة الاكتشاف ومن ثم التجاوز لكل الاستفهامات المتعلقة بالأشكال اللاحقيقي.
ويعلن سعدي يوسف (حسه اللّوغوسي) كمقدمة عقلية متركبة بالاتصال للمطابقة وفق إشكالية تجريبية للمعنى من وجهة النظر المرتبطة بتحرير الفعل العقلي من التصلب، واعادته إلى قواعده الحقيقية، وضمان منطق الممارسة(للوغوس) داخل أساسيات الاتصال لفعل الحقيقة بواسطة المنظومة السيميولوجية.
دائماً في هذا الخريف الذي لا يشبهني في هذا الخريف الذي يشبهني
في هذا الخريف الذي........
أسألُ عن ورقةٍ واحدةٍ. ورقةٍ واحدةٍ، حسبُ.
لكن ماذا نفعلُ بالأغاني؟
ورقُ الحائطِ مثقلٌ بالأناشيد
أناشيد الموتى
وأناشيد ُ من يموتون....
مثقلٌ أيضا ببياض خفيَّ
يتوضح هذا الاتصال الكوني بالأشياء واللغة، وينحصر بالتوجس والحس والتفهم للفظة واتصالها الزمني، وبكثافة جمالية تأخذ بالحسبان الانعكاس الاتصالي في المعني البصري، والتجريب المحسوس والمرتبط بالحوار.
وقد حاول سعدي يوسف الإجابة عن النزعة الاتصالية باللغة الماورائية، والتسبيح بمقتضى التكوين للصورة الشعرية إزاء ما يحدث من تحول في الاستبدال بطريقة إجرائية، وهذا مبدأ أتخذه الشاعر شعوريا لتأكيد المعني اللفظي وفق حدوده التعريفية داخل كينونة هذا (المنلوغ) واقتضائه واتصاله بالماهية الشيئية وتعميم هذا التموضع داخل مقطوعة هذا السياق، واختلافاته في التشخيص المتبادل لعلاقة اللغة بالمعني التأسيسي دلاليا، وحصر المعني في المعني الاستعاري (الرمزي التاريخي)، وبنفس طريقة الدلالة الموحية لأنسجة هذا الافتراض للغة. ولكن بقي الشاعر يتحدث عن الإجابة، والاعتقاد، وربط اللفظ بالمعني.
فتاةٌ هنديةٌ
ربما كانتْ زعيمة قبيلةٍ في البيرو
قبل ثلاثة آلاف عام
دخلت غرفتي، لثلاث لحظات فقط
لكنها لم تخرج
في اللحظة التي تتميز فيها الدلالة السيميولوجية:يقيم الشاعر برهاناً متقارباً ومتعدد المعاني، ومختلف بالخصوصية الفردية بوصفه خطاباً خفياً متقارب المعاني في جدل الواقعة وفي حدودها التعريفية التي تثير التمثيل اللفظي في المحاكاة العينية. وسعدي يوسف مهد لهذا الخطاب الطويل (للارتياب)، واستطاع أن يضع له بنية تعبر البعد الزمني لتدخل في المعرفة الحسية وتختفي وفي المنظومة اللغوية للخطاب، فأصبحت الأسبقية (انطلوجية) لنتائج واقعة لا محالة داخل كل هذه الافتراضات الموضعية المرسومة زمنيا.
إننا ألان في حركة التتابع للنصوص (التزامنية) لشفرة النظام الوجودي الذي اصبح متركبا من فعل الخطاب (وتفرد المفصل اللغوي داخل زمنية الشفرة اللوغوسية) التي تفردت(بالاحتفاظ في الدلالة والمعني).
ثم بين الغصونِ، سماءُ طباشيرُ
هل أكتبُ اليومَ فيها أغاني السواد؟
المروجُ التي تكنزُ الخضرةَ اتسعت:
هل تكونُ السماءُ، إذاً، في التراب الخفيض؟
لأحداقُِنا أن تحارَ قليلا ً
وأن تسأل الآن عمّا بدا ثابتاً.....
يبدوان (استيحاش) الشاعر حول هذا الاشتراك الحسي في صحوة مفارقة أثقلت فيه التدرج التكويني في الإفصاح عن آلية للصورة، وقد تشعب هذا الإيقاع (ليستغرق) في التقنيات التناوبية في (تدخين القنَّب) و(أتنقّعَ بالشفتين) وهي صيغ تعبيرية تلخص النظرة إلى الوقائع ــ بواقعية ــ تمتلك عالما خاصا بإضفاء الحس الشعوري من الناحية التجريبية، وقيمة التمثيل الواقعي الذي يمتاز به الشاعر في وعي هذا التماسك في اللحظة، وتقديم متون الوعي الحسي بخلاصات يقظة، وانموذج مدرك لمعيارية القص الحسي، والتحول إلى التمثيل الاستبطاني، كذلك التغريبية في الحدث السيكولوجي لانه تمثيل يتخذ من الهاجس الحسي (مخرجا للنص الشعري).

