قصر سعدي يوسف الذي بجنب قصر صدام حسين ! طباعة

وسام هاشم

الأربعاء, 13 تموز/يوليو 2011

لم أنم ليلتي جيدا, يا

ميرنا, كان الصباح قد تسلل إلى عنقك وأنا ما زلت أعب ّالبيرة. أحكمت إسدال الستار

بينما خيط رفيع من أول الشمس التف حول حلمتك.

صباح دنمركي يليق بالحقول

التي أدركته قبل الجميع. لم يكن أمامي سوى التسكع في الحديقة تلك التي لا أعرف

عنها شئ سوى أنها حديقة منزلي, العجوزان اللذان اعتدت عليهما مرّا .توقفا أمام

شجرة تماماً كما في كل صباح ..أشار أحدهما بعكازه إلى أوراقها والأغصان, تمتما ثم واصلا السير . يبدو

أنهما اكتشفا متأخرين أن رجلا ما يبلل أقدامه ندى الصباح على العشب.

_ كودمورن .. كودمرون

_ كودمورن , رددت عليهما

بصوت عال

ورحمة الله وبركاته ,

بصوت خفيض

صباح , شمس , ندى ,عصافير ,عجوزان و عكاز و

صباح الخير , يا صباح الخير

أصعد السلالم من الحديقة

إلى المنزل, احضّر قهوتي والسجائر واحضّر معهما أصدقائي.احتفال صباحي اعتدته كلما

سنحت الفرصة.أجلسهم قبالتي واحدا واحدا , أدير وجهي باتجاهه وأصافح وجهه.مرات أرى

سلمان داود يؤنبني, أعرف تماما أنه يتجمّل بالزعل .فجأة يا ميرنا , تختفين من

المنزل, كأنهم إذ يحضرون , أصدقائي, يصير اختفاؤك ملزما.

يهبط السلم ستار موزان

يبدو أنه للتو نجح في نصب فخ ما لنوري أبو رغيف, المنزل يضج بالمحتفلين و إبراهيم

البهرزي كما هو قريب من التراب دائما يعبث بأعشاب الحديقة.الدنمارك تليق بك يا

إبراهيم أكثر مما تتواءم مع روحي.

عبد العظيم يجهز مكان الشواء

بينما تلمع عيناه للبيرة الصباحية اكثر من الشاي وأصابعه النحيلة تجيد اللعب على

جمر الموقد .

أصب لنفسي القهوة ولسلمان

وأنساك يا ميرنا. المنزل الدنمركي هذا حكر لحشد العراقيين المجانيين هؤلاء.ذوّبتك

سنواتنا فاختفيت , فيزياؤك التهمتها كيمياؤنا .

المنزل الذي يشاطر

الكنيسة القديمة الشارع وكأنهما يتوليان حراسة المدينة من مدخلها الشرقي.

- هاهاهاهاهاهاههههه

هاهاها. يجلجل ستار بضحكته بينما يسارع

عبد العظيم بتفسير الضحكة تلك.

- حراس البوابة الشرقية

إذا نحن مرة أخرى .

شرق الدنمرك لا يشبه ذاك

الشرق .

لأقل الحقيقة أمامهم كما

ينبغي. لأقل أني أخطأت كثيراً.لأقل :صحيح أني لم اكتب شعرا ًفي تيجان الحرب ولم

انحدر لهاوية المديح , لكني أخطأت.

كنت خائفا, مرتبكا, غريبا

.

يدي وقلبي قويان ومرتعب.

لأقل لهم أن الحكاية كلها كما يعرفون , أن الجوع والخوف اضطراني للمضي إلى تلك الجريدة,

صحيح أنني لم أكن أقوى على الرفض. لكن أيضا ثمت وازع كان يدفعني للمضي إلى تلك

الساحة القذرة, بكل معنى الكلمة .

لأقل لهم: لست ملاكا.

سعيت أحيانا كثيرة لأكون الفخ ّالذي نصبوه لي.!

