محمد علي فرحات : سعدي يوسف طباعة

الخميس 9/1/2014: سعدي يوسف
احتفل سعدي يوسف قبل أيام بميلاده الثمانين، بحضور أصدقاء في لندن.
كم يصعب التصديق ان الشاعر العراقي الذي يفيض بالحب والغضب «بلغ من العمر عتياً» على ما تقول العرب، فالرجل يفتقد الحكمة اللصيقة بالشيوخ، بل تجده، في السلوك وفي الإبداع، يرفض هذه الحكمة المتراخية التي تعترف بالعالم كما هو وتسلّم بما قدرت الأقدار، في حين ان الشاعر، كما يبدو سعدي، مدعو الى معارضة العالم والاحتفال بجماليته في آن.

هل كان سعدي «عاقلاً» أثناء الاحتفال بميلاده؟ هل كان «حكيماً» في محطة زمنية مؤثرة ويتأملها؟ لم يفش الحاضرون أسرار الاحتفال الحميمي، ولكن، يمكن ان نتخيل الشاعر يصب جام غضبه على أشخاص وأحوال، وفي الوقت نفسه يرسل تنهدات الى أماكن ونساء.
سعدي يوسف في محطة ثمانينه، يلتفت الى ما أنجز: الرسم الانطباعي بالكلمات. السرد الخاطف المضيء والاستدراك الى دخيلة النفس أو الى ذاكرة شاحبة سرعان ما تتوهج. رجل مهنته الشعر وهو يطور أدوات المهنة مستجيباًَ لوجدانه وللتراسل غير المنظور مع قراء يعرفهم أو لا يعرفهم.
يعرف سعدي جيداً أنه عراقي، معرفة حب وفخر وألم، وربما يحس بأنه العراقي الأخير في بلاد أحرقت نفسها قبل أن يحرقها الآخرون، ولا تكفي مياه نهريها لإطفاء الحريق.
يبتعد بحساسية عن «تعالم» عراقيين هاجروا ولم يتغيروا. ويعتمد بلا ادعاء نظرة بسيطة الى الأماكن غير البسيطة، ذلك أن بداهة الإنسان الأكثر حياة هي التي تتفهم البشر الآخرين والأمكنة الغريبة وتصل الى المؤاخاة: أنا الشاعر أنا الإنسان، والباقي تفاصيل.
والشعر هو ما يحقق لسعدي غير المتحقق، العراق، شعر الاحتفال بالوطن الذي له وبأوطان البشر، شعر جسده وأجساد الآخرين، أعني الأخريات. وهنا دافعه الى قصائد جنسية لكنها قصائد بالدرجة الأولى، ومن هنا دافعه أيضاً الى قصائد وطنية حين عزّ ت هذه القصائد عن أهل الحداثة، أهل سعدي يوسف.
كتب بصدق، وترجم قصائد لشعراء أحبّ إنجازاتهم، وكما كتب صادقاً، مارس العدوانية والحنان بصدق أيضاً، هو العراقي الأخير وجد نجاته في الشعر، لأن محبة العراق المستحيل كانت ستؤدي به الى الجنون.
من سعدي هذان المقطعان من «رباعية»:
«سعدي المتوحد والسيف
لا يعرف أن يجلس في بهو سياسيين.
كم حاولت، طويلاً، أن أدخل في البهو المفتوح! لقد أمضيت العمر بهذي اللعبة. يغريني المشهد عن بعدٍ: أبواقٌ، وسماسرةٌ، وحقائب. أحياناً تأتي امرأة بالويسكي في أكواب الشاي. وقد يمسك قرد بمكبر صوتٍ. يصاعد في الليل رصاص أعمى. حجزت كل مقاعد هذا البهو، وعند الباب اصطف المنتظرون. لماذا؟ هل تسألني؟ أنا لا أعرف كوعي من بوعي. أنا لا أعرف حتى سترة من يسألني.
سعدي المتوحد والمرآة
يحاول ان يتصور ما هو أبعد منها.
انت رأيت... فماذا بعد؟ الأشجار وفوضى الشارع والمرأة والطير جميعاً في المرآة. ووجهك أيضاً في المرآة. إذاً، ماذا بعد؟ ألم تسأم هذا؟
لكنك لن تغلق نافذة المرأى طبعاً... أولم تتفكر في ما خلق المرء. إذاً فلتبرأ من هذا الصلصال طيوراً! انك لم تأت لكي تتملى المرآة، ولم تأت لكي تكسرها. هل أتعبك الدرب؟ وهل خذلتك خُطاك؟ انظر تحت غطائك، وانتظر الصبوات».

اخر تحديث الأربعاء, 15 يناير/كانون ثان 2014 20:54