النص التأملي
ان الرجع التمثيلي عند الشاعر يأتي في القص والمماثلة في الموضوع التصويري وهو يخالف قول الحافز الفارغ، والشاعر يرغب في تشكيل واقعية حسية وبتصريح يقوم علي مأخذ الحافز السيكولوجي بانكشاف العمق لمنظور الموسيقي المتمثلة بالحكائية البنائية وهي المدخل لكينونة الأصوات التي تندرج داخل نغمة متألقة تتضمن الحس التقسيمي للحدث والإيقاع بضربة تعالج خلاصات البنية الموسيقية للشعر، ويعالج سعدي يوسف في هذه الأنساق التعريفية للحس أهم أفعال الأداة الذهنية التي تكيفت لمفهوم الإدراك والذات التي تعرف حقيقة وعي اختصار اللفظة والحكاية حيث يتم رسمها عقلياً وبحس اكثر دقة في السببية التعبيرية للإرادة، هناك استعارات بصرية تربط وحدة مركزية وحدة الحدث وتبدو الموسيقي في ذهن سعدي يوسف اكثر حيزاً في تصوير مكامن (الأذن والعين) لانهما يجريان مجري واحد في جرس تشخيص ولفظ كان قد ارتبط بالمشهد الشعري وصلته تأتي بالتعاقب وبألتقاطات تتناوب في المعني والمنطق والمحاججة. صحيح أن الاختيار بالنسبة للشاعر هو ما يتعلق ببلاغة المعني المرصوف رصفاً دقيقاً لكن الرغبة التي أحدثها سعدي يوسف في جوهر هذا الحس الزخرفي يفوق إيقاع البنية اللفظية من ناحية الإقناع التداولي المعروف،فتتشكل عند الشاعر الرؤية والسكون بجمال الحركة الاقناعية في التحول ودور الأفعال التعبيرية (سيميولوجياً) يقرر الشاعر نهائية البناء اللفظي بوصفه منطق تنظيمي لخصائص متميزة في الوزن والطباق وهي تقع ضمن تفاصيل بلاغية وإنتاجية في التحكم والتنسيق والمبادرة والتأسيس والتدرج والتمثيل الذي يعد مركبّاً وإحساسا لمزيج من الرؤية يقع في إيقاع تكاملي في (القهوة التي تبرد في الشرفة) وهي نتاج بنائي من النصوص يقع داخل شعرية واختيار للصور فهو يعد موضوعاً متطورا في ثنائية الملاحم النصية من التأليف في الملاحم الحسية.
إن مفهوم العوالم الامكانية عند سعدي يوسف تستند إلى إطلاق يضرب في حكاية التعاقب النصي وانما تلخصه التوقعات من حكاية يتصل بحركة اختلافية توضح المنطق الدلالي وفق عوالم التاريخ الحسي المتركبة باختيارات تنعكس في الحكاية التي تتقدم فرضيات تصويره للحدث الحسي، و(قلعة هاملت) هي طريقة مدركة للحس في الحكاية وتصوراً يتطور بمصدرية قصدية تعالجها المداليل الملموسة بالعبور فهي معالجة لفضاءات ممكنة ومجردة ومتميزة بالجمال وهي بنية تتعلق بالمدى القائم علي التالفات والإيقاعات المتوافقة مع البيانات الدلالية والتوقعات الحسية المليئة برائحة التشكي الخضراء. ويبلغ النص في تصوراته الانطلوجية بان يتوجه الشاعر إلى الماوراء في استخدام الإمكان التحليلي ورصد تلك الانتقالات الذهنية باستخدام السياقات والعوالم التي تصور البنية التاويلية للحس الجمالي بصادره الملتبسة في غاية من التناهي التصويري الذي يشكل افتراض في الخيارات كاختلاف فائق في الوصف، وسعدي يوسف حاول نسج هذا المعني البنائي في (الدم، واللحظة، والقوقعة) باعتبارها استبيانات تنتقل من تصور ذهني إلى منطق دلالي حسي يتركب بالجملة الشعرية علي مستوي الجرس في استعارة للعوالم المتناهية في أشكالها التعبيرية وخيارات التصور باختلافية غاية في الوصف.(وأشباح البحارة في سفن غرقتْ في وتعبره أحذية السواح).