لأقل مثلا حين اختاروا

خمسة محررين لإدارة تحرير الجريدة أسبوعيا بالتوالي كنت ألهث للحصول على المنصب و

كنا أنا وعبد الزهرة زكي ومحمد تركي النصّار وسلام دوحي وأبو عشتار. ولا اعرف لم

استبعدوا هاشم حسن مثلا هذا المشاكس .

كان سباقا مرّا .. لهاثا

ً

كل ّ مساء يتولى أحدنا

إدراة تحرير الجريدة بعد أن تعرض زهير العامري المدير السابق لحادث سيارة لم تكن

الكسور التي تعرض لها ساقه هي السبب في إقصائه بل السيارة الفارهة التي تسبب في

إتلافها نهائيا جراء الحادث !

كان عدي يراقب الأيام

الخمسة تلك طبعا بمعية عباس الجنابي وربما آخرين.

أقول لكم في هذا الصباح الدنمركي, أصدقائي :

كنت أعول على الفكرة تماما

لا لشيء أكثر من أني سأنجو في الاختباء من جريمة الهروب من الخدمة العسكرية

والهروب من حراسة البوابات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية. بوابات حراسة

الجهات الأربع أولا والهروب من الجوع ثانيا. ثم إن فكرة السباق كانت تأسرني, أنا

اليافع بجنب صحفيين بارعين .

كنت أدرك تماما أني أمتلك

ناصية ما, ناشط, مزدحم بالأفكار, أقرأ جيدا ًما ينبغي في الحال, أجيد العمل في كل

غرف الجريدة, مصححا,محررا, مصمما أحيانا وأصابعي تدرك لعبة اللغة واستداراتها .

 

آه يا ميرنا. أين اختفيت؟

 

هؤلاء أصدقائي وليسوا شياطين. الاستدارة تجرني إليك, أنتِ استدارة في استدارات .

طيب.. طيب يا نوري أبو

رغيف سأقصّ عليك أسوأ القصص,تماما كقصة اعتقالك في تلك الليلة الباردة عندما سرّبت

لنا من شبك سيارة الانضباط العسكري نسخة ( طريق الشعب ) التي كانت في جيب سترتك

المطرية.

ثم النكتة الكبيرة التي

كانت وراء صفعات ورفسات تلقيناها أنا وإبراهيم حرز مهندس النفط البارع ولاعب

الشطرنج .

في الليلة التي تلت

اعتقالك ثملنا أنا وإبراهيم في بار سرجون حيث لم نقو على إخبار الأصدقاء حتى بنبأ

اعتقالك سوى عادل عبد الله الأوثق والأنضج بينهم جميعا الذي جرب إنقاذ مبيتنا تلك

الليلة بعيدا عن عيونهم. قررنا اللحاق بكَ إلى وحدتكَ العسكرية في كركوك ,

وبخطواتنا الثملة ركبنا من كراج النهضة باص كركوك التي وصلناها متأخرين ونمنا

ليلتنا في أحد فنادقها, حتى الصباح الذي بحثنا فيه كل سجون ومعسكرات كركوك الممكنة

ولم نجدك, كان فشلنا يعني أنهم أخذوك إلى سجن ما من تلك السجون غير الممكنة

الوصول. لم نكن لنفعل شيئا ننجيك لكنها كيمياء السكر فقط .وما إن أطل ّالمساء

ثانية, اخترنا بارا بقرب كراج باصات بغداد قلنا نتم ّخيبتنا في العثور عليك ونعود

.

ولكن ما قصة الرفسات

والركلات ....؟ قال نوري وكأنه يفقد الصبر .

في الكراج كان هناك سائق

كردي ينادي بخلو مقعدين في سيارته التي بخمسة ركاب إلى بغداد.أحدهم حجزا المقعد

الذي بجانب النافذة بكتاب تلفّه جريدة وذهب لشراء شئ ما .

