سعدي يوسف طباعة

قاسم حداد

ليختلف مع سعدي من يختلف، هذا ليس شأني.

لقد أحببت هذا الشاعر منذ «قصائد مرئية» الكتاب ذو الغلاف الرصاصي الدافئ، حيث دروسي الأولى.

ومنذ مهرجان المربد القديم (1964) منذ شراك «الجبهة الوطنية» التي طرح سعدي يوسف عليها سؤاله الجارح، ذات قصيدة: «لماذا نبتني بيتاً ونسجن فيه».

لقد كان يحلم بتجاوز ذلك الطاغية، فيصاب بأكثر من طاغية، يفتكون بأحلامه. منذ ذلك الأمل الجارف الذي استغله الطغاة العرب للتنكيل بنا. أحببت شعر سعدي يوسف، مثلما كنت أعرف ما أذهب عنه، دون أن أدرك تماماً ما أذهب إليه، ذلك كان جيلنا في ستينيات القرن الماضي.

٭ ٭ ٭

لكن، أن يأتي علينا الآن زمانٌ، يتردد، (كي لا أقول يتورط) في من يدعو للرأفة (يا بشاعة التعبير) بشاعر، أي شاعر كان. ففي هذا امتهان يفتك بصاحبه. يأتي شخص يدعو إلى الرأفة، ليبدو كمن ارتكب الخطيئة، علينا أن نستجير بالشياطين لكي نتطهر مما نتدهور إليه، يأتي شخصٌ ليصوغ المبررات والأسباب التي جعلته يعلن حبه للشاعر.

٭ ٭ ٭

ليس مثل الشاعر يحق له العتب، بقسوة العاشق، على شعبه، ولعل سعدي يوسف هو أكثر شاعر عراقي يمكنه مطارحة شعبه ومعاركته، بما يروق له من أشكال العتب العنيف. هاتوا لي شاعراً سواه يحق له ذلك. حتى أن الشاعر مظفر النواب عندما وصف الجميع، بلا استثناء، بأنهم (أبناء الفعلة) كانوا يضحكون. كان سعدي عندما يذكر العراقيين، يعممهم بلا استثناء، ينفي عنهم حفظ شعرٍ له، هم الذين لم يحفظوا شيئاً من السياب أو الرصافي، وقال إنهم لو حفظوا ذلك الشعر لما أصيبوا بالغزاة والطغاة. وفي مكان آخر وصف العراقيين بأنهم قومٌ لا ينظرون إلى السماء، ليكتشفوا تلك الزرقة الإلهية التي تصقل الأحلام. لذا فهو بالكاد يلامس مشاعر شعبه، ويشفق على الضحايا الدائمين طوال تاريخهم، ألا يحق لسعدي الشاعر الغضب وإن كان جارحاً؟

٭ ٭ ٭

لقد كان سعدي يوسف يعرف ما يتحدث عنه، كما أن الكثيرين كانوا يدركون ما يعرفه سعدي عنهم، الهؤلاء الذين يجوبون تلافيف العراق وبطحتهم على رؤوسهم، لا تروح عنهم سكرة، ولا تجيء فكرة، ولا هم يشربون من عرقهم.

سعدي، كان غاضباً من «الهؤلاء» وإذا نحن لم نفهم ونتفهم غضب الشاعر، الذي لم يتعب من بذل لحمه وعظمه سداة النضالات، كيف يحق لنا الزعم بأننا قرأنا شعره وتعلمنا من درسه وأخذنا حياته مأخذ الجد؟

٭ ٭ ٭

كتب لي أستاذي الأول عبدالحميد المحادين (عام 1962) كمن يحذرني، في أول مخطوطات تجاربي الشعرية المبكرة، بأن (الشاعر في الشرق عصفور يغرد في صخرة). وها هو الواقع العربي لا يزال يؤكد قول الأستاذ عبدالحميد.

والشاعر سعدي يوسف، اختزال غير مخلّ لواقع حياة الشاعر العربي طوال الوقت، دون أن يجرؤ أحد على الانتصار له، دون أن تفتك به ما لا يقاس من السلطات.

فعلى الشاعر ان يكون عبداً لكي (يرأف) به السادة.

 

كاتب بحريني

https://www.alquds.co.uk/%D8%B3%D8%B9%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81-2/

اخر تحديث الثلاثاء, 01 يونيو/حزيران 2021 06:34