هنا يأتي التوافق الذي يشير إليه سعدي يوسف في المعني البنائي الذي ينطوي عليه هذا التصور في اعلي درجات الحسية الحدسية وباختلاف إمكاني يفضي إلى تقابلية في شبكة الاختيار والاستخدام الأمثل (للسيميولوجيا النصية) وهي تقوم بالتشديد علي الحلقة الاختلافية من منطق غاية في البناء الحسي الحكائي وهو يتمثل بنائيا من التفعيلات الدلالية التي تختزن التصور السيميولوجي النصي وفق إجراء يحدد المفارقة بين البني الأسلوبية واللفظ وقواعد التحليل والتأويل اللفظي الذي يرتكن إلى اللزوم في المجانسة الحكائية للقص الشعري سرديا وبعاقبية تنطوي علي إعادة للخاصيات الضرورية وبإيحاء يشتغل علي المقولات المنهجية. إن العوالم التي يمضي بها سعدي يوسف تبدأ بمركزية أبنية العلامات ثم تتحول إلى بني حسية تكوينية تعبر عن طور حياتي يتطابق مع صورة التصور الزمني وعلاقة الفرض المتعلق بالبناء الإجرائي (في ذلك النهار الممطر) وهو مستوي زمني تكويني يعبر عن جذرية تعاقبية لتاريخ منظور للذات،ويتمفصل الزمن عند سعدي يوسف في لفظتين طريتين هما (النهار والمطر) وهما الغاية الحاضرة في الزمن التكويني وصورة (الكوجيتو) الذهني واجراءاته الواعية من خلال المفارقة في التشكيل اللغوي وتمفصلات العلامات والتضامن الثنائي للحدث ودلالته التكوينية في انعكاسية نظرية في (آنا مضنىً بملائكة ينتظرون. الأشجار هي الأشجار ولكني ابحث عن ظل)فالذي يتأسس علي هذه الثنائية تفاصيل المجرى الخطابي الشعري وكما يلي:
كانتْ في الشُّرفةِ . والشمس ُ أقامتْ في ركنِ حديقتها
بيتاً تلاوينَ العشبِ، وللورق اليابسِ. لم تكن المرأةُ تنتظر
أو تنتظرُ. المرأةُ كانتْ غائبةً. أنا وحدي كنتُ أُلملمُ
صورتها، والأعضاء، وذكرى القبلةِ في زاوية المقهى
يوماً ما....

الخطاب الشعري
ويتشكل الخطاب الشعري باتصال ينتمي إلى النزعات الجوهرية داخل أنشطة ذاتية حتى يصبح (مونولوغياً) تحت رحيق الجاذبية والعودة للاستجابات التأويلية، وهنا يتكشف التكوين الزمني برفقة تستند إلى السعة الكونية وبإطار حركي يتصل بشروط التنظير الاداتي للخطاب وتمثيلا جدليا بالحسي وبمقتضى التمثيل الجوهري للصورة الشعرية وهي تصور هذه العوالم الإمكانية في البناء السياقي لمكونات هذا السرد الشعري.
ما أنبتَ هذا الأخضر في الأزرق؟ موسيقي
شمسٌ من جزرٍ ذات براكينَ. المرأةُ توشكٌ أن تتحرك،
أن تبدو، أن تتشكل ها أنا ذا ألمحُ خصلةَ شعري سبطٍ... مكتنزاً من شفةٍ سفلي.
ويتأكد هذا التخوم المتخيل من العوالم الحكائية ذات الخاصيات في الحدود الحكائية ، وسعدي يوسف مثل المعنى التأويلي وقوة الاقتران في وظيفة التحديد (من الشفة السفلي) هذا التصور المكتنز بالمضامين الذي ربط المعني بالشفرة الحكائية ثم بالصورة الشعرية بقدرة معمارية في صياغة القص السيكولوجي والعثور علي المعني هناك زمنية في عملية الاتصال وكثافة لحركة المبادلات والتي تمثلت بالانعكاس التجريبي للمعني الذي يوجد الجدل الجوهري لخلاصات المعاني المحسوسة.
موسيقي. والشُّرفةُ تغدو شرفةَ بيتٍ: طاولةٌ صغري.
كُرسيان. زُجاجةَ خمرٍ. قدحان وحّباتٍ من
مشمش إسبانيا. في زاوية الشرفةِ نبتة صبار.
تلتفتُ المرأةُ. ها نحنُ اثنان. سنسكنُ في الشرفةِ.
سوفَ تجيء الشمس إلى كأسينا. سوفَ نري اللحظةَ.
موسيقى...