إبراهيم ثملا قال: رواية

من هذه؟ ثم بغضب ما تناول الكتاب من يده صاحبه وتمتم مع نفسه,جلسنا في المقعدين

الخلفيين بجنب الرجل.التهمت السيارة بعدها مطر ذلك الليل والشوارع العائدة إلى

بغداد, دفعنا الأجرة بعد قليل وما أن تسلل النعاس إلى أجسادنا نحن الستة, يافعان

بجنب السائق الكردي والرجل صاحب الكتاب حتى قال السائق :

وصلنا سيطرة كركوك

اٍصحوا رجاء ً.

صحونا وتقدم اثنان من

السيارة, أحدهم بزي عسكري والآخر بملابس

مدنية وبحركة آلية نزل صاحب الكتاب, وهذا لم يكن معتادا, اقتاد الذي بملابسه

المدنية بعيدا عن السيارة وتـحدثا بصوت لا نسمـعه ثم عـادا مسرعين, كلّما السائق

وأغـلقا الأبواب بعنف وارتفعت أصواتهم .

- ما الأمر ؟ سألنا السائق جميعا ,

- لا أدري لكنهم طلبوا

مني أن اتبعهم .

إبراهيم بهدوئه فتح كيس

النايلون واخرج قنينة العرق وبلل كتابين أو ثلاثة وقصائد..

قال السائق بلكنته

الكردية :يا جماعة, كفى شربا لا نعلم ما

المشكلة, يرحم والديكم .لم يكن الطريق طويلا قبل أن تطل علينا مجموعات حراس أوقفوا

وتحدثوا مع راكبي السيارة التي نتبعها ثم وصلنا بوابة مفتوحة على حديقة تتقدم مبنى

بطابق واحد شديد الإنارة وبسرعة متناهية جاء الرجل صاحب الكتاب أشار اٍلي ّوالى

إبراهيم .

يا نوري لم نعرف ما الأمر

كل الذي نعرفه أننا اقتدنا للمبنى المضيء عند الحديقة وخلفنا رفسات وصفعات وأمامنا

ركلات.

كنت يافعا, كما تعلم,

وكان إبراهيم ثملا ومتعبا. أجلسونا على الأرض, قبالة الحديقة والتفوا حولنا وبين

حين وآخر يرفسنا أحدهم.كانت عيون إبراهيم تنث ّ ابتسامتها المعهودة ووجهه ضجر من

كل الذي يجري .

انتظرنا ساعة تقريبا فوق

برد الأرضية وتحت سيل الرفسات ,كلما سنحت لهم أقدامهم, قبل أن ينادي أحدهم:

أدخلوهم عند السيد المعاون.

أها نحن في دائرة أمن كركوك إذاً. لكن هل من

المعقول أنهم عرفوا أننا أصدقاء نوري عيسى؟! هكذا كان اسمك سابقا قبل سجنك الأخير.

انهالت علينا أكفهم و أرجلهم

أكثر كلما اقتربنا من بوابة السيد المعاون هذا .

أوقفونا وسط الغرفة.

رأينا صاحب الكتاب منتش ٍ على كرسي بقرب سيده المعاون والراكبين والسائق على كراس

بعيدة .

قال المعاون:أنت مهندس

نفط كبير كما يبدو وأنت طالب لماذا فعلتما هذا ؟

- لكن ما الذي فعلنا ؟

قال إبراهيم الذي يبدو أنه صحا من سكرته لكنه ظل ّ يمثل دور السكران قبل أن يصفعه أحدهم,

- لا .. اتركه.

- طيب لماذا سخرتما من

الكتاب,ألا تعرفان أنه (في سبيل البعث) للقائد المؤسس ميشيل عفلق ..؟؟

- أولا لم نعرف أنه( في

سبيل البعث ) ثم أننا لم نسخر من الكتاب وكل الذي قلته لمن هذه الرواية وكان الكتاب مغطى بالجريدة .

انتفض صاحب الكتاب :

- لا سيدي ضحكا حين

قالاها وسخرا بكلمات مثقفين أظن انهم شيوعيين, انهما كاذبان, سيدي .

قلت: اسألوا هذين

الراكبين والسائق هل قلنا شيئا من هذا القبيل ؟

أومأوا الي ّتطمينا ً،

فقال السائق الكردي بشجاعة نادرة في مثل هذه المواقف هناك :

- فعلا سيدي لم يقولا

أكثر من هذا .

هنا دخل أحدهم بعد أن طرق

الباب مسرعا إلى المعاون وقال له :نعم سيدي فتشنا أغراضهم .

ثم انحنى وهمس بأذن

المعاون شيئا ما ووقف بعدها بجانبه الذي قال :

- هل كيس النايلون لكما؟

- نعم .. أجبته وقلبي

يعصرني:

- ما هذا قنينة عرق

وأوراق شعر بايخ وكرزات مزّه ها ؟ والمهم

يا حضرة المفوض التافه واستدار باتجاه صاحب الكتاب ,الأهم كتاب عن الأدب والثورة

وأنت تتهمهما بأنهما سخرا من كتاب( في سبيل البعث ) ؟

يا رجل احترم عملك تتهم

الناس لمجرد أنك تكره السكارى ثم إن الشهود يقولون عكس ذلك حاول صاحب الكتاب

التوضيح لكن سيده المعاون صرخ بوجهه بينما أعاد لنا هوياتنا التي أخذوها منا عندما

أنزلونا من السيارة :

- إخرس واسمع جيدا

تعودون إلى سيارتكم بلا كلمة واحدة خاصة منك أنت وإلا أسجنك.. اترك الرجلين

وحالهما.

عدنا يا نوري

ليلتها ونحن نكتم ضحكة واسعة في سرنا, حتى رأينا سيارات الإسعاف والشرطة تملأ

الشارع الذي يعبر مدينة طوزخرماتو باتجاه بغداد حيث انزلقت باص ممتلئة بالجنود

العائدين إلى بغداد من وحداتهم والركاب وتناثر الجرحى على طين وإسفلت الطريق تحت

مطر كثيف .

طلبوا منا المساعدة

فحملنا مصابين فوق سيقاننا في المقعد الخلفي. وفي الزحمة بحثنا عن صاحب الكتاب

ومفوض الأمن الذي اختفى في زحمة عربات الشرطة متناسيا كتابه الفذّ ولم نجده, كل

الذي فعلناه حينها ألقينا الكتاب في الوحل بسرعة واتجهنا لباب المستشفى لنقل

المصابين .

في المستشفى جلسنا لنرتاح

قليلا على مصطبة انتظار المراجعين والمرضى. نظر إبراهيم إلى كيس النايلون امتص

قنينة العرق وضحك بهستيرية وصوت عال لا يليق بمستشفى.

كان كتاب تروتسكي ( الأدب

والثورة ) هو من أنقذنا لم ينتبهوا إلى

اسم المؤلف وربما انتبهوا لكنهم لا يعرفون من هو تروتسكي هذا وظنوا أنه كتاب يتحدث

عن ثورتهم والأدب..!!!!!

أين هو إبراهيم حرز الآن

 

يا نوري؟ ما الذي حل ّبه؟ أكلته السنوات والحرب أيضا كما أظن ..؟؟

لنعد لأيام الجريدة

السبعة،

فهذا احتفال أن أقول لكم

ما ينبغي أن يقال , صباح مزدحم بأصدقائي وخال من ميرنا. ‍‍‍

أصدقائي الذين تسقط

الطرقات والحدود لتزدهر بهم حديقة منزلي وميرنا التي ذابت في شراشف الفراش .

المحررون الخمسة بذلوا كل

جهدهم في الأسبوع ذاك, على أمل الحصول على رضا عدي بل عملوا وكأنهم قبائل صحفيين

من أجل ذلك, كلهم, وأنا منهم .كان عباس الجنابي المفتاح لكل الأمر, في أحد مساءات

الأسبوع التالي جاء وأبلغني أن عدي قرر الأتي :

أنا لإدارة تحرير الجريدة

وسلام دوحي لإدارة إذاعة الشباب وعلاء مكي للتلفزيون بينما يتولى عباس نفسه مهمة الإشراف على العمل

والمجموعة كلها .

وابتدأت يا أصدقائي حلقة

اللهاث المرّ, التخفي من السلطان بجبة السلطان, الهروب من الجحيم بالتشمس.كان لابد

ّ لي من أن أتحصّن لكني كما تعرفونني لا أجيد التحصّن.

أدرت مفاتيح العمل

بالجريدة باتجاهي, لم يكن سوى عبد الزهرة زكي من أثق به, ومحمد النصار وكاظم

النصار وبعض مصممي الجريدة , لم تمض ليلتان حتى مرَّ بي عباس إلى الجريدة وقال اجلب أوراق عدد اليوم

معك عدي يريد أن يراك في (العابد).

العابد هذا , يا نوري ,

قصره ..

أنا الهارب من أي شرطي أو

انضباط صغير أدخل العابد هذا بكل سهولة.بدأ عباس يشرح لي عن القصور وهي تتوالى

هناك في تلك الظلمة المخيفة.هذا قصر قصي وذاك منزل حسين كامل وصدام كامل وأرشد

ياسين و .. و.. و..وكلّ العائلة المالكة تلك.

رعب أليس كذلك ؟

كانت زيارة العابد الأولى

مساء , لم أتمكن من رؤية قصر سعدي يوسف بينها.

- قصر سعدي يوسف....؟؟!!!

انتفض الحفل خاصة

المندهشين عبد العظيم و إبراهيم .

- كيف؟ ما الذي أتى

بسعدي يوسف وقصره وسط هذه القصور ؟

ستار موزان أظنه كان سينهض وبحركة راوي مسرحي

سيقول:يا سادة يا كرام في هذا الحفل الافتراضي العجيب وتحت هذه السماء الدانمركية

الشقيقة والأليفة حدث ذات مرة هناك أننا كنا نختفي من أعين رجال الأمن ليس

كمناضلين كبار بالطبع، لكن لأن رجال الأمن كانوا عميان ولا يفرقون بين الصعاليك

أمثالنا وبين الشيوعيين بالمعنى التنظيمي الحقيقي وربما لأننا أحيانا نكتب وننشر

خرافاتنا في ( طريق الشعب ). وتحرك

ببهلوانية أغضبت عبد العظيم وإبراهيم الجادين في معرفة سرّ قصر سعدي يوسف

الذي بجنب قصر صدام حسين وعدي وقصي !!

تداركت تمادي ستار

وإطالته .

- طيب.لا تغضبا سأقص ّعليكم أسوأ القصص, ولكن

أصدقها .

كنّا كما كنتم هاربين

إبان حرب إبادة الشيوعيين بعيد ما يسمى أنذاك الجبهة الوطنية وكان أبو رغيف الماثل

أمامكم يعمل( أسطه ) معلِم, حسب تعبير اخوتنا المصريين, في السقوف الثانوية

للمنازل والأبنية .. تلك السقوف من البلاستيك والستايربور والفلين وكان عملا رائجا

أيامها وكان عمله وعملنا معه كفيلا ً أن يوفر لنا قوت أيامنا خاصة وأننا نضطر

أحيانا للانتقال إلى مدن أخرى للتخفي. كل ّمساء يذهب إلى مكتب بقرب ساحة التحرير

اسمه البحراني كما أعتقد يتفق معه على مكان العمل ونذهب نحن العمال غير الحرفيين

خلف نوري أبو رغيف الذي كان مقاولا ثانيا فاشلا وشاعرا ناجحا واشتراكيا محضا عفويا

كل ما ننجزه يأخذ أجرته من البحراني مساء لننفقه في حانة ومطعم وفندق وفي صباح

اليوم التالي عادة لم نكن نمتلك جميعا ثمن إفطارنا أو حتى الشاي الصباحي. كما حدث

عندما كنا نعمل في سقف مستشفى الكاظمية نوري وأنا وعبد الحسن الشذر وحيدر الكعبي

حين تناولنا افطارنا مع المرضى في وقت كنا أتلفنا مبلغا كبيرا الليلة التي فاتت في

البار !

تململ الحفل ثانية.رائـحة

الشواء تشي أن عبد العظـيم وإبراهيم لم يعودا يطيقان علكـنا للتفاصـيل . المهم أن

يعرفا سر قصر سعدي يوسف .أتم ّ أنا حديثي.

- وذات صباح ماطر توجهنا

نحن العمال البسطاء بصحبة معلمنا الأسطه نوري إلى المقاول البحراني الذي أقلنا

بسيارة لنقل العمال إلى مكان مليء بالحرس ونقاط التفتيش .كان الطريق المقابل للقصر

الجمهوري عبارة عن ثكنات عسكرية مدججة بالسلاح .

أنزلنا أغراض وعدّة العمل

وكيس نايلون الأمس, ومظلة واحدة رمادية . قال المقاول لنوري:تعمل في الطابق الأرضي

من القصر وتبدأ من المطبخ والحمام أريد أن تنجزوا عملكم جيدا فالمتر بدينار ونصف

وأنت تعرف أن هذا سعرا ممتازا لعملكم .. ورحل .

نحن الهاربون الصعاليك

نعمل في قصر يشيده صدام له أو لعائلته. لا ندري, قصر واسع وفاره يطل على دجلة

.مئات العمال , نجارون , بناءون ,عمال زجاج, أبواب, ديكورات, كهربائيون يعج بهم المكان بينما يحيط الحرس بكل هذا الهرج

.من يدري كم هاربا ً من الجيش كان يبني قصر من يسمي نفسه قائد الجيش هذا.

وبدأنا العمل أصررنا على

إنجازه بسرعة لنحصل على أجرنا ونتخلص من هذه المهمة العسيرة.

كنا نتحدث عن الشعر وسعدي يوسف في الطابق الأرضي

أثناء عملنا حين استشاط نوري غضبا من أخطاء عبد الحسن وأخطائي في حفظ نصوص سعدي

الأخيرة فهو المتخصص بيننا نحن المتخصصين بسعدي آنذاك وبينما هو معلق على السلم

الخشبي يصف قطع السقف التي تخفي أنابيب التدفئة فضية اللون قفز نازلا نحو كيس

النايلون وكانت المظلة الرمادية بداخله وديوان سعدي يوسف ( تحت جدارية فائق حسن)

وبلهجة الغاضب بدأ يقرأ :

تطير الحمامات في ساحة الطيران

البنادق تتبعها

وتطير الحمامات تسقط دافئة

فوق أذرع من جلسوا في الرصيف يبيعون أذرعهم

............................

............................

يقرأ ويعلق ويسخر منّا

أنا والشذر ونحن نجادله وهو يصف قطع السقف الصغيرة الواحدة تلو الأخرى وهكذا مضى

يومنا بسلام عندما خرجنا بعد أن فتشنا الجنود على بوابة القصر. هل سرقنا قطعة

تذكار من هذا القصر الموحش؟

بالعكس كنا تذكرنا ونحن

قبالة البوابة الرئيسية أننا نسينا كيس النايلون وفيه ديوان ( تحت جدارية فائق حسن

) والمظلة فوق سقف إحدى صالات القصر!

أيمكن يوما ما أن يسقط

سعدي يوسف فوق رأس صدام حسين..؟؟

قال عبد الحسن الشذر هذا

وظل يضحك بعينيه الصغيرتين وشعره الطويل ونحن نخب من ساحة الطيران إلى مطعم .

كان نوري اٍله تلك

الفترة, قبطانها طلبنا منه أن يعتذر للبحراني المقاول عن العمل هناك فقال:

- غدا ربما سنعمل بقصر

آخر , ربما الذي على يمين قصر سعدي يوسف.

كانت أياما معدودة

تلك التي أنجزنا فيها سقفا لصدام حسين على أمل أن يتعلم يوما ما الشعر من سعدي

يوسف ..!!!!!

اخر تحديث الخميس, 08 فبراير/شباط 2018 